|
الخلافات الفلسفية وتحدي التكامل والتحقيق المفاهيمي (الجزء الرابع)
أحمد رباص
كاتب
(Ahmed Rabass)
الحوار المتمدن-العدد: 7852 - 2024 / 1 / 10 - 02:00
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بنوع من الفضول الفلسفي، المصحوب بدهشة الاكتشاف، قادني البحث عما قيل وكتب حول هذا الموضوع إلى هذه الدراسة الرائعة المنشورة على النت بقلم بينوا غوتييه. وبما أن الكتابة ثمرة للقراءة، كانت هذه الترجمة:
إن تحدي التكامل، كما كتب بوفيريس، "يتعلق بالصعوبة التي قد نواجهها، في ما يتعلق بأي مشروع معرفي، في توفير ميتافيزيقا مقبولة وإبستيمولوجيا عن الحقيقة لقضايا التخصص المعني". بعبارة أخرى، في حالة الفلسفة، "يجب ألا يكون هناك خلاف كامل أو حتى فجوة كبيرة جدا بين ما نعرفه عن العمليات التي تتشكل بها المعتقدات واليقينات الفلسفية، وفكرة أننا نصنع هذا النوع من المعرفة بالحقائق التي من المفترض أننا نجحنا في الوصول إليها بفضلها". وبتعبير أدق: “قد يكون هناك خلاف بين هذين الأمرين، لأنه قد يحدث أن نكوّن فكرة عما تتمثل فيه حقيقة [القضايا الفلسفية] وما تقتضيه مما له أثر على جعل الحقيقة سؤالا مستعصيا من وجهة نظر إبستيمية وجعل الطريقة التي يمكننا بها مع ذلك أن ننجح في معرفتها غير مفهومة، أو على العكس من ذلك، أن نشكل فكرة عن الطريقة التي يمكننا بها النجاح في معرفتها والتي تستبعد ذلك ويمكن أن يكون لها نوع المحتوى والتبعات التي نميل إلى أن ننسبها إليها." كما رأينا (سابقا)، بالنسبة لويليامسون، "هدف الفلسفة، على المدى الطويل، هو اكتساب نوع من المعرفة بالطريقة التي توجد بها الأشياء" والتي لا تختلف جوهريا عن تلك التي يمكن أن تكتسبها العلوم. بمعنى آخر، الفلسفة والعلم لا يتمحوران حول أشياء مختلفة جذريا، بل حول العالم. الأولى، على عكس الثاني، يمكن مع ذلك ممارستها، على الأقل جزئيا، "على كرسي مريح"؛ لكن هذا لا يعني، كما أشرنا سابقا، أنه من خلال ملكة معرفية معينة، مختلفة عن تلك التي نجندها في معرفتنا العلمية أو العادية بالعالم، تساهم الفلسفة في معرفته - بما في ذلك عندما يتم إجراؤها على كرسي مريح. وفقا لوليامسون، فإن المعرفة التي يمتلك الفيلسوف الوسائل اللازمة لاكتسابها، والتي يجب أن يسعى إلى اكتسابها، والتي يعود الأمر إليه لاكتسابها، هي (كما فهمنا بلا شك بالفعل) معرفة الضرورة الميتافيزيقية. في ما يتعلق بكيفية قدرتنا على معرفة الضرورة الميتافيزيقية، يؤكد ويليامسون على الأطروحة التالية: "إن الوسائل المختلفة المتاحة لنا لاكتساب المعرفة غير الفلسفية يمكن استخدامها لتزويدنا بالمعرفة الفلسفية، بما في ذلك معرفة الضرورة الميتافيزيقية. أقوم بربط المناهج التي نستخدمها لتقييم المشروطات المضادة للواقع (قضايا تستعمل للتعبير عن وضعية افتراضية في الماضي وعن نتائجها المتخيلة، المترجم) للواقع خارج الفلسفة بفكرة الضرورة الميتافيزيقية. إنني أعرّف هذه الضرورة بأنها ما كان يمكن أن يكون، أيا كان ما كان يمكن أن يكون؛ ما هو في حد ذاته مشروط مضاد للواقع معمم. بقدر ما أستطيع الحكم، فإن المناهج التي نستخدمها لتقييم المشروطات المضادة للواقع بشكل عام مناسبة، حتى في حالات خاصة مثل حالة الضرورة الميتافيزيقية." بعبارة أخرى: "بمجرد أن نرى ما هي القدرات المعرفية المطلوبة لشرح معرفتنا بالوقائع المضادة، نرى أن هذه القدرات كافية لشرح معرفتنا بالطريقة […] ويصبح من غير المعقول تماما افتراض أننا مع ذلك نستخدم القدرات المعرفية الإضافية وغير الضرورية عندما نقوم بتقييم تأكيدات الطريقة. كيف إذن نفسر كون قدرتنا على معرفة ما هو ضروري ميتافيزيقيا لا تختلف عن قدرتنا على معرفة حقيقة الحقائق المضادة يساعد على تفسير كيف يمكننا، في الفلسفة، معرفة الضرورة الميتافيزيقية؟ يمكن إعادة بناء موقف ويليامسون على النحوذ التالي: (1) تعد التجارب الفكرية من أكثر الأساليب استخداما بشكل منهجي في الفلسفة. (2) تجارب الفكر الفلسفي في بعض الأحيان (وحتى في كثير من الأحيان) لها بعد مشروط. (3) هذه التجارب الفكرية، مثل جميع التجارب الفكرية، غالبا ما تكون مجرد تفكير حول احتمالات مضادة للواقع، حيث أن معرفة أي حقيقة مشروطة، بالنسبة لويليامسون، هي معرفة "اعتماد مضاد للواقع". (4) على وجه الخصوص، من خلال هذا النوع من التفكير، نتمكن كل يوم، بطريقة عادية تماما، من معرفة الحقائق حول العالم وأننا نستخدم تلك التي اكتسبناها لاكتساب حقائق جديدة. (5) ومن ثم فإن تجارب الفكر الفلسفي تلعب دورا في القدرات التي نفعلها في معرفتنا بالعالم. (6) وبالتالي، ليس لدينا أي سبب للشك في الاستنتاجات التي تقودنا إليها تجارب الفكر الفلسفي أكثر من الشك في تلك التي يقودنا إليها تفكيرنا المعتاد المخالف للواقع حول ما كان يمكن أن يحدث في الظروف المغايرة للواقع. (7) ليس لدينا أيضا أي سبب للاعتقاد بأن هذه التجارب الفكرية لا تتعلق بالعالم بالمعنى الذي ترتبط به هذه الاستدلالات وبالطريقة التي ترتبط بها. (8) بما أن تجارب الفكر الفلسفي تمتلك في بعض الأحيان (وحتى في كثير من الأحيان) بعدا نمطيا، يترتب على ذلك أنه لدينا ما يبرر على الأقل للوهلة الأولى الاعتقاد بأنها تسمح لنا بمعرفة ما هو ضروري أو ممكن أو مستحيل في العالم. بمعنى آخر، يمكن للتجارب الفكرية التي نستخدمها باستمرار في الفلسفة، وفقا لويليامسون، أن تسمح لنا بمعرفة ما هو ممكن أو مستحيل أو ضروري ميتافيزيقيا، وليس فقط، كما قد نميل إلى الاعتقاد، ما هو ممكن مفاهيميا، أو مستحيل، أو ضروري. وهي تعمل، في الفلسفة كما في العلم، كأدلة أو حجج لصالح الاستنتاجات التي تسمح لنا بالوصول إليها. يكتب باسكال إنجل، في تعليقه على الموقف الذي دافع عنه ويليامسون ويتفق معه إلى حد كبير، أن "التجارب الفكرية تشير جزئيا فقط إلى اكتشافات حول معتقداتنا أو مفاهيمنا. […] يتعلق الأمر بفرضيات نطرحها لنرى ما يأتي في ما بعد”. سأترك جانبا هنا ما يبدو لي أنه نقطة خلافه الرئيسية مع ويليامسون، أي حقيقة أنه يبدو من غير البديهي بالنسبة لإنجل التأكيد على أن كل تجربة فكرية فلسفية تتعامل مع احتمالات ميتافيزيقية وليس مع احتمالات مفاهيمية، "حيث لا توجد تجربة فكرية حقيقية" "يتعلق بمفاهيمنا أو فهمنا للمفاهيم"، حول كيفية تصورنا للعالم وليس حول العالم نفسه. ما يبدو أكثر أهمية بالنسبة لي هو أن إنجل يتفق مع ويليامسون على أن هدف الفلسفة يجب أن يكون بالفعل، مثل العلم، "الكشف عن الجواهر"، وأنها تستطيع تحقيق ذلك عن طريق التجارب الفكرية على وجه الخصوص. والآن أود أن أبين، أخيرا، أن الحجة التي استخدمها ويليامسون لإثبات أن لدينا الوسائل لمعرفة الضرورة الميتافيزيقية يجب رفضها تماما. وبتعبير أدق، سأحاول أن أبين لماذا التجارب الفكرية التي من المفترض أن نكون قادرين من خلالها على معرفة الضرورة الميتافيزيقية في الواقع، لا تسمح بذلك. لن أحسم مسألة ما إذا كانت هناك جواهر أو مثل هذه الضروريات أم لا، ولن أدعي أنني أوضحت أنه، على افتراض وجودها، سنكون غير قادرين إلى الأبد على اكتشافها، في ضوء الوسائل المعرفية المتاحة لنا (الحجة بهذا المعنى يمكن أن تكون، مثلا، أن العلم لا يمكنه إلا أن يمكّننا من اكتشاف ما هو الحال، وأن التصور وعدم التصور ليسا دليلين موثوقين بالنسبة إلى الطريقة الميتافيزيقية). ما سأحاول إظهاره هو أن التجارب الفكرية التي نعتمد عليها في الفلسفة ليست من نوع الاستدلال المضاد للواقع الذي نستخدمه باستمرار في تفاعلاتنا مع العالم والذي يوجد أيضا في تجارب الفكر العلمية. بمعنى آخر، أود أن أبين أن طبيعة تجارب الفكر العلمي (أو الاستدلال العادي المخالف للواقع) ليست هي نفسها تجارب الفكر الفلسفي، وأن الأخيرة تنشأ من التحليل المفاهيمي - كيف أنه ليس من شأنها أن تكون هي نفسها نوعا من أدوات معرفة الضرورة الميتافيزيقية التي يراها ويليامسون فيها. (يتبع) المصدر: https://books.openedition.org/cdf/3540?lang=fr
#أحمد_رباص (هاشتاغ)
Ahmed_Rabass#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الخلافات الفلسفية وتحدي التكامل والتحقيق المفاهيمي (الجزء ال
...
-
حسن نجمي في ضيافة -قهيوة ولا أتاي؟- (الجزء الخامس والأخير)
-
حسن نجمي في ضيافة برنامج -قهيوة ولا أتاي؟- لعتيق بنشيكر (الج
...
-
حسن نجمي في ضيافة برنامج -قهيوة ولا أتاي؟- لعتيق بنشيكر (الج
...
-
حسن نجمي في ضيافة برنامج “قهيوة ولا أتاي” لعتيق بنشيكر (الجز
...
-
حسن نجمي في ضيافة -قهيوة ولا أتاي- لعتيق بنشيكر (الجزء الأول
...
-
نداء مجموعة من المثقفين العرب إلى قوى العمل الوطني الفلسطيني
-
رهانات تمازيغت بالمغرب
-
لحظات مؤثرة ومفجعة: أهم الأحداث التي طرأت خلال عام 2023 في ا
...
-
الخلافات الفلسفية وتحدي التكامل والتحقيق المفاهيمي (الجزء ال
...
-
تأسيس لجنة وطنية لدعم حراك فكيك ومطالب فكيك وعموم جهة الشرق
-
بوزنيقة: منع وقفة أحتجاجية ضد افتتاح متجر كارفور
-
الخلافات الفلسفية وتحدي التكامل والتحقيق المفاهيمي (الجزء ال
...
-
عيشة قنديشة.. ثلاث روايات لقصة الكونتيسة اللعينة
-
النائبة البرلمانية نبيلة منيب تدخل على خط حملة الاعتقالات ال
...
-
بوزنيقة: المجلس الوطني لفدرالية اليسار يعقد دورته بوزنيقة: ا
...
-
الرعاية الصحية بالمغرب: انضمام الطلبة والمهنيين إلى الاحتجاج
...
-
عزيز عقاوي يرد على إدريس لشكر دفاعا عن الحراك التعليمي
-
غميمط يقدم عرضا وافيا لتفاصيل الحوار الذي أجرته اليوم نقابته
...
-
حسن الحيموتي نائب الكاتب العام لنقابة الإفنو يسرد تفاصيل الح
...
المزيد.....
-
ترامب: تحدثت مع الرئيس المصري حول نقل الفلسطينيين من غزة
-
كوكا كولا تسحب منتجاتها من الأسواق الأوروبية بسبب مستويات ال
...
-
ترامب: سأوقع أمرا تنفيذيا لإنشاء -قبة حديدية- للدفاع الصاروخ
...
-
محادثات أولية للمرحلة الثانية من اتفاق غزة ومبعوث ترامب يتوج
...
-
الاحتلال يصعد عدوانه على الضفة ويهجر آلاف العائلات بجنين وطو
...
-
الجيش الإسرائيلي يوسع عملياته في الضفة الغربية و-يجبر- عائلا
...
-
-ديب سيك- تطبيق صيني يغير معادلة الذكاء الاصطناعي العالمي..
...
-
الأزهر يعلن رفضه القاطع لمخططات تهجير الفلسطينيين
-
إقالة 12 مدعيا شاركوا بمحاكمة ترامب
-
أميركا تواصل ترحيل مهاجرين إلى غواتيمالا وتتجاوز الأزمة مع ك
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|