|
مصر بين مؤامرتين
ياسر يونس
شاعر ومترجم وكاتب
(Yasser Younes)
الحوار المتمدن-العدد: 7856 - 2024 / 1 / 14 - 20:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مصر بين مؤمراتين
أرجو من القاريء ألا يتعجل الظن بناءً على العنوان فأنا في حقيقة الأمر لا أؤمن بنظرية المؤامرة أو بالأحرى أعتبر ما يسمى "مؤامرة" هو لعبة الصراع الطبيعي الممتد منذ قديم الأزل إلى يومنا هذا، فالأفراد في بداية تاريخ البشرية تصارعوا على الكلأ والماء، ثم تصارعت القبائل على الكلأ والماء والثروات وعلى النساء بعد أن فقدت المرأة المكانة العليا التي كانت عليها في البدايات.
لن أطيل في هذا لأنه من نافلة القول لدي من قرأ تاريخ البشرية، وسأدخل إلى لب الموضوع "الأزمة المصرية الراهنة". والتي يمكن مجازًا أن أعتبرها نتيجة المؤامرة الذاتية أو أن أصفها بأن"مصر تتآمر على نفسها"
هذه الحالة ليست وليدة السنوات العشر الأخيرة فقط بل هي حالة تأسست تراكميًا إلى أن وصلت إلى هذا المأزق الحاد الذي إما سيتحول إلى انفجار يطيح بالجميع أو سيتحول إلى حالة مزمنة من التدهور والتخلف يمكن أن تستمر سنوات دون أن يأبه بها العالم فتصير كحالة أفغانستان أو الصومال وما شابه.
يمكن رصد هذا التراكم بالعودة إلى النهضة المصرية الحديثة منذ محمد علي فبالرغم من النقلة الكبيرة التي اعتمدت على ميراث الإدارة العثمانية التي بالرغم من أنها كانت مثقلة بالبيروقراطية الاستعمارية بما فيها من فساد أمكن أن يُبنى عليها لتستمر الدولة المصرية في المضي قدًما كدولة ذات نظام إداري.
ورغم أن دولة محمد علي وأحفاده تأسست على يد حكام عساكر فقد كان لديها من المرونة والانفتاح ما خفف هذا الحمل العسكري وأفسح المجال للمدنية المصرية كي تتكون شيئًا فشيئًا, وخصوصًا بعد تقويض البُعد العسكري بقبول محمد علي اتفاقية كوتاهية والتخلي طموحاته العسكرية تحت ضغط أوروبا عليه عام 1833.
وبعد ذلك أضافت الإدارة الاستعمارية البريطانية بعد الاحتلال في عام 1882 أبعادًا أكثر حداثةً وتنظيمًا إلى أن تأتي "ثورة" يوليو 1952 فيقود جمال عبد الناصر البلاد بما ظنه نظامًا إداريًا تقدميًا يحل محل النظام الإداري لما أسماه العهد البائد، ولكن لم يَعْدُ ذلك أن يكون مجرد الاستعانة بأهل الثقة والدفع نحو عسكرة مناحي الحياة المصرية بدرجة ما مع هدم النظام الإداري المتوارث شيئًا فشيئًا.
نخبة محدودة العدد شديدة الأثر
كان من أهم العوامل التي أسست للنهضة المصرية في القرن التاسع عشر الإرساليات التي بدأها محمد علي وبعث فيها محمد علي الشباب الواعدين كي يتعلموا العلوم الحديثة ويعودوا إلى مصر فيستفاد منهم في نقلها إلى مصاف الأمم الحديثة. ومن أبرز الأسماء في البعثات الأولى عمر أفندي ويوسف أفندي وعمر الكومي وحسن الورداني وأحمد العطار ومصطفى بهجت. وتتالت الإرساليات في مختلف التخصصات ومن أهم الأسماء التي شملتهم محمد راغب بك وإبراهيم النبراوي وأحمد نجيب أفندي ومحمد منصور أفندي.
كما أن مدرسة الألسن التي أسسها رفاعة الطهطاوي وعنيت بالترجمة نجحت في تكوين مترجمين غزيري الإنتاج نقلوا علوم الغرب وآدابه إلى العربية، ومن أشهر هؤلاء عبد الله أبو السعود أفندي وصالح مجدي أفندي. لقد أسفر ما ذكرناه عن الإرساليات ومدرسة الألسن والبناء عليها عن تكوين صحفيين وأدباء وساسة شكلوا نخبة تقدمية مثقفة معظمها وطني وعلى سبيل المثال لا الحصر أذكر منهم علي مبارك ويعقوب صنوع وعبد الله النديم. ولا يفوتنا في هذا الصدد أن نذكر بأهمية تأسيس الصحافة المصرية عام 1828. وقد استطاعت هذه النخبة أن تنقل البلاد والعباد مرحلة فمرحلة إلى أن تبلورت تدريجيًا أسس الحياة السياسية المصرية وتكلل ذلك بإنشاء برلمان عام 1881 الذي استمر رغم الاستعمار البريطاني في عام 1882 ونشأت الأحزاب المصرية وكان أولها الحزب الوطني عام 1907 وحزب الوفد عام 1918 وحزب مصر الفتاة عام 1933 إلخ. وأثمر هذا الكفاح السياسي عن ثورة 1919 التي أثمرت دستور 1923 الذي ألغي عام 1930 وحل محله دستور 1930 الذي كافح الشعب مجددًا من أجل إعادة العمل به بدلًا من دستور 1930 أو دستور صدقي المعيب، حتى جاء قادة "ثورة" يوليو وألغوه في ديسمبر 1952 أي أنهم محوا أهم منجزات ثورة 1919 بكل بساطة ثم ألغوا الأحزاب كافة في يناير 1953. ولم تعد الحياة الحزبية للحياة إلا في عام 1978 ولكنها عادت مشوهة ومنقوصة ولم يعد الحزب الوطني ولا حزب الوفد ولا حزب مصر الفتاة كسابق عهدهم بلا كانوا مجرد مسوخ شاحبة لماضيها العريق.
لقد كانت تلك النخبة التي ذكرتها محدودة العدد بل كان بعض من أفرادها مفكرين وساسة في آن واحد وقد دخلوا معترك الانتخابات النيابية، وهذا قد يبدو أمرًا عاديًا ولكنه في الحالة المصرية برهن على شح عدد تلك النخبة.
ومن أهم أسماء الصحفيين والأدباء والساسة على سبيل المثال لا الحصر أستاذ الجيل أبو الليبرالية المصرية أحمد لطفي السيد المفكر والسياسي والأديب ورئيس مجمع اللغة العربية، وعباس العقاد الأديب الغني عن التعريف وعضو مجمع اللغة العربية والصحفي وعضو حزب الوفد والبرلمان المصري الذي سجن بتهمة العيب في الذات الملكية للملك الفؤاد تحت قبة البرلمان المصري.
هذه النخبة تعايشت لعقود مع الهامش المتاح كي تنطلق بمصر إلى الأمام ثم قوضها الحكم العسكري رويدًا رويدًا منذ عام 1952 واستغرق هذا الترويض عقودًا إلى أن انتهى بنا الأمر إلى نخبة تتمثل في إعلاميين بعضهم أصبحوا نوابًا في البرلمان أوفي مجلس الشورى، وهم الذين يقدمون أنفسهم على أنهم مفكرون ومذيعون ومقدمو برامج تليفزيونية وكتاب ومدونون بدؤوا حياتهم كصحفيين لذا تعاطوا بالضرورة مع الأجهزة الأمنية التي إما صنعتهم أو روضتهم وسلطتهم على العقل المصري ليقوموا بالدور العكسي للنخبة المصرية أي تبرير الإخفاقات والتبشير بأوهام الإنجازات ، ولعل التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير اتفاق سد النهضة أبرز الأمثلة على هذا الدور.
وبالتوازي مع ذلك يتم الزج منذ عقود بنخبة حقيقية ووطنية في غياهب السجون أو في غياهب التضييق والتجاهل كي تصبح نسيًا منسيا. فعلى مر السنين تتابع على حكم مصر حكام يمثلون العظمة على شعبهم الذي تتغول عليه أنظمة أمنية تجتر ممارسات الستينات وتقاوم أي محالة للإصلاح السياسي، كما أنها استثمرت التطرف الديني الذي وجد بيئة خصبة في بلد يحتله مستعمر مختلف في الديانة أي المملكة المتحدة آنذاك (للتوضيح الوجود العثماني في مصر كان احتلالًا شديد القسوة والضراوة لكن جماعات الإسلام السياسي لا تعتبره كذلك) وهذا التطرف كان قد غذاه الاحتلال البريطاني فتلقته تلك الأجهزة في شغف وحبور وأضافت إليه مختلف التنويعات كي يتسنى لها إخضاع الناس مستعينين عليهم بترويض جماعات الإسلام السياسي لهم وتنشئتهم على السمع والطاعة لولي الأمر.
ويجيء صدام السلطة مع هذه الجماعات فقط إذا تعدت الخط المرسوم لها وفكرت في تغيير النظام ولو تدريجيًا.
وحتى حين شب الشعب عن الطوق وانفجر في 25 يناير 2011 سرعان ما انقلب عليه الإخوان المسلمون وضحوا به في سبيل السلطة وتحالفوا مع المجلس العسكري تمامًا كما تحالف إخوان الخمسينات مع عبد الناصر ثم نكل بهم، وهذا ما كان أيضًا حيث نكل بهم مصر بعد أن ساعدوه على إخماد تلك الثورة وتآمروا على بقية التيارات الثورية في أحداث محمد محمود وماسبيرو.
واللافت للنظر أن نظمًا ترفع شعارات الوطنية وتكيل تهم التخوين للجميع حققت إسرائيل بفضلها وبأسرع ما يكون أكثر مما كانت تحلم به فمنذ عام 1952 أصاب الضعف مصر بسبب تجريف الحياة السياسية وحظر المشاركة وتجريف الثقافة الحقيقية وإساءة إدارة الشؤون الاقتصادية إلى أن وصل الحال بمصر إلى استجداء عطف صندوق النقد الدولي كي يمن عليها ويقبل إقراضها الأموال كي تنفقها على مشاريع غير إنتاجية تزيد الهوة بين طبقات الشعب.
لقد حصلت إسرائيل على الضفة الغربية وسيناء وقطاع غزة والجولان والقدس في ضربة واحدة لم تستغرق سوى أيام بدأت في الخامس من يونيو 1967. وحتى حين انتفض المصريون لاستعادة أرضهم المسلوبة وجدت إسرائيل قبلة الحياة في خلاف دب بين قيادات الجيش المصري حول في ثغرة الدفرسوار لينقلب مسار الحرب إلى مآل قرر فيه رئيس مصر الجديد وريث "ثورة" 1952 عقد اتفاقية السلام مع إسرائيل نظير استعادة سيناء منزوعة السلاح تقريبًا وعرضة لاحتلالها من جديد وناقصة أم الرشراش المحتلة منذ عام 1949 والمسماة الأن إيلات.
ويجيء سليل قادة "ثورة" يوليو 1952 محمد حسني مبارك لتصاب الدولة المصرية في عهده الطويل بما أصاب رجاله من تصلب الشرايين فتنسد جميع مخارج الإصلاح مثلما انسدت شرايينهم جراء السمنة وأمراض الشيخوخة. هي حالة تعفن وركود آلت بمصر إلى مآل أسوأ وأنكى صارت فيه الأمور أشد وطأة في جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية. والمدقق للأمر سيرى أن منذ الخمسينات وبدرجات متفاوتة يمثل الجميع أدوارًا مختلفة فالحاكم يمثل أنه رئيس برلماني منتخب، وكثير من المعارضين يمثل أنه معارض والحكومة تمثل أنها تدير وتقدم للناس خدمات هي مجرد أشباه خدمات من تعليم وصحة وغيرها، والشعب يمثل أنه يشارك في الحياة السياسية في مواسم الانتخابات أو قطاع منه يمثل ذلك، كما يمثل الشعب أنه يحصل على خدمات وأنه يتعامل مع نظام إداري بينما هو في حقيقة الأمر لا يعيش بل يمثل أنه يعيش. وبهذا تتجرد المصطلحات من معانيها ويسود العبث كل شيء.
ومن المتناقضات الجلية أن حكام مصر منذ الخمسينات يرفعون شعارات تتعلق بالسياسة الخارجية لكنهم يعملون عكسها ويريدون من الشعب أن يصدقهم في الحالين ومن الأمثلة الصارخة على ذاك علاقة عبد الناصر بالاتحاد السوفياتي فقد وُجد ضباط سوفيات في الجيش المصري وكانوا نفوذهم شديدًا ولكن الحاكم ادعى الاستقلالية بل كان يزج بالشيوعيبن في المعتقلات. ومثال صارخ آخر هو عقد اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل وظهور الرئيس السادات في صورة صديق لقادتها بشكل مستفز ومبالغ فيه ولكن في الوقت ذاته كان جهاز أمن الدولة المصري يلاحق من يتواصلون مع سفارتها في مصر.
وحكام مصر منذ الخمسينات يريدون من شعبهم أن يستجيب بكبسة زر للتغيرات الحادة التي تطرأ على علاقاتهم بالدول الأخرى أو بالجاليات المقيمة في مصر فمثلًا قام عبد الناصر بعملية طرد لمئات الآلاف من اليونانيين والأرمن المقيمين في مصر في ردة فعل حادة ومبالغ فيها وغير منطقية بعد العدوان الثلاثي. وطبعًا نشطت آلته الإعلامية في التمهيد لذلك لدى الناس. كما كان مبارك يتخذ قرارات تتعلق بالطلبة الفلسطينيين حسب علاقته بأبي عمار فإن ساءت ضيق عليهم وضاعف رسوم إقامتهم وإن تحسنت أعفاهم.
لقد تواصل الهدم المزمن للنظام الإداري ليصل إلى حد أن تسجيل عقد شراء عقار أو سيارة أو إدخال عداد كهرباء أو مياه صار أمرًا بالغ الصعوبة ويمكن أن يستغرق سنوات من عمر المواطن المصري في حين أن هذه المعاملات في غالبية دول العالم الثالث تتم بسهولة وسرعة.
التعليم ما حل بالتعليم متذ الخمسينات هو كارثة بكل ما تحمل الكلمة من معان. وليس أيسر من معرفة أسماء وزراء التعليم قبل وبعد، فيمكن استعراض أسماء وزراء التعليم منذ القرن التاسع شعر فنجد منهم أسماء رنانة ذات ثقل كبير فكريًا وثقافيًا وعلميًا، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر:
علي مبارك محمود سامي البارودي أحمد لطفي السيد أحمد نجيب الهلالي محمد حسين هيكل عبد الرزاق السنهوري طه حسين
فلم يكن غريبًا وجود كتاب ومفكرين وعلماء وأدباء وفنانين من أمثال العقاد وطه حسين وزكي نجيب محمود وسلامة موسى ونجيب محفوظ ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم ومصطفى مشرفة، ويصعب على المرء تعديد أسمائهم لكثرتهم ولكي لا نخرج عن السياق هنا.
وقد أفادت دولة 1952 من وجودهم فيها لأنهم ورغم التضييق ظلوا منارة تشع فنًا وعلمًا بين المصريين وعلى محيطهم العربي، وبالتدريج وبحكم الزمن تلاشت هذه الأسماء ولم تحل محلها أسماء على نفس القدر فمنظومة التعليم لم تعد تنتج هذا الطراز من البشر.
والمثال الأوضح هو انتقال الوزارة من طه حسين 1950-1952 إلى الصاغ كمال الدين حسين وزيرًا للتعليم 1958 . وتمتد القائمة بعد علم 1952 لنجد وزراء تعليم يسيرون من أداء سيء لأسوء ويدورون في حلقة مفرغة من نفس المشكلات التي يعجزون عن حلها.
وللتوضيح لا تعني مجانية التعليم أنه كان تعليمًا جيدًا بل ينطبق عليه ما ذكرته أعلاه عن تقديم الدولة لأشباه خدمات.
وللتاريخ فإن مجانية التعليم بدأت بالنص عليه في دستور عام 1923 وطُبقت على التعليم الإلزامي ثم على التعليم الابتدائي عام 1944 في انتصار لحكومة نجيب الهلالي ثم طُبقت على التعليم الثانوي على يد طه حسين عام 1951.
وأكبر ضربتين وُوجهتا إلى المنظومة التعليمية المصرية كانتا اولًا التوسع منذ الخمسينات في المدارس الثانوية العسكرية وبلغ الأمر ذروته في اشتراط حصول خريجي الجامعات على دورة عسكرية قبل التخرج، وثانيًا أنشاء العديد من الكليات الأزهرية منذ عام 1961 في خلط عجيب بين العلوم الإنسانية والفقه وقبول طلاب طب وهندسة أزهر لم يحصلوا على الدرجات المؤهلة لدخول كليات كالطب والهندسة الطبيعية. ووجه الكارثة هما لا يحتاج إلى شرح.
الإعلام والاحتفاء بالتفاهة
طبعًا الشعب غير المتعلم بصورة جيدة يسهل التحكم فيه وتوجيهه وهنا كان ما حل بالإعلام. فتركيز عبد الناصر انصب بعد نجاحه في التخلص من محمد نجيب على إخضاع الصحافة والإذاعة، وهما قوام الإعلام آنذاك، لسيطرته والترويج للرأي الأوحد الذي يراه. وبالتوازي مع ذلك عمل على ترغيب الكتاب والمثقفين وترهيبهم فمن سار على الخط الذي رسمه يتقلد المناصب ويحوز التكريم بصرف النظر عن مستواه ككاتب. أما من اعترض أو امتعض أو لم يتجاوب فيفقد وظيفته في أحسن الأحوال ويزج به في المعتقلات السلخانية الأداء في أسوأ الأحوال.
ومنذ عقود يتم العمل على بناء "المواطن العبيط" الذي لا يتعلم التفكير المنطقي في المدرسة منذ الصغر ويجد نفسه محاصرًا بقنوات تلفزيونية لا تحمل إلا النذر اليسير من البرامج الجيدة ولكنها تحمل التفاهة والاحتفاء بالتافهين وتقديم برامج لأعمالهم وأقوالهم وتستبعد كل معارض حقيقي وكل مثقف حقيقي إلا في استثناءات قليلة.
يكفي أن تشاهد أي قناة تلفزيونية لمدة ساعة واحدة كي تشعر أنك أمام أداء لا يليق إلا بصغار العقول من إعلانات صاخبة مكررة ومتكررة إلى مسلسلات "وطنية" تجعل الشباب يبحث عن فرصة عمل معميل لدى مخابرات بلده الخيالية لتحيط به الفاتنات اللائي كل همهن هو استمالته بينما هو يدخن السجائر ويشرب القهوة في هدوء الماكرين ، إلى فنون من الخبال في الغناء والسينما ينفق عليها الكثير من أموال الشعب الفقير فضلًا عن الصخب والضوضاء آناء الليل زأطراف النهار.
تسويغ التسول
لم يكن اعتباطًا عدم الاهتمام بأي إنتاج صناعي حقيقي وخصوصًا منذ الثمانينات فالمجتمع الذي يتحول إلى التصنيع والإنتاج يحتاج إلى منظومة تعليمية تمهد لذلك وتؤسس له، ولكن التعليم هو عدو المستبد الأول لذا فهذا الخيار رسب في دراسات جدوى دولة 1952. وتم ترسيخ العلاوة السنوية في نداء شهير كل عام (العلاوة يا ريس) وكذلك دعم بعض السلع الأساسية كالخبز والوقود مقابل ترك المواطن السياسة للحاكم، وطبعًا كانت الدولة تقدم أشباه خدمات صحية وتعليمية وغيرها دون حتى احترام آدمية الحاصلين عليها، وكأن تقديم الخدمات المجانية لغير القادرين هبة من الحكومة وليس حقًا للمواطن يمول من الضرائب والرسوم التي تفرض على عموم الشعب.
وينتقل موضوع الإقناع بالتسول إلى مستوىً آخر في عهد مبارك الذي كان إعلامه يشيد بما يحصل عليه من معونات ومساعدات من شتى بقاع الأرض وخصوصًا دول الخليج العربي.
ويحتفي الإعلام بجمع البطاطين القديمة وتوزيعها على الفقراء بدلًا من أن يلوم النظام على هذا العدد الكبير من الفقراء داخل القطر المصري دون مبرر سوى عجز الحكام تباعًا عن إدارة شؤون الدولة المصرية.
وأخيرًا يصل التسول إلى ذروته منذ عام 2013 مع تبديد المعونات وإنفاقها في غير محلها ثم الاستجداء من جديد فتحدث المفاجأة للنظام (وهي بالطبع نتيجة متوقعة وليست مفاجأة إلا للنظام) فتتوقف الدول المتبرعة عن التبرع.
فإذا بنا أمام محاولة لبيع أصول الدولة وهو أمر كانت دولة 1952 نفسها تعتبره خيانة ومساس بالسيادة المصرية ولكن نجد احتفاءٍ إعلاميًا وترويجًا لبيع أي أصل مهما كانت أهميته وكأن هذا البيع هو فتح الفتوح. ويتخلل ذلك التذرع بأن الوضع المذري اقتصاديًا نشأ عن الأزمات الدولية وليس سوء الأداء والإدارة وتجد النظام يتعامل مع الأمر على أن دوره إدارة دولة لا أزمات فيها ولا مشاكل !!!! وإلا فلا يلومه أحد على الإخفاق.
وفي هذا الصدد توجد خصيصة غريبة فالشعب المصري يبرر عدم محاولة تغيير هذا الوضع بالضغط الحقيقي من أجل إصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية بأنه يخشى بطش النظام، وتجد النظام يبرر عدم اتخاذ موقف قوي من إثيوبيا جراء سلبها الحقوق المصرية الأصيلة في نهر النيل بأنه لا يريد (أي يخشى) الوقوع في فخ المتربصين الدوليين ونفس الأمر ينطبق على عدم حتى شكوى إسرائيل في مجلس الأمن لقالها جنود مصريين على الحدود.
الخلاصة كما أشرت في بداية المقال أن مصر لا تتعرض لمؤامرة خارجية خزعبلية وإنما مصر تتأمر على نفسها بالمعنى المجازي.
#ياسر_يونس (هاشتاغ)
Yasser_Younes#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ترجمة شعرية لقصيدة شارل بودلير -أغنية الخريف-
-
بين -بودلير- وأبي نواس
-
قصيدة إلى روح الصديق العزيز والمفكر الشجاع الدكتور سيد القمن
...
-
قصيدة -الحكيم والحقيقة- من ديواني -الكل يصفق للسلطان-، مركز
...
-
قصيدة الشاعر الصالح من ديواني -لا تُعارض-، مركز الحضارة العر
...
-
قصيدة وهم الخازوق من أحدث دواويني الصادر عن مركز الحضارة الع
...
-
قصيدة دَيْدن الجراد من أحدث دواويني الشعرية الصادر منذ أيام
...
-
-الشيخ قفة - قصيدة عامية ساخرة من وحي الشيخ قفة
-
رؤوس أقلام عن ثقافة الانغلاق ورفض الحداثة
-
كانوا يرونهم دواعش
-
انتحارية هنا استشهادية هناك
-
متلازمة دولة الخلافة
-
عبد الله بن سبأ والطابور الخامس
-
الوليد بن يزيد ولفحة -ربيع عربي- في العصر الأموي
-
إسلام البحيري في عش الدبابير
-
قصيدة الإرهابي الدجال
-
التعددية اللغوية والتواصل بين العرب
-
قصيدة سقطت كل أقنعتك آخر قصيدة في المخلوع الإخواني محمد مرسي
-
من يمسك البقرة من قرنيها
-
في جوف حمار
المزيد.....
-
إدارة بايدن تسمح للمقاولين العسكريين الأمريكيين بالانتشار في
...
-
بايدن يعلق على أحداث أمستردام
-
روسيا تؤكد استعدادها لنقل 80 ألف طن من وقود الديزل إلى كوبا
...
-
رئيس الوزراء اليوناني يقدم مقترحات للاتحاد الأوروبي من أجل ا
...
-
رويترز: البنتاغون يسمح بتواجد متعاقدين عسكريين في أوكرانيا ل
...
-
الناتو يزعم أن التعاون بين روسيا وكوريا الشمالية يمس الأمن ا
...
-
إيران: مقتل 4 -إرهابيين- وجندي في عملية في سيستان وبلوشستان
...
-
قضيّة الوثائق السرية المسربة: مستشارة الحكومة الإسرائيلية تو
...
-
تواصل التنديدات الدولية بالهجمات على مشجعين إسرائيليين في أم
...
-
القضاء الأمريكي يوجه الاتهام لإيراني بالتخطيط لاغتيال ترامب
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|