أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي فضيل العربي - المقامة الغزّاوية ( 1 )














المزيد.....


المقامة الغزّاوية ( 1 )


علي فضيل العربي

الحوار المتمدن-العدد: 7888 - 2024 / 2 / 15 - 14:01
المحور: الادب والفن
    


حدّث أيوب بن أيّوب الغزّاوي ، قال :
قررت أن أكتب للمجانين ، لعلني أجد لديهم بعضا من التعقّل أو قبسا من الحكمة . ألم يقل أسلافنا : إنّ من الجنون لحكمة . لقد يئست من مخاطبة العقلاء و مناشدتهم في هذا العالم المنزوع الإنسانيّة . لم أجد فيهم من يفقه قولي ، و يحلل عقدة العقلاء في هذا العالم . يا سادتي ، هذه كلماتي المغموسة بدم الأطفال و الشرفاء . أكتب إليكم بريشة مداد محبرتها دم و دموع ينزفان من قلب غزّة . أسألك أيّها العالم الغربيّ – بربّ السموات و الأرض و الخلق جميعهم - هل تروننا بشرا مثلكم ؟ أم أنّنّا في نظركم و يقينكم لسنا من سلالة آدم ؟ أم أنّنا بكل صراحة وحوش كما وصفنا أحد صهاينة حكومتهم الحربيّة ؟
هل مازال في العالم الديمقراطيّ عقلاء ، لهم قلوب تتألّم وجعا ، و عيون تدمع أسى ، و آذانا تسمع صرخات الضحايا و أنين المكلومين و الجرحى ؟ هل مازال على هذا الكوكب الترابيّ الذي أكرم الله به آدم من له بصر و بصيرة ؟ لا أظنّ أنّ العالم الديمقراطي يفقه و يأبه لمأساة الغزّاويّة .
لم تعد غزّة الجميلة آمنة . إنّ أعداءنا ماضون في إبادتنا ، و مصرّون على إفنائنا . بينا أبناء عمومتنا و عقيدتنا صامتون ، مشلولون ، فاقدون للأسماع و الأبصار و الأفئدة . إنّ وابل القصف الجوّي و المدفعي على رؤوسنا لا يكاد يتوقف لحظة . إنّ أعداءنا و أبناء جلدتنا يحاصروننا منذ سبعة عشر سنة خلت ، و منذ سبعة عقود و نحن- الشعب الفلسطيني – نتجرّع سموم الصهيونيّة ، و نرتحل من نكبة إلى نكبة ، و من نكسة إلى أخرى . إنّهم ماضون في تشييد المقابر الجماعيّة لنا ، كما لو أنّهم مجدّون في قضاء شهواتهم و رغباتهم الجنسيّة . ماضون في إرسال أطنان من الأكفان ، كي لا تزكم روائح أجسادنا و أشلائنا أنوفهم المعطّرة بالروائح المخمليّة ، الباريسيّة .
نحن يا سادتي ، بشر مثلكم ، حقيق لنا أن نعيش أحرارا مثل بقيّة أحرار العالم . نحن لسنا وحوشا ، كما وصفنا أعداؤنا . نحن بشر ، لنا ما لكم ؛ لنا الحقّ - كلّ الحقّ - في الحياة و الحريّة و الكرامة . خلقنا الله لنعيش في كنف الأمن . لم يخلقنا لكي تقتلوننا . من خوّل لكم قتلنا ؟ نحن لسنا متاعا لأحد . نحن عبيد الله و ملكه . فلماذا تعتدون على نعم الله ؟
أكتب لكم من فوق الركام و من تحتي و من حولي ركام ، ركام بيتنا و بيوت الجيران المقصوفة بقنابل الحقد و الوحشية و الهمجية المطلقة ، المرسلة من بلاد العم سام ، حيث ينتصب تمثال الحريّة شامخا . لم يبق منه جدار و لا باب و لا نافذة و لا سقف الا اصابها الدمار . كانت القنابل ضخمة . حارقة . شديدة . ( ما فش أكل و لا مياه و أي شيء من مقومات الحياة ) . لقد نفد الماء و الغذاء و الدواء . لم تبق أمامنا سوى أوراق الشجر و حبّات التراب .
أيّها الأعراب و العجم ، يا من تديرون العالم من فوهة مدفع ، كأنّه تلسكوب فضائيّ . يا من تجلسون خلف الشاشات المرئيّة ، و تعدّون ضحايانا من الأطفال و الرضّع و النساء ، و كأنّكم تعدّون أرباح أسهمكم في البورصات . نحن ، هنا باقون ، فوق الثرى أو تحته ، باقون لحما و عظما و روحا . لن نرحل عن مرابعنا إلاّ إلى السماء . لا معبر لنا سوى معبر السماء . أمّا معابركم في رفح و أبي كرم و غيرهما ، فهي متروكة لكم أيّها الجبناء ، و للغرباء عن غزّة كي يعودوا من حيث أتوا . أمّا نحن ، فإنّنا هنا واقفون كأشجار بيّارات الزيتون و الليمون ، باقون هنا كبحر غزّة و أصدافه و رماله و أمواجه و زرقته السماويّة و شمس الشروق و آصائله . و إنّه لجهاد ، نصر أو استشهاد .
لو قيل لي ، سيأتي زمن من أزمان أمتي العربيّة و الإسلاميّة ، يقدم فيه الصهاينة و أعوانهم على إبادة أهل غزّة و فلسطين ، تحت ظلّ الصمت الرهيب ، لما صدّقت ، بل لانتفضت غيظا واستنكارا ، و لقلت هذا لن يكون أبدا ، حتى يبيّض ريش الغراب . هذ افتراء و بهتان على خير أمّة أُخرجت للناس ـ تؤمن بالله ، و تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر . أمّا و قد حدث ، و يحدث اليوم في غزّة ، و أمّة العرب و المسلمين ترى المأساة ، و لا تحرّك ساكنا . وقد شُلّ عقلها ، و اعتُقل لسانها ، و انكشفت سوآتها ، و لم تجد ورقا أخضر أو يابسا تستر به عورتها . فقد صدق من قال فيها ( يا أمّة ضحكت من جهلها الأمم ) .
و ختم أيّوب بن أيّوب الغزّاوي ، الكلام المباح في انتظار انبلاج الفجر ، و طلوع الصباح قائلا :
طاب نومك يا أمّة المليار و النفط و الغاز و اللغو و الصمت



#علي_فضيل_العربي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمريكا و أخواتها والمسلمون و مأساة غزة
- مكانة المرأة الريفيّة و دورها في ثورة التحرير الجزائريّة
- تحية إلى أبناء نيلسون مانديلا
- انقلاب النيجر : إصرار في نيامي و هلع في باريس .
- إفريقيا للأفارقة
- ما زلت تلميذا
- سلام على هيروشيما و نكازاكي
- مليونا ين يابانيّ من أجل التحوّل إلى كلب
- أقدام على منصّات التتويج
- المنظور الصوفي في رواية بياض اليقين . قراءة نقديّة في رواية ...
- جناية الصوفيّة على الحضارة الإسلاميّة
- يُخرّبون بيوتهم بأيديهم
- سيميائية العلاقة بين الرجل و المرأة في رواية غابات الإسمنت * ...
- قراءة سيميائية و تفكيكيّة لرواية غابات الإسمنت . لذكرى لعيبي ...
- صورة المرأة المنتميّة في المجموعة القصصية ( إيلا ) * للقاصة ...
- تحرير الحريّة
- تأمّلات في التقشف و الزهد
- وجهة الفلسفة الغربيّة . إلى أين ؟
- الظاهرة الحزبيّة في البلاد العربيّة ما لها و ما عليها .
- امرأة من زمن العمالقة


المزيد.....




- بمشاركة روسية.. فيلم -أنورا- يحظى بجائزة -أوسكار- لأفضل فيلم ...
- -لا أرض أخرى-.. فيلم فلسطيني-إسرائيلي يظفر بأوسكار أفضل وثائ ...
- كيف سقينا الفولاذ.. الرواية الأكثر مبيعا والتي حققت حلم كاتب ...
- “الأحداث تشتعل”.. موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 183 كام ...
- أين ومتى ستشاهدون حفل الأوسكار الـ97؟.. ومن أبرز المرشحين لل ...
- الكويت.. وزير الداخلية يعلق على سحب الجنسية الكويتية من الفن ...
- هل تتربع أفلام الموسيقى على عرش جوائز أوسكار 2025؟
- وزير الداخلية: ما -العمل الجليل- الذي قدمه الفنانون للكويت؟ ...
- في العاصمة السنغالية دكار.. المتحف الدولي للسيرة النبوية في ...
- مصر.. إيقاف فنان شهير عن العمل لتعديه على لقاء سويدان


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي فضيل العربي - المقامة الغزّاوية ( 1 )