|
الدبة الصغيرة
طلال حسن عبد الرحمن
الحوار المتمدن-العدد: 7909 - 2024 / 3 / 7 - 00:11
المحور:
الادب والفن
" 1 " ـــــــــــــــــــ مهما يطل الشتاءالقطبي ، وتشتد عواصفه الثلجية، في هذه المنطقة، من القطب المتجمد الشمالي، فإن الربيع سيأتي ، وتأتي معه شمس النهار ، وتضع نهاية لظلام الليل الطويل ، وها هو الربيع قد أتى أخيراً ، وأشرقت الشمس ، وأخذ الجليد والثلج في الذوبان . ورغم مجيء الربيع، إلا أن العواصف لا تتوقف تماماً ، هذا ما تعرفه الدبة ـ الأم ، التي استيقظت مع صغيريها قبل أيام ، وراحت تنتظر توقف العاصفة ، لتخرج مع صغيريها من الكهف ، وتمارس حياتها الطبيعية ، التي توقفت مع مجيء الشتاء . ومع أنين العاصفة ، تناهى إلى الدبة ـ الأم ، من خارج الكهف الجليدي ، أنين متوجع ، فرفعت رأسها ، وراحت تصغي ، أهي العاصفة ، أم ماذا ؟ وتململ صغيراها بشيء من الخوف ، لقد سمعا هما أيضاً ، على ما يبدو ، الأنين المتوجع ، واندس الأول في صدرها متمتماً : ماما . وقالت الدبة ـ الأم ، وهي مازالت تصغي إلى الأنين المتوجع : لا تخف ، يا بنيّ . ورفع الثاني نظره الخائف إليها ، وقال : ماما ، أحدهم يئن في الخارج . وهمت الدبة ـ الأم أن تنهض ، وترى من في الخارج ، حين أطلت من مدخل الكهف ، دبة صغيرة في عمر صغيريها ، وتطلعت إليها خائفة مترددة ، فصاح الأول وكأنه يستغيث بأمه : ماما . وحدق الثاني فيها مليّاً ، وقال وكأنما يردّ على أخيه : إنه دب .. مثلنا . وابتسمت الدبة ـ الأم ، وقالت : إنها دب ، ولكنها ليست مثلكما تماماً . وتطلع صغيراها إليها بدهشة ، دون أن يتفوها بكلمة ، فقالت : إنها دبة . ومعاً صاح صغيراها : دبة ! ونهضت الدبة ـ الأم ، وصغيراها يقفان على جانبيها ، وقالت : تعالي ، ادخلي ، الجو بارد في الخارج . وتقدمت الدبة الصغيرة بخطوات قصيرة مترددة ، وقالت : نعم ، بارد جداً . وصمتت لحظة ، ثم قالت ، وهي تكاد ترتجف : قضيت الليل كله وحدي في العراء . واقتربت الدبة ـ الأم منها ، وربتت برفق على رأسها ، وقالت : اطمئني ، ستدفئين هنا . لم يتمالك الأول نفسه ، فصاح محتجاً : لتخرج هذه الدبة من كهفنا ، لا نريدها معنا . وقال الثاني : نعم ، لا نريدها . وردت الدبة ـ الأم عليهما قائلة بصوت هادىء : مهلاً ، مهلاً ، إنها دبة صغيرة ، في عمركما ، وقد تتأذى إذا بقيت وحدها في العراء . ولاذ الصغيران بالصمت ، وإن بدا أن الأول لم يقتنع بكلام أمه ، فالتفتت الدبة ـ الأم إلى الدبة الصغيرة ، وقالت : كان عليك أن لا تبتعدي عن أمك ، وتخرجي إلى العراء ، في مثل هذا الجو . فرفعت الدبة الصغيرة عينيها الحزينتين إليها ، وقالت : لم أبتعد عن ماما ، كنت معها حين نزلت إلى البحر ، لتأتيني بسمكة ، لكنها لم تخرج . ولاذت الدبة ـ الأم بالصمت ، وقد تراءى لها الحوت القاتل ، يجوب المياه في الجوار ، متخللاً قطع الثلج المتشققة ، الطافية على سطح البحر ، ثم مدت يديها ، وضمت الدبة الصغيرة إلى صدرها ، وقالت : لا عليك يا صغيرتي ، ستبقين في الكهف عندنا ، ومن يدري ، فقد تعود أمك غداً .
" 2 " ــــــــــــــــــــ لم تعد أم الدبة الصغيرة ، لا في الغد ، ولا فيما بعد الغد ، ولبثت الصغيرة في الكهف الجليدي ، مع الدبة ـ الأم وابنيها الصغيرين ، ورغم مرور الأيام ، إلا أن الصغيرة ، ظلت تنتظر أمها ، على أمل أن تعود في يوم من الأيام . وخفّ أنين العاصفة في الخارج شيئاً فشيئاً ، لكنها لم تهدأ تماماً ، وأطلت الشمس على استحياء من بين الغيوم ، وأرسلت أشعتها الدافئة ، فوق تلك الأصقاع البعيدة الباردة ، وأطلت الدبة الأم ، ذات صباح ، من مدخل الكهف الجليدي ، وقالت : لابد أنكم جائعون ، ابقوا هنا ، سأذهب وآتيكم بشيء من الطعام . صاح الأول : ماما ، أريد طيراً بحرياً . وصاح الثاني : وأنا أريد سمكة . وابتسمت الدبة ـ الأم ، وقالت : وأنت يا صغيرتي ، ماذا تريدين ؟ فردت الصغيرة بصوت لا يكاد يسمع : أي شيء . وضحكت الدبة ـ الأم ، وقالت : مهما يكن ، ابقوا داخل الكهف ، حتى أعود . وانطلقت الدبة ـ الأم على عجل ، لعلها تحضر للصغار ما أرادوه ، وتعود مسرعة إلى الكهف ، فهي تخاف ـ إن تأخرت ـ أن يخرج الصغلر الثلاثة إلى العراء ، فيتعرضون في غيابها إلى ما لا تحمد عقباه ،خاصة وأن الذئاب الجائعة ، لابد أنها تجوب في الجوار ، باحثة عما تأكله ، وتسد به جوعها . والدبة ـ الأم كانت محقة في تخوفها ، فهي تعرف صغيريها ، وخاصة الأول ، وهو لا يتردد في عمل أي شيء في غيابها ، مهما كان خطراً . وما لم تتوقعه الدبة ـ الأم ، أن تتعرض الصغيرة إلى مضايقة من الصغيرين ، فما كادت تبتعد عن الكهف الثلجي ، ويتلاشى وقع أقدامها على الأرض المتجمدة ، حتى نظر الأول إلى الصغيرة ، وقال متأففاً : يا للبلوى ، ترى من أين جاءتنا هذه الدبة ؟ وأيده الصغير الثاني ، وقال : ليت أمها تعود بسرعة ، وتخلصنا منها . وقال الأول : هذا إذا عادت . ثم نظر إلى الصغيرة ، وقال : لماذا لا تذهبين ، وتبحثين عن أمك ؟ ونظرت الصغيرة إليه مترددة ، خائفة ، ولم ترد بكلمة واحدة ، فتقدم منها ، وصاح بها : أمي لي ، ولا أريد أن يشاركني فيها أحد . ودمعت عينا الصغيرة ، وقالت : إنها أمك ، وأنا لا أريد أن أشاركك فيها . لكن الدب لم يتوقف ، بل صاح بانفعال : أنت تشاركينني فيها مادمت هنا ، أخرجي ، أخرجي . وأجهشت الصغيرة بالبكاء ، فتقدم الثاني ، وأبعد الأول قليلاً ، وقال : دعها الآن ، ستغضب ماما منك ، إذا أخرجتها هكذا . فتراجع الأول ، وهو يصيح : لم أعد أطيقها ، لتخرج ، ولتذهب حيث تشاء . وهنا أقبلت الدبة الأم ، حاملة سمكة كبيرة ، ونظرت إليهم ، وربما خمنت ما يجري ، فقالت : جئتكم بسمكة كبيرة ، ستشبعكم جميعاً . ونظر الأول إلى أمه ، وقال محتجاً : لم أرد سمكة ، بل طائراً بحرياً . فقالت الدبة ـ الأم ، وهي تضع السمكة أمامهم على الأرض : كل شيئاً من السمكة الآن ، وسآتيك بطير البحر فيما بعد . وأشاح الأول وجهه عن السمكة ، وانزوى جانباً ، وقال بحدة : كلا ، لن آكل .
" 3 " ــــــــــــــــــ هدأت العاصفة تماماً بعد أيام ، وسطعت الشمس في السماء ، وأشاعت شيئاً من الدفء ، في تلك الأصقاع المتجمدة ، حتى راحت الثلوج تذوب ، وبدأ الجليد الذي يغطي سطح البحر ، يتشقق إلى قطع ، وأخذت تتحرك بفعل الريح والتيارات المائية ، وتتباعد . وأطلت الدبة ـ الأم ، ذات يوم ، من مدخل الكهف ، وتلفتت متطلعة حولها ، وقالت فرحة : الشمس مشرقة اليوم ، لنخرج ، ونتجول بعض الوقت . هلل الصغيران ، وبدا الفرح واللهفة على الصغيرة ، رغم التزامها بالصمت، فنظرت الدبة مبتسمة إليها ، وقالت : تعالي معنا أنتِ أيضاً . وتهللت قسمات الصغيرة بالفرح ، وقالت : أشكركِ ، هذا ما تمنيته ، أشكركِ . وهمّ الأول أن يحتجّ على هذا ، فرمقته أمه بنظرة معاتبة حازمة ، فأسرع إلى الخارج ، وهو يقول : أريد طيراً بحرياً إذن . وردت الدبة ـ الأم قائلة : ليس اليوم . وتبعه الثاني فرحاً ، فقالت الدبة ـ الأم للصغيرة : هيا لنلحق بهما . وأسرعت الصغيرة ، تلحق بالصغيرين ، وخرجت الأم في أثرهم ، وراحت تتابع الصغار الثلاثة ، وهم يتراكضون على الأرض ، التي راح الجليد يذوب عنها شيئاً فشيئاً . وتوقف الأول ، ناظراً إلى المرتفعات الصخرية ، وطيور البحر تحلق على مقربة منها ، حيث أعشاشها وبيضها ، فالتفت إلى أمه ، وصاح : ماما ، أنظري ، طيور البحر . فردت الدبة ـ الأم ، دون أن تنظر ، أو تتوقف : قلت لك ليس اليوم ، لنذهب أولاً إلى الغابة . واحتج الأول كعادته قائلاً : ماما . وبدل أن ترد عليه الدبة ـ الأم ، أشارت هذه المرة إلى فقمة تتمدد تحت أشعة الشمس ، على مسافة منهما ، وقالت : انظروا ، هناك فقمة . ونظر الصغار الثلاثة ، حيث أشارت الدبة ـ الأم ، وإذا فقمة ، تستلقي متدفئة بأشعة الشمس ، ولكن ما إن ركضوا نحوها ، حتى هبت من مكانها ، واندست في حفرة قريبة منها ، يترجرج فيها الماء ، وغابت في أعماق البحر . وتوقف الصغار الثلاثة حول الحفرة ، يحملقون في الأعماق ، وحين وصلتهم الدبة ـ الأم ، صاح الثاني : ماما ، نزلت هنا . وصاح الأول : الحقي بها ، وامسكيها ، يا ماما . ونظرت الدبة ـ الأم إلى أعماق الحفرة ، وقالت : لا ، هذا مستحيل ، لقد ابتعدت الآن كثيراً في أعماق البحر ، ولا يمكن اللحاق بها . وسارت الدبة ـ الأم ، متوجهة نحو الغابة القريبة ، وهي تقول : الوقت يمضي ، لنسرع إلى الغابة ، لا أريد أن نتأخر ، فالجو مازال بارداً . وخيل إليها أنها تسمعهم يسيرون وراءها ، حتى إنها سمعت الأول يدمدم متذمراً : لا طير بحري ولا فقمة ، سنكتفي اليوم بأكل الجذور والحشرات . وكتمت الأم ضحكتها ، لكنها واصلت سيرها ، دون أن تلتفت إليه ، وحين دخلوا الغابة ، وقطعوا فيها مسافة قليلة ، توقفت الدبة ـ الأم ، ونظرت إلى صغارها ، وقالت : لنتوقف هنا ، ونبحث عن .. وتوقفت عن الكلام ، وقالت : لا أرى الصغيرة معكما ، أين هي ؟ وتلفت الثاني حوله ، ثم قال : لم أنتبه إليها ، أخشى أن تكون قد مضت بعيداً . وقال الأول بصوت خافت : هذا ما أتمناه . وقالت الأم بنبرة مؤنبة : بنيّ . فردّ قائلاً إنها ليست منّا ، فلتذهب حيث تشاء . وهزت الدبة ـ الأم رأسها ، وقفلت عائدة ، وهي تقول : لنعد ، لعلنا نلقاها في الطريق . وحثت الدبة ـ الأم الخطى ، يتبعها الثاني ، وفي المؤخرة سار الأول مقطباً ، لا ينبس بكلمة واحدة ، وعند مشارف الغابة ، لاحت الصغيرة قادمة ، وهي تضم شيئاً إلى صدرها . ورأتها الدبة ـ الأم ، فتوقفت وتنهدت بارتياح ، لكنها لم تقل شيئاً ، ولمحها الثاني ، فأشار إليها بيده ، وقال : ماما ، تلك هي قادمة . ونظر الأول إلى أمه ، وقال : لو كنت مكانك ، لعاقبتها على فعلتها الحمقاء هذه . وقالت الدبة ـ الأم : لننظر أولاً أين كانت . واقتربت الصغيرة منهم ، وفتحت كفيها ، وإذا فيهما ثلاث بيضات ، ونسي الأول نفسه ، واقترب منها محدقاً في البيضات الثلاث ، وقال : بيض طيور البحر . وقدمت الصغيرة له البيضات الثلاث ، وقالت : أردتُ أن أصطاد لك طيراً ، لكني لم أستطع ، فجئتك بهذه البيضات الثلاث .
" 4 " ـــــــــــــــــــ في الكهف ، التهم الأول البيضات الثلاث ، الواحدة بعد الأخرى ، دون أن يفكر في تقديم واحدة لأمه أو لأخيه ، ما أضحك الدبة ـ الأم ، وجعلها تقول له : يبدو أنها وجبة لذيذة . وردّ الأول متلذذاً : ألذ وجبة أكلتها منذ فترة طويلة . وقالت الدبة ـ الأم مازحة: لا أظنها أطيب مما أقدمه لك ، يا صغيري . ورمق الصغير الصغيرة بنظرة خاطفة ، وهمهم محرجاً ، فضحكت الدبة ـ الأم ، وقالت : على الأقل ، قل لها أشكركِ . ورمقها الأول ثانية ، وقال : أشكركِ . وكما بدأ الجليد يذوب ، تحت أشعة شمس الربيع الدافئة ، راح الجليد بين الأول والصغيرة يذوب هو الآخر ، بل تفتحت بدله نباتات وأزهار من الألفة والانسجام . ومع الأيام ، أخذ الصغار الثلاثة ، يقضون معظم وقتهم معاً ، يلهون ، ويتسابقون ، ويبحثون عما يؤكل في الغابة ، وحتى في المياه الضحلة ، القريبة من الشاطىء ، يصطادون الأسماك الصغيرة . ولاحظت الدبة ـ الأم ، أن صغيريها كلما اصطاد أحدهما سمكة ، قدمها للصغيرة فرحاً ، فتـأخذها وتأكلها ضاحكة فرحة ، فتفرح لفرحهم وتآلفهم . ويوماً بعد يوم ، بدأ الصغار الثلاثة ، يبتعدون عن الدبة ـ الأم ، يلهون أو يبحثون عن الطعام ، والأم مطمئنة ، لكنها مع ذلك كانت تتفقدهم ، وبين حين وآخر ، تراقبهم خلسة من بعيد ، ولم تنسَ أن تحذرهم من قطع الجليد المتشققة ، التي تتلاعب بها التيارات البحرية . وكأي صغار ، كانت تغريهم المغامرات ، حتى الخطرة منها ، فكانوا يتقافزون فوق قطع الجليد المتكسرة ، أو يركضون فوق الجليد ، الذي يشف تحته الماء ، وتكسّر الجليد أحياناً تحت ثقل أجسامهن أكثر من مرة، فيتهاوون ضاحكين في ماء البحر ، لكنهم سرعان ما يسبحون متخبطين ، ويصعدون إلى الأرض الجليدية . وذات مرة ، وقف الأول فوق قطعة صغيرة من الجليد ، المتراقصة فوق الماء ، ونظر إلى البعيد ، حيث تمتد مياه البحر حتى الأفق ، وقال بصوت حالم : ليتني أسافر على قطعة الجليد هذه . وتساءل الثاني ضاحكاً : إلى أين ؟ ورد الأول بنفس الصوت الحالم : لا يهم إلى أين ، المهم أن أسافر . ونظرت الصغيرة إليه ، وقالت : خذني معك . ونظر الأول إليها متسائلاً ، فقالت : لا يهم إلى أين .. مادتُ معك . ونظر الثاني إليها ، فأطرقت محرجة ، ولاذ الأول بالصمت ، وقد أخذت قطعة الجليد تبتعد به ، فصاح الثاني محذراً : أيها الأحمق ، انتبه ، ستأخذك قطعة الجليد بعيداً . وعلى الفور ، وكمن أفاق من حلم ، قفز الأول عن قطعة الجليد الطافية ، وسبح مقترباً من الشاطىء ، فمدت الصغيرة يديها إليه ، وسحبته من الماء .
" 5 " ـــــــــــــــــــ على غير العادة ، خرج الصغار الثلاثة اليوم ، وبقيت الدبة ـ الأم وحدها في الكهف ، لكنها لم تنسَ ، وهي تودعهم عند المدخل ، أن تهتف بهم : أيها الصغار ، انتبهوا جيداً ، ولا تتأخروا . وما إن ابتعدوا ، حتى راحوا يتراكضون ، ويحاول أحدهم أن يسبق الآخر ، وككل مرة سبقتهم الصغيرة ، وتوقفت تنتظرهم على مشارف الغابة . وعلى مقربة منها ، توقف الصغيران لاهثين ، قال الثاني : سبقتِنا مرة أخرى ، ليتني أعرف ما السرّ . وضحك الأول ، وقال متوعداً : مهلاً ، سأسبقك يوماً ، ولن يكون ذلك اليوم بعيداً . وابتسمت الصغيرة ، وقالت : لن يأتي ذلك اليوم . وسار الثاني ، وهو يقول : لندخل الغابة . وسار الأول في أثره ، وقال : نعم ، لعلنا نحصل على بعض الطعام لماما . وتوقفا حين لاحظا أن الصغيرة ، ظلت واقفة في مكانها ، فقال الأول : لا تقولي ، إنني لم أتعب . فردت الصغيرة قائلة : سأجلس قليلاً على الشاطىء ، ثم أعود إلى الكهف . ونظر الثاني إليها متسائلاً ، فقالت الصغيرة : لا أريد أن أترك الأم وحدها . استأنف الصغيران سيرهما ، وتجولا في الغابة ، وبعد أن جمعا شيئاً من الطعام ، قفلا عائدين إلى الكهف ، وفوجئا بأمهما تحدق فيهما قلقة وتقول : عجباً ، لا أرى الصغيرة معكما ، أين هي ؟ ونظر الصغيران أحدهما إلى الآخر مندهشين ، وقال الثاني : لم تدخل الغابة معنا . وقال الأول : قالت إنها لا تريد أن تتركك وحدك ، وعادت قبلنا إلى الكهف . قالت الدبة ـ الأم بحيرة : لم تعد . وعلى الفور استدار الأول، ومضى مسرعاً إلى الخارج ، وهو يقول : سأعود بها حالاً . ونظر الثاني إلى أمه ، نظرة مذنبة منكسرة ، فقالت بصوت يشوبه القلق : كان عليكما أن لا تتركاها وحدها ، إنها تتهور أحياناً . وطوال الطريق ، من الكهف حتى مشارف الغابة ، ظل الأول يهرول متلفتاً حوله ، لعله يقع لها على أثر ، لكن دون جدوى . وقفل عائداً على امتداد الشاطىء ، ولاحظ أن قطعة ليست صغيرة قد انفصلت عن الجليد ، أيعقل هذا ؟ لعل المجنونة كانت فوق تلك القطة ، حين انكسرت ، وجرفها تيار البحر بعيداً . ورفع رأسه ، وراح ينظر إلى البعيد ، مستبعداً أن يراها ، لكن .. ويا للعجب ، رآها من بعيد تلوح له ، وهي واقفة فوق قطعة جليد طافية ، وبدون تردد ، أو تفكير ، ألقى نفسه في البحر ، وراح يسبح نحوها ، ولما رأته يتخبط وسط الماء ، أدركت ما يريده ، فألقت نفسها هي الأخرى في البحر ، وراحت تتخبط ، وهي تحاول أن تشق الماء إليه ، وغاصا معاً تحت الماء و .. وأفاقا بعد حين ، وإذا هما في الكهف ، وإلى جانبهما يقف الثاني والدبة ـ الأم ، ونظر الأول إلى أمه مذهولاً ، وقال : ماما .. ! ومال عليه الثاني ، وقال : كان لدينا في الكهف مجنون واحد ، وها قد صار لنا مجنونان . وتساءل الأول : أين نحن ؟ فقالت الدبة ـ الأم : اطمئن ، أنتما معنا في الكهف . وصمتت لحظة ، ثم قالت : لحقنا بك ، أنا وأخوك ، بعد أن خرجت من الكهف ، وحين رأيتكما تتخبطان وسط البحر ، وتغوصان إلى الأعماق أسرعت إليكما ، وانتشلتكما من بين الأمواج .
3 / 1 / 2015
#طلال_حسن_عبد_الرحمن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاوركا الحوت القاتل
...
-
حوارات مع أديب الأطفال ... طلال حسن
-
رواية للفتيان مرجانه
...
-
قصص للأطفال عصر الديناصورات
...
-
قصة للفتيان اب
...
-
قصة للأطفال الغرير الصغير
...
-
قصص قصيرة جداً عبارة الموت
...
-
ثلاث روايات قصيرة للأطفال طلال حسن
-
محطاتي على طريق أدب الأطفال
...
-
أسد من السيرك
-
قصة للأطفال الترمجان قصة
...
-
رواية للفتيان اورانج اوتان
...
-
قصة للأطفال آدزانومي قصة طلال حسن
-
رواية للفتيان تار والسندباد
...
-
نصان للفتيان الفقمة
...
-
مسرحية للأطفال الفقمة الصغيرة طلال حسن
-
رواية للفتيان دلمون الأعماق
...
-
مسرحية ريم للاطفال
-
رواية للفتيان الغابة طلال حسن
-
رواية للفتيان دموع رينيت طلال حس
...
المزيد.....
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
-
3isk : المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بجودة HD على قناة ATV
...
-
-مين يصدق-.. أشرف عبدالباقي أمام عدسة ابنته زينة السينمائية
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|