أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - عبدالله المدني - في فيتنام .. لا وقت لاجترار الماضي















المزيد.....


في فيتنام .. لا وقت لاجترار الماضي


عبدالله المدني

الحوار المتمدن-العدد: 1747 - 2006 / 11 / 27 - 10:28
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


زيارة الرئيس جورج دبليو بوش إلى هانوي في الأسبوع الماضي، و هي الثانية لرئيس أمريكي إلى هذا البلد منذ انتهاء الحرب الأمريكية – الفيتنامية قبل نحو ثلاثة عقود، لم تصاحبها أية مشاكل أو منغصات كيلا نقول أنها تمت في أجواء حميمية. على العكس من ذلك، قوبلت زيارة بوش إلى جاكرتا هذا الأسبوع بتظاهرات ضخمة شارك فيها الآلاف من الاندونيسيين الذين لم يكتفوا بالتنديد بالضيف وبلاده بل هددوا بقتله بعملية انتحارية و لجأ بعضهم إلى أعمال السحر و الشعوذة من اجل إفساد رحلته. هذا علما بأن الفيتناميين، و ليس الاندونيسيون، هم من صبت الآلة الحربية الأمريكية فوق رؤوسهم آلاف الأطنان من القنابل الحارقة و قتلت مئات الآلاف من شبابهم و نسائهم و أطفالهم في حرب دامت لأكثر من عقد.

المشهدين المتناقضين السابقين إن عكسا شيئا فانهما يعكسان اختلاف ثقافتين. الأولى قادرة على تجاوز الماضي بكل آلامه و مآسيه و أحماله الثقيلة، و النظر إلى المستقبل بواقعية و مسئولية وإرادة حديدية. أما الثانية فعاجزة عن المبادرات الخلاقة بفعل استسلامها للأوهام و الهواجس، فتلجأ إلى الضجيج والتهديد و السحر، و تركن إلى الشعارات الفارغة التي ما صنعت إلا المزيد من التخلف و الانهيارات. والأخيرة على أية حال ليست ثقافة اندونيسية أصيلة بقدر ما هي دخيلة تسربت من مجتمعات الشرق الأوسط المحتقنة، و وجدت من يحتضنها و ينشرها طبقا لتصريحات آخر ثلاثة رؤساء اندونيسيين في مناسبات مختلفة.

ولأن الثقافة السائدة في المجتمع الفيتنامي هي ثقافة العمل و التعاون من اجل المستقبل وليس ثقافة المقاطعة و اجترار الماضي والتجمد عند محطة تاريخية معينة، فانه حتى حكام البلاد، من الشيوعيين الذين لسنا في حاجة للتذكير بما بينهم و بين الولايات المتحدة و الغرب من ثارات، تشربوا مفردات هذه الثقافة، وبالتالي لم يجدوا غضاضة في نسيان الماضي الكئيب و التعاون الشامل مع رأس النظام الرأسمالي، و هو ما لا يمكن توقعه من شيوعيي العالم العربي الذين هم في النهاية نتاج بيئة و ثقافة مختلفة مأسورة بالماضي و مأزومة بنظريات المؤامرة. و هنا لا بد من فتح هلالين كبيرين للقول بأنه ما من امة واجهت التكنيل و الاستعمار على يد الأجنبي مثل الأمة الفيتنامية التي تعرضت لألفي عام من الهيمنة الصينية، و 16 عاما من الغزوات المغولية، و نحو مئة عام من الهيمنة الاستعمارية الفرنسية فاليابانية، و 30 عاما من حروب الاستقلال و الوحدة ضد الفرنسيين و الأمريكيين، فما غرس ذلك في أبنائها نوازع الانتقام والكراهية و المقاطعة إلى الأبد، و لم تصبغ ثقافتهم بالدموية.

كانت تلك مقدمة ضرورية لتفسير التعاون اللافت للنظر ما بين الفيتناميين و الأمريكيين في السنوات الأخيرة، و الحيوية التي باتت تميز علاقاتهما الثنائية الرسمية و الشعبية رغم كل ما كان بينهما من عداوة. و إذا كانت زيارة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون إلى فيتنام في نوفمبر 2000 ، قد رافقها بعض الجدل حول مسألة تقديم واشنطون لاعتذار رسمي عن جرائمها بحق الشعب الفيتنامي، فإنها دشنت عهدا جديدا و عززت خطوات سابقة مثل قرار رفع المقاطعة الأمريكية في عام 1994 وإنشاء العلاقات الدبلوماسية في عام 1995 و توقيع معاهدة للتبادل التجاري في يوليو 2000 . بل إنها وطدت السياسات الانفتاحية للنظام الشيوعي الفيتنامي التي كان من تجلياتها تأسيس روابط دبلوماسية كاملة مع المزيد من دول العالم الحر و بما جعلها اليوم مرتبطة دبلوماسيا مع 167 بلدا، واقتصاديا مع 150 بلدا، و ممثلة في اكبر ثلاثة تكتلات إقليمية ( ايبيك و آسيان و أفتا)، ومدعوة للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.

و منذ دخول المعاهدة التجارية بين واشنطون و هانوي حيز التنفيذ في ديسمبر 2001 تضاعف حجم التبادل التجاري بين البلدين ثلاث مرات ليصل في العام الماضي إلى أكثر من 6.4 بليون دولار، ولتصبح الولايات المتحدة اكبر سوق لصادرات فيتنام، بل مستوردة لخمس إجمالي الصادرات الفيتنامية. و في موازاة هذا التطور راحت الاستثمارات الأمريكية الخاصة تنكب على فيتنام، تغريها عوامل مثل تنوع الفرص الاستثمارية المجدية وانخفاض أجور الأيدي العاملة بنحو 30 بالمئة عن مثيلاتها في الصين، و وجود تكتل بشري يزيد على 78 مليون نسمة 60 بالمئة منهم من الشباب دون الثلاثين، و تجذر قيم الانضباط و الإخلاص في العمل و الجدية و المثابرة في التعليم. فكان أن تجاوز الحجم الكلي لرؤوس الأموال الأمريكية المستثمرة الرقم 2.6 بليون دولار في العام الماضي، علما بان حجم ما استثمره الأمريكيون في فيتنام عام 2005 وحده بلغ 530 مليون دولار أو 19 بالمئة من إجمالي ما استقطبته فيتنام في ذلك العام من استثمارات أجنبية.

وفي دراسة أعدتها غرفة التجارة الأمريكية في عام 2004 حول تقييم أعضائها لمناخ الأعمال في فيتنام و مدى استعدادهم للاستثمار هناك، وافق 77 بالمئة منهم على أن الاقتصاد الفيتنامي يعمل بصورة حسنة و ينتظره مستقبل مشرق، و توقع 82 بالمئة منهم بتزايد فرص الربح أمام المستثمرين الأجانب في السنوات القادمة. و رغم ما أبداه البعض من تحفظات على ضعف البنية التحتية في فيتنام و انتشار الفساد الإداري و بطء عمل الأجهزة البيروقراطية، فانه كان هناك إجماع على ميلاد نمر جديد، بالامكان تغذيته و تدريبه و توجيهه ليصبح صنوا لنمور آسيا التكنولوجية. و من هنا لم يكن غريبا أن يسبق زيارة بوش الأخيرة إلى هانوي الإعلان عن قرار شركة " انتيل Intel " الأمريكية العملاقة، التي تعد اكبر منتج في العالم لشرائح و معالجات الكمبيوتر، باستثمار بليون دولار في فيتنام عبر إقامة مشروعين في مدينة هوشي منه (سايغون سابقا)، أحدهما لتجميع شرائح الكمبيوتر والآخر للاختبارات ذات الصلة، ينتظر أن توفرا معا نحو 4000 فرصة عمل.

و أهمية هذا الاستثمار الأمريكي الجديد الذي وضع فيتنام بثبات على خارطة الأمم الساعية نحو اقتصاديات المعرفة و الهاي تيك تكمن في إعطائه مؤشرا على الثقة المتزايدة في إمكانيات و مستقبل فيتنام، و بالتالي تشجيع مؤسسات الأعمال الأمريكية و الغربية و الآسيوية الكبرى دون وجل أو تردد على خوض قطاع الهاي تيك و صناعة تكنولوجيا المعرفة الفيتنامي الناشيء الذي حقق في العام الماضي مبيعات فاقت البليون دولار. لقد كان بامكان مؤسسة عملاقة كأنتيل أن توجه استثماراتها إلى دول أخرى، لكنها فضلت فيتنام لأن الأخيرة واعدة بكل المقاييس بفضل العوامل المشار إليها آنفا وعلى رأسها ثقافة متجذرة قواها التسامح و الانفتاح و العمل الجاد و المدروس من اجل المستقبل، لا الانشغال بالماضي و هدر الحاضر في العنتريات و الشعارات و التهديدات التي ما قتلت ذبابة.

ليتنا نتعلم من الفيتناميين، بدلا من الإعجاب بنظام ارعن لا يجيد سوى صناعة أدوات الموت والدمار كالنظام الكوري الشمالي، فنكف عن النواح و الصراخ حول الكرامة المنتهكة و العزة المهدورة والسيادة المطعونة، و نتخذ من التعاون و الشراكة و الانفتاح على العالم بشرقه و غربه طريقا نحو الكرامة و العزة و الريادة.



#عبدالله_المدني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخليج .. فيما لو حدث - تشيرنوبل- إيراني
- أخيرا، وجدت الهند من يشغل حقيبة الخارجية!
- سنغافورة .. دور جديد في الألفية الثالثة
- محمد يونس .. يستحق أكثر من نوبل
- أفغانستان .. التحدي الكبير للناتو
- لماذا أختير -سورايود- زعيما لتايلاند؟
- وظائف شاغرة في الصين
- -عبدالله- يستولي على السلطة في تايلاند
- آسيا .. ما بين عقلانية وسطها و راديكالية أطرافها
- في وداع - كويزومي-.. و استقبال - شينزو أبي-
- نحو دولة طالبانية في -أتشيه- الاندونيسية!
- هذا الهندي الموهوب هو الأجدر بقيادة الأمم المتحدة
- صواريخ حزب الله الإيرانية: فتش عن الدور الصيني
- -جزار كمبوديا الأعرج- يرحل دون قصاص
- طالبان قد تستفيد مما يجري في الشرق الأوسط
- نهاية الإرث السياسي لآل باندرنيكا
- باعاشير طليقا!
- لماذا ننادي بعلمانية الدولة
- هل -مرعي بن عمودي الكثيري- هو السبب؟
- درس انتخابي من -كيرالا


المزيد.....




- نتنياهو يتعهد بـ-إنهاء المهمة- ضد إيران بدعم ترامب.. وهذا ما ...
- روبيو: إيران تقف وراء كل ما يهدد السلام في الشرق الأوسط.. ما ...
- بينهم مصريان وصيني.. توقيف تشكيل عصابي للمتاجرة بالإقامات في ...
- سياسي فرنسي يهاجم قرار ماكرون بعقد قمة طارئة لزعماء أوروبا ف ...
- السلطات النمساوية: -دافع إسلامي- وراء عملية الطعن في فيلاخ و ...
- اللاذقية: استقبال جماهيري للشرع في المحافظة التي تضم مسقط رأ ...
- حزب الله يطالب بالسماح للطائرات الايرانية بالهبوط في بيروت
- ما مدى كفاءة عمل أمعائك ـ هناك طريقة بسيطة للغاية للتحقق من ...
- ترامب يغرّد خارج السرب - غموض بشأن خططه لإنهاء الحرب في أوكر ...
- الجيش اللبناني يحث المواطنين على عدم التوجه إلى المناطق الجن ...


المزيد.....

- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - عبدالله المدني - في فيتنام .. لا وقت لاجترار الماضي