|
الجزء الثالث من قصة زوجتاي !!
طلال الشريف
الحوار المتمدن-العدد: 1744 - 2006 / 11 / 24 - 09:58
المحور:
الادب والفن
في اليوم التالي، السبت، صحوت من النوم متأخراً، بعد القنبلة التي فجرتها مع زوجتي وأولادي ، بأن حفل الزفاف سيكون يوم الثلاثاء ، أي بعد ساعات معدودة، سيبدأ الطوفان يعصف بالأسرة المستقرة الوادعة، وستكون مرحلة جديدة من الإشكاليات المستعصية علي الحل، بعد الإصرار الشديد مني بالزواج من رجاء، لم أجد أحداً كعادتنا السابقة، يحضر الإفطار لي ،والكل متشبث في مكانه، ولم يذهب أحد منهم إلي العمل، بعد أن غضب الجميع، وبدوا في حالة، لا يستطيعوا مواجهة زملاءهم، ولا معارفهم، وكأنهم يريدون الاختباء من نظرات الناس لهم، لزواج والدهم في هذا العمر المتأخر، وتلك الكارثة، التي حلت بزوجتي، بعد طول عشرة، امتدت حوالي ربع قرن. وخرجت من المنزل، متوجهاً بإصرار المسحور المتلهف، لإتمام الزواج، واستعجال الساعات المتبقية علي أحر من الجمر، كانت عيون، ونكهة، رجاء، والحلم القديم بها، يمداني بالقوة، لمواجهة المجتمع، والناس، والأسرة، وكان الجميع في واد الحزن، والاستغراب، والاستغياب، والشماتة، والفرجة، وأنا في واد السعادة، واللهفة، والهيام، والانتعاش برجاء، التي أخذت مني الوقت الطويل، للظفر بها، بل أكثر من هذا، كنت أحس بنشوة الانتصار حقيقة، وخاصة في قضية، مثل هذه القضية، التي من النادر، أن ينتصر فيها الكثيرين في مجتمعات، مثل مجتمعاتنا، المليئة، بالكبت، والانكسار في في حرية الاختيار، والاستقلالية، وفي بيئة ترتبط كل مكوناتها يبعضها، ارتباطاً اعتباطياً وشديداً، بالعيب، والحرام، والممنوع، والعادة، والسلوك الذي يتحكم في قمع الإنسان. أنهيت بعض المشاوير إلي معرض الأثاث، واطمأننت علي توصيل العفش غداً الأحد صباحاً، وأكدت علي الفرقة الموسيقية التي ستحيى الفرح، ومكتب السيارات لموكب الزفاف، وعدت سريعاً إلي بيت رجاء ، تلك اللحظات الأخيرة التي يقضيها العريس، لاغتنام بعض الوقت، ومغازلة عروسه، والجلوس معها، وأسرتها من حولنا، تقوم علي عمل ما لذ، وطاب من الأكل والشاي والقهوة، إلي أن حان موعد الغداء، الذي أتذوقه بطعم جديد، فأنا نسيبهم الجديد، وكل نسيب جديد، له رنة وطنه، مع أسرة خطيبته، وما إن خلص الغداء، حتى انزوينا جانباً، أنا ورجاء بالصالون نسعد بالحديث الشيق، نداعب بعضنا بالقفشات، والكلمات التي تسبق طبول الزفاف، في لحظة انتظرناها طويلاً، وتوقفت رجاء عند سؤال، بدا لي عابراً، لكنه، فتح لنا حواراً طويلاً، قضينا فيه بعض الوقت،قائلة: كيف تحس الأمور بعد أن عدنا لبعضنا من جديد، فقلت لها: الواحد منا تأخذه الدنيا مرات علي حين غفلة، ويسير في طريق يكتشف بعده، بأنه لا يستطيع تحقيق ما يريد، وتصبح قضايا الحياة، ومواصلتها تغطي علي ما كان يتمني، ويبقي مندفعاً، دون أن يدري، وتنتابه أحياناً، تساؤلات عديدة، ماذا لو كان، قد اقترن بمن يرغب، ويحب، فهل سيكون أسعد مما هو فيه؟ وماذا لو درس تخصص آخر، فهل ستكون أوضاعه أفضل مما هو فيه؟ لا ندري لو بدأ الواحد منا أشياء كثيرة في حياته بشكل مختلف، عما انتهجه، هل كان هو هذا الشخص الآني؟ أم سيكون شخصاً آخراً؟ أشياء كثيرة في حياتنا غامضة يا رجاء، ولا يستطيع التيقن منها بعد مرور عشرات السنين، فقالت رجاء لماذا يحدث هذا ولا نستطيع أن نقرر أحياناً صحة الطريق الذي خضناه إلا بعد فوات الأوان؟
فقلت لها هكذا الإنسان علي هذه البسيطة، يري الأشياء من الزاوية التي يستطيع في لحظتها إدراكها ، ولكن هناك في علم الغيب أشياء لا تخطر علي بال، فمن كان يتوقع أن نعود، ونلتقي من جديد، بعد كل هذه السنوات، وبعد ارتباطك بآخر، وقد أصبح لديك طفلين، وأصبحت أنا جد لأحفادي، من كان يصدق أن الدنيا هكذا؟ وأن الإنسان يبقي لديه بصيص من الحلم، قد يغيب عنه سنوات وسنوات. ولماذا حرمتني يا رجاء من الزواج بك؟ وقد كنا أحباب، وأنا قد بذلت الجهد الكبير من أجلك، حين فضلت أنت الاقتران بمن هو في سنك ، هذه هي الزاوية، التي نظرت أنت إليها، بحكم المفاهيم التي تربينا عليها في مجتمعنا، دون تفكير في الجوانب الأخرى، مثل العاطفة السامية التي كنت أكنها لك، والشعور الكبير بمحبتك، وكم كان مجتمعنا ومفاهيمنا، التي رسخت في أذهاننا ظالمة؟ وتصورنا أنها صحيحة مائة بالمائة، لقد انكسرنا، ورضخنا للعقل الذي نحترمه، ولكن الحياة بها أشياء أخري نهملها، وهناك زوايا كثيرة، وهامة لا تأخذ منا الاهتمام المطلوب.
أنا أدرك، أن البيوت في أغلبها مغلقة علي إشكاليات كبيرة، وعدم تآلف، وانسجام بين الأزواج، ولكنهم، بحكم المجتمع، وعلاقاته المتداخلة، وبحكم ما يرزقون من أطفال تجبرهم عل المضي قدماً، مستسلمين لقدرهم، لأنه من الصعب علي الكثيرين، كسر هذه الحلقات المغلقة من العشرة، والخلف وكلام الناس .
فقالت رجاء: كنا نري من بعيد، هذا الإنسان ونعتبره في غاية السعادة، وهو يتمتع بالمأكل، والمشرب، والبيوت الخراسانية الجميلة، والحلي، والبهرجة، والسيارات الفارهة، وكل وسائل الراحة لديه، وكنا نحسد الناس علي ذلك، ونريد أن نكون مثلهم.
وهنا توقفت عند هذه الكلمات، قائلاً لرجاء: ماذا تقصدين؟ وبماذا تفكرين؟ هل قرب الموعد وانتهت الرحلة؟ فقالت: نعم، بعد غداً سيكون اللقاء، بعد أن انتهي وقت المعاناة، التي كنا نحسبها سعادة، واكتشفنا خطأنا، بعد غد ستعود إلينا حياتنا الجميلة الواعدة، لقد ذقت أنا، الأمرين طوال الأيام، والسنين الماضية، كان الناس، والمجتمع، والزوج والأصدقاء، والمعارف، ليس هنا فقط، بل في أمريكا، وكل المجتمعات الإنسانية، منغمسين في النفاق، والكذب علي بعضهم، يمثلون دور القديسين، ويفعلون كل شيء في الخفاء، ويظهرون لبعضهم مبتسمين، وكل إنسان منهم، يحمل خلف ظهره خنجر، ليطعن أخيه الإنسان، دون وازع من ضمير، ودون حساب للقيم، والأخلاق، والكل يصارع الآخر للامتلاك، والثروة، ومتاجرة في الدم، والأعراض، والمثل والمبادئ.
هذه الحياة في المجتمع الإنساني، مزيفة، والكل يضع علي وجهه قناع، وبعضهم يلبس النظارات السوداء، ليخفي عينيه عن الآخرين، ويلبسون الملابس الجميلة، المغمسة بآهات الآخرين.
هذا المجتمع الإنساني، هو الوحيد علي الأرض، الذي يغير هيئته، لإخفاء قبحه، ويضع العطور ليخفي رائحته، والنساء يغيرن من هيئتهن، ويضعن الماكياج، والرموش الصناعية، وملابس الإغراء، ليوقعن الرجال ضحايا، ويستحوذن عليهم، فالناس هم الوحيدون علي هذه الأرض، الذين يكذبون ويجاملون، وينافقون، ولا يظهرون علي حقيقتهم دون مساحيق، فالغابة، لا يوجد بها مساحيق، ولا ملابس، ولا عطور، ولا حتى البيوت الخراسانية، التي يسجنون أنفسهم بها. هل رأيت حماراً، أو مهرة، أو حتى معزة، أو فأراً بملابس، أو بماكياج، أو عطور؟ فالكل سعيد، يجري في الفضاء طبيعياً دون حواجز، ودون تجميل، وخداع، وهم فرحون بحالهم، ومستمتعون بحياتهم، ولا يصابون بالاكتئاب، والضغوطات، ونكد الإنسان من أخيه الإنسان.
فقالت رجاء: لا عليك، لم يتبق من الوقت الكثير، وسأجعلك أسعد مخلوق علي هذه الأرض، وسنعود إلي أهلنا ليستقبلونا بالترحاب، وان غداً لناظره قريب.
استأذنت، وغادرت، وأنا في لهفة ليوم الثلاثاء. وأدركت، أن رحلة العناء، قد انتهت، وسنكون بعدئذ في سعادة، وارتياح بعد هذا المشوار الطويل، مما مر بنا في السنوات السابقة.
تممت علي كل الأشياء يوم الاثنين، وزرت بيت رجاء، وأنا في طريقي إلي شقتنا الجديدة في برج البلح، بالدور التاسع، ونمت بها في تلك الليلة، هادئ الأعصاب، منتظراً ليوم الغد، يوم الفرح بكل شوق. في اليوم التالي، الثلاثاء، أقيم لنا حفل زفاف بهيج حضره علية القوم من المنافقين، من بني البشر، الذين كانوا ينظرون إلي، كعجوز حصل علي هدية ثمينة في آخر لحظات عمره، وكنت أراهم، وهم يأكلون سيقان رجاء، وهي تتمايل، وترقص علي الموسيقي الصاخبة، فقد كانت سيقانها مغرية، وهي تلبس بدلة الزفاف، التي اخترتها أنا بإصرار كبير لتظهر جمالها ، وكيف لا ، وأنا أتعمد ذلك، لكي لا يقول المعازيم، بأنني تركت زوجتي وأولادي من أجل امرأة، ليست جميلة، ولكي يعذرونني، حين يغادرون إلي النميمة، كعادتهم بعد كل زفاف، العروسة مش حلوة، العريس شايب، وترك أولاده، وتزوج من فلانة لأن لديها ملك، والعروسة طويلة، والعريس قصير، كل هذا كنت أحسب له حساب، ولم أكن من قبل في حياتي السابقة الطبيعية، أحسب له حساب، لكن السنوات الماضية مع الناس، قد أصابتني بما يفكرون، ويتصرفون.
انتهي حفل الزفاف، وغادر المعازيم، وذهبا أنا ورجاء إلي شقتنا الجديدة، تغمرنا السعادة والفرح، متلهفين لليلة حمراء، يحلم بها الكثيرين، ممن هم في سني، مع ملكة جمال فائق، مثل رجاء، ورجونا من العائلة، والأقارب، أن يتركونا يوم غد دون زيارات، لأننا قد أرهقنا كثيراً في هذه الرحلة الطولية، علي أن يأتوا بعد غد الخميس، للمباركة والصباحية.
ودخلنا شقتنا، وحملت رجاء كالعرسان الشبان، وأنا أحس، أنني رجعت للوراء عشرات السنين.
مضي يوم الأربعاء، دون زيارات من أحد، ونحن منتعشين بحياتنا الزوجية، لا نترك دقيقة واحدة، دون التحام، ومناغاة، وكأننا جزأين لقطعة واحدة، قد عادا للالتصاق من جديد.
في يوم الخميس، صحا سكان البرج علي رائحة نوشادر، تملئ البرج، ومياه تسيل علي درجات السلم، حتى، باب البرج، وكانت رائحة بول نفاذة تجتاح المكان، مما حدا، بالسكان جميعاً، للتجمع، و الصعود إلي مصدر البول، الذي بدأ يتساقط عليهم، متضامنين، رغم عدم معرفتهم لبعضهم، وكره من يعرفون بعضهم لبعض، وصعدوا السلالم، حتى تين خروج البول بكميات كبيرة من أسفل باب شقة العرسان بالدور التاسع، وأخذوا يدقون الباب، والجرس، دون مجيب.
واتفقوا بعد طول انتظار، وازدياد كمية البول، علي كسر باب الشقة. وتطوع أحدهم، وهم متجمهرين علي الباب فأحضر عتلة لفتح الباب، وأخذ الجميع يساعدونه، حتى انطلق الباب منفتحاً علي مصراعيه، ليكتشفوا أمامهم حصان أبيض جميل، ومهرة سمراء في غاية الجمال، والحصان يداعب المهرة، ويدغدغ أنفها في منظر ساحر من الحنو، لا يتمتع به بعضهم، واكفهرت وجوههم، ودلف بعضهم بالهبوط سريعاً، بينما، البعض الآخر، أخذ يضرب الفرس والمهرة، حتى أنزلوهم من البرج، وانطلقا نحو المزارع، والحقول، فرحين بحريتهما، بعد زيارة شاقة للبشر، أرادا منها الحياة مع الإنسان، فلم يستطيعا تحمل ذلك، فعادا لحياة الحرية والنقاء والطبيعة. 23/11/2006م [email protected] 23/1/6 بتوقيت رجاء
#طلال_الشريف (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجزء الثاني من قصة: زوجتاي !!
-
لا تمطري قبل الدفء !!
-
الجزء الأول من قصة: زوجتاي !!
-
أبطالك يا بيت حانون .. جنون !!
-
الاحتواء !!! قصة قصيرة
-
زرعتك حبيبي !!
-
عندما سألت الفيلسوف: عن الخروج عن القانون في مناطق السلطة ال
...
-
غزوة حب .. لامرأة جنوبية !!
-
عندما سألت الفيلسوف عن مواقف الكتل البرلمانية الأخري من المأ
...
-
عندما سألت الفيلسوف عن الجندي الأسير والاجتياح الاسرائيلي ال
...
-
عندما سألت الفيلسوف:عن مسئولية الرئيس تجاه الأزمة !!!
-
عندما سألت الفيلسوف...عن أفضل برامج الأحزاب- العصابات
-
عن (السياسيين) اللئام !!!
-
نفسي أشوفك يوم !!!
-
بين قبرين !!!
-
الحب الأول لا يغيب !!!
-
كله يفوق !!
-
التوحش !! قصة قصيرة
-
أباتشي اتنين وزنانتين !!!!
-
سنذهب الي بحرنا كل يوم يا جاك !!!!
المزيد.....
-
ميغان ماركل تثير اشمئزاز المشاهدين بخطأ فادح في المطبخ: -هذا
...
-
بالألوان الزاهية وعلى أنغام الموسيقى.. الآلاف يحتفلون في كات
...
-
تنوع ثقافي وإبداعي في مكان واحد.. افتتاح الأسبوع الرابع لموض
...
-
“معاوية” يكشف عن الهشاشة الفكرية والسياسية للطائفيين في العر
...
-
ترجمة جديدة لـ-الردع الاستباقي-: العدو يضرب في دمشق
-
أبل تخطط لإضافة الترجمة الفورية للمحادثات عبر سماعات إيربودز
...
-
الأديب والكاتب دريد عوده يوقع -يسوع الأسيني: حياة المسيح الس
...
-
تعرّف على ثقافة الصوم لدى بعض أديان الشرق الأوسط وحضاراته
-
فرنسا: جدل حول متطلبات اختبار اللغة في قانون الهجرة الجديد
-
جثث بالمتاحف.. دعوات لوقف عرض رفات أفارقة جُلب لبريطانيا خلا
...
المزيد.....
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
المزيد.....
|