|
رسالة إلى الإسرائيليين
حمادة جبر
(Hamada Jaber)
الحوار المتمدن-العدد: 7901 - 2024 / 2 / 28 - 15:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أكتب لكم، لأنني على يقين بأن معظمكم أو الكثيرين منكم، كما نحن، ضحايا نظام دولتكم وكذب وعنصرية حكومتكم المجرمة. وأنكم ضحايا إعلامكم، الذي تتحكم به حكومتكم، في أوقات الحرب على الأقل. يقول الكاتب الصحفي الإسرائيلي أورين بيرسيكو (Oren Persico) المتخصص في حرية التعبير في إسرائيل، في وصفه لحال الإعلام الإسرائيلي خلال هذه الحرب: "إن المواطنين الأستراليين يعلمون عن هذه الحرب أكثر مما يعلمه المواطنون الإسرائيليون! وإن وسائل الإعلام الإسرائيلية تكاد لا تذكر شيئًا عن الضحايا الفلسطينيين في قطاع غزة". لذلك، لا أعلم كم منكم سيقرؤون هذه الرسالة.
أكتب لكم، لأنني أرى أن كثيرين منكم قد أفاقوا من صدمة هجوم السابع من أكتوبر، ومن مبالغة وكذب حكومتكم المتعمد عليكم وعلى العالم عن حقيقة ما جرى، فقد بدأت بالظهور التحقيقات والتقارير عن الهجوم، الذي تحمل جيشكم مسؤولية قتل العشرات من الإسرائيليين بقصف طائرات ومدافع جيشكم في السابع من أكتوبر. وكذلك، فإن أحد أهم أسباب صدمتكم من الهجوم، هو غروركم القائم على منطق القوة وشعوركم الزائف بالتفوق. وبانتظار المزيد من التحقيقات التي على الأغلب ستظهر المزيد من الحقائق التي تعاكس مبالغة وكذب حكومتكم المتعمد، بل حتى لو افترضنا صحة كل ادعاءات حكومتكم حول هجوم السابع من أكتوبر، هذا لا يعطيها الحق بشن حرب إبادة تجاه أكثر من 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة.
أكتب لكم، لأطلعكم عن ما يعتقده الفلسطينيون عن هجوم السابع من أكتوبر، يعتقد الفلسطينيون أن الهجوم جاء رداً على خطة حكومتكم المتطرفة بقيادة "بن غفير" و"سموتريتش"، التي تهدف إلى "حسم الصراع" بالقوة. فمنذ تشكيل حكومتكم الحالية في بداية عام 2023، تصاعدت اعتداءات جيشكم وعصابات المستوطنين الإرهابيين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، هذه الاعتداءات شملت قتل أكثر من 200 فلسطيني، وجرح المئات في الضفة الغربية قبل هجوم السابع من أكتوبر، وشملت أيضاً هدم عشرات البيوت الفلسطينية، وحرق أشجار الزيتون، والاعتقالات بالتزامن مع اعتداءات همجية منظمة ضد آلاف الأسرى الفلسطينيين بما فيها تجريدهم من منجزاتهم النضالية لعشرات السنوات لتحسين الحد الأدنى من ظروف اعتقالهم. كل هذا أيضاً بالتزامن مع استمرار وتصاعد الأنشطة الاستيطانية التوسعية في الضفة الغربية، ومن إجراءات واستفزازات متعمدة لتغيير الوضع الراهن في مدينة القدس خاصة في البلدة القديمة والمسجد الأقصى. لقد أجمعت تقارير مؤسسات إسرائيلية مثل "بيتسيلم" (B’tselem)، ومؤسسات دولية مثل "أوتشا" (OCHA)، بأن التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية خلال عام 2023، وقبل السابع من أكتوبر، هو الأعلى منذ حوالي عشرين عامًا.
أكتب لكم أيضاً، لأنني أعتقد أنكم أكثر قدرة من الفلسطينيين على كسر دوامة العنف، بوصفكم الطرف الأقوى، والأهم أنكم الطرف المُعتدي، أقول إنكم أكثر قدرة منا على كسر دوامة العنف، لأنه كما قال "هنري كيسنجر": "لا يوجد لإسرائيل سياسة خارجية، بل داخلية فقط". هذا لأن صوتكم مسموع وقادرين على المحاسبة والتغيير، لأنكم بنيتم دولة ومؤسسات قد تكون الأكثر ديمقراطية في العالم، ولكنها دولة ديمقراطية لليهود فقط، أي عنصرية. وهذا ليس رأيي فقط عن ديمقراطية دولتكم، بل رأي الأغلبية المطلقة من الفلسطينيين، فقد قام المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في استطلاعه للرأي العام الفلسطيني في شهر مارس- آذار 2018، (قبل إقرار قانون يهودية الدولة العنصري)، بسؤال الفلسطينيين عن تقييمهم لأوضاع الديمقراطية في بعض البلدان ومنها إسرائيل، كانت النتيجة أن 57% من الفلسطينيين يعتقدون أن أوضاع الديمقراطية في إسرائيل جيدة أو جيدة جداً، مقابل 23% فقط للسلطة الفلسطينية، وهذا أحد أسباب أن أغلبية الفلسطينيين يرون أن السلطة الفلسطينية عبء عليهم ويجب حلها. وقد تابعت مظاهراتكم الأسبوعية، لأشهر طويلة خلال العام الماضي، ضد خطة حكومتكم "لإصلاح النظام القضائي"، لكن أرى في استطلاعات الرأي العام لديكم، بأنكم ترون ببني غانتس بديلاً لنتنياهو. حسناً، لن أدخل في بازار أسماء قادتكم، وأدعوكم للتركيز على فكرة خلق قادة وانتخاب حكومة تؤمن بالسلام العادل. وللتعرف على ملامح ما قد يكون سلاماً عادلاً، أدعوكم إلى قراءة التاريخ من خلال كتب ومقالات مواطنكم المؤرخ "إيلان بابيه" (Ilan Pappe)، وفي الحاضر، أدعوكم إلى قراءة مقالات مواطنيكم أيضاً، مثل "جدعون ليفي"(Gideon Levy)، "أميرة هاس" (Amira Hass) و"جيف هلبر" (Jeff Halper)، أعرف أنكم تطلقون عليهم "يهوداً كارهين لأنفسهم"، لكن أرجوكم حاولوا.
بالعودة إلى هجوم السابع من أكتوبر، هل تعلمون أن حركة حماس قالت إن بعض التجاوزات قد حصلت خلال هجوم السابع من أكتوبر مثل اختطاف المدنيين، لم تكن من ضمن الخطة، وإن سبب تلك التجاوزات هو نتيجة سرعة وسهولة انهيار جيشكم، حيث لم تكن لدى حماس خطة لمنع مجموعات أخرى، منها مجموعات أقرب لعصابات، ومدنيين من عبور (الحدود)، لأنها لم تتوقع ذلك الانهيار السريع لجيشكم. هل تعلمون أنه حسب استطلاع المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في شهر ديسمبر- كانون أول 2023، فإن أغلبية الفلسطينيين الذين شاهدوا تسجيلات مصورة لتلك التجاوزات، لم يوافقوا عليها، وإن من لم يشاهد تلك التسجيلات، أنكر وقوع تلك التجاوزات، وإن الإنكار هو إدانة غير مباشرة لها، إن حدثت بالفعل. فكيف قبلتم شيطنة قادتكم المجرمين لكل الفلسطينيين؟ مثل تصريح رئيسكم هيرتسوغ: "لا يوجد مدنيين أبرياء في قطاع غزة"، وكيف تتابعون الجرائم التي يرتكبها جنودكم في قطاع غزة، جرائم يقومون بتوثيقها بأنفسهم وينشروها على وسائل التواصل الاجتماعي. هل قال لكم إعلامكم إن التقديرات الأمنية الإسرائيلية تقول: إن حماس لم تكن تعلم بوجود مهرجان(نوفا) الموسيقي على الحدود في يوم الهجوم، وإنها تفاجأت به، وإنه بالتأكيد لم يكن ضمن أهداف الهجوم كما تعتقدون، هل تعلمون أنه لو جرى تحقيقاً عادلاً في هجوم السابع من أكتوبر، وأثبت التحقيق مثلاً، أن بعض الأفراد قد قاموا فعلاً بجرائم اغتصاب، هل تعلمون أن الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين سيطالبون عقابهم بعقوبات أشد مما قد تطالبون أنتم؟ هل قالت لكم حكومتكم ووسائل إعلامكم إن حماس في بداية الحرب كانت على استعداد لإطلاق سراح كل المدنيين المحتجزين لديها، ولدى مجموعات أخرى دون مقابل بشرط وقف إطلاق النار. لماذا؟ لأن اختطاف المدنيين ببساطة لم يكن ضمن أهداف الهجوم، وإنه إذا ما أخذنا معيار صفقة "جلعاد شاليط" (واحد مقابل ألف) التي نفذها "نتنياهو" عام 2011، فإن حماس يكفيها بضعة جنود لإطلاق سراح كل الأسرى الفلسطينيين في سجونكم، حيث كان عدد الأسرى الفلسطينيين قبل السابع من أكتوبر أقل من خمسة آلاف أسير، وبالتالي -حسب معيار صفقة شاليط- فإن حماس بحاجة فقط لخمسة جنود لمبادلتهم بكل الأسرى الفلسطينيين الذين من بينهم أسرى منذ ما قبل اتفاق أوسلو!
لا أدعي بأنني أتحدث بأسماء الضحايا لدينا من جرائم حكومتكم وجيشكم، فأعداد الشهداء والجرحى والمفقودين قد تجاوز المئة ألف، أكثر من نصفهم أطفال ونساء (توقف قليلاً عن القراءة وفكر في الرقم المذكور)، وقد نكون بحاجة لسنوات لاستيعاب ما حدث ويحدث من جرائم ودمار في قطاع غزة. لا أدعي أنني أتحدث باسمهم، لكنني أعلم أننا نحتسب هؤلاء الضحايا شهداء، ونفخر بهم، وأن نضالنا من أجل الحرية وليس من أجل الانتقام، لكن بشرط، ألا تذهب دمائهم هدراً، وذلك بتحقيق الحرية والسلام العادل. أعتقد أنكم تعلمون أن الجيل الذي يقاوم احتلالكم اليوم في قطاع غزة والضفة الغربية، هو جيل الانتفاضة الثانية ما بين عامي 2000-2005، الجيل الذي رأى جرائم وتنكيل جيشكم خلال الانتفاضة الثانية، هذا الجيل رأى أيضاً، كيف أنكم تجاهلتم حقوقه بالحرية والاستقلال وأدارت حكوماتكم المتعاقبة بمنطق الغطرسة، ظهرها لعملية السلام.
أخيراً، بعد أكثر من 76 عاماً على نكبتنا وقيام دولكتم، أرجو أنكم تعترفون الآن بالكذبة الكبرى التي قامت عليها فكرة دولتكم "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض"، مهما كانت نتيجة حرب الإبادة المستمرة في قطاع غزة منذ أكثر من أربعة شهور، فإن منطق ما لم يأتِ بالقوة سيأتي بمزيد من القوة، منطق فشل وسيفشل، ولن ندفع ثمنه وحدنا. الفلسطينيون اليوم مصممون أكثر من أي وقت مضى على التحرر، ولا يمكن كسر إرادتهم، وتشير آخر الإحصاءات بأنه لأول مرة منذ النكبة، عادت الأغلبية للفلسطينيين ما بين النهر والبحر. لكن في المقابل، ولأول مرة منذ قيام دولتكم، لقد تجاوز عدد الإسرائيليين اليهود الذين ولدوا في فلسطين التاريخية عدد اليهود الإسرائيليين المهاجرين إليها. وربما تعلمون، فقد استقبلكم الفلسطينيون بأذرع مفتوحة هرباً من بطش وعنصرية الأوروبيون في بداية القرن الماضي، قبل أن تنكشف نوايا الحركة الصهيونية الاستعمارية الإحلالية ومن خلفها الغرب. وعليه، أدعوكم، بعد أن تكونوا قد فكرتم بما قد يكون سلامأً عادلاً استناداً إلى حقائق التاريخ والحاضر. أدعوكم بعقول وقلوب منفتحة، ولأجل أولادنا وأحفادنا، للانضمام إلى الفلسطينيين في نضالهم لتفكيك نظام دولتكم العنصري، وإنشاء دولة ديمقراطية واحدة على أنقاضه قائمة على المساواة، لكل من يعيش ما بين النهر والبحر في فلسطين التاريخية.
#حمادة_جبر (هاشتاغ)
Hamada_Jaber#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إلى القيادة وكوادر فتح واليسار: إن لم يكن الآن، فمتى؟
-
الأمن السيبراني العالمي ومستقبل الانترنت
-
اطلبوا الشرعية ولو في الصين!
-
الدبلوماسية الصينية تحت الاختبار
-
النفوذ الأمريكي قادر على خفض التصعيد في فلسطين
-
شروط انطلاق مقاومة فلسطينية شعبية واسعة ومستمرة ومؤثرة
-
حماس على خطى فتح ومنظمة التحرير!
-
عام على انتفاضة الكل الفلسطيني ومعركة -سيف القدس-: فرصة ضائع
...
-
الرقمنة والخصوصية في الصين
-
إعادة الحياة لنهر الأردن والبحر الميت
-
فلسطين: شغور منصب الرئيس
-
هل أخطأ مروان الرغوثي؟
-
قوى اليسار الفلسطيني بين صراع البقاء وفرصة القوة الثالثة الم
...
-
الانتخابات الفلسطينية: تقارب المأزومين وفرصة البديل
-
إلى الاتحاد الأوروبي ودوله: كفى مراوغة!
-
المشهد السياسي الفلسطيني: ما بين التصفية والبديل الثوري
-
الانتخابات الفلسطينية: لا لنظام التمثيل النسبي الكامل
-
دولة واحدة أو دولتان: الطريق واحد
-
في المقهى..
-
إن كان لابد من بقاء السلطة وإجراء انتخابات
المزيد.....
-
-المعادن النادرة مقابل المساعدات العسكرية-.. ترامب يكشف ملام
...
-
الاتحاد الأوروبي يستعد للمواجهة بعد تأكيد ترامب فرض رسوم جمر
...
-
ترامب يطالب أوروبا بزيادة المساعدة لأوكرانيا
-
-بوليتيكو-: قلق كبير يعيشه نظام كييف إزاء تقارب المواقف الرو
...
-
السعودية واليابان توقعان مذكرتي تفاهم حول إنشاء مجلس الشراكة
...
-
-رويترز-: الولايات المتحدة تستأنف ضخ الأسلحة إلى أوكرانيا
-
-Senego-: فرنسا تبدأ في سحب قواتها من السنغال
-
الرئيس الجزائري يندّد بـ-مناخ ضار- في العلاقات مع باريس
-
عشية زيارته إلى تركيا... الشرع يؤكد أن تنظيم انتخابات في سور
...
-
النائب الجمهوري في مجلس النواب الأمريكي جو ويلسون يدعو إلى ق
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|