أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - تحديات الخطاب السياسي العربي















المزيد.....

تحديات الخطاب السياسي العربي


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 7904 - 2024 / 3 / 2 - 22:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان النصف الثاني من القرن العشرين أيديولوجياً بامتياز، فقد استهلك سنواته صراع أيديولوجي محموم أفرز خطاباً سياسياً ما زال إلى الآن متحكِّماً بالخطاب السياسي العربي، متمتِّعاً بقدرة مذهلة على الصمود، على رغم التغيِّرات العاصفة التي وضعت الإنسان المعاصر وجهاً لوجه إزاء واقع جديد مختلف في أنماطه الاقتصادية والاجتماعية والفكرية وتوجهاته النظرية والعقائدية.
وفي كل الحالات يتعامل الخطاب السياسي العربي مع الأيديولوجيا باعتبارها بديلاً عن الواقع، كأنما التاريخ يتحوُّل ويجري وفقاً لتصوراتها. كما أنه خطاب أحادي رافض للآخر والمختلف، مدَّعٍ لامتلاك الحق والحقيقة، قوامه النفي والإقصاء المتبادلين بين العقائد والأيديولوجيات.
هذا الخطاب السياسي المهيمن على الساحة العربية، منذ منتصف القرن الماضي، كان ولا يزال في أساس الصراع المحموم الذي يذهب إلى حدِّ التكفير والتصفية الدموية بين الفصائل والتيارات السياسية والفكرية، وهو يقف وراء أكثر التناقضات حدَّة في المجتمع والسياسة والفكر في العالم العربي.
وعليه، لا بدَّ من تفكيك مقولات هذا الخطاب من أجل إجراء تغيير جذري يقلب الأسس الفلسفية التي يقوم عليها، تغيير تكون نتيجته التحوُّل إلى خطاب ديمقراطي مع الذات ومع الآخر ومع المجتمع ومع الواقع ومع التاريخ: ديمقراطي مع الذات بصفتها مالكة قرارها ومصيرها ورهاناتها وحقها في التحدِّي والمساءلة. وديمقراطي مع الآخر باعترافه به كآخر وكمختلف، لا من باب التسامح والتعايش وإنما من باب الإيمان بالتعددية للتعاطي المجدي مع الأسئلة والتحديات التي يطرحها الواقع بكل ما فيه من غنى وتعقيد. وديمقراطي مع المجتمع في تعامله معه باعتباره الصورة الحية لنضالات الأفراد والجماعات وتوقها ومخاوفها ورغباتها ودأبها اليومي، وليس كحقل تجارب للأيديولوجيا وأوهامها ومشروعاتها. وديمقراطي مع التاريخ في النظر إليه بصفته حركة وتحوُّلاً وصراعاً، وليس باعتباره مرآة لأفكار ومبادئ وأحكام الخطاب السياسي وبرهاناً على صحتها وتكراراً أبدياً لها.
ومن مستوجبات تفكيك الخطاب السياسي العربي أنّ العلاقات الدولية قد اتسعت مفاهيمها، وبدأت تستوعب في إطارها ما كان في بداية تسعينيات القرن الماضي مجرد أفكار ونظريات حول " الديبلوماسية الوقائية "‏،‏ مثل التدخل الإنساني في شؤون الدول الأخرى‏،‏ وتراجع سيادة الدولة على أراضيها بسبب تشابك عناصر الخطر المشترك‏ على الأمن العالمي،‏ ومحاولة تأكيد المفهوم الجديد القائل بأنّ الشأن الداخلي في مثل هذه الأوضاع لم يعد مجرد شأن داخلي فقط‏.‏ ولمَّا كانت القوى الخارجية قد وجدت من المنافذ ما جعلها تقتحم الساحة الداخلية بشكل ظاهر‏،‏ أو مستتر‏،‏ فإنّ نظرية الفصل بين السياسة الخارجية‏‏ وبين الأوضاع الداخلية لم تعد تصلح للعمل‏.‏
‏ ‏ ولا يحتاج المرء إلى أكثر من نظرة سريعة ليكتشف أنّ العراق الجديد مثلاً، كما هو في الدستور، ليس العراق الاتحادي الذي حلم به أهله دائماً، بغض النظر عن ممارسات الحكم فيه، ويفترض أنهم يحلمون به الآن: فيديرالية طوائف ومذاهب وأعراق وعشائر، واستئثار جزء من شعب الدولة الاتحادية بثروات البلاد على حساب أجزائه الأخرى، والأهم من ذلك كله من دون قبول فئات واسعة من الطوائف والمذاهب والأعراق كلها لمثل هذا النوع من نظام الحكم.
كما أنّ ما ينقسم حوله العراقيون ليس الموقع والخيار السياسي فحسب، بل أيضاً توجُّه العراق المستقبلي، انتماؤه ودوره وموقعه الإقليمي. فليس العراق وطناً هامشياً صغيراً حتى تغيب عن شعبه وقواه المسائل الكبرى للهوية والدور والموقع، فعندما تتحرك قوى سياسية بدوافع التقسيم الإثني والطائفي، بدوافع تقويض انتماء العراق العربي وتجاهل الهوية العربية لأغلبية شعبه، وبدوافع إخراجه من دوره الإقليمي وميراثه القومي، بينما يطالب عراقيون آخرون بالحفاظ على هوية العراق العربية وميراثه القومي، مهما شاب هذا الدور والميراث من شوائب، ويطالبون بالحفاظ على وحدة العراق كوطن ودولة، وبأن يستمر في ممارسة دوره الإقليمي التقليدي، فهناك حالة انقسام عميقة تحتاج إلى تعاطٍ عقلاني معها.
والسؤال الأهم أمام الخطاب السياسي العربي هو: هل يمكن أن تسري تجربة العراق الصعبة في بلدان عربية أخرى؟
لقد ترافق طرح الفيديرالية في المشرق العربي بالحديث عن التكوين الفسيفسائي للتركيب السكاني في المنطقة، وهو تركيب متنوع في بناه القومية والدينية والطائفية، مما يفسح في المجال أمام تأسيس كيانات على تلك الأسس، يمكن جمعها في إطار كيان فيديرالي جامع، يكون محصلة تفاهمات بين الكيانات الداخلة فيه. فبعد أن تغيَّر العالم من حول النخبة الثقافية والسياسية في المجالين العربي والإقليمي، وتغيَّرت الظروف الداخلية والخارجية، وصارت بلدان المشرق في دائرة تحديات جديدة وشديدة التعقيد، فإنها شرعت في إعادة النظر في كثير من مسلَّماتها وأنماط تفكيرها وطرائق عملها وعلاقاتها، وإطلاق أفكار وآليات جديدة باتجاه مشروع مستقبلي لبلدانها وللمنطقة، يتجاوز حمَّى الانقسامات والصراعات، وقد تكون الأنظمة اللامركزية، بما فيها النظام الفيديرالي، أحد خيارات المشروع.
ومما يزيد الطين بلَّة أنّ العديد من الدول العربية تشهد عمليات عنف مسلح، لا يمكن اعتبارها بمثابة مؤشر على وجود جماعات مسلحة فقط، بل أنها تمثل سعي الجماعات المسلحة إلى تحقيق أهداف سياسية، من خلال القوة والإرهاب، رغبة في أن يتم بنتيجتها إعادة ترتيب أوضاع البلد المعني بطريقة تختلف عما هو عليه حالياً، وهو أمر يمكن أن يتضمن تفتيتاً أو تقسيماً، حيث لدى معظم البلدان العربية مشاكل في نسيجها السكاني.
لقد أدى ضعف مستوى الأداء، وما ينتج عنه من عدم تبصُّر لطبيعة المرحلة التي يمر بها العالم العربي، إلى غياب المقاييس الموضوعية في العلاقات السياسية الداخلية والخارجية، وهي حال لا يمكن القبول بها وطنياً وقومياً، لأنها أدت إلى انحسار حضور العالم العربي وفعاليته أمام ما يطرح من مشاريع تتصل مباشرة بمصالحه ومستقبله. كما أنها تعرِّض مستقبل هذه المنطقة الحساسة من العالم إلى مخاطر تستفيد منها القوى الدولية الفاعلة التي ترسم المشاريع وتنفِّذ على أرض الواقع ما يتناسب ومصالحها الاستراتيجية.



#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العالم العربي بحاجة ماسّة إلى التغيير
- أهم القضايا المؤجلة للنهضة العربية الحديثة
- إخفاق العرب تجاه المطامع الأجنبية والعدوانية الإسرائيلية
- تفاقم احتقان الشعوب العربية على الصعيدين السياسي والاجتماعي
- تعثّر التنمية الشاملة في العالم العربي
- الموارد العربية اسُنزفت والإرادة انتُهكت
- هدر الموارد المادية والبشرية في العالم العربي
- مأزق العمل العربي المشترك
- انبعاث الفكر الأصولي والعصبيات ما قبل الوطنية
- الأبعاد الثقافية للتأخر العربي الراهن
- التعاطي العربي الكلامي السطحي مع المشكلات
- محرقة غزة في الذكرى الخامسة والسبعين للإعلان العالمي لحقوق ا ...
- أهم معوّقات النهوض الحضاري العربي
- مخاطر الماضوية على مستقبل العالم العربي
- شرعية الأمر الواقع في الدول العربية الفاشلة
- أية شرعية للحكومات العربية؟
- تضخم سلطة الدولة وضعف المجتمع المدني في العالم العربي
- كيف تتعامل الحكومات العربية مع الحقل السياسي
- حدود الثقافة السياسية العربية
- هل يكفي الغضب لنصرة الفلسطينيين؟


المزيد.....




- وزير دفاع السعودية يوصل رسالة من الملك سلمان لخامنئي.. وهذا ...
- نقل أربعة أشخاص على الأقل إلى المستشفى عقب إطلاق نار في جامع ...
- لص بريطاني منحوس حاول سرقة ساعة فاخرة
- إغلاق المدارس في المغرب تنديدا بمقتل معلمة على يد طالبها
- بوتين وأمير قطر في موسكو: توافق على دعم سيادة سوريا ووحدة أر ...
- غزة البعيدة عن كندا بآلاف الأميال في قلب مناظرة انتخابية بين ...
- عراقجي يكشف أبرز مضامين رسالة خامنئي لبوتين
- بعد عقدين- روسيا تزيل طالبان من قائمة الجماعات الإرهابية
- روسيا تطلب مشاورات مغلقة لمجلس الأمن الدولي بشأن -هدنة الطاق ...
- اختتام تدريبات بحرية مصرية روسية في البحر المتوسط (صور)


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - تحديات الخطاب السياسي العربي