أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - احمد زكرد - إشكالية اللغة في الفلسفة














المزيد.....


إشكالية اللغة في الفلسفة


احمد زكرد

الحوار المتمدن-العدد: 7922 - 2024 / 3 / 20 - 06:56
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لا ريب أن اللغة من أقدم وسائل التواصل التي استخدمها البشر عبر التاريخ. منذ الأزمنة القديمة، استخدم الإنسان القديم الأصوات والعلامات للتعبير عن احتياجاته وتفاعلاته مع العالم من حوله. ومنذ ذلك الحين، شهدت اللغة تطورات متعددة تشكلت على مر العصور والحضارات. تطورت اللغات مع تطور البشرية وتغيرت تبعًا للظروف الاجتماعية والثقافية والتكنولوجية. من بدايات استخدام الصوتيات البدائية إلى تطور الكتابة كانت اللغات تعبر عن تاريخ الحضارات وتحكي قصصها و تعبر عن هويات الأفراد وثقافاتهم وتجاربهم الشخصية... هذا يجعلنا ندرك أنها ليست مجرد أداة للتواصل بل هي جزء لا يتجزأ من هويتنا وتاريخنا وثقافتنا.
يمكن أن نفهم مفهوم اللغة من زاويتين مختلفتين: الأولى تتعلق بالاستعمال الفردي للكلام، وهنا ترتبط اللغة بالانسان باعتباره كائنا ناطقا لأنها تحيل إلى الكلام والفكر. في حين تتعلق الزاوية الثانية بالنظام الذي تشكله العلامات والرموز، وهنا تتخذ اللغة أشكالا متعددة تتجاوز التعبير الكلام إلى كل أشكال التواصل الأخرى ما يجعلها ظاهرة عامة تتجاوز الإنسان إلى الكائنات. ان الهدف الأساسي الذي كان يطمح إليه الإنسان بعد خروجه من عالم الحيوان المثقل بالإشارات والأصوات المبهمة هو وضع أسس للتواصل يعبر من خلاله عن قدرته الإبداعية. تشكلت الأصوات وتم بناء العلامات وفق صيغ اعتباطية ترتبط أساسًا بالاتفاق الذي يفسر اختلاف الألسن، رغم أنها تعمل بنفس الآلية المتمثلة في التمفصل المزدوج (يعود مصطلح التمفصل المزدوج إلى رائد علم اللسانيات الحديث دي سوسير، فقد ذهب إلى أنَّ التمفصل هو تجزئ اللغة إلى وحدات صغيرة دالة أو مقاطع صغيرة...) بمعنى ان هذه العلامات تجعل اللغة الإنسانية نظامًا مكونًا من عدد صغير من الأصوات، ولكن عندما تركب وتحلل هذه الأصوات نحصل على عدد لا متناهي من العلامات. وتكون العلامات خاضعة لمجرى الخطاب وتحويلاته، وفقًا للتعبير "مارتينيه".
هذا ما كان ينتظره الإنسان من اللغة كنظام رمزي صاغه متطلعا لعالم مفعم بالغايات، لكن السؤال المعضلة يتعلق بما أسماه "نيتشة" بالمآل، أي بما انتهت إليه اللغة لحظة تنكرها لغاياتها، يقول "نيتشة": «الإنسان صانع اللغة ولكنه أوّل ضحاياها». فإذا ما كانت اللغة لحظة تجلي المكبوت والمهمّش واللامعقول كما تمثلها "فوكو"، وإذا ما كانت اللغة لا تقول ما تقول حين تقول، فإننا مع "برغسون" نكتشف حدودها و قصورها، إذ كثيرا ما تقف الألفاظ حجابا بين الإنسان و ذاته و بين الإنسان والعالم. فهي بمثابة الملصقات التي تحجب الحقيقة، حقيقة الأشياء في ذاتها، إنها القطيعة والعزلة، وهذه القطيعة تبدو في الواقع قطيعة مزدوجة فهي قطيعة بين الأنا وعالمه الداخلي وبين الأنا والآخر والعالم. ويمكن بلورة هاتين القطيعتين من خلال أطروحتيْ كل من " هنري برغسون" و"غاستون برجيه". فالأوّل: يبيّن لنا أن عالم الذات هو ديمومة متجددة، فهي ليست حالات نفسية متعاقبة ومتكررة بل هي عالم الكيف غير المتجانس والمتنوع دائما، لذلك تصبح مقولة الزمن لاغية لأنّ الزمن يقتضي فهم الأشياء وربما ذلك ما يفسّر تعريف "برغسون" للّغة بما هي اختزالية "تشتيتية" يتم بناؤها على نحو تعاقبي، لذلك فهي تشوّه سيلان المشاعر والانفعالات وتفسد تجددها الدائم. فاللفظ لا يُبقي من الشعور إلا خصائصه العامة، إذ يفرغه من بعده الشخصي فتحجب عن الذات حقيقة مشاعرها وتخدعها. إنّ "الألفاظ التي بها نتواصل تذوّب الأنا في قوالب النّحن فيغيب الأنا الشخصي في ثنايا الغير، يقول "برغسون" في كتابه "محاولة حول معطيات الوعي المباشر": «ها نحن أمام ظلِّ لأنفسنا إذ نتوهم أننا حلّلنا شعورنا ولكنّنا استبدلناه في الواقع بحالات جامدة يمكن ترجمتها إلى كلمات». أمّا "غاستون برجيه" فإنه يؤكد أن ما تحياه الذات من انفعالات ومشاعر وحالات مختلفة هو من تفرّد بحيث لا يمكن فتحه للآخرين إلاّ على وجه الإيماء والإشارة، فالإنسان مكره على أن يحيا في عزلة لا سبيل لاختراقها عبر تشريك الآخر فيها. إذن اللغة وظيفيّا تهدف إلى التواصل وكشف حجب الذوات والعالم، لكن التواصل يهدف دوما إلى نقلِ ما لا يمكن نقله، إذا التجربة الذاتية لا يمكن أن يدركها الآخر في فرادتها، فحالات مثل الألم أو اللذة لايمكن للآخر أن يستشعرها في أدق تفاصيلها. وتتجلى هذه القطيعة بوضوح في موت من نحبّ، فإنّ الحزن يظل تجربتي ويبقى الموت بالنسبة لي تجربة مجهولة فنحن نموت كما نولد بمفردنا. وكما استنتج "نيتشة" من خلال منهجه الفيلولوجي أن أوهاما عديدة قد سيطرت على الإنسان وينتهي إلى كون اللغة أداة خداع ووسيلة للمراوغة نتيجة كونها تعتمد أقنعة الاستعارات ورياء الكنيات، يقول:« كلّ لفظ هو حكم مسبق وفي ذلك يكمن خطر اللغة على الفكر». أمّا المعنى الآخر المخفي في اللغة فهو ما أكده "رولان بارت" بقوله: «إن اللغة، ما إن يُنطق بها، حتّى وإن ظلت مجرد همهمة، فهي تصبح في خدمة سلطة بعينها» مما يعني أن اللغة لاتحقق التواصل إلاّ على جهة التسلط والزيف والمغالطة. بهذا المعنى يحقّ لنا القول بأنّ اللغة أخطر ما امتلكه الإنسان: «فهي تفتح أمامنا أبواب فهم العالم وتغلقها دوننا» على حدّ تعبير "ميرلوبنتي".

تعكس هذه الجوانب المعقدة للغة المدى الواسع لدورها في حياة الإنسان وتأثيرها على تجاربه وتفاعلاته. فهي ليست مجرد وسيلة للتواصل اليومي بل هي أيضًا عبارة عن نظام من الرموز والعلامات يحمل في طياته الكثير من القوة والتأثير.



#احمد_زكرد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إشكالية تعليم الفلسفة و صفات استاذ مادة الفلسفة
- إشكالية الدولة بين المشروعية و اللامشروعية
- ثقافة الاختلاف نحو إرساء مواطنة كونية
- الإنسان في الفلسفة الوجودية
- إيقاط الدب الروسي من سباته، بداية تحقيق حلم العودة
- أيقاظ الدب الروسي من سباته ، بداية تحقيق حلم العودة
- إشكالية اليسار الإسلامي
- لماذا الحاجة إلى الفلسفة ؟
- ثورة الوعي ، أساس التغيير الحقيقي
- إتيقا الحوار و التسامح الديني كمدخل لتأسيس المشترك الكوني بي ...
- لمحة بانورامية حول الفلسفة المعاصرة
- إشكالية الوعي عبر تاريخ الفلسفة
- إشكالية الوضع البشري بين الخضوع للضرورة والانفتاح على الحرية ...
- تأمل حول إشكالية الحب
- إشكالية العنف بين المشروعية و اللامشروعية
- هذا هو الإنسان في زمن كورونا المستجد
- التطور التقني وتداعياته البيئية في ظل غياب الشرط الأخلاقي: ف ...
- التطور التاريخي للنسوية : قراءة نقدية للهيمنة الذكورية
- الفلسفة كبديل لإسعاد الإنسان من وجهة نظر ألان باديو
- إشكالية أصالة الفلسفة الإسلامية


المزيد.....




- مشهد ناري مضاء بالمشاعل على مد النظر.. شاهد كيف يحيي المئات ...
- من الجو.. نقطة اصطدام طائرة الركاب الأمريكية والمروحية العسك ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن تسلّم الرهينة الإسرائيلية في قطاع غزة ...
- ضغوط وحرب نفسية وسياسية.. ما المراحل المقبلة من تنفيذ اتفاق ...
- سقوط قتلى إثر تحطم طائرة على متنها 64 شخصا بعد اصطدامها بمرو ...
- تواصل عائلات الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة دعوة حكوم ...
- تحطم طائرة ركاب تقل 64 شخصًا بعد اصطدامها بمروحية عسكرية في ...
- مبعوث ترامب يوجه رسالة لمصر والأردن
- أنباء عن وجود بطلي العالم الروسيين شيشكوفا وناوموف على متن ط ...
- شبكة عصبية صينية أخرى ستضرب إمبراطورية ترامب للذكاء الاصطناع ...


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - احمد زكرد - إشكالية اللغة في الفلسفة