|
انتصار الموت في قصيدة -طابور الخبز والحب والحياة- عبد السلام عطاري
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 7888 - 2024 / 2 / 15 - 09:40
المحور:
الادب والفن
انتصار الموت في قصيدة "طابور الخبز والحب والحياة" عبد السلام عطاري "والموتُ ينجو من موتِنا الموتُ ينجو وأنا المُتعبُ من طابورٍ لا يبدأُ، لا ينتهي والجوعُ يعوي على الطّرقاتِ يعوي ويعوي وتمضي الأسئلةُ مهرولةً وتهربُ من أَلْسِنةِ السائلين تهربُ من قبضةِ الخوفِ وتحطُّ جوابَها تراه في عيونِ المتعَبين أنا وجعُ السّؤالِ، قُلت، وجعُ السؤالِ الذي لا يُرى ووجعُ الجوابِ الأعور في عيونِ السائرين العيونُ التي استعارها لاجئٌ عنَ لاجئٍ، لا تختلفُ الرؤى لا تختلفُ في عيونِ الناظرين وأتحسسُ وجهي أتحسسه ألمس نُدبةَ الحنين أشدُّ بها، أشدُّها بأصبعي أصبعي الذي أشرتُ به على الطّريق الطّريقِ التي تأخذُنا إلى كلِّ حيٍّ وحياة إلى خَرّوبةِ العُمرِ العَجوز كلما رميتُ نُعاسي على كفيَّ عبرتُ بأحلامي الطّرقاتِ عَبرتها لأرى أنِّي وقفتُ أولَ الفَجْرِ مبتدأ الطابورِ، طابورِ الفجرِ الطويل والبردُ يقضمُ جسدي ينهشُه، ينهشُ كلَّ شيء كلُّ شيء صارَ له طابورُ انتظار الخبزُ، الماءُ، الحبُّ والحياة والنومُ المرهَقُ مِنَ النُّعاس وأقفُ في زاويةِ العتمة لأصطادَ الموتَ لكنَّه الموتُ ينجو منّا الموتُ ينجو من موتِنا ينجو، من فخِّ الحياةِ ينجو من كَفنِ الميتين" بعد صوم لأكثر من أسبوعين عن الكتابة، جاء "عبد السلام عطاري" ليفتح شهيتي في هذه الوجبة المغرية، فهناك تكرار لافت للألفاظ، وكأن هناك نظرية هندسية استخدمها الشاعر في هذه القصيدة، بحيث جاءت فاتحتها كخاتمتها، بدأت بتكرار الموت ثلاث وانتهت بتكراره أربع مرات، وما بين (الموت المقدس) الذي يتفشى وينتشر بصورة متسارعة هناك ألفاظ تكررت لتبين طبيعة هذه الموت وما فيه من قسوة وألم ووجع. إن يبدأ القصيدة بلفظ "الموت" وتكراره ثلاث مرات فهذا يشير إلى الواقع الذي يعيشه ويمر به الفلسطيني في فلسطين وتأثر الشاعر به، وهذا (يخالف/يتناقض) مع عنوان القصيدة "طابور الخبز والحب والحياة" فلم نجد في الفاتحة لا حب والا خبز ولا حياة، بل: "الموت ينجو من موتنا والموت ينجو" فالكائن الحي هو الموت، وما تكرار ينجو إلا تأكيدا لهذا (الموت المقدس) وديمومته. بعد أن تحدث الشاعر بصيغة نحن/"موتنا" يدخلنا إلى صيغة الأنا: "وأنا المتعب من طابور لا يبدأ ولا ينتهي" تكرار حرف النفي "لا" يعطي مدلول لاستمرار وتواصل تعب الشاعر، وبهذا يكون هناك تكرار لأكثر من لفظ: "الموت، ينجو، لا" وكلها اجتمعت لتشير إلى القسوة والسواد الذي يمر به الشاعر والشعب الذي ينتمي له. بعدها يعطينا الشاعر تفاصيل عن هذا الموت، فهناك الجوع الذي يعوي وبصورة مستمرة ودائمة: "والجوع يعوي على الطرقات يعوي ويعوي" نلاحظ أنه يستخدم صيغة الجمع في "الطرقات" وبما أن هناك جوع ويعوي بصورة مستديمة فإن هذا يأخذنا إلى الكثرة الدائمة. بعدها يحدثنا الشاعر عن رؤيته لهذا الواقع المؤلم والقاسي: "وتمضي الأسئلة مهرولة وتهرب من ألسنة السائلين وتهرب من قبضة الخوف وتحط جوابها تراه في عيون المتغيبين" رغم قلة التكرار، إلا أن هناك تقارب في المعنى وفي صيغة المضارع: "وتمضي، وتهرب/تهرب، وتحط" فكل هذا الأفعال لها علاقة بالحركة والانتقال، كما أن التقارب بين "الأسئلة والسائلين" وهذا ما يجعل الانسجام في التكرار حاضرا في المقطع الذي يخدم فكرة السواد والموت التي بدأت بها القصيدة. يعود الشاعر مرة أخرى إلى استخدام صيغة أنا المتكلم: "أنا وجع السؤال، قلت وجع السؤال الذي لا يرى ووجع الجواب الأعور من عيون السائرين العيون التي استعارها لاجئ عن لاجئ، لا تختلف الرؤى لا تختلف عن عيون الناظرين" اللافت في هذا المقطع حجمه الطويل، فتواصل وتكامل الألفاظ المكررة يبرر هذا الطول: "وجع (ثلاث مرات) عيون/العيون/ (ثلاث مرات، السؤال، لاجئ، لا، تختلف" ونلاحظ التكامل والتناقض في "السؤال والجواب، يرى/الأعور/الناظرين" وهذا يخدم حالة الصراع/الحرب/التناقض التي يمر بها الفلسطيني، فهناك بطولة منقطعة النظير، يقابلها تخاذل رسمي عربي غير مسبوق، وهناك إمكانيات متواضعة في العتاد والعدة، يقابلها أحدث سلاح وذخائر عند العدو، وهناك صمود وبسالة، يقابلها حصار وتواطؤ ودعم للعدو، من هنا جاء التكرار الثلاثي للألم/"وجع" وللنظر/"العيون" وما "وجع السؤال" المكرر إلا من باب الاستهجان وعدم منطقية ما يجرب على الأرض. وهذا ما جعل الشاعر يعيد النظر في (واقعية) ما يجري، فهو أقرب إلى حالة من الجنون/الوهم/الكابوس منها إلى الحقيقة: "وأتحسس وجهي أتحسسه ألمس ندبة الحنين أشد بها، أشدها بأصبعي أصبعي الذي أشرت به على الطريق الطريق التي تأخذها إلى كل حي وحياة إلى خروبة العمر العجوز" في هذا المقطع نجد التكرار فقط، فليس هناك زيادة فيه كما جاء في المقاطع السابقة: "وأتحسس/أتحسسه، أشد/أشدها، بأصبعي/أصبعي، الطريق، حي/حياة" فهذه التناسق في التكرار يشير إلى أن الشاعر فعلا يريد أن يعرف/يتأكد من واقعية ما يجري، هل هو حقيقة أم حلم/وهم/خيال، وما التناسق في التكرار إلا ناتج عن العقل الباطن للشاعر الذي جعله بهذا الانضباط والانسجام، فهناك حالة من عدم ليقين يمر بها الشعب/الشاعر، جعلته يقدم (شكل) منطقي متزن ليصل إلى الأجوبة التي تكررت في السابق، في "السؤال" إذن الشاعر تأكد من واقعية ما يجري، مما جعله يتحدث (بواقعية) عن حال وواقع شعبه: "كلما رميت نعاسي على كفي عبرت بأحلامي الطرقات، عبرتها لأى أني وقفت أول الفجر مبتدأ الطابور، طابور الفجر الطويل والبرد يقضم جسدي ينهشه، ينهش كل شيء كل شيء صار له طابور انتظار" نجد (الواقعية/الواقع) في تخلص الشاعر من (الوهم): "رميت نعاسي، عبرت" وهذه الواقعية جاءت متناسقة ومكررة: "عبرت/عبرتها، الطابور/طابور (ثلاث مرات) الفجر، ينهشه/ينهش، كل شيء" اللافت في التكرار هو "الطابور" الذي جاء ليشير إلى أنه الحقيقة الأوضح والأكبر والأكثر استمرارا، إضافة إلى "البرد، والانتظار" الذي يؤلم/ينهش الشاعر. الشاعر يختم القصيدة بواقعة ما يعيشه الفلسطيني: " كل شيء صار له طابور انتظار الخبز، الماء، الحب والحياة والنوم المرهق من النعاس واقف في زاوية العتمة لأصطاد الموت لكنه الموت ينجو منا الموت ينجو من موتنا ينجو، من فخ الحياة ينجو من كفن الميتين" اللافت في خاتمة القصيدة أن الشاعر يكمل صورة الموت من خلال تكراره أربع مرات: "الموت/موتنا/الميتين" ما يعطيه صفة (القدسية) والديمومة والاستمرار، حيث تكرر سبع مرات في القصيدة، ونلاحظ شموليته فهو متعلق بالأنا "لأصطاد الموت" ومتعلق ب "نحن" ينجو من موتنا" ومتعلق بهم "ينجو من كفن الميتين" وهذا يخذنا إلى شمولية وعمومية الموت الذي يطال الكل وينتصر على الحياة/"ينجو" حيث تكررت في الفاتحة ثلاث مرات وكذلك في الخاتمة، بينما تكرر الموت سبع مرات وبهذا تكون الغلبة لموت الذي تأكد أنه المنتصر من خلال "كفن" وإذا ما قارنا هذه القصيدة بما يكتبه "عبد السلام عطاري" سنجدها فاقدة للطبيعة/للريف الذي يميز شعره، وكأن الحرب (حجبت) عنه ذلك الريف وما فيه من جمال، مما جعل الموت والسواد هو المنتصر والمسيطر، وهذا يعد تأكيد آخر للواقع المر الذي يمر به الفلسطيني. القصيدة منشورة على صفحة الشاعر
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثنائيات وتكاملها في رواية -أزواد- أحمد أبو سليم
-
الحرب العالمية
-
رواية عتبة الجنون ماجد أبو غوش
-
الحرب والأمل في -سماء غزة تلال جنين- عبد الله عيسى
-
الثورة في قصيدة -على أعتاب غد- نصر بدوان
-
سطوة المجتمع في رواية -العبور على طائرة من ورق- لزينب السعود
-
دولة الاحتلال في رواية -الهجرة إلى الجحيم- محمود شاهين
-
الفانتازيا في مجموعة -سقف السيل- محمد عارف مشة
-
الفلسطيني في كتاب -مذكرات حمار وطني- خالد الحسن -أبو السعيد-
-
الكاتب والبطل في رواية -امرأة تجهل أنها امرأة- حنا مينه
-
الكتابة والحرب في كتاب -مساحة شخصية، من يوميات الحروب على فل
...
-
الحدث الساخن في رواية -تراتيل في سفر روزانا- نزهة الرملاوي
-
تاريخ مصر في -أمام العرش- نجيب محفوظ
-
المحرمات الثلاث في رواية -باب الدروازة- علي لفتة سعيد
-
السرد وطريقة تقديم الأحداث في رواية -الآن في العراء- حسام ال
...
-
المكان و في ديوان -رأيت يافا مرتين- سامي عوض الله (البيجالي)
-
رواية قلوب متحجرة أحمد الصمادي
-
الهموم الوطنية في ديوان -فعله صغيرهم هذا، عنان- صلاح أبو لاو
...
-
القائد والحرب في رواية -الرفاعي- جمال الغيطاني
-
ثيمات الاعتقال السياسي في الرواية العربية بقلم فراس حج محمد
المزيد.....
-
القبض على مغني الراب التونسي سمارا بتهمة ترويج المخدرات
-
فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف
...
-
خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
-
*محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا
...
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|