أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جواد كاظم غلوم - انحسار الوعي الفني والثقافي في بلاد الرافدين














المزيد.....

انحسار الوعي الفني والثقافي في بلاد الرافدين


جواد كاظم غلوم

الحوار المتمدن-العدد: 7917 - 2024 / 3 / 15 - 20:50
المحور: الادب والفن
    


طوال كل العصور التي عاشتها بلاد وادي الرافدين ؛ ماضيها وحاضرها لم يشهد العراق تردّيا في آدابه وفنونه كالتي نراها اليوم ؛ فحتى العصور المتأخرة التي سميت بالفترة المظلمة التي تلت اواخر العصر العباسي وتعاقب دويلات الاعاجم والقبائل غير العربية الغازية التي حكمت بلادنا الى ما قبل العصر الحديث لم تكن بالمستوى المتدني الذي نلحظه الان حيث ظهرت في تلك الفترة السالفة بعض علاماتٍ مضيئة وإشارات ابداعية ضمن ذاك الخضم الهائل من الغثّ في النتاج الادبي والفني .
ففي بلدٍ عريق موغل في القدم مثل وادي الرافدين والذي انجب ملحمة كلكامش والاناشيد السومرية وولدت فيه أقدم مكتبة في ربوع آشور وأكّـد وهي الآثار الادبية الخالدة الذي علّمت العالم القديم أصول الرقيّ في التفكير واستهدى الاغريق والرومان بنتاجه الثرّ الواسع الافق وخطَت الإلياذة والاوديسا خطى ملحمة كلكامش ، وفي ثراه الغنيّ ولدت الكتابة المسمارية في معابده وصروحه فمن الصعب جدا ان نصدّق ان يؤول حال الثقافة الواهن والضعف والهزال الذي اصاب عقل الانسان العراقي وريث بابل وسومر وآشور وأكّد ويحزّ في النفس ان يغرق الكثير من العراقيين في مستنقعات الجهل وهشاشة الفكر وتزداد الاميّة بهذه النسبة المخيفة وينحدر التعليم الى مستويات مفزعة تثير الأسى .
ومثلما يتدهور الوضع السياسي وهو الانعكاس الدقيق للوضع الثقافي العراقي فهناك شرائح سياسية من غلاة الدين التي تحكم الان مؤسساتنا الثقافية لا تريد ان يرقى الفن الى مدارج عالية باعتباره " حراما " ويظنون بخطلٍ واضح ان السينما مبعث للفساد الاخلاقي وان المسرح يلهي الانسان عن ممارسة عباداته بحيث ينسى المرء خالقه ويلهو بسحر الفن ويضيع في متاهات ابداعه وكذا الامر في اللوحات التشكيلية باعتبارها خربشات شيطانية تعمي بصر الانسان وتفقده بصيرته وكذا الامر في التماثيل والاعمال النحتية لأن الاعمال النحتية وفق وجهة نظرهم المسطحة الفارغة انها تنافس الله في مخلوقاته وهذه كلها تخرّصات غير سليمة وتنمّ عن جهل فاضح بدور الفن والادب في تغذية عقل الانسان وصقل مشاعره وتطهير روحه من شوائب الجهل وإدراك الجمال والإنصات الى الموسيقى والغناء الراقي لإزالة ما تراكم من كدَر الحياة وابعادها عن المنغصات التي تؤذي الانسان وتجعله حجرا صوانا فيما لو ابتعد عن الفن والادب ومراميه التي تهدف الى خلق المتعة والفائدة والارتقاء بالبشر الى صفاء الإنسانية وسموّها الاخلاقي والثقافة عموما تعمل على توثيق الجمال وتبرز حلاوته وبهجته .
وفي سنوات الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي كانت الحركات التجديدية الثقافية تبدأ من العراق وتنطلق الى بقية العالم العربي كحركة التجديد الذي تزعمها السياب ونازك الملائكة والبياتي في الشعر العربي وولادة الشعر الحرّ وفي نفس الفترة انطلقت ايضا الحركة التجديدية في الفن التشكيلي وكان رائدها جواد ونزار سليم مع بقاء العمود الشعري منتصبا شامخا بيد شاعر العرب الاكبر محمد مهدي الجواهري وقبله الرصافي والزهاوي ولو عدنا الى الوراء ايام زهو العراق كان زمام الشعر بيد ابي الطيب المتنبي ابن الكوفة المعطاء ، والبصرة ابنة العراق النجيب أول من ابتكرت علم اوزان الشعر العربي على يد الخليل الفراهيدي . فما الذي تغيّر ونحن نرى اليوم التراجع الكبير لبلاد ما بين القهرين حتى نكون في اسفل السلالم بل في اعمق اعماق القيعان ؟؟!!
لسنا نصدّق إن الانحدار والتدهور الثقافي سببهُ العولمة فكل اقطار العالم واقعة تحت تأثيرها ولكنها حافظت على موروثها الثقافي وبقيت تصون هويتها وتحدد معالمها بشعرها ونثرها وفنّها وعاداتها وتقاليدها وإرثها الحضاري .
نحن مَن وأدْنا ثقافتنا وقتلنا ابداعنا حين خضعت ثقافتنا لسنوات حكم دكتاتوري صارخ وكُمّمت افواهنا وضيّق الخناق على نتاجنا الادبي والفني وحوربت حرية التعبير
ثمّ جاء الاحتلال الاميركي في العام / 2003 ليزيد الطين بلّة فانفلت حبل الثقافة وانكفأ المبدعون في بيوتهم وانعزلوا عن الساحة الفنية والادبية وأتيح لكل من يمتلك ثقافة مسطّحة بسيطة مسؤولا ثقافيا كبيرا يجرّ وراءهُ زمرةً من المتثاقفين ويمنحهم كل بضعة شهور منحا مالية من خزائن شعبنا المتعب وفتحنا ابواب مؤسساتنا الفنية والادبية على مصراعيها لهذا وذاك من بغاث الوعي وضعاف الكلمة وصارت المؤسسات الثقافية والفنية مرتعا للصغار وضيّقي الافق والمحسوبين على الابداع حشرا ومعظمهم ممن تربّى وتعلمَ في احضان سلطة الحزب الواحد وتسلّطوا بغمضة عين وصاروا أسيادا للإبداع وقادةً للفكر الذي خبا بسبب وجودهم بعدما كان زاهيا مشرقا طوال العصور الماضية وكان لامعا معطاءً حتى وقت قريب في سنوات الخمسينات والستينات وحتى السبعينات من القرن العشرين ومن المؤكد ان شمسه ستسطع حتما ويبزغ فجر آخر جديد مادام في العراق تاريخ حافل بالابداع وحضارة عريقة خضراء من جنائن بابل ومن صحائف وكتب آشور التي كتبت بالرقُم المسمارية التي علّمت العالم الكتابة .
أعرف ان الاوان لم يحن بعد للإرتقاء الثقافي والفني ببلادي الان لكنه حتما سيرسخ لاحقا ويعيد ترتيبه ويتم تجديده ولو طال الزمن على يد جيلنا المقبل أبناء الرافدين لأنهم خير خلف لخير سلَف .

جواد غلوم



#جواد_كاظم_غلوم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيها المعلمون ؛ احفظوا قدسية رسالتكم
- قصة الفتى مخترع الواتسآب
- السعدُ الممتنع
- غيبة مصونة أيها الوطن ؛ لا لقاء بعدها
- عندما يعود رفيق عمرك منهكاً الى البيت يا ربّة الأسرة
- ما الذي يُبهج الرجلَ في حبيبته ورفيقة عمره ؟؟
- اختناقات وزحام عربة الحبّ
- تأملات في قراءة قصيدة الشعر
- حينما تحكم المرأة ويهمّش الرجل معزولا
- ولكلام الحبّ مراتبُه السبع
- بين بيكاسو وحلاّقهِ ؛ صديقه الحميم
- قصيدة - العَودُ أبعدُ -
- عندما يكون العقل مبدعا ثريّا والضمير نقيّاً
- طبائع وصفات لا تحبذها المرأة في رفيق عمرها الرجل
- أيها الزوجان والحبيبان ؛ تخاصما تتحابّا
- نقاهتي تُراقصني لتؤنسني
- بذور الطائفية السّامة أين تنمو ؟؟
- نمْ مبكرا هانئا بلا لوحٍ إلكتروني أو كتاب
- هل مازلتَ تدخّن ؟؟
- ابنة أوروك


المزيد.....




- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...
- تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر ...
- المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-
- عن تنابز السّاحات واستنزاف الذّات.. معاركنا التي يحبها العدو ...
- الشارقة تختار أحلام مستغانمي شخصية العام الثقافية


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جواد كاظم غلوم - انحسار الوعي الفني والثقافي في بلاد الرافدين