أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - كل التلفزيون للسلطة، ولا سلطة للتلفزيون!














المزيد.....

كل التلفزيون للسلطة، ولا سلطة للتلفزيون!


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1745 - 2006 / 11 / 25 - 11:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من المعتاد القول إن التلفزيون هو جهاز السلطة الإعلامي أكثر من الجريدة المقروءة وأكثر من الإذاعة المسموعة. هذه ملاحظة يؤيدها التاريخ في البلاد العربية. نشأت الجريدة في ظل حركة النهضة في العقود الأخيرة من الحكم العثماني في مصر والمشرق، ثم كانت أداة مهمة في يد الحركة الاستقلالية الوطنية ضد الاستعمار الأوربي. وكان الراديو لسان حال الدول المستقلة حديثا، ورمزا من رموز سيادتها، وأداتها في مخاطبة وتعبئة جمهور واسع، نسبة الأمية عالية في أوساطه. الأغنية العربية الكلاسيكية هي أغنية الراديو والدولة المستقلة حديثا، سليلة حركة التحرر الوطني، بصورة جوهرية. ما يعرف بالأغنية الوطنية هو تنويعة ضمن عمل مطربين ومطربات مخضرمين. أم كلثوم هي رمز ذلك الجيل الذي انتهى في السبعينات مع موتها، رغم أن محمد عبد الوهاب، رمز آخر للجيل ذاته، عاش حتى بداية التسعينات.
التلفزيون ابن العصر التالي، عصر الطغيان شبه الشمولي في سوريا والصلح مع إسرائيل في مصر. في سوريا تأسس التلفزيون في مطلع الستينات، لكنه لم يغد وسيلة إعلام جماهيرية إلا في أواخر السبعينات بالتزامن مع ولوج البلاد أخطر أزمة اجتماعية ووطنية عرفتها منذ استولى حزب البعث على السلطة عام 1963. حتى وقت متأخر من النصف الثاني من السبعينات كانت إذاعة دمشق أهم من التلفزيون. بعد ذلك تحالفت عناصر تقنية وسياسية واجتماعية على منح قصب الريادة والهيمنة للتلفزيون. أنتجت مؤسسة صناعية محلية، تدعى سيرونيكس، أجهزة رخيصة بكميات تجارية، وبعد قليل ازدهرت سوق التهريب من لبنان الذي كانت سوريا قد أمست لاعبا أساسيا فيه قبل سنوات قليلة. ووجدت السلطة في التلفزيون جهازا يتيح لها الانتقال من مسرحة موضعية لفعل الخضوع الاجتماعي إلى تلفزة عمومية للفعل ذاته. "المسيرات الجماهيرية" و"الأعراس الشعبية" التي تجري في 8 آذار و16 تشرين الثاني في دمشق أو غيرها من المدن (وهي مسرحات موضعية للخضوع العام) يتم نقلها للسوريين جيمعا، ما يضاعف مفعولها الولائي والنازع للسياسة والمواطنة اضعافا. ثم إن احتلال السلطة للمجال العام بأدوات أمنية، ومخاطر السير في الشارع خلال ثلاث او اربع سنوات من بداية ثمانينات القرن العشرين، جعلت التلفزيون "خير جليس" للجالسين السوريين المنكفئين على أنفسهم.
التقاء هذه العوامل أتاح للتلفزيون السوري أن يكون أداة مهمة في المواجهة مع الإسلاميين في تلك الفترة. وإلى مسلسلات الدراما المصرية الوفيرة، وبعض المسلسلات السورية القليلة وقتذاك، كان التلفزيون هو النافذة التي اطل من خلالها الرئيس الراحل حافظ الأسد في مسلسل من 14 خطابا ألقاها خلال بضعة أسابيع في ربيع 1980 لتعبئة الشعب ضد "الإخوان المسلمين".
استهل الرئيس أحد خطبه بإلقاء درامي مدروس: "الله أكبر! ماذا أرى؟ بحرا أرى؟ هديرا أرى!.." كانت ألوف هادرة من الشبيبة البعثية تتماوج بالفعل هاتفة باسم الرئيس، معلنة عزمها الأكيد على افتدائه بالروح والدم، وعلى إبادة "عصابة الإخوان المسلمين العميلة". الفضل للتلفزيون في جعل الهدير مرئيا! من جهته كان الجمهور الإخواني يحرم التلفزيون تحريما تاما. كانت المعركة مطلقة. وربما كان تحريم التلفزيون يشير إلى عدم اهتداء الإسلاميين، وقتها، إلى وجه لترويض هذا الجهاز الفتاك. نتحدث في زمن سابق للفضائيات و"فتوحاتها" في مجال الأقنية الدينية.
بينما كانت التلفزات العالمية تتحول نحو صناعة الأخبار والإعلام وحيازة سلطة ذاتية خاصة بها، ظل التلفزيون في سوريا وسيطا سلبيا: خطب رسمية تعاد أربع أو خمس مرات، وبرامج سقيمة "للمنظمات الشعبية"، وفي ما تبقى من الوقت ميلودراما وأعطال فنية طارئة! كل التلفزيون للسلطة، ولا سلطة البتة للتلفزيون. ثقل الدم المميز للتلفزيون السوري موروث على الأرجح عن التمركز المفرط حول السلطة وتجريده من أية سلطة ذاتية. في أواخر عقد الثمانينات تأسست القناة الثانية في التلفزيون السوري. ورغم أنها كانت تبث أخبارها باللغات الأجنبية إلا أن موعد نشرة الأخبار الرئيسية في الثامنة والنصف مساء كان عذابا حقيقيا لجمهور من المتفرجين لم يكن، وقتها، يملك خيارات أخرى، بالخصوص في مواسم الاحتفالات و"المهرجانات الخطابية". فقد اهتدى وزير الإعلام إلى وسيلة تجبر السوريين على مشاهدة الأخبار: دمج القناتين في موعد النشرة الرئيسية. السلامة العقيدية تستأهل ذلك. على أن دمج القناتين وقت الأخبار لم يصمد طويلا، أقل من عام واحد.
هذا قبل عصر الفضائيات في التسعينات.
الفضائيات كسرت السيادة التلفزيونية والمعلوماتية للدولة. لم تعد قادرة على احتكار سمع مواطنيها وأبصارهم وأفئدتهم. في السنوات الأولى من البث الفضائي خامرت المسؤولين السوريين فكرة منع مواطنيهم من تركيب صحون استقبال البث الفضائي. لم تتجسد الفكرة واقعيا لأسباب ذات صلة بالاقتصاد السياسي للصحون اللاقطة: موردوها أو مهربوها الخواص نافذون في السلطة العمومية. هذا أنقذ سوريا من مصير معلوماتي عراقي.
لكن بالنتيجة خرج التلفزيون السوري من المنافسة على جذب المشاهدين. هو ينتمي إلى عصر "بالروح، بالدم.."، بينما المشاهد السوري تتجاذبه "الجزيرة" و"روتانا" و"إقرأ"، النسخ المعاصرة من الحقيقة والجمال والخير. الفضائية السورية تشبه بلدها البعثي أكثر مما تشبه زمنها. وهي وفية لخصوصية وسائل الإعلام المحلية الأخرى في كونها طاردة للقراء والمستمعين والمشاهدين. لو كان هذا هو الهدف، لفازت وسائل الإعلام السورية بجوائز عالمية!



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة الهيمنة وعسر التغيير السياسي العربي
- في -نقد السياسة-: من الإصلاح والتغيير إلى العمل الاجتماعي
- ديمقراطية أكثرية، علمانية فوقية، ديمقراطية توافقية؟
- الخرائط العقلية والسياسية أم الخرائط الجغرافية هي التي ينبغي ...
- الخرائط العقلية والسياسية أم الخرائط الجغرافية هي التي ينبغي ...
- الإنترنت وحال العالم الافتراضي في سوريا
- في أصل -الممانعة- ونظامها وإيديولوجيتها ..وازدواج وجهها
- في أن الخيانة نتاج وظيفة تخوينية لنظام ثقافي سياسي مغلق
- في مديح الخيانة
- نحو حل غير نظامي للمشكلة الإسرائيلية!
- -غرابة مقلقة- للإرهاب في سورية!
- في انتظام الطوائف وتبعثر الأمة
- في أصول -ثقافة الهزيمة-
- صراع حضارات أم طائفية عالمية؟
- من استكمال السيادة إلى عملية بناء الدولة الوطنية
- نصر نصر الله!
- في الحرب وتكوين الشعور العربي المعاصر
- فرصة لتجديد النقاش حول قضية الجولان
- في نقد الخطاب الانتصاري التخويني
- حرب لبنان بين الليبراليين والقوميين الإسلاميين


المزيد.....




- من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا ...
- ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا ...
- قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم ...
- مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل ...
- وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب ...
- واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب ...
- مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال ...
- -استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله- ...
- -التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن ...
- مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - كل التلفزيون للسلطة، ولا سلطة للتلفزيون!