أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - هواجس في الثقافة مقتطفات 24















المزيد.....

هواجس في الثقافة مقتطفات 24


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 7860 - 2024 / 1 / 18 - 15:58
المحور: الادب والفن
    


مدينة الينابيع
مدينة رأس العين قصيدة قابعة في السماء, متجذرة في لعبة الريح. ينابيعها ألحان, عزفتها الطبيعة بأوتار من حرير. مركونة داخل ماء زلال. هي صفاء وجمال ورقة. والأرض متجذرة في التراب بنعومة. وأشجارها باقة أحلام ممزوجة بالضفاف.
كانت المدينة أمتداد للتاريخ واليقين, متجددة كل يوم كرفيقة للطبيعة الخلاقة التي حملتنا من حلم إلى آخر.
كان والدي مسكونًا بحب الطبيعة والأرض, يحملنا في الصباحات الصيفية المنعشة إلى هناك, إلى مصب الأحلام. يوقظنا من النوم, عندما تكون أجنحة السماء غافية. نضع كل مستلزمات الرحلة الصباحية في السيارة, طاولة, جبس, بطيخ, جبنة بلدي, خبز تنور تحضره والدتي قبل هذا اليوم بيوم واحد. أو خبز بايت من الفرن. وزيتون, جبن بلدي, مربى مشمش, مربى ورد, أو تين أو قرع.
قبل الساعة الخامسة صباحا ننطلق. عندما يكون الناس نيامًا أثناء العطلة. أي, يوم الجمعة.
يتحاشى والدي الذهاب عبر وسط المدينة, الشارع الوحيد في رأس العين, الذي يمر عليه جميع الناس. ويقسمها إلى قسمين. ويوزع السكان على بقية الأحياء. نمر بعيدًا, حتى لا يستفز المخبرين أو البعثيين الذين كانوا عيون النظام على الشاردة والواردة. حتى لا يقولوا أن هناك سيارة للدولة, فيها أطفال وامرأة. ويستخدمها الموظف للحاجات الخاصة, والشخصية. بالرغم من أن والدي كان يأخذ أذنًا من رئيس المصلحة قبل الذهاب بهذا المشوار بيوم واحد, لمسافة تقدر, بأقل من ثلاثة كيلومترات.
ننطلق من البيت مسافة مائتي متر باتجاه الغرب, ثم ندور نحو اليسار, نمر عبر الثكنة الفرنسية القديمة المتموضعة فوق تلة أو مرتفع عن الأرض مسافة بضعة مئات من الأمتار. ندخل فج, طريق بين تلين, إلى أن نصل إلى الملعب البلدي المكشوف. نعبر المطحنة إلى أن نصل إلى الينابيع.
كانت الحياة بسيطة في ذلك الزمن, معجونة بالشهقة الجميلة. وتمر كدعابة أو حلم ملون يناجي طيف السماء. في هذا المكان, ترقص بحار المياه العذبة فوق طبقة التراب النائمة, كفاكهة على غصن أخضر. هذا الماء البللوري يمتد كجذر للأرض وأشجارها. وفوقه تسطع غمائم السحر وشبابيك الشمس وغابة الحياة.
المكان عذب, ساحر. ولا سحر أجمل من ينابيع رأس العين في العالم كله.
مع الأسف كنا نملك أجمل بقعة في هذا العالم. زينة من الطبيعة البكر, وهبتها لنا على طبق من صفصاف. وضيعناها إلى الأبد.
عندما نصل إلى نبع عين رياض يوقف والدي السيارة في مكان مظلل بالشجر, بعيدًا عن العيون.
ننزل, وندخل غابة صغيرة عبر ممر مملوء بالأشجار مسافة بضعة أمتار. على امتداد البصر, ماء وينابيع. أخذنا أقرب مكان لنا. عين حمزة. نبع دائري, قطره أقل من أربعة أمتار. وينساب منه الماء كشعر صبية جميلة في مقتبل العمر. على الضفة نفرش الطاولة, ونجلس. تقشر أختي وأمي البطيخ والخيار. وتحضران الفطور. أنزل إلى الماء برفقة والدي ونسبح. العمق لا يتجاوز المتر. عندما أقف أحس بالرمال تدغدع رجلي وأصابعي. ترقص الرمال الصغيرة المذببة تحت تأثير أندفاع الماء من شهوة الأرض, كطفل ولد للتو. ينسحب الماء من جسد الأرض, ويسير فوقها كغطاء من ورد. ويستمر إلى ما نهاية , كنبض وعطاء.
كنت أرى قدمي. والأسماك الصغيرة يلعبون بأصابعي. أرى الماء الصافي, العذب, يلعب في مسامات الصباح الباكر. ويضخ الحياة في شرايين الحياة.
ويحتمي هذا العري الكوني بالضوء ولعبة الحياة.
لم اكتف بهذا النبع, أقول لوالدي:
ـ أريد ان أذهب إلى نبع رياض, أنه على بعد ستة أمتار. هناك النبع أوسع, مفتوح على نبع أخر. أريد أن أسبح في فضاء أكبر.
ينهرني بكلام قاسي:
ـ أنت طفل عجول. تحب التنقل من مكان لآخر. لا تستطيع البقاء في مكان واحد. ما الفرق بين هذا النبع وذاك؟ نريدك أن تبقى معنا, مع أمك وأخيك وأخواتك. لماذا تحب أن تتميز عنا؟
ـ لقد سبحت سابقًا هناك مرات كثيرة. لا أحب هذا النبع, أنه صغير ولا يفي بامكاناتي كسباح ماهر.
ـ هذا هراء. النبع هو نبع. وإذا أخذتك إلى نبع عين حصان ستطلب عين الزرقاء. وإذا أخذت إلى عين عروس, ستطلب عين الزرقاء, وستطلب عين الكبريت, عين بانوس, قطينة. المشكلة فيك وليس في النبع. لا اسمح لك أن تتركنا وتذهب وحدك. الا يكفي أنك تقضي معظم أوقاتك بين كرة القدم والسباحة في الينابيع.
نفطر هناك. ونتمتع بالصفاء والجمال. العصافير والبلابل والطيور يغردون طوال الوقت. الحياة هادئة, الناس بسطاء.
لم تتلوث الحياة في بلادنا بالطائفية أو الانتماءات المذهبية.
ركبنا السيارة ومررنا بجوار بقية الينابيع التي لا تعد ولا تحصى. ربما مئات أو أقل أو أكثر. الماء في كل مكان. والماء جار للماء. يغنون لبعضهم او يتزاوجون أو ينجبون أطفال.
وصلنا إلى نبع عين سيروب. كانت العمة سيران, أم سيروب, على علاقة قرابة مع والدي. لم تكن تعرف العربية. كانت تتحدث الأرمنية والكردية. استقبلتنا بابتسامة مشرقة. ورحبت بنا. جلسنا تحت الأشجار. كانت الشمس قد خرجت من حلمها ومخبئها وأخذت ترمي بسيول أوجاعها في أفراحنا.
أخذتنا إلى شجرة عالية قالت لوالدي:
ـ هل لديك المقدرة على هز هذه الشجرة. وأشارت إلى شجرة مشمش.
قال لها والدي:
ـ بالطبع أستطيع.
في هذه اللحظات اقترب الكثير من الأطفال يريدون جني بعض حبات المشمش أو يريدون الصعود إلى أعلى أغصان الأشجار المثمرة. كانت سيران, امرأة مسنة, تركض وراءهم. وتشتمهم بأقدح العبارات, بلغة عربية ركيكة, مضحكة. ويتخلل الشتائم, شتم لنفسها, أكثر من شتمها للأطفال, الذين كانوا يهربون منها, ويضحكون عليها.
صعد والدي إلى أعلى الشجرة. وصعدت وراءه, بعد أن فرشت والدتي بطانية على الأرض. هز والدي الشجرة. وانتقلنا إلى شجرة أخرى. امتلأ المكان بالمشمش, ووضعنا الجنى في السيارة بكميات كثيرة. قال لها والدي:
يجب أن نتوقف. من المؤسف أن ننتقل إلى بقية الأشجار ونترك هذا المحصول الوافر يتعفن. ويموت على الأرض. قالت:
ـ أريد أن اتخلص من المشمش النائم على الأشجار. الأطفال يسببون لي إزعاجًا. أرميهم, أرجوك. أريد أن تتعرى الأشجار من الثمار حتى لايكسروا, هؤلاء الأطفال الأشرار! أو يدخلون إلى حقلي في غيابي. وإلى نبع الماء الذي بحوزتي.

الغربة
حتى الحب، ليس له طعمة في الغربة.
إنه جاف، بارد، باهت، مرتبط بك ومنفصل عنك ولا يمدك بأي مشاعر حقيقية. إنه خواء في خواء.
البعض يظن، بمجرد وصوله إلى أوروبا، ستفتح له أبواب السعادة، بيد أن الواقع مختلف تماماً.
تبدأ تعاستك في اللحظة التي تصل فيها إلى ديار الغربة.
في الغربة لا يبقى منك شيئًا، إلا ذاكرة وطن حنون، يسكن قلبك وروحك. ويمدك ببعض البقاء.

الزنزانة
عندما نزلوني إلى الزنزانة شيء غريب طفح في داخلي، حنين هائل إلى وجوه الناس، الأهل، المطر، الرصيف، الشوارع.
كدت اختنق من القهر لهذه العزلة القاتلة، لهذه الغربة الجديدة.
كنت أصرخ، والشوق يرتقي بي، بل يمزق كبدي.
أرى النور الباهت من خلال الطاقة الصغيرة في ذلك الشتاء الماطر. أراه ولا أصل إليه.
وكان لزامًا علي أن أقتل الجمال والحب والحرية في نفسي حتى أبقى متوازنا. من هناك بدأت غربتي، من ذلك المكان الكريه البعيد عن المكان والزمان.
الغربة هي أن يدك لم تعد تطال تلك الأماكن القديمة.


المرأة
علينا أن نتوقف قليلًا عند المرأة التي تقرأ، السؤال:
ـ هل للقراءة علاقة بالوعي، وما علاقة القراءة بالثقافة؟
كما نعلم أن المرأة المتعلمة تختلف عن الجاهلة، هذا أنا متأكد منه، بل أصبحت تجاري الرجل في كل شؤون الحياة، لهذا أرى على الرجل أن يتنازل عن عرشه ويقدم تنازلات هائلة. الرجل بتقديري، عليه أن يقرأ المرأة المعاصرة قراءة هادئة بعقل حر ومنفتح، لأن هذه المرأة لم تعد كما كان حال أمهاتنا.
أضحت مستقلة، تستطيع أن تصيغ علاقاتها ورغباتها من تحت الطاولة إذا تم قمعها، عمليًا أصبحت مثل الرجل تماما.
أنها تعمل وتشتغل وتصادق زملاء العمل وتبقى في العمل ثماني ساعات، لهذا أرى أن على الرجل والمرأة أن يبنيان منصة، علاقة بمفهوم جديد، بعقل وروح قائم على الشراكة التامة، عليهما أن يجلسان معًا وينسجان علاقة تناسب عصرنا وعالمنا الجديد.

أنا
قال لي، أنا ساكن في الأفق، جزء مني مرتبط بالفجر، والجزء الأخر يشرب قهوته بصمت.
أفكر في الضوء الشفيف القادم من خلف الأسوار البعيدة، اناغي الحرية، وبقايا الضباب، أدخن السيكارة متأملًا وحدتي، والفراغ المملوء بالأسئلة العميقة الذي يلف المكان.
أمج السيكارة كما يمج العاشق شفتا حبيبته العطشانة، لإطفاء لظى القلب بشهد الرضاب.
انفث الدخان ببطء شديد من فمي وأنفي، أراقب الدوائر الذي يشكلها، أطير معها، علّ الشفق يأتي على حين غرة، ويجلس في حضني، يسايرني ويتكلم معي قبل أن أعود إلى ذاتي، إلى الفراغ.



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 23 ـ
- هواجس في الثقافة مقتطفات 22
- هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 21 ـ
- هواجس في الثقافة مقتطفات 20
- هواجس في الثقافة مقتطفات 19
- هواجس في الثقافة مقتطفات 18
- هواجس في الثقافة مقتطفات 17
- هواجس في الثقافة مقتطفات 16
- هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 15 ـ
- هواجس في الثقافة مقتطفات 14
- هواجس في الثقافة مقتطفات 13
- هواجس في الثقافة مقتطفات 12
- هواجس في الثقافة مقتطفات 11
- هواجس في الثقافة مقتطفات 10
- هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 9 ـ
- هواجس في الثقافة مقتطفات 8
- هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 7 ـ
- هواجس في الثقافة مقتطفات 6
- هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 5 ـ
- هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 4 ـ


المزيد.....




- 60 فنانا يقودون حملة ضد مهرجان موسيقي اوروبي لتعاونه مع الاح ...
- احتلال فلسطين بمنظور -الزمن الطويل-.. عدنان منصر: صمود المقا ...
- ما سبب إدمان البعض مشاهدة أفلام الرعب والإثارة؟.. ومن هم الم ...
- بعد 7 سنوات من عرض الجزء الأخير.. -فضائي- يعود بفيلم -رومولو ...
- -الملحد- يثير الجدل في مصر ومنتج الفيلم يؤكد عرضه بنهاية الش ...
- رسميًا إلغاء مواد بالثانوية العامة النظام الجديد 2024-2025 . ...
- مسرح -ماريينسكي- في بطرسبورغ يستضيف -أصداء بلاد فارس-
- “الجامعات العراقية” معدلات القبول 2024 في العراق العلمي والأ ...
- 175 مدرس لتدريس اللغة الصينية في المدارس السعودية
- عبر استهداف 6 آلاف موقع أثري.. هكذا تخطط إسرائيل لسلب الفلسط ...


المزيد.....

- في شعاب المصهرات شعر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- (مجوهرات روحية ) قصائد كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- كتاب نظرة للامام مذكرات ج1 / كاظم حسن سعيد
- البصرة: رحلة استكشاف ج1 كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- صليب باخوس العاشق / ياسر يونس
- الكل يصفق للسلطان / ياسر يونس
- ليالي شهرزاد / ياسر يونس
- ترجمة مختارات من ديوان أزهار الشر للشاعر الفرنسي بودلير / ياسر يونس
- زهور من بساتين الشِّعر الفرنسي / ياسر يونس
- رسالةإ لى امرأة / ياسر يونس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - هواجس في الثقافة مقتطفات 24