|
غزة من زمن آخر
شوقية عروق منصور
الحوار المتمدن-العدد: 7873 - 2024 / 1 / 31 - 15:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
-أ- شوارع ملطخة بالدم والمطر والفقر والقهر ، شوارع وطرقات تثير في الروح أغاني الغدر وفصول الدهشة من وداعة كراسي القادة والحكام العرب قبل الأجانب ، أما صدى الصراخ الغزي الذي أصبح اغتصاباً لأبجدية اللغة واقتحام الحروف والكلمات والمفردات، فقد تبعثر في الطرقات لأن هناك من أصيب بالخرس ، وفي آذانهم وضعوا اسمنت عدم الاهتمام . الوجوه التي تجعدت من شدة البكاء تنتحب بصمت ، وخلفها بيوتاً كانت يوماً عامرة ، بهية ، تقرع طبول الأحلام في ليالي الحصار ، الآن أصبحت تطل من بين الخراب والدمار جواز سفر لشريعة القوة التي تحاكي الدعس على الانسان . تسافر في دمي كل الشتائم والكلمات التي ركبت قطارات التاريخ تتصفح الأقوال والأفعال ، لم أقطع يدي التي كانت تلوح للمستقبل ، بل فتحت صفحات الخيانة فوجدتها متوحشة حاملة مكبرات الصوت و عنوانها " آكلة للحم الفلسطيني " . -ب- أبحث عن كلمة " الدفء " في هذا البرد القارص ، أراها تتسكع في البيوت المطمئنة تصافح الأغطية الصوفية والحريرية وتنام فوق الأجساد حيث تتشاجر الأغطية بين بعضها البعض من سيكون دافئاً أكثر ، وفي الخيام الملعونة هناك من يحاول إبعاد جسده عن قطرات الماء التي تتسلل من ثقوب الخيمة التي أصرت على العناد فهي على خلاف مع " الدفء" وتريد تقديم فواتير الذل لأصحاب القرار ، وترتجف كلمة " الدفء " وتقف جانباً عندما ترى المياه تدفقت وأصبحت بحراً داخل خيمة ، قالها يوماً كاتبنا الفلسطيني " غسان كنفاني " خيمة عن خيمة تفرق " لكن في غزة أصبحت الخيمة شفافة جداً ولا مجال للهروب من حقيقة الكابوس الاحتلالي الذي استمر قرابة قرن من الزمن اللامبالي ، أصبحت الخيمة شفافة لأنها أصبحت مزروعة بالتساؤلات المدفونة كرؤوس النعام في تراب المفاوضات . -ت- كلما تذكرت أمي - رحمها الله - أنها تزوجت دون عرس وموسيقى ورقص وغناء كانت تهمس لي " الله يسامحه جدك" فأضحك في سري ، فالقصة سمعتها عشرات المرات .. لقد كان عرس أمي في حرب 56 - أي زمن العدوان الثلاثي - الإسرائيلي ، الفرنسي ، البريطاني عام 1956 - على مصر وكان جدي " أبو السعيد " عاشقاً لمصر وعبد الناصر والعروبة تسري في دمه وكان طوال الوقت ملتصقاً بالراديو ، وكانت تحضيرات العرس على قدم وساق، لكن جدي أقسم وقام بإلغاء كل مظاهر الفرح ، لا موسيقى ولا زغاريد وتخرج العروس - أمي - على الصمت ، وقال بأعلى صوته متوعداً الجميع ( احنا نعمل عرس ونغني وأهل بور سعيد بنقتلو ... بتعرضوا للموت . فش عندكو دم عربي !!! ) . تذكرت زمن القيم الأخلاقية التي رغم بساطتها كانت عنواناً لمرحلة فيها أعذب رسائل التضامن عندما كانت الشعوب العربية تلتف حول بعضها البعض ، هل يعقل أن الشرايين أصابها الصدأ والعفن ؟ أعراس ومهرجانات في كل مكان ، في السعودية فنانين بدلاً من أن يكونوا قدوة ومثال ، نراهم بكامل العري يتصدرون المنصات ، عري ثيابي وعري أخلاقي ، كأنهم يعيشون على كوكب آخر لا يمت لشعوبهم بصلة، والمصيبة إذا خرج أحدهم عن سكة قطار اللامبالاة وقام بتحية أهل غزة ، يهاجمونه وينبذونه كأنه يذكر العالم بحقيقتهم وسطحيتهم . أخجل عندما أرى أحد الممثلين الأجانب يتحدى هيمنة الأصابع اليهودية في هوليود ووسائل الاعلام ، ويقف إلى جانب غزة ، بينما أكبر ممثل ومطرب عربي يقوم بحشر نفسه في سروال الهرولة نحو المهرجانات . -ث- منذ زمن طويل وأنا أعاني من مرض يدعى قراءة لافتات - آرمات - المحلات والدكاكين ، اكتشفت أنها عبارات إنكليزية وعبرية واللغة العربية تطل بخجل ، كأنها تقول لي عذراً البقاء للأقوى ، حتى لو كانت لغتك احتلت العالم ونامت في قصور الأندلس وحضنت الأراضي الأوروبية والأفريقية وعانقت الكتب التاريخية التي نفرشها اسلاكاً كهربائية تضيء الجامعات والأبحاث العلمية الغربية ، حيث لم يعد لنا فخراً إلا تلك الكتب المفخخة بالشموخ والاعتزاز والفخر ، ومؤكد صفحات تلك الكتب تهزأ وتضحك على حالنا المترهل ذلاً. ولكن لم أعلم أن لافتة مكتوباً عليها - 7 أكتوبر - معلقة على محل شاورما في مدينة الكرك الأردنية تهز عرش الحكومة الإسرائيلية، يعني كل من ولد و تزوج أو نجح بامتحان أو حتى قام بحفلة - طهور لأبنه - في 7 أكتوبر عليه أن يصمت وممنوع أن يكتب تهنئة أو يتطرق بكلمة . رحم الله صديقي الشاعر النصراوي " فوزي الحكيم " الذي كلما كنت أتذمر من الوضع السياسي ، يقول " نحن في الزمن الترللي " وكانت عبارته القصيرة جداً تلخص زمناً يجثم كالصخر فوق صدورنا .
#شوقية_عروق_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تنهدات على تراب غزة
-
خواطر من الزمن الغزي
-
أين قبري ؟؟ وبابا نويل عارياً
-
عندما تتكلم العيون الغزية
-
ثرثرة سياسية في عيادة طبيب
-
قصيدة غربة
-
استقالة ورقة التوت
-
دير أبو اليتامى في الناصرة المكان الذي لم يفقد الذاكرة
-
لا يوجد عذراء في الشرطة الاسرائيلية
-
تل ابيب تبيع توابيت الحزن
-
الجزيرة والكلب وبينهما رصاص
-
بين عري الجسد وعري القتل والدمار
-
جنين مقياس ريختر للسلطة الفلسطينية
-
الحب في الزمن اليمني
-
ما زلنا في مغارة 5 حزيران
-
يريدون تحويل دمنا إلى غبار
-
صدور الطبعة الثانية من كتاب - مذكرات معلم - للكاتب تميم منصو
...
-
يتباهون بسلخ جلودنا
-
مشروع شهيد
-
لماذا أكتب ؟
المزيد.....
-
ترامب يكشف عن ما سيفعله مع روسيا والصين إذا فاز في الانتخابا
...
-
إيلون ماسك محور جدل في أمريكا واتهامات له بالتحريض على قتل ب
...
-
روسيا.. انخفاض عدد مستعمرات النحل بمقدار 500 ألف على مدى الس
...
-
خسوف جزئي للقمر سيتمكن سكان مختلف مناطق العالم من مشاهدته
-
Lava تكشف عن هاتفها الجديد لشبكات الجيل الخامس
-
من النصر إلى كارثة. الغرب يتناسى أنه قبل عامين احتفل بهزيمة
...
-
المهندسون الروس يدرسون مبادئ عمل صاروخ هيمارس الأمريكي
-
نمط غريب ومفاجئ في إدارة الحملات الانتخابية في أمريكا
-
بلقاسم حفتر لـ-الحرة-: شرق ليبيا وغربها يتوافقان على إعمارها
...
-
بعد -محاولة الاغتيال الثانية-.. بايدن يتصل بترامب
المزيد.....
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
المزيد.....
|