إلزا ساسين
الحوار المتمدن-العدد: 7925 - 2024 / 3 / 23 - 02:53
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يشعرون بالخزي و الحرج الشديد مما تحتويه نصوص تراثهم الديني المقدسة ، من صور ازدراء النساء ، و الحط من قيمة المرأة . و يخجلهم من تلك النصوص (المكدسة) ما تسوقه من الكلام المهين و المسيء لإنسانية الإنسان الأنثى ؛ فيصيبهم الذعر جراء سقوط الأقنعة المستعارة عن الوجه القبيح لقيم شريعتهم البدوية الذكورية المتخلفة ، فيلتمسون التلبيس والتدليس للخروج من المأزق .
و حتى لا يتمزق نسيج خيوط العنكبوت ، و تقع الخيمة فوق رؤوسهم ، فهم يعمدن إلى الترقيع ، بتقديم تفاسير مزيفة لنصوص تراثهم ، فيفترون الكذب على المنشئ ، و يقوّلونه من الكلام ما لم يقله عن المرأة ؛ سواء من حيث حقوقها كإنسان ، أم من حيث دونيتها كأنثى ، و تبعيتها للرجل ، و هامشية وضعها الاجتماعي ، و ثانوية دورها في الحياة ، داخل منظومة عقيدتهم البدوية التي تحتقر الأنثى وتشيطن النساء .
و من ذلك ، على سبيل المثال ، تفسيرهم التعسفي لفعل الأمر " و اضربوهن " في آية القوامة (سورة النساء / الآية 34) ، فأحيانا يقولون إن المقصود هو الضرب الخفيف الذي لا يترك آثارا على جسد المرأة (و كأنما الضرب ليس مُهينا بالأساس) ! و أحيانا أخرى يعطون للضرب تفاسير لا علاقة لها بسياق النص ، هروبا إلى دلالات الكلمة في سياقات استعمالات لغوية أخرى ، لا صلة لها مطلقا بالعقاب و التربية و تقويم السلوك ، مما قصده النص (الإلهي) من عقاب المرأة على نشوزها .
يحاجج محمد شحرور بأن الضرب المقصود في آية (القوامة) ، ليس الضرب الفيزيائي كما فهم الفقهاء من الآية ، فخرّجوا المعنى إلى الضرب الخفيف غير المبرح ، أو الضرب بعود السواك ، أو المداعبة (!) . غير أن للضرب معاني أخرى أغفلها الفقهاء (والكلام لا زال لمحمد شحرور) ، كما في قول القائل : ضرَب في الأرض ، وضرَب عنه صفحا .
وفي تلاعبه المزاجي بتفسير معني " و اضربوهن " في (آية النشوز والقوامة) ، ينسى الدكتور شحرور ، أن لكل صيغة من هذه التراكيب اللغوية استعمال خاص لا يستعمل في غير سياقه ، وأن المقصود بالضرب في صيغة الآية وضمن سياقها ، مختلف عن المقصود به في صيغة " ضرَب في الأرض " ، بمعنى السعي فيها طلبا للرزق ، أو في صيغة " ضرَب عنه صفحا " ، بمعنى عدم الاكتراث وتجاهُل الأمر وإغفالُه من الاهتمام ؛ فالضرب في أية (القوامة والنشوز) ، مرتبط المعني تحديدا بقوامة الرجل على زوجته الناشز وتأديبها بحق قوامته عليها ، حتى تعود مرغمةً إلى طاعته .
يقول النص : " الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا " . وفي سبب (النزول) ، قال الحسن البصري : جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، تستعديه على زوجها ، أنه لطمها ، فقال رسول الله صلى الله عيه وسلم : " القصاص " ، فأنزل الله عز وجل : " الرجال قوامون على النساء (الآية) ، فرجعت بغير قصاص .
و النص واضح المعنى بحد ذاته ، و لا يحتاج ذكاء خارقا لفهم المقصود منه ، بما يفيد ضرب الزوجة الناشز ، التي تمتنع ترفُّعاً عن الخضوع التام لزوجها و تلبية رغبته الجنسية ، فالضرب هنا هو عقاب يُنزله الزوج بالزوجة ، لتأديبها و إجبارها على الخضوع التام له ، بحق قوامته عليها .
فالترخيص للزوج بضرب الزوجة في صيغة فعل الأمر " و اضربوهن " ، عطفا على فعل الأمر" فعظوهن " ، المسبوق بحرف الفاء الذي يفيد السببية ، مرتبط بتقرير ولاية الرجال على النساء في أول النص " الرجال قوامون على النساء " ، و ذلك بإطلاق ، فالرجل في بعض التفاسير ، هو كالوالي والسيد لامرأته ، وهي عنده أسيرة وخادمة ، مهما يكن الرجل و مهما تكن المرأة .
و النص مبني على محاكمة النوايا ، فبمجرد أن يتوجس الرجل من احتمال إعراض زوجته عنه ، له أن يباشر بإعادتها للوقوع تحت هيمنته ؛ فيبدأ بوعظها ، مذكّرا أياها بحقه عليها ، و يخوفها من غضب الله وعقابه " و اللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن " . فإنْ لم تتعظ الزوجة وأبت أن تعود إلى طاعة الزوج ؛ فله أن يعاقبها بالإهمال ، فيهجرها في المضجع " و اهجروهن في المضاجع " ، أي أن يوليها ظهره في الفراش و يمتنع عن (وطئها) ، أو أن (يطأها) دون أن يكلمها ، او أن يربطها بالهجار - وهو حبل يربط به البعير - ليقرها على الجماع (!!!) . فإن لم ينفع معها الوعظ أو الهجر ، فله أن يضربها حتى يجبرها على طاعته " وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا " . فضرب الزوجة إذن هو حق شرعي للزوج ، بحق ولايته عليها كرجل ، و بحقه عليها في أن تخضع لطاعته و تنصاع لرغبته كزوج .
و فعل الأمر " اضربوهن " لا يفيد أيَّ معنى آخر سوى إيقاع العقاب البدني . أما ما يقدمه المفسرون الجدد (الكيوت) من تفاسير مقحمة على النص من خارجه ، فما هي سوى محاولات لتزييف الحقيقة التي ينطق بها النص ، يتعمدون فيها التدليس بغرض الترقيع لتجميل الصورة القبيحة و تسويغ الضرب ؛ و ما ذلك إلا عبث ، و ما تلك التفاسير إلا ألعاب بهلوانية ، بقصد التعمية و تزييف الوعي .
على أن المفسرين الجدد (الكيوت) ، يُغفلون - أو هم يتغافلون عن - طرح التساؤلات : لماذا الرجل هو الذي يعظ ؟ هل الرجل دائما على حق ؟ و لماذا هو الذي يهجر أو هو الذي يضرب ؟ لماذا ليس العكس ؟ . و طبعا السؤال محرج و الجواب أشد إحراجا .
ثم إنّ المفسرين الجدد (الكيوت) لا ينتبهون إلى أن قيامهم بإقحام أي معنى على النص من خارج سياقه المنطقي و بمعزل عن سببه التأريخي (أسباب النزول) ، هو بمثابة طعن في قدرة المنشئ على ضبط المعاني و المفاهيم ، بعجزه عن دقة التعبير وتخبطه العشوائي بوضع الكلمات اعتباطا في غير سياقاتها وخارج مدلولاتها . و بذلك ينطبق عليهم المثل : " أراد أن يطببها فأعماهأ " .
وفي تزويرهم للحقائق و تزييفهم للوعي ، فإن الأخطر من الإسلاميين التقليديين كالشيخ محمد العريفي و الشيخ أبو إسحاق الحويني ، هم الإسلاميون الجدد (الكيوت) أمثال إسلام بحيري و محمد شحرور ؛ فهؤلاء الإسلاميين الجدد يوظفون أدوات معرفية حديثة تبدو برّاقة جميلة الشكل ، لتعشي الأبصار والبصائر ببريقها الجذاب ، فتخفي وراء جمال الشكل قبح المحتوى .
فالإسلاميون الجدد (الكيوت) يتحايلون على النص بما اكتسبوه من معارف حديثة ، فيقدمون له قراءات ملتوية و متعسفة ، ليسوّقوا من خلالها ثقافة زائفة مفخخة بالأوهام ، متعمدين تضليل الشباب الحائرين بين العلم و الخرافة ، بتفاسير بهلوانية للنصوص الدينية (المحرِجة) ، تعطي للكلمات مدلولات لا علاقة لها بالمعاني الحقيقية للنصوص ؛ كما في تفسيرهم لضرب الزوجة . و كل قصدهم - مشبوه الدوافع والتمويل - هو إدامة حالة التخلف الاجتماعي و الضياع في متاهات الأساطير و الغيبيات ، لتظل الجماهير المضطهدة المغبونة بعيدا عن همومها المعيشية ، راضية بدونية أوضاعها الاجتماعية ، مستسلمة للعبودية و الاستغلال و التسلط الطبقي و الجندري .
و الأجيال الجديدة من الشباب ، إناثا و ذكورا ، هي المستهدفة عموما ؛ على أن النساء هن الأشد عرضة لعمليات تزييف الوعي التي يمارسها الإسلاميون الجدد (المودرن) أمثال إسلام بحيري و محمد شحرور ، وسواهما من الشيوخ والشيخات الجدد الكيوت .
#إلزا_ساسين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟