أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - الْكَرَّاب (2)














المزيد.....

الْكَرَّاب (2)


عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7860 - 2024 / 1 / 18 - 12:05
المحور: الادب والفن
    


كان الهدوء يَرينُ على البيت .. سكونٌ صامتٌ .. أَجُوسُ أرضَ البَرَّاكةِ في غدوة ورواح .. يداي وراء ظهري أُفكرُ في معضلتنا الكبرى .. العائلة النائمة في وضع متداخل كأسماك المصبرات .. أفْواهٌ فاغرة يَدْخُلُهَا الهوامُ والذبابُ وكثير من العذابِ .. سراويل مخرومةٌ .. أخِي الأصْغَرُ يَحُكُّ عَوْرَتَهُ التي أكَلَها البَقُ .. أُخْتِي تَرفس أختَها فَترُدُّ هذه برفسةٍ أخْرَى أقْذَعَ في صِراعٍ أزلي على المجَالات الفسيحَة التي أُتِيحَتْ لنا في قَصْرِنَا الكَبيرِ .. عَضَضْتُ عَلَى شفتي بامتعاض حَانقٍ .. نَهَضْتُ نِصْفَ نُهُوض ثُمَّ عَاودتُ الجلوسَ متأَفِّفا ضَجرا لا ألْوي على شيء .. أَصيخُ لأصوات داخلية تجهزُ عَلَيَّ .. الهمُوم العَريضَةُ الطويلة أطول من لَيْلِ خَريفِ حينا الصَّغيرِ .. طفولتنا الضائعة التي نسج العناكب أسلاكهم عليها .. كنا نقرأ "التلاوة" في تلك الدُّورِ الخَربَةِ حذاءَ مَطَارِحِ النفايات .. نَرى الخُبْز الأسود اليابس القاسح ومخلفات الآخرين وأمواه الحار مُبَرْقََعا بيْنَ السُّطُورِِ مسلطا على العيون. لا نَفْقَهُ للمعلمين قَوْلا.. كانوا في وادٍ كُنَا فِي وادٍ .. عندما نَلِجُ سَمَّ المَدارسِ، كُنَّا نُفَكِّرُ للتو في الخروج والطيران بعيدا في المساحات مع عصافير الدور وشحارير الغاب الخضراء والحساسين الحِسَان .. كنا لا نطيقُ الجُدرانَ ومصاحبةَ الجرذان .. كانت هُمومنا كالفَقْصَة كالأعشاب الطفيلية تكبر مَعَنَا بالرغم منا، ولا زال الواحد منا يَكْبُرُ تَكْبُرُ وإياه ضغائنُه تَزْدَادُ تفاقُما من يوم لآخر.. في أحايينَ كثيرة، يطبقُ عَلَي سؤال : أنحن صغارٌ حقا أم فقط الآخرون الذين يعاملوننا كذلك ..؟؟.. كانت عَيْنَايَ تتفحصَان بفُتورٍ السقفَ الحادر تَلْعَبُ فيه الثُلَمُ والثُّقُوب وَالفَجَوَاتُ الجُمْباز دون حسيبٍ أو رَقِيبٍ، وَكانَتْ الأمطارُ في ليالي الشتاءِ البارِدَةِ تُعَانِقُ رقابَنا ونحن نقرأ في تلاوتـنا المفسرة :

سَقْـفُ بيتي حَـديـد رُكْــنُ بيتي حَجَـر ...

تفْتحُ أمي بَابَ الصباح عَلَى سعتِه تناديني لتناولِ الفطورِ .. لَقَدْ أَعَدَّتْ كُلَّ تفاصيل الاستيقاظ وصَلَّتِ الفجْرَ وتلت أدعيتها عسى .. إنَّها آخِرُ منْ يَنامُ وأَوَّلُ مَنْ يستيقِظ دائما .. قَبَّلْتُ يَدَهَا اليُمنَى وأنا أتَنَاولُ حَبَّةً من حُبَيْبَات الزيتُون الأسْوَدِ مُسْتَعْجِلا الذهَاب .. رَجلْتُ شَعْري المُغْدَوْدَن كَيْفَما اتفَقَ .. وضعْتُ قربَةَ الماء على ظهري وغادرتُ البيتَ مقطبا مزمجرا ألعَنُ الصُّبْحَ والمسَاء وكُلَّ الأزمان وحرمانَ النوم المفروض علينا كضريبة التي نعيشُها ...

_احْضي راسك آوليدي من أولاد الحرام ...

كان صوت أمي يَرِنُّ في أذنيَّ .. إنها دائبة الحرص على أَنْ أَكُونَ في البيت في الوقت المناسِب، فهِي تخْشَى أنْ أدخُلَ فِي نِزاعاتٍ مع مَنْ أَتَعاملُ معهُم.. تربت علَى كَتِفِي بهُدوء ودَعَةٍ عندمَا أُعَاوِدُ لَثْمَ يَدِهَا ..

_سيرْ آوليدي الله يرضي عليك ..

تهمس بسكينة أُمٍ متوجسة، وأنصرفُ بسرعة مارقة لأدعها تكمل بحميمية طقوس هواجسها وتوجساتها وأشغال البيت التي لا تنقضي ...

☆إشارات :
_البرَّاكة : بيت من أحياء الصفيح بحيطان من طوب أو ما شابه وبسقف من قصدير
_التلاوة : كتاب مدرسي للمستوى الابتدائي
_احْضي راسك : انتبه لنفسك كن حريصا أن لا يمسك الآخرون بسوء



#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اَلْكَرَّابْ (1)
- صندلُ ميكا أزرقُ ينزلق من القدميْن(7)
- صندلُ ميكا أزرقُ ينزلق من القدميْن(6)
- صَنْدَلُ مِيكَا أَزْرَقُ يَنْزَلِقُ مِنَ آلْقَدَمَيْنِ(5)
- صَنْدَلُ مِيكَا أَزْرَقُ يَنْزَلِقُ مِنَ آلْقَدَمَيْنِ(4)
- صَنْدَلُ مِيكَا أَزْرَقُ يَنْزَلِقُ مِنَ آلْقَدَمَيْنِ(3)
- صَنْدَلُ مِيكَا أَزْرَقُ يَنْزَلِقُ مِنَ آلْقَدَمَيْنِ(2)
- صَنْدَلُ مِيكَا أَزْرَقُ يَنْزَلِقُ مِنَ آلْقَدَمَيْنِ(1)
- اُنْظُرْ وَرَاءَكَ في حَنَق
- قَبْضَةُ يَدٍ شَائِبَة
- وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ
- السَّعادةُ الأَبدِيَّة(10 و 11)
- السَّعَادَةُ الأَبَدِيَّة(9)
- السَّعَادَةُ الأَبَدِيَّة(7 و 8)
- السَّعَادَة آلأَبَدِيَّة(5 و 6)
- السَّعَادَة الأَبَدِيَّة (3 و 4 )
- السَّعَادَة الأبَدِيّة(2)
- السعادة الأبدية (1)
- المُدَرّسُ، تلكَ الذاتُ التي لا تعِي قوتَها
- نَحْنُ هُنَا فِي آلأَعَالِي


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - الْكَرَّاب (2)