|
قبلة من وليد حسن الإنسان الفنان الشهيد
صباح محسن جاسم
الحوار المتمدن-العدد: 1754 - 2006 / 12 / 4 - 11:39
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
يسأل كلكامش شبح صديقه انكيدو بعد موته - في اللوح الثاني عشر من الملحمة مستفسرا عن أحوال العالم الأسفل الذي رآه : - وهل رأيت الذي خلّف خمسة أبناء ؟ يجيبه صديقه انكيدو (الشبح): - نعم رأيته وهو كالكاتب الطيب ويده مبسوطة ويُسمح له بدخول القصر. وليد خلف خمسة أبناء وذلك حكمه فكيف إذا كان شهيدا؟
ربما جاء نبأ اغتيال الفنان وليد حسن جعاز على غير ما يتوقعه أبناء شعبه ومحبيه. فبالقدر الذي قصد النيل منه كان للقناة التي يعمل فيها نصيبها من ذات المحاولات. فـ "الشرقية" لها سابقات مماثلة حملت بُرْدة شهادتها المذيعة لقاء عبد الرزاق عام 2004.. ثم تبعها في درب الشهادة زملاؤها الصحفيون والإعلاميون أحمد وائل البكري وأحمد رشيد والمصور محمد محمود البان.. عام 2006 ولم يكن آخرهم الممثل والمخرج المبدع الشهيد وليد حسن جعاز. المستهدف إذن في شخص وليد هو الكادر المثقف المتميز. مثل ما لم تسلم منه كوادر أخرى لحركات وطنية تقدمية ولبرالية ومستقلة بأحزابها وتياراتها كونها تدافع عن هموم وطموحات الشعب العراقي في الحرية والسلام والاستقرار. أما ما وراء ذلك الاختيار فله أسبابه المعلنة والمخفية. المنفذون ينحدرون من ذات بؤرة الطائفية المعتاشة على المحسوبية والمنسوبية المتربعة على (خانة) الأنانية والحقد التي كان يطرق على رأسها الصدئ في برنامجه الجماهيري المتميز- كاريكاتير-. ومن سواهم ؟ لم تسلم البنى الثقافية والسياسية والإعلامية والفنية كذلك العلمية بما فيها الطبية والاقتصادية والتربوية والإتصالاتية من عمليات الفتك والتصفيات التي لم نعرف مثل بشاعتها قبلا عدا ما كان يحصل زمن التعتيم الإعلامي في ظل النظام المقبور وما يحصل من انتهاكات لحقوق الإنسان من خلف الكواليس بما مارسته سراديب العفونة وما تمارسه اليوم حثالة القتلة المنحرفين العابثين بأمن العراق من المخططات المدعومة وفنون التعذيب وتذويب أجساد السجناء بحمامات حامض النتريك وتفجيرهم بأعواد الديناميت في الحفر وتصوير تغييبهم ألقسري بحجة الخيانة وما أسهل التلفيقات في ذلك العهد الأبلق – ولما لم يجدوا في مثل تلك الأعمال الإجرامية البشعة من شاف لغليل ما تعودوه وأدمنوا عليه وأفاقوا إلى ما ينتظرهم من مصير يدفع بهم إلى مزبلة التأريخ ، راحوا يُغالون في فنون القتل والتمثيل من تقطيع الأشلاء وقطع الرؤوس وإيداعها في صناديق الموز كما مثـّلوا بجثث الأبرياء بعد أن شقوا بطونهم وقايضوا أكبادها بحجر وأشاعوا لعصابات القتل والغدر والحواسم من اللصوص المجرمين أن تعبث بالدماء الزكية من رافديّ العراقيين كيفما تشاء، وتهجّر العوائل بالجملة بغاية إشاعة الرعب والصدمات المهولة والاستمرار في مسلسل الاغتيالات بمحمومة مفادها إفشال أي توجه جديد يعيد للعراق عافيته بعد كل سنوات النار والرماد زمن الدكتاتورية البغيظة الغبية- المتذاكية. مثل هكذا توجهات هزيلة لا تترك مكانا للاندهاش والتساؤل سرعان ما ينكشف استقتالها على محاصصات منافسة ذات مغزى سياسي بلبوس طائفي تحزبي انتقامي بائس يعتمد أنانية ( العض على الفريسة) لالتهام الحصة الأكبر من الجسد العراقي بعد التمكن أولا من تكميم أفواه قواه الواعية الخيّرة. هل نحن بحاجة للكشف عن الإهمال وعدم الاكتراث في تأمين حماية حقيقية للعلماء والمثقفين والصحفيين والأدباء والفنانين أو حتى التنسيق مع مراكزهم المهنية لتبيان مدى الحاجة وتقديم التسهيلات الأمنية التي تحافظ على حياتهم تأسيسا لتواصلهم .. أم أن البناء الثقافي الإعلامي قد بات ترفا يمكن الاستغناء عنه بصراخ وعويل غير مفقه عنه ؟ ليت بعض من يعنيهم أمر مثل هذه المسؤولية أن يبتعدوا عن إبداء التصريحات والبيانات الصحافية الجاهزة والخاوية من أية مصداقية وان يتدارسوا مستلزمات حق المواطن بالحماية والأمان فلسنا في غابة. السؤال: هل جاءت مصادفة عمليات تزامنت واغتيال الدكتور احمد حامد الطائي رئيس قسم الطب البشري في الموصل وكل من الأساتذة علي الجرار وفليح الغرباوي في بابل كذلك قصف وزارة الصحة بالهاونات ؟ أما تلاحظون عمق المخطط وبشاعته وان هذه العمليات غير معزولة عن بعضها وهناك من يخطط لها لأنه استسهل وجود هكذا إمعات موتورة تكنس له طريق الرذيلة والكذب على الناس وليس الأمر مجرد ردود فعل ؟ ببساطة هذا كل ما في الأمر. الحثالات العابثة بسبب قلقها من أن يسترد الشعب أنفاسه ، يستكثرون عليه فسحة ً من بهجة صوَرية. وما حصل لقناة الشرقية حصل أيضا لقنوات فضائية أخرى ودور صحافة وإعلام فلن يغب عن بالنا من غيّبوا من زنابق الصحافة العراقية وأدباء وفناني الشعب العراقي وهل غابت أيضا عمليات خطف أهليهم وأبنائهم دونما رجعة ؟ إن الضعف في استيعاب معطيات الواقع اليومي المعاش وهزالة وعي استشرافات المستقبل وفجاجة التجربة والأنانية المفرطة والجشع في الغنيمة والمنصب قد ساهم بشكل قاتل وخطير في تراكم الشرور بحيث غدا العراق بشعبه الطيب المضياف المعذب والناهض توا صريع اكبر ساحة للإقتتال عرفها الشرق الأوسط وصار من تبنى تنفيذ مشروع غزو العراق ُيتخذ لإرباك الوضع العراقي وتأجيج كل الصراعات بوساطة محاربين قصد تقزيمهم بغية استقطاب أكبر عدد من خلايا الإرهاب النائمة المحتضنة من دول الجوار لتكون معبرا لمطايا الجهل يتسللون لتنفيذ أعمال القتل والتخريب وحسب الطلب على محمل من خلفية الأحترابات الطائفية واستحداث المليشيات والمليشيات الضد التي هيئت وسهلت أمر دخولها بسبب من تردد الحكومة في حسم الكثير من الأمور وعلى رأسها جوع الجماهير الكادحة التي فرّخت لنا ميليشيات من كل حدب وصوب ما أسرع ما هللت لها (حواسم) أجندات ما توفر من دهاقنة بعض دول الجوار المرتبطة والعميلة لجهات أجنبية أكبر حتى بتنا بيت كل مشاريع التصفيات الدولية فما أغربه هذا من أولمبياد ؟ واني لأستغرب حقا أما آن لرجال السياسة المعنيين أن يعيدوا البناء السياسي من جديد بعد ما حل الخراب بكل شيء؟
حين التقيته لم أكن أعرف اسمه وليد تماما ومن أي محافظة هو أو إلى أي دين ينتمي وحتى حين غادرني، كنت أعرفه فقط من وجهه المبتسم .. تلك هي هويته - ذلك ذكـّرني بلقائي العابر بالفنان (حمودي الحارثي) في عمان الأردن عند منطقة شميساني نهاية القرن الماضي ، وكيف توقف وهو يؤشر بإصبع يده الممتدة بطولها وبحركة تمثيلية راح يردد : عراقي ! والله أنت عراقي. كانت حقا مباغتة لي ولما استفسرت استعلمه أجابني : الابتسامة التي يفيض بها الوجه ، هوية كل العراقيين الطيبين !
لكني لن أنس الأمانة التي أودعها لدي الغائب الحاضر وليد وهو يميل بجسمه الطويل عند مدخل باب الشرقية في اليرموك .. كان يرتدي قميصا بلون السماء ، يهمسني وهو يمسك احد أعداد جريدة " عروس الفرات" تناولها متصفحا بفرح طفولي وقبل أن يودعني ممتنا سبقت كلماته قبلته الوداعين : " آه للأصدقاء والصحب القدامى !.. كان لي مع أهلها وفراتها ذكريات لا تنسى.. بوسة إلى أهالي المسيب .. " اختفى خارجا من عش الشرقية وكان مستعجلا بعد أن ودعته وأنا في طريق عودتي إلى بلاد الغربة.. طار محلقا .. كطائر الفينق .. يحترق ليعود مع الفجر بكركرته الطفولية المعهودة ما أن تشرق الشمس.. معه كل دعاء زميلاته وزملائه وآخرين من شهداء درب الحرية ملوّحا لصغيراته الأربع وابنه الوحيد وزوجته الشجاعة وأخواتها، فالعراق قد طبع على وجوههم الودودة ، قبلة البهجة والفرح .. هم معنا بتوحد جهودنا وتكاتفنا بعيدا عن كل ما يفرقنا من أنانية مغرقة والتغافل عن أطماع خارجية تبدأ مع أول فرسخ خارج الحدود.. فحذار الفرقة والتشتت .. حذار أن يزعلون منّا .. ولا يعاودوننا ، شهداؤنا ... بمن إذّاك سنغيّر الدنيا ؟
#صباح_محسن_جاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جوْزتُنا تَنضو ثيابها
-
كفاح حبيب .. نتونس بيك وانت معانا
-
عصفور المشهداني ، ديك بريمر وقندرة شارلي شابلن
-
عصفور المشهداني ، ديك برايمر وحذاء شارلي شابلن
-
تنوع- لبابلو نيرودا
-
ما يشبه الضحك .. ما يشبه البكاء
-
النهرُ سمكة
-
تلك الزهرةُ البريّة
-
بيضتا هرّ - قصة قصيرة -
-
مما وراء السوريالية
-
مواساة لشجرة البمبر
-
عذابات يحيى
-
الفعل .. بستان
-
أكنيتا فالك .. الحبّ وضده
-
أكنيتا فالك : الحبّ وضدّه
-
سهراب : الحبّ ُ كلّ شيء
-
أطوارُ .. كعادتها تضحكُ
-
!أسطورة الوحدة الوطنية
-
!أيُّ مفسَى للتهكم يمكنه أن ينقذ العراق
-
!السيد قوجَمان و أسطورة الوحدة الوطنية
المزيد.....
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|