|
ابواب براغ
امل عجيل ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 7924 - 2024 / 3 / 22 - 14:05
المحور:
الادب والفن
تسمى بالمدينة الذهبية وبالمدينة ذات المائة برج ، عاش فيها الجواهري ثلاثون عاما كما انها مدينة فرانز كافكا ، لم تلفتني ابراجها ولاساعتها الشهيرة حيث تخرج التماثيل الصغيرة منها كلما مرت ساعة زمنية فيتجمع السياح لرؤية تلك التماثيل ذات الدلالات المسيحية ، ولا جسر تشارلز ومنحوتاته المبهرة ولاحتى القصور ذات الطراز الباروكي ، والبجعات البيضاء المتشابكة اعناقهاعلى ضفاف النهر، وتلك الطبيعة الفردوسية . مالفت قلبي في براغ هي ابوابها .. ابواب البيوت والفنادق والعمارات والقصور والكنائس ،، ابواب عجيبة ومذهلة ،، بعضها عملاق والاخر صغير متواضع ، ابواب حديدية وخشبية ، صلدة لايظهر ماخلفها واخرى ذات زخارف مفتوحة تكشف ماوراءها ،، اغلب الابواب كانت مزينة بمنحوتات متقنة ورائعة واستوقفتني باب بيضاء لبناية عالية نحت على جانبيها رجلين ضخمين وقد احدودب ظهرهما وارتفعت ايديهما للاعلى وكأنهما يرفعان البناء على اكتافهما ،، وكانت جميعها مغلقة باحكام فلم ار بابا مفتوحا او حتى مواربا .. لااعرف لماذا تذكرت كلمات كانت أمي تكررها دائما (الله يسد باب ويفتح الف باب) رحلت أمي قبل ان اقول لها : لا اريد الالف باب يا أمي ، اريد الباب المغلق الوحيد ،، وكفى ، الالف باب لاتغنيني عنه ابدا . اصبحت المدينة مذهلة تحت المطر وكأنها حلم ، وكنت اريد ان استشعر السعادة حقا وسط تلك الاجواء الخرافية .. ومع ذلك ملأني الأسى وكأن كل المشردين المرتجفين من البرد يرتعدون في قلبي وادركت ان السعادة لاتصنعها الاماكن وانما البشر وانني افتقدها مادمت اشعر بالوحدة والغربة الدائمة حتى وانا معهم. اخذت الامطار تنهمر بغزارة ،، وانا اسير بتؤدة وبطء يثير الاستغراب وسط المجموعات البشرية التي تحث الخطى سريعا ،، كنت ارغب بان اتصرف بطيش ولو لمرة واحدة ، ارهقني جدا باني ولدت كبيرة وعشت مرحلة عمرية واحدة ، لا اتذكر اني تهورت او انقطعت عن التفكير يوما واستمتعت ، دون ان احسب كل شاردة وواردة ، اريد ان اعيش يوما طفوليا تحت امطار براغ في مدينة لايعرفني فيها احد ولا اعرف احد ،، وان اتيه في شوارع ترقص (الفالس) تحت المطر ، وقد اتخذت قرارا بان اوصد ابوابي للابد ( كانوا في حنايا القلب منزلهم ... واليوم هم على باب القلب زوار) سوف اغلق باب القلب بالحجر والاسمنت ، لا اريد زائرا ولانزيلا فزائر سيء واحد ، واحد فقط ، كفيل بان يدمر انسانيتك ويملأك بالرعب من البشر جميعهم كأنك في غابة مليئة بالافاعي والعقارب، فتحصي اصابعك بعد كل تحية وتتفقد نبضاتك بعد اي نظرة او كلمة .. تمنيت ان اجمع ابواب براغ كلها واحدا تلو الاخر في دائرة احتمي بها فان سولت لي نفسي ان افتح بابا لأحد منعته الابواب اللاحقة من الدخول الي ..اريد ان اصبح كائنا مغلقا كدائرة ليس لها زوايا انكسار .. النجاة : في ان اغلق بوابة روحي ،، ان لا استسلم للحظة ضعف قاتلة فامنح الثقة لاي عابر حتى لو كان يرتدي عباءة نبي ،، وعمامة ولي ،، تلك المعركة الابدية حين يقول عقلك : (لا ) ويصرخ قلبك : (نعم )،،احسمها بالرفض ب (لا ) قاطعة جازمة ناهية صلدة لاتقهر.. ( المتكيء على قلبه مخذول والمستند على عقله وحيد) الوحدة اهون كثيرا من الخذلان ، كن وحيدا على الدوام ولاتسمح لمسافر يحترف الخديعة والغياب ان يجعلك محطة استراحة لرغباته وغرائزه المريضة حتى لو كان ابنا او اخا او صديقا يخفي بمهارة فائقة وجهه البشع تحت قناع جميل ... يقول القانون : المتهم بريء حتى تثبت ادانته . وتقول التجارب : الكل متهم حتى تثبت برائته .. لم اعد ارغب باي متهم او حتى بريء يدخل الى القلب فيملأه بالفوضى كطفل مشاغب قصر اهله في تربيته . هناك اناس لايليق ان يكون بينك وبينهم اي منفذ او باب وستدفع عاجلا او آجلا ثمن فتحك الباب لهم ،، ينسلون كما الافاعي ،، يطرقون كثيرا حتى تثق بلطفهم وتمسكهم يظل راكعا امام بابك باصرار دون انقطاع او ملل ،، يزيل ثقل ايامك باهتمامه ويملأ اسماعك بمعسول كلامه ، لاينسى ابدا ان يضع الهمزة فوق (الألف ) في اسمك لانك جميل كما الاسم وهو لايريد ان ينتقص من ذلك الجمال شيئا،، يتمسك بك حتى تظن انه ،، المختلف ،، والمتفرد ،، وفي لحظة ضعف والضعف تؤام الحب ،، تفتح بابك .. في تلك اللحظة تتحول من المستحيل الى الممكن ،، تصبح عاديا لاتستحق الجهد كطائر ثمين وقع في شبكة صياد أفاق متلاعب (يعرف ثمن كل شيء لكنه لايعرف قيمة اي شيء) حينها تصيبك خيبة لاتفارقك واحساس بالقرف من الحياة باكملها حتى وجهها الجميل كالنهر والورد والشعر والموسيقى ، يظل الالم مستيقظا فيك حتى وانت نائم ،، تتقوقع وتضمحل وتحتضر في عذاب ابدي سرمدي وكأنك في الجحيم و( ارشكيجال ) تجلس متربعة على عرشها الناري تستمتع بمشاهدة عبيدها وهم ينزلون بك شتى صنوف العذاب . النجاة : ان تظل وحيدا كما جئت اول مرة .( فالجحيم هم الآخرون ) كما أعلن جارسين في نهاية المسرحية : كل ماقيل لنا عن غرف التعذيب والنار والكبريت والتربة المحترقة هذا كلام غير دقيق !جهنم هي الآخرين . الآخرين الذين تظن بسذاجة وطيبة انهم مسيحك المخلص ، وحقيقتهم : يهوذا . احمل صليبك على ظهرك وسر طويلا وحدك بخيبة أملك وألمك ، واعرج الى الباب المؤتمن الوحيد الذي لايغلق ولايخون .
#امل_عجيل_ابراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لقاء الارواح
-
خوارزمية الجسور
-
هلوسات الوحدة والمرض في موسكو 2
-
دعوة
-
نافذة
-
انهيار
-
ازدواجية
-
خواطر شخصية في ذكرى عالمية 2
-
خواطر شخصية في ذكرى عالمية (سلاما ً للكادحين)
-
حقائق بطعم القرنفل
-
اصنام
-
في عيد المرأه ...سلاماً لرجل احترم المرأه ...سلاماً لأبي
-
اقدار..ام ..قرار؟
-
في عيد الحب ساسمع ساجدة عبيد
-
حديث عن الحب وسورة يوسف وماري كوري
-
لماذا تكتب المراءه ؟هلوسات الوحدة والمرض في موسكو
-
علاقات
-
اجنحة الملائكة
المزيد.....
-
توم يورك يغادر المسرح بعد مشادة مع متظاهر مؤيد للفلسطينيين ف
...
-
كيف شكلت الأعمال الروائية رؤية خامنئي للديمقراطية الأميركية؟
...
-
شوف كل حصري.. تردد قناة روتانا سينما 2024 على القمر الصناعي
...
-
رغم حزنه لوفاة شقيقه.. حسين فهمي يواصل التحضيرات للقاهرة الس
...
-
أفلام ومسلسلات من اللي بتحبها في انتظارك.. تردد روتانا سينما
...
-
فنانة مصرية شهيرة تكشف -مؤامرة بريئة- عن زواجها العرفي 10 سن
...
-
بعد الجدل والنجاح.. مسلسل -الحشاشين- يعود للشاشة من خلال فيل
...
-
“حـــ 168 مترجمة“ مسلسل المؤسس عثمان الموسم السادس الحلقة ال
...
-
جائزة -ديسمبر- الأدبية للمغربي عبدالله الطايع
-
التلفزيون البولندي يعرض مسلسلا روسيا!
المزيد.....
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ أحمد محمود أحمد سعيد
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
المزيد.....
|