كوسلا ابشن
الحوار المتمدن-العدد: 7940 - 2024 / 4 / 7 - 22:47
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
تتحفنا قنوات الإعلام الممسوخة برائحة البترودولار, و معها بعض الكتابات العرقية للمتعصبين لخير أمة في التمييز العنصري و الإستبداد و التخلف, لتذكير القطيع بالفردوس الأندلسي المفقود أو لتذكيرهم بما يسمى ب"الحروب الصليبية", و إستنكار الحدثين, و كأنهما جريمتين في حق الإنسانية. الصليب هو ركن أساسي من الإيمان المسيحي, رمزيته في حرب ما سمي ب"الحروب الصليبية", دالة على حرب أبناء يسوع ضد المسلمين الغزاة, لإسترجاع الأماكن المقدسة للمسيحيين و تحريرها من قبضة الإحتلال الإسلامي بقناع عربي.
الحرب الإستردادية في الأندلس, كانت حرب تحررية ضد الإستعمار الموري الإسلامي, من أجل إسترداد و تحرير بلاد الهيسبانيين, فما داعي لبكاء العرقيون على ما هو غير ملك لهم. أنهزام الموريون ( أمازيغ مورك) في حروب الإستردادية مشروعة في أحقية الهيسبانيين في تحرير لبلادهم, شبه الجزيرة الإبيرية. لقد شكل التحرير منعطف في تاريخ الهيسبانيين, أولا: طرد المورسكيين ( كلمة مورسكي, هي تصغير لكلمة موري, وهو شعب مورطانيا التاريخية, الأرض التي سماها العرب بمغرب الشمس "المغرب", إتخذت كلمة مورسكي صيغة التحقير للموريين), و ثانيا: إنتقال الهيسبان من الحرب الدفاعية التحررية العادلة و الى الحرب الإستعمارية اللاشرعية. بعد طرد الإستعمار الموري الى بلاده شمال افريقيا, و بسبب خوف العرب من الآبادة في بلاد الأمازيغ, نتيجة الحروب التي حصلت بين الأمازيغ و العرب في الأندلس, تم إلتجاء الأقلية العربية أو المستعربة الى مصر و الشام و لم تستقر في شمال افريقيا بلاد الأمازيغ.
التعصب للعرق الحجازي-النجدي المجهول, جعل بعض الشوفينيون العنصريون يهلوسون, يتخيلون الأوهام, فليس من الغرابة أن يقرأ المرء هلوسة الحضارة العربية الأندلسية, أو هلوسة حضارة العالم العربي. فمن يقرأ هذه الهلوسات يتخيل أن الأعراب كانوا بالملايين الكثيرة متوزعين في العالم ينشرون حضارتهم الفضائية. الحقيقة التاريخية أن الأعراب كانوا قبائل قليلة العدد سكنوا الحجاز و النجد (مع قبائل من هويات آثنية متعددة), أرض منعدمة المياه و منعدمة الأراضي الصالحة للزراعية, لم تكن إلا قفاري و صحاري. و الظروف المناخية لعبت دور في قلتهم العددية و فقر ثقافتهم و لغتهم و تخلفهم الإجتماعي و الإقتصادي و في بربريتهم المتوغلفة في نمط حياتهم. هذه الظروف لم تكن مؤهلة لإبداع ثقافة متطورة قابلة لإنتاج حضارة. فقد إنحصرت ثقافتهم المتخلفة في سرمدية الخيمة و النخلة و الناقة و وآد البنات و الغزوات. ما سمي بالحضارة العربية الإسلامية, هي أوهام نسجها العقل الفاشل للحكواتيين و الروائيين العرب. يقول ابن خلدون في المقدمة, الفصل الحادي والعشرون (ص. 404): " أن العرب أبعد الناس عن الصنائع والسبب في ذلك أنهم أعرق في البدو وأبعد عن العمران الحضري وما يدعو إليه من الصنائع وغيرها. والعجم من أهل المشرق وأمم النصرانية عدوة البحر الرومي أقوم الناس عليها لأنهم أعرق في العمران الحضري و حتى إن الإبل التي أعانت العرب على التوحش في القفر والإعراق في البدو مفقودة لديهم بالجملة".
و عن الأندلس و الأمويين, لا يوجد دليل قاطع عن الحضارة العربية في الأندلس و لا عن الحكم الأموي بالأندلس, فالعملة التي سكت في الأندلس لا تدل عن الحكم الأموي, كل ما تشير إليه هو الحكم الإسلامي و إسم الخليفة أو الأمير. و العمارة الأندلسية لا علاقة لها بالخيمة الأعرابية, و بشهادة المؤرخين, أن حاكم قرطبة عندما قرر بناء مدينة الزهراء, إستعان بمهندسين من شمال افريقيا ( أمازيغ) و من قسطنطينة ( بزنطيين) و من بغداد (فارسيين). تشابه العمارة الأندلسية من جهة مع العمارة الرومانية البزنطية, لأن هيسبانيا كانت ضمن حضارة روما, و من جهة أخرى فتشابه العمارة الأندلسية بالعمارة الأمازيغية, لأن المستوطنون الأمازيغ في الأندلس أثروا في المجتمع الأندلسي في كل المجالات بما فيها العمارة, فمثلا عندما أمر يعقوب المنصور الموحدي الأمازيغي ببناء صومعة خيرلدا في إشبيلية صممها المهندسين الأمازيغ على الطراز المعماري للكتبية بموراكش و تشابهت بصمعة حسان بالرباط التي بناها الموحدون. كتابات الآيات القرآنية في تزين جدران المساجد و القصور و المكتوبة بما يعرف باللغة العربية, ليست دليل عن الحكم الأموي و لا على الحكم العربي, و لا على الحضارية العربية. الإيديولوجية الإسلامية التضليلية, روجت لفكرة أن اللغة العربية هي لغة الله و القرآن, و بهذا يجب أن تكون لغة الإسلام و المسلمين, و أتخذت لغة رسمية في البلدان "الإسلامية" الغير العربية و دونت بها حضارة الشعوب "الإسلامية", منذ القرون الوسطى, مثل بلاد الأمازيغ و بلاد الهيسبان و غيرهما. روج الحكواتيون الأعراب أكذوبة مفداها أن كتابة اللغة العربية التي تزين القصور و المساجد و غيرهما و كتبت بها الوثائق و المخطوطات, دلالة عن الحضارية العربية في شتى مناطق العالم, التي وجدت فيها هذه الكتابة, و أستعملت هذه الحكايات, في عصرنا هذا كمراجع أكاديمي للباحثين الأوروبيين من دون سند أركيولوجي صحيح و قاطع. اللغة كيف ما كان مصدرها فهي لا تصنع الحضارة, بل هي آداة تدوين الحضارة. لو سلمنا بهذه المغالطة لكانت الحضارة الأشورية أرامية, لأنها دونت باللغة الأرامية, و كذا الحضارة الفارسية. التخلف الثقافي المادي و الفكري لدى الأعراب لم يؤهلهم الى إنتاج حضارة لا في الشرق و لا في الغرب. يقول بن خلدون في المقدمة, الفصل الخامس و الثلاثون ( ص. 543):" من الغريب الواقع أن حملة العلم في الملة الإسلامية أكثرهم العجم لا من العلوم الشرعية ولا من العلوم العقلية إلا في القليل النادر وإن كان منهم العربي في نسبه فهو أعجمي في لغته ومرباه ومشيخته مع أن الملة عربية وصاحب شريعتها عربي والسبب في ذلك أن الملة في أولها لم يكن فيها علم ولا صناعة لمقتضى أحوال السذاجة والبداوة" و يضيف:" أن الصنائع من منتحل الحضر وأن العرب أبعد الناس عنها فصارت العلوم لذلك حضرية وبعد العرب عنها وعن سوقها. والحضر لذلك العهد هم العجم أو من في معناهم من الموالي وأهل الحواضر الذين هم يومئذ تبع للعجم في الحضارة وأحوالها من الصنائع والحرف لإنهم أقوم على ذلك للحضارة الراسخة فيهم منذ دولة الفرس, فكان صاحب صناعة النحو سيبويه الفارسي من بعده و الزجاج من بعدهما وكلهم عجم في أنسابهم. وإنما ربوا في اللسان العربي فاكتسبوه بالمربى ومخالطة العرب وصيروه قوانين وفنا لمن بعدهم. وكذا حملة الحديث الذين حفظوه على أهل الإسلام أكثرهم عجم وكان علماء أصول الفقه كلهم عجماً كما يعرف وكذا حملة علم الكلام وكذا أكثر المفسرين. ولم يقم بحفظ العلم وتدوييه إلا الأعاجم... إستقر العلم كله صناعة بالعجم و تركتها العرب و إنصرفوا عن انتحالها فلم يحملها إلا المعربون من العجم" (ص 544-545), و يضيف:"عرب لم يعرفوا أمر التعليم والتآليف والتدوين ولا دفعوا إليه ولا دعتهم إليه الحاجة".
بشهادة بن خلدون, الذي عاصر فترة الإحتلال الموري للأندلس, و عصر إنتشار بعض الجماعات الصغيرة الوحشية من قطاع الطرق الهلالية في بلاد الأمازيغ, يأكد وهمية الحضارة العربية عامة و في الأندلس خاصة. منهج المنطق الطبيعي في التاريخ يؤكد أن الجغرافية المكانية تزود الشعوب بالهوية الحضارية, حتى و إن ساهم في هذه الحضارة الأطراف الهامشية أو الأنظمة الإستعمارية. الأمازيغ ساهموا في حضارة البحر الأبيض المتوسط كله. حكم الأمازيغ مصر و ساهموا في مجدها الحضاري, و حكموا روما و ساهموا في مجدها الحضاري و حكموا هيسبانيا (الأندلس) و ساهموا من مجدها الحضاري, و حكموا الشرق الأوسط و ساهموا في حضارته, لكن الأمازيغ لم يصادروا حق هذه الشعوب في ملكية أراضيها, و لم يدعي الأمازيغ أن هذه البلدان أمازيغية الهوية, أو أنها ممزغة.
منذ البروز العلاني للحركة الأمازيغية على الساحة الثقافية و السياسية و الحقوقية, حملت السمات النضالية في عصر القهر العروبي, ففضحت سياسة التعريب و منهجية تزييف التاريخ, و قاومت بالكلمة الحرة سياسة التمييز العنصري و إنتهاكات حقوق الشعب الأمازيغي. لم يقوم خطاب الأمازيغي على تقديس الماضي و لا عن مصادرة التراث الثقافي للآخرين و لا البكاء على فقدان الأندلس, بلاد الهيسبانيين. فالأمازيغ الأحرار يستنكرون إحتلال البلدان و إستعباد الشعوب. ارتبط النضال الأمازيغي المسلح بالدفاع عن بلادهم ضد الإستعمار الأوروبي, و برحيل فرنسا عن البلاد زرعت جرثومة القومية العربية, التي صنعتها في باريس, بمشروعها الإستعماري العرقي, الذي تبناه مؤتمر القومية العربية المنعقد في باريس سنة 1913م. هذا المشروع النازي الذي ترجمته الطغمة الإستعمارية الجديدة, التي إستحوذت على بلاد الأمازيغ بمساعدة الدول الإمبريالية في أواسط القرن العشرين. الكولونيالية العروبية كانت أشد وحشية و تقتيل و عنصرية من الإستعمار السابق, فقد ورثت السمات البربرية لأعراب الحجازية الأوائل. المشروع النازي العروبي تبنى أفكار المؤتمر الصهيوني في بازل في أواخر القرن التاسع عشر, بطموحه الرجوع الى أرض الميعاد, و بأجندته الصفاء العرقي بدين واحد و لغة واحدة. المشترك بين الصهيونية و العروبة هو وحدة المشروع العرقي. لكن الإختلاف ما بين المشتركين في العرقية, أن اليهود آمنوا بالعودة فقط الى أرض إسحاق و جعلها بلاد عرقهم و دينهم. و بخلاف المشروع النازي العروبي الذي تبنى أطروحة (العرق الواحد و الدين الواحد و اللغة الواحدة), و تمديدها بإستعمار أوطان الشعوب التي إنسحبت منها الأمبريالية الأوروبية و سلمت للنازية العروبية في الشرق الأوسط و شمال افريقيا, و تعريب شعوبها, بتحويل هويتها الأصلية الى هوية مزيفة اصطناعية تسمى العروبة. زراعة الجرثومة في أرض طيبة تتعرض بسرعة للموت و الخراب, و هذا ما حصل بالفعل من خراب و تخلف في أوطان الشعوب المحتلة بتمرير الحكم من الإستعمار الأوروبي الى النظام الكولونيالي العروبي المتخلف, و قد صدق بن خلدون عندما قال:" أن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب, والسبب في ذلك أنهم أمة وحشية باستحكام عوائد التوحش وأسبابه فيهم فصار لهم خلقا وجبلة" مقدمة بن خلدون ,الفصل السادس و العشرون ( ص 149).
بروز الخطاب الأمازيغي التحرري و الحقوقي, في موطنه الخاضع للإضطهاد القومي و الإجتماعي الممارس من طرف النازية العروبية الإحتلالية, الخطاب الذي نبع من أعماق الأرض المغتصبة, كان عليه أيعبر عن آلام و معانات الشعب و قهره و إذلاله. البروز الخطاب الأمازيغي الى العلانية و تطور النوعي اللاحق لم يكن مفروش بالورود, بل إصطدم بالعنف المادي و عنف اللامادي من الهرطقات الكتابية النظامية و الزواتية المنضوية تحت ظل العروبة النازية. في أول الآمر حاول النازيون العروبيون إستصغار الحركة و حجمها و دورها و حاولوا تهميشها و عزلها عن محيطها المجتمعي, إلا أن نمو الوعي الأمازيغي خاصة بين صفوف الشباب, و ظهور تنظيمات مدنية حاملة الهم الأمازيغي في كل ربوع بلاد الأمازيغ المغتصب, أدرك النازيون في الشرق و الغرب الى خطورة المشروع التحرري الأمازيعي, و دعى مؤتمر دمشق الى تنسيق الكتلة العروبية و شن حملة إغراء للإنتهازيين البربر للوقوف ضد مشروعية, وكذا إنخراط النازية المشرقية في تشويه النضال الأمازيغي العادل, بربطه الوهمي و بالأكاذيب بالحركة الصهيونية و الإمبريالية الغربية. الأكاذيب لا تعمر كثيرا, العروبة صنيعة الإمبريالية و الصهيونية العالمية, و عملاء الإمبريالية و الصهيونية هم العرب و المستعربين. البشرية دخلت عصر الأنترنيت و الحصول على المعلومة الحقيقة سهلة المنال, لكن خارج المواقع العروبية المفخخة بالكتابات المغلوطة و التضليل الإيديولوجي. لم يعد اليوم يخفى عن إنسان عاقل, و بالشواهد الملموسة, الروابط الموجودة بين العروبة النازية و الصهيونية العالمية و اللقاءات العديدة بين قادة الطرفين في أكثر من مناسبة لتوحيد مواقفهم الجيوسياسية, رغم العداء التاريخي الذي صنعته الإيديوجية الإسلامية منذ إنطلاقتها.
فمن بني بيته بالزجاج, عليه أن لا يقذف بيوت الأخرين بالحجارة.
#كوسلا_ابشن (هاشتاغ)