أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شوقية عروق منصور - في بيتنا راديو














المزيد.....

في بيتنا راديو


شوقية عروق منصور

الحوار المتمدن-العدد: 7887 - 2024 / 2 / 14 - 15:35
المحور: الادب والفن
    


في بيتنا راديو ..!!
الذكريات لا تهرب بل تمشي على رؤوس أصابعها، يوم 13 / 2 يوم الإذاعة العالمي ، يوم حددته الأمم المتحدة وكان ذلك مع انطلاق الإذاعة عام 1947 ، أنا لا يهمني الأمم المتحدة وأيامها التي تستحم في بحيرات الأكاذيب النفاق والخداع ، بعد أن تحولت شعاراتها ومبادئها إلى جمعيات لدفن الإنسانية، بل ما يدفعني للتنهد أن جهاز الراديو كان جزءاً من ذكرياتنا ، كان بالنسبة لنا الرئة والانتظار والجلوس بالساعات إلى جانبها ، وذكريات أمي وأبي وشعبي ، وخطابات وطنية اشعلت النيران في قلوبنا واغان شهدت المد الثوري ورقصنا على أغاني التحرير والاستقلال ، أذكر صورة أمي عندما سمعت صوت الرئيس الجزائري " أحمد بن بيلا " عند زيارته للقاهرة ، بعد استقلال الجزائر كانت دموعها تسيل وبكلماتي الطفولية سألتها " ليش بتعيطي " قالت لي " يمه ... الجزائر مليون ونص شهيد وانتصروا ".
كانت نشرات الأخبار التي تحملها الإذاعات المصرية والسورية هي التحليق والاعتزاز واشعال عود ثقاب في عتمة ليل النكبة الذي كان يخيم علينا، من بين الصور التي تدفقت أمامي، صورة أبي وهو يحمل الراديو - الصندوق - و نازل عن الدرج وأحاول التشبث به وأنا أبكي، أريد مرافقته وأمي تردد " أبوكي راح يشحن الراديو .. برجع بعد شوي " ... ومن النكت التي كانت ترددها أمي عن جدتي حين كان يذهب لشحن الراديو : " يمه عبي الراديو على عبد الوهاب وام كلثوم " .
كنت في الصف الأول وابي يردد باستهزاء اسم أحد الاذاعيين ويقارنه بإذاعي آخر " هو مفكر حاله عبد الهادي البكار " وعرفت بعد ذلك أنه المذيع السوري الذي قال بصوته الجهوري ( هنا القاهرة من دمشق - لبيك يا مصر ) بعد أن استهدفت قوات العدوان الثلاثي أبراج الإذاعة المصرية عام 1956 ، وقد اعتقد الذين ضربوا الأبراج أن الأمواج الأثيرية ستصمت .
كان أبي دائماً إلى جانب جهاز الراديو - أو الصندوق الضخم - الذي وضعت فوقه والدتي تمثالاً على شكل حصان جامح اشترته بعد عام 67 من سوق في مدينة القدس .
أثناء أحداث 1967 أذكر أن مجموعة من الرجال كانوا يلتفون حول الراديو، وكلما هممت بدخول الغرفة كانوا يطردونني - روحي العبي بره - .. ! وبين كلمات الطرد كانت تتسلل سحب الدخان وفوضى منفضات السجائر .. وعبارات مصابة بالهذيان و هدير الدهشة وجنون اللامعقول .
أما خطاب الرئيس المصري " جمال عبد الناصر " الذي كانت إذاعة القاهرة تبثه ، كان عبارة عن التصاق بالراديو وسماع تفاصيل التفاصيل وتحليلها ، وقد كان كل مقهى يملك راديو خاصة برواده وأثناء الخطاب يكون رواد المقهى كأن على رؤوسهم الطير ، وكانت الشوارع خالية كأنه فرض منع التجول، - الم يقل شاعرنا محمود درويش أثناء خطاب جمال عبد الناصر " الجائع يشبع والواقف يجلس " .
كانت أمي مواظبة على سماع إذاعة القاهرة، وكان سماعها للإذاعة معناه علينا أن نصمت ونلعب بهدوء ، تجلس وتنتظر المسلسل اليومي الساعة الخامسة والربع عصراً ، أما الطقس الأسبوعي يوم الجمعة برنامج " على الناصية" التي تقدمه الاذاعية الشهيرة " أمال فهمي " ويوم الأربعاء " برنامج من الشاشة إلى الميكرفون " التي كانت تقدمه الاذاعية " ثريا عبد المجيد " وهو نقل فيلم كامل إلى الإذاعة . ولا أنسى برنامج " حول الاسرة البيضاء " وكانت تقدمه الاذاعية " سامية صادق " حيث تقوم بزيارة المستشفيات برفقة أحد الفنانين واللقاء بالمرضى الذين يفرحون ويسعدون بهذه الزيارة ، هذه البرامج كانت تثري الثقافة اليومية وترفع من قيمة الثرثرة اليومية للجارات .
وكبرت وأصبحت الإذاعة جزءاً أيضاً من عالمي حتى أثناء اعداد دروسي ووظائفي كانت الراديو إلى جانبي كنت أتابع برنامج " زيارة لمكتبة " فلان" للإذاعية نادية صالح ، حيث كانت تستضيف في كل حلقة أحد الكُتاب أو الفنانين، يتكلم عن مكتبته وأي كتاب أثر فيه ، كانوا يتكلمون عن الكتاب بحرارة واهتمام بالثقافة ومستوى عال من احترام إذن المستمع ، أما الشاعر " فاروق شوشة " فقد كان برنامجه " لغتنا الجميلة " عبارة عن معزوفة لفظية ، القصائد الشعرية بصوته الدافئ يجعل من اللغة العربية حقولاً ضوئية ينبث في تربتها الف شاعر وشاعرة .
كانت الراديو النافذة التي نطل من خلال أثيرها على العالم العربي ، نعرف تفاصيل أحداثه السياسية وتحركات رؤسائه وفنه وأغانيه وأفلامه مسرحياته . كانت الانتصارات تفرحنا و تبهجنا كان التضامن العربي يحصي التأييد ومن يخرج عن التضامن تصعقه العناوين الساخرة .
كانت جدتي التي لا تقرأ ولا تكتب بعد صلاتها تبدأ بالدعاء للرئيس الفلاني بالتوفيق والرئيس علاني بالسقوط والخذلان، أذكر كان شهر رمضان وقررت أن أذهب إلى بيت جدي لتناول الإفطار، وما أن دخلت إلى الغرفة حتى وجدت جدي يبكي وجدتي أعدت بعض الطعام بسرعة ، وأطلق مدفع الإفطار وجدي بقي صائماً ورفض تناول أي لقمة . وسألت جدتي بالهمس ما به أجابت " سمع بالراديو أن الرئيس العراقي " عبد السلام عارف " قد توفي أثناء سقوط المروحية التي كان يستقلها.
ومن النكت التي كان يرددها أبي أمام أمي : أن امك خلال خطوبتها على كانت تعانق الراديو عندما كان يغني فريد الأطرش " جميل جمال مالوش مثال " لأن أبي اسمه جميل " وكانت أمي تبتسم سقا الله على تلك الأيام .!!
وبدأ جهاز الراديو يصغر ويتقلص حجمه حتى أصبح بحجم اليد، وأيضاً تقلصت المشاعر والأحاسيس الشخصية و الوطنية حتى اختفت من الأيدي ، وبقيت ذكريات من رحلوا .. وجوههم وأصواتهم



#شوقية_عروق_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لكوابيس الغزاوية
- غزة من زمن آخر
- تنهدات على تراب غزة
- خواطر من الزمن الغزي
- أين قبري ؟؟ وبابا نويل عارياً
- عندما تتكلم العيون الغزية
- ثرثرة سياسية في عيادة طبيب
- قصيدة غربة
- استقالة ورقة التوت
- دير أبو اليتامى في الناصرة المكان الذي لم يفقد الذاكرة
- لا يوجد عذراء في الشرطة الاسرائيلية
- تل ابيب تبيع توابيت الحزن
- الجزيرة والكلب وبينهما رصاص
- بين عري الجسد وعري القتل والدمار
- جنين مقياس ريختر للسلطة الفلسطينية
- الحب في الزمن اليمني
- ما زلنا في مغارة 5 حزيران
- يريدون تحويل دمنا إلى غبار
- صدور الطبعة الثانية من كتاب - مذكرات معلم - للكاتب تميم منصو ...
- يتباهون بسلخ جلودنا


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شوقية عروق منصور - في بيتنا راديو