|
من قتل ناجي العلي ؟
أحمد الفيتوري
الحوار المتمدن-العدد: 1746 - 2006 / 11 / 26 - 11:08
المحور:
الادب والفن
وحنظلة ولد عسل إنما ، من قفير العناد واذكر إضرابه ذات يوم - دم . ألا يذكر القارئ الحنظلي الجريدة يوم اختفت من صياح صبي الجرائد .
منصف المز غنى
الـذي رأى .. كان ناجي العلي يرى إلى درجة العمى ان فلسطين مشروع حرية لا ارض محتلة ؛ رأى فلسطين مشروعا نهضويا للأمة ونكسة للأنظمة الفاشية ، ولم ير في اللوحة الإطار بل الممكن والأفق . لهذا كان ساخرا ، تهكميا ، فاجعا ، إلى حد ان كل أعداء الحرية والخائفين منها والمترددين أمامها يتذوقون السكر مر المذاق في حلوقهم ، وكان المشكل ان ناجي فنان لا حدود له كفلسطين وانه مبدع لا في وجه نعم وفي وجه نعم التي تلبس لبوس لا . حين كان راشد حسين يقول : ليتني كنت طليقا في سجون الناصرة كان ناجي الطليق في سجون الناصرة .. والسر الذي يفضح نفسه يوميا ويبقى السر ؛ وسره ان الكون عنده اصغر من فلسطين ، وان فلسطين هي المخيم ؛ هو جوهري في كل شيء ، يغني القارئ عن الجريدة ، يغني الجريدة عن الكتابة ، ولا يرسم إلا بقلم الرصاص ، ولا يسكن صدره إلا الرصاص ؛ حين ولد خلق ناموسه ألا يموت ، ولم يعد يستطيع ذلك حتى ان أراد . فمن قتل ناجي العلي ؟ .. كانت مشكلة القاتل انه يموت ، ان ناجي لا يموت ، لأنه الناجي بفعل ما فعل ما رسم ما حلم هو الحي وملاذه الحرية ، وكما كان ناجى لا يصادر بقى كذلك ، العلى الفلسطيني من البحر إلى البحر ومن الوريد إلى الوريد . فمن قتل ناجي العلي ؟ .. حادثة .. * ولد ناجي سليم حسين العليسنة 1936 بقرية اشجرة في الجليل الشمالي من فلسطين الواقعة على ساحل المتوسط ورحل في 30 / 8 / 1987 م لمقبرة بـ - روك وود ، منطقة ساري جنوب لندن . الــذي رسم .. نلاحظ هذا الزواج الكاثوليكي بين المرأة ولوحة ناجي ، وان حنظلة الشاعر كان مدهوشا أمام هذا الزواج ؛ لان لوحة ناجي الطليقة التي ترسمه معقود اليدين هي نفس اللوحة التي تجعل هذا الزواج لا طلاق فيه ، هكذا يبدو ان الرجل في الفنان يوحي ان الحرية قيد الإنسان الذي لا يمكنه الفكاك منه ؛ لأن الحرية وعي الذات وصيرورتها أي ان الحرية عنده معادل الهوية ، والفنان مشروط بالهوية – الحرية . وتوقيع على حنظلة / الطفل الذي يعقد يديه خلف ظهره في حالة صمت غالب هو القيد بهذه الحرية التي لا مناص منها ، البريئة من المناورة والحذلقة والزخرفة ، كما الخطوط بينة فإن الموضوع واحد أحد فلسطين / الديمقراطية . وهذه الحرية مشروطة بوطن ولكن هذا الوطن ؛ وطنها ، ففلسطين أيقونة حرية في كل ما رسم وما سخر .. ويبدو ان ناجي حمل الريشة لا من اجل ان يرسم بل لكي يحقق وجوده المشروط بالهوية / الحرية . لهذا فالشرط الموضوعي الذي نتج فيه ناجي أي المخيم ، كان المكان المتحقق فيه الشرط فالمخيم يحاصر كل القوى التي تحاصره ، المخيم مشروع وطن كما ان فلسطين مشروع حرية لهذا لم ير فيه المشرد والمقهور بل المقام ، وما في المقام غير الحرية . ونحن لا نجد أي حس رومانسي في لوحة ناجي ، ولا نجد هذا الحس حتى في الدمعة التي يفترض إنها توحي بالضعف ؛ إنها في لوحة ناجي الم إنسان وحزن الإنسان الذي يعاني معاناة الخالق . وعندما يرسم المسئول عن هذا القهر وهذه المعاناة يرسمه ككتلة واحدة غير مميزة ؛ لأن هذا المسئول يفقد شرط الشكل حتى وهو واضح المضمون الطبقي والإمبريالي ، أي يفقد إمكانية ان يكون إنسانا ، انه مخلوق آخر لا ملامح له ؛ خلقة ، فهو بدون هوية لأنه لا تاريخي . يواجه ناجي الحرب بالطفولة ليس لأنها رمز البراءة ، بل لان الطفولة الامكان / الإبداع أي صيرورة التاريخ ، وتكشف وقائع اليوم عن هذا المعادل : طفولة / حرب ، هذا النهوض للجيل الذي ولد تحت الاحتلال في فلسطين ، وأطفال الحجارة والانتفاضة التي لا تنتهي ، ويشير ناجي إلى جانب هذا إلى النبتة التي تنبثق في الحجر التي تملأ لوحته . ناجى رسم لوحة واحدة وهذا الشاهد حنظلة .. حدث ناجي العلي .. قــال … من الطفل حنظلة توقيعي هذا اسأل عنه أينما ذهبت ، كان لي أصدقاء تشاركت معهم العمل تظاهرنا ، سجنا .. الخ .. لكن عندما انتهوا إلى ان يتحولوا إلى تنابل وأصحاب مؤسسات وعقارات خفت على نفسي من الاستهلاك . وفي الخليج أنجبت هذا الطفل وقدمته للناس اسمه حنظلة ، وهو عاهد الجماهير على ان يحافظ على نفسه ، رسمته طفلا غير جميل شعره مثل شعر القنفذ ؛ والقنفذ يستخدم أشواك شعره كسلاح ، حنظلة لم اعمله طفلا سمينا مدللا مرتاحا ، انه حاف من حفاة المخيم ، هو أيقونة تحميني من الشطط والخطأ ، وبرغم انه غير جميل إلا ان حشوته الداخلية تحمل رائحة المسك والعنبر ، ومن اجله سأقاتل قبيلة بأكملها عندما يمس . ان يديه المعقودتين خلف ظهره ، علامة من علامات الرفض في مرحلة تمر بهذه المنطقة وتقدم لها الحلول عن الطريقة الأمريكية ، وعلى طريقة الأنظمة … ان حركة يديه شكلتها بعد حرب أكتوبر ، عندما شممت رائحة تطورات مقبلة على المنطقة عبر حقيبة كيسنجر ، ولد حنظلة في العاشرة من عمره ، وسيظل دائما في العاشرة ، ففي تلك السن غادرت الوطن ، وحين يعود حنظلة سيكون … بعد … في العاشرة ؟ . ثم يأخذ في الكبر بعد ذلك .. قوانين الطبيعة المعروفة لا تنطبق عليه ، انه استثناء .. وستصبح الأمور طبيعية حين يعود الوطن ( ... ) ، فالطفل يمثل موقفا رمزيا ليس بالنسبة لي فقط .. بل بالنسبة لحالة جماعية تعيش مثلي وأعيش مثلها . • حملت بحنظلة في الكويت .. وولدته هنا .. خفت ان " اتوه " ان تجرفني الأمواج بعيدا عن مربط فرسي .. فلسطين .. حنظلة وفائه لفلسطين ولن يسمح لي ان أكون غير ذلك ، انه نقطة عرق على جبيني تلسعني إذا ما جال بخاطري ان اجبن أو أتراجع .. متى سيرى الناس وجه حنظلة ؟ … • انه شاهد العصر الذي لا يموت .. الشاهد الذي دخل الحياة عنوة .. ولن يغادرها أبدا … انه الشاهد الأسطورة ، وهذه الشخصية غير قابلة للموت ، ولدت لتحيا وتحدت لتستمر .. حنظلة هذا المخلوق .. الذي ابتدعته لن ينتهي من بعدي بالتأكيد وربما لا أبالغ إذا قلت : إنني قد استمر به بعد موتي … - ناجي العلي قال الشاهد .. ان حنظلة برموزه المتعددة في مرارة ثمر الحنظل ، وبراءة الطفولة وأمانيها وانتداب نفسه لان يرصد ويراقب كل ما يجري حوله كحارس أمين ، وناجي العلي أدرك نفسه في أمانة الفنان وصدقه وقدرته على الصمود ، ضد عنت المعنتين و عسف المتعسفين وكذب المنافقين . صار كل منهما ناجي العلي يستبطن احدهما الأخر بأكثر من معنى ، صارا الوجه والمرآة ، والحوار المتأزم ما بين الوجه والمرآة ، فناجي العلي في حنظلة يقدم ضميرا لأمته التي استلب حقها في الحياة ، وحنظلة في ناجي العلي معنى في الطفل للذي لا يريد ان يكبر فيفقد براءته ، التي تأبى ان تباع وتشترى ، وتأبى ان تساوم على تلك البراءة ، ولان في طفولته ، ربما ، ما يمنع المجرمين من قتله فقتل الطفل جريمة لا تغتفر .. هكذا أراد الطفل الذي خلقه نزيها ، عفيفا ، طوى ذراعيه خلف ظهره ووقف يتأمل ما يجري أمامه ، وفات الاثنين ان بعض المجرمين يقتلون حتى الأطفال ، لان البراءة اشد خطرا عليهم .. - بلند الحيدري .
هوامش : • راشد حسين شاعر فلسطيني اغتيل في نيويورك . • عن كتاب كاريكاتير ناجي العلي إصدار المركز العربي للمعلومات .. • عن ديوان ( حنظلة العلي ) للشاعر منصف المزغني إصدار دار الأقواس للنشر ودار طبريا للنشر .
#أحمد_الفيتوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تجربة المتشائل إبداع تحت الشمس
-
كم شجرة تكون غابة ؟
-
دروس الأكاديمية:لا تقول بغ ، ممنوع التصوير ، الكتابة ، الكلا
...
-
قصيدة حب متأبية بطريقة خ ، خ
-
تعيش جامعة العرب
-
زلة عرجون اليأس
-
فرج الترهوني : ترجمان كثبان النمل
-
..وكذا حبيبتي في الشعر.
-
ذئبة من بعيد ترنو ، ذئبة تندس في غابة عينيه
-
بغداد أفق مسفوح في بحر اللامتناهي
-
شارع الإذاعة : سر من رآه ، سر من لم يره
-
بورتريه الثعلب
-
بورتريه العنيزي
-
بورتريه البوري
-
بورتريه الفلاح
-
بورتريه الكوني
-
بورتريه المنتصر
-
بورتريه مطاوع
-
بورتريه زغبية
-
بورتريه مطر
المزيد.....
-
ليلى علوي تخطف الأضواء بالرقص والغناء في حفل نانسي بالقاهرة
...
-
-شرفة آدم-.. حسين جلعاد يصدر تأملاته في الوجود والأدب
-
أسلوب الحكيم.. دراسة في بلاغة القدماء والمحدثين
-
الممثل السعودي إبراهيم الحجاج بمسلسل -يوميات رجل عانس- في رم
...
-
التشدد في ليبيا.. قمع موسيقى الراب والمهرجانات والرقص!
-
التلاعب بالرأي العام - مسرحية ترامبية كلاسيكية
-
بيت المدى يؤبن شيخ المخرجين السينمائيين العراقيين محمد شكري
...
-
مصر.. الحكم بحبس مخرج شهير شهرين
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي بتهم -الاعتداء والسب-
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي شهرين لهذا السبب
المزيد.....
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
المزيد.....
|