|
الخيال الحضري وأدب الشوارع
محمود يعقوب
الحوار المتمدن-العدد: 7868 - 2024 / 1 / 26 - 14:21
المحور:
الادب والفن
تأثّر معظم كتّاب ما بعد الحداثة بالخيال الحضري وأدب الشوارع في رواياتهم وقصصهم ، بصورة أو أخرى . ونذكر هنا ، على سبيل المثال لا الحصر الكاتب الياباني هاروكي موراكامي ، الذي يعترف بتداعيات هذا النوع الأدبي في أعماله . والخيال الحضري هو نوع من الأدب ظهر لأوّل مرّة في أمريكا في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين ؛ ويعزو البعض إلى أن جذوره تعود إلى كتابات وخطابات السيرة الذاتية لمالكوم إكس ، حيث سعت خطاباته الأصلية ، وأعماله المنشورة إلى كشف الصعوبات التي تعاني منها مجتمعات السود . وفي السنوات اللاحقة ، واصل المؤلفان الشهيران : آيسبورج سليم ، وكلود براون هذا النمط الكتابي في رواياتهما التي نالت إقبالاً منقطع النظير . يركّز الخيال الحضري على القصص التي تدور أحداثها في المناطق الحضرية داخل المدن ، خاصّة في المدن الأمريكية الكبرى ، مثل نيويورك ، وولاية نيو أورليانز . غالباً ما يكتب هذه الكتب مؤلفون أمريكيون من أصل أفريقي . وتتميّز بشخصياتها الأمريكية من الأصل الأفريقي أيضاً . أصبحت شعبية الخيال الحضري شائعة مؤخراً لأنها تتمتّع بمقدرتها على التقاط الحقائق القاسية للحياة في المناطق الحضرية . تصوّر العديد من هذه الكتب ألوان المآسي ، وهي مليئة بالألفاظ النابية ، كما يجري تلفّظها من قبل أبناء الشوارع عادة . ويسعى الخيال الحضري إلى تعريف القرّاء بالتجربة الحقيقية للعيش في أمريكا الحضرية . الكثير من هذه القصص مكتوبة بوحي من تجارب المؤلفين ، لذلك غالباً ما يمكن اعتبارها شبه سيرة ذاتية . تمّ أيضاً تصنيف الأدب الحضري ، والقصص والروايات على أنها خيال الشوارع ، أو ما يُعرف بأدب الهيب هوب ، أو إضاءة الشوارع ، أو أدب العصابات ، وما إلى ذلك من المسميات . يحكي هذا النوع الأدبي قصة الحياة في داخل المدينة بشكل عام ، بنبرة داكنة وشجاعة ، حيث تسلّط القصة الضوء على الحقائق القاسية في المدينة الحديثة . غالباً ما تكون القصص سريعة الوتيرة ، وهي تركّز على بطل الرواية بشكل كبير ، وعموماً يتميّز هذا البطل بكونه شاب ، بالغ ، قادر من التغلب على الشدائد ، وينجو من سوء المعاملة والخيانة ، ويخرج من الأوقات الصعبة . غالباً ما تحتوي الكتابة على محتوى جنسي صريح وعنف مصوّر . على الرغم من أن ليس كل الخيال الحضري يحدث في الولايات المتحدة ، وظهرت كتابات مماثلة في مدن كبرى مثل طوكيو ، إلّا أن المكان المناسب عادة ما يكون مدينة حضرية كبيرة ومزدحمة بالسكان . ويعكس النثر المستخدم والحوار الجاري بين الشخصيات اللغة المستخدمة في تلك المناطق عادة ، بما في ذلك اللهجات الإقليمية ، كما هو في أمريكا حيث تستخدم اللغة الإنجليزية العامية الأمريكية ـ الأفريقية . وسواء أكانت القصص والروايات تدور هنا أو هناك ، فهي بشكل عام تتضمّن مجموعة متنوّعة من الجوانب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية . تشمل فئة الأدب الحضري مجموعة واسعة من الكتب ، في حين أن مصطلح " إضاءة الشوارع " يشمل الأنواع الفرعية الخيالية والواقعية ، مثل المذكرات ، والسيرة الذاتية والشعر . إن مصطلح الخيال الحضري مناسباً ، بشكل أكثر تحديداً للروايات ، وقد يمتزج مع الأنواع الأخرى : الرومانسية ، والشبقية ، والغموض ، والإثارة .. على الرغم من وجود جذور لمثل هذا النوع الأدبي ، تمتدّ إلى القرن التاسع عشر والقرن العشرين ، إلّا أن العديد من الدارسين له يعتبرون أن فترة أواخر التسعينيات من القرن الماضي ، هي فترة الانطلاقة الحقيقية له . حيث صدرت في تلك الحقبة بعض الروايات التي لاقت رواجاً كبيراً ، وتركت أثرها الملموس في الساحة الأدبية التي كان يدور فيها هذا الأدب ، وعدّت روايات افتتاحية لأدب الشوارع . رواية FLYY لعمر تيري ١٩٩٩ . رواية True to the Game لتيري وودز ١٩٩٨ . " أبرد شتاء على الإطلاق " للأخت سولجا ١٩٩٩ . تعتبر هذه الروايات البداية المذهلة لطوفان من عناوين الروايات والقصص ، والسير الذاتية الأمريكية ـ الأفريقية ، المحرومة اجتماعياً واقتصادياً ، بحبكاتها التي تحرّكها الأحداث ، والتي تركّز على الكفاح الوحشي غالباً من أجل البقاء . حيث تستخدم اللغة العامية بعيداً عن القواعد النحوية ، وبلاغة اللغة ، وحيث يفرط الكاتب في غمرة البذاءة . غالباً ما تشير عناوين الكتب إلى الحياة في قاع المجتمع ، بينما أغلفتها تحمل صوراً فوتوغرافية لشابّات في أوضاع جنسية متنوّعة . وبصورة عامة ، يبدو أن المؤلف ، في هذا النمط الكتابي ، قد نشأ وترعرع في مثل تلك الأحياء الحضرية التي تدور فيها أحداث قصصه ورواياته ، أو أنه على الأقل على دراية بهذه الأمكنة بسبب عملهم فيها ؛ كما كان الحال مع الكاتبة الأخت سولجا . بعض المؤلفين لديهم تجاربهم الخاصة مع السجون ، على سبيل المثال ، كتبت فكتوريا . إم . سترينجر رواياتها شبه السيرة الذاتية " ليكن هذا هو السبب " التي نشرتها عام ٢٠٠١ في الوقت الذي كانت فيه تقضي عقوبة السجن لمدة سبع سنوات . يشترك معظم مؤلفي هذا النوع الأدبي في الإحباط الأولي ، بشأن الرفض المتكرّر لأعمالهم من قبل الناشرين الرئيسيين ، قبل تحوّلهم إلى النشر الذاتي ، وهم يعمدون إلى بيع كتبهم بعد طبعها في صالونات الحلاقة والتجميل ، أو مع الباعة الجائلين ، أو في أقبية الكنائس ، أو في صناديق سياراتهم ، أو على أرصفة الشوارع ، ومحطّات تعبئة الوقود . بعض هؤلاء المؤلفين ناجحين للغاية ، لدرجة أنهم أنشئوا شركات نشر خاصّة بهم ، ووقعوا على مؤلفين آخرين سعوا لنشر مؤلفاتهم . على سبيل المثال : باعت شركة Triple Crown Publications التابعة للكاتب نيكي سترينجر حوالي ٣٠٠ ألف كتاب ورقي الغلاف لأربعة عشر مؤلفاً مختلفاً في ستة عشر شهراً فقط . ولكن ما لبث أن عاد الناشرون الرئيسيون الذين رفضوا تلك الكتابات بادئ الأمر ، ليعرضوا عقوداً مربحة مع هؤلاء المؤلفين ، بعد إدراكهم لاحتمالية المكاسب التجارية . ومن المفارقات ، أنهم اليوم يحتفلون بهذا النوع من الكتب باعتباره وسيلة رائعة للوصول إلى شباب وشابات المناطق الحضرية ، الذين لم يطّلعوا على هذا النوع من الكتابة . وقد بدأ المعلّقون في السنوات الأخيرة ، في إيلاء بعض الاهتمام لهذا الأدب ، ومع ذلك لم تزل الآراء منقسمة على نفسها بصدد تقييمه .
#محمود_يعقوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فضاء السجن في رواية لا رياح ولا مطر لمحمود يعقوب
-
كوبو آبي في رواية ( المعلّب )
-
( جواد طليق في سهوب الشعر ) مع الشاعر العراقي الخلّاق جواد غ
...
-
محاسن الذكريات في النص السردي رواية - الطريق الذاهب شرقا - ل
...
-
( أتفهمني ؟ ) ـ قصة قصيرة
-
حاملة الرسالة ــ قصة قصيرة
-
قراءة كاثوليكية لرواية ( الأبله الرائع ) .
-
عبد الرزاق قرنح ، الذهب الأسود
-
دانيال خارمس ـ عبقري الهذيان . محمود يعقوب
-
حكاية هاروكي موراكامي مع جائزة نوبل
-
( مِستَر 5 ٪ ) قصة قصيرة محمود يعقوب
-
الساموراي والمثلية الجنسية محمود يعقوب .
-
من طعن - ابن المقفّع - ، كليلة أم دمنة ؟ قصة قصيرة محمود يعق
...
-
هاروكي موراكامي في مذكرات أسفاره . محمود يعقوب
-
أن تقرأ ( الأمريكي القبيح ) في العراق . قصة قصيرة
-
المزامير قصة قصيرة
-
الحذاء
-
كفى نواحاً يا هوراكي موراكامي
-
الخروج من سجلماسة
-
بشر الحافي في ثورته الروحية
المزيد.....
-
مهرجان كان السينمائي يختار الممثلة جولييت بينوش لرئاسة لجنة
...
-
صدور أول كتاب للفن المعماري الطليعي الروسي باللغة العربية في
...
-
الكويت تطلق الدورة الـ30 لمهرجان القرين الثقافي
-
مداخيل السينما بالمغرب تحقق 12.7 مليون دولار في 2024
-
مكتب نتنياهو يُعلن إرسال وفد إلى الدوحة نهاية الأسبوع لمناقش
...
-
أم كلثوم.. هل كانت من أقوى الأصوات في تاريخ الغناء؟
-
بعد نصف قرن على رحيلها.. سحر أم كلثوم لايزال حيا!
-
-دوغ مان- يهيمن على شباك التذاكر وفيلم ميل غيبسون يتراجع
-
وسط مزاعم بالعنصرية وانتقادها للثقافة الإسلامية.. كارلا صوفي
...
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|