طلال حسن عبد الرحمن
الحوار المتمدن-العدد: 7843 - 2024 / 1 / 1 - 20:47
المحور:
الادب والفن
قصة للأطفال
الترمجان
قصة : طلا حسن
"1 "
ـــــــــــــــــــ
قبل أن يأوي اتونغيت إلى فراشه ، قال لأمه : سأذهب غداً إلى الغابة ، وأصطاد بعض الترمجان .
فاعترضت أمه ، وقالت : لكن لدينا الكثير من لحم الفقمة والرنة ، يا بنيّ .
وتمدد اتونغيت في فراشه ، وقال : يعجبني لحم طائر الترمجان .
وتابعت الأم قائلة بشيء من الرجاء : ثم إن الجو ، في الغابة الآن ، بارد جداً .
وسحب اتونغيت الغطاء عليه ، وقال : هذا هو الجو الملائم لصيد طائر الترمجان ، يا أمي .
وفي صباح اليوم التالي ، جلس اتونغيت قبالة أمه ، يتناول طعام الفطور ، ولم تحاول أمه ، هذه المرة ، أن تثنيه عن الخروج إلى الصيد في الغابة ، فهي تعرف ابنها عنيداً كأبيه ، الذي قتله ذات يوم عاصف ، ذئب قطبي شرس .
وعندما أخذ اتونغيت قوسه وسهامه ، مستعداً للخروج ، قالت له أمه : سأنتظرك ، لن آكل حتى تعود .
وابتسم اتونغيت ، وقال مازحاً : قد لا أعود قبل المساء ، يا أمي .
فقالت أمه مازحة : لو كنتَ متزوجاً لما خرجت من البيت أساساً .
وضحك اتونغيت ، وقال : سأتزوج ، يا أمي ، حين أرى فتاة تعجبني .
ومضى اتونغيت مبتعداً بخطى شابة ، فهتفت به أمه : بنيّ ، لا تتوغل كثيراً في الغابة .
وردّ اتونغيت مازحاً ، دون أن يلتفت إليها : اطمئني ، يا أمي ، فجدتي تقول ، إنها مسكونة .
" 2 "
ـــــــــــــــــــ
طوال ساعات ، لم يصطد اتونغيت ترمجاناً واحداً ، بل ويا للعجب ، لم يرَ ترمجاناً واحداً ، رغم أن الغابة كانت تعج بمختلف أنواع الطيور .
وأخيراً ، قبيل منتصف النهار ، رأى ترمجاناً فتياً ، غاية في الجمال ، لم يرَ ما يشبهه من قبل ، فأخذ سهماً من جعبته ، ووضعه في قوسه ، وسدده بدقة نحو الترمجان ، ثم أطلق السهم .
وانتفض الترمجان متألماً ، رغم أن السهم لم يصبه تماماً ، وإنما أصاب طرفاً من جناحه ، على ما يبدو ، وانبثق الدم منه ، وانطلق متوغلاً في الغابة ، وهو يطير مرة ، ويقع مرة على الأرض .
وتبعه اتونغيت ، والقوس في يده ، دون أن يغيب عنه لحظة واحدة ، وتوقع أن يبطء الترمجان ، ثم يسقط على الثلج ، فيمسك به ، ويأخذه إلى البيت .
وبدل أن يضعف الترمجان ، ويسقط على الثلج مضرجاً بدمائه ، استمر على طيرانه المنخفض ، ووقوعه على الأرض ، وفجأة اختفى ، وكأن الثلج انشقّ وابتلعه ، وتوقف اتونغيت متلفتاً حوله ، لعله يقع على أثر للترمجان ، لكن دون جدوى .
ترى أين اختفى الترمجان ؟ وأين هو الآن ، وكيف .. ؟ مهما يكن ، فمن الأفضل أن يتوقف عن مطاردته ، ويعود إلى البيت ، لقد توغل كثيراً في الغابة ، وهو يخشى أن تغرب الشمس ، وهو مازال يدور في أعماق هذه الغابة ، فتقلق عليه أمه .
" 3 "
ــــــــــــــــــــ
لم يكد اتونغيت يخطو بضعة خطوات ، حتى رأى أمامه كوخاً ، ينبعث الدخان من مدخنته ، إنه إذن ليس كوخاً مهجوراً .
وتوقف متعجباً ، فهو لم يرَ هذا الكوخ إلا الآن ، من يدري ، لعله كان منشغلاً ، فلم ينتبه إليه ، وإلا أيعقل أنه ظهر هكذا فجأة ؟
ولعل اتونغيت أراد أن يتأكد ، بأن الكوخ موجود حقيقة ، وليس وهماً من الأوهام ، فتقدم من الباب ، وطرقه برفق ، وفتح الباب بعد قليل ، فتحته شابة ، لم يرَ فتاة في جمالها من قبل .
وفغر اتونغيت فاه مبهوراً ، حتى أنه لم ينطق بكلمة واحدة ، فابتسمت الفتاة ، وقالت : لقد طرقت باب كوخنا ، تفضل .
وانتبه اتونغيت ، فقال متلعثماً : عفواً .. نعم .. طرقت الباب .. أريد .. جرعة ماء .
وابتسمت الفتاة ، وقالت : الجو هنا بارد ، تفضل إلى الداخل ، واشرب قدر ما تشاء .
وتنحت الفتاة قليلاً ، فدخل اتونغيت ، وإذا الكوخ من الداخل يبدو أكثر جمالاً واتساعاً ، وفي موقده تشتعل نار تشيع الدفء والاطمئنان .
وأغلقت الفتاة الباب ، وقدمت كوباً من الماء لاتونغيت ، وهي تقول : تفضل ، اسمي نافارانا .
وأخذ اتونغيت الكوب من يدها ، وأخذ يشرب ما فيه من ماء ، فنظرت نافارانا إليه ، وقالت : لابد أنك لاحقت طائر ترمجان .
وتوقف اتونغيت عن شرب الماء ، وحدق فيها صامتاً ، فقالت مبتسمة : لا أحد يأتي إلى هنا ، إلا من أجل طائر الترمجان .
وأعاد اتونغيت الكوب لنافارانا ، وقال : أشكرك .
وصمت لحظة ، ثم قال : أراك هنا وحدكِ .
وجلست نافارانا قرب الموقد ، وتراقص اللهب الدافىء فوق وجهها الشاب ، وقالت : في الحقيقة ، لستُ وحدي ، بل ولستُ هنا بارادتي .
واقترب اتونغيت منها ، وقال : أخبريني بالحقيقة ، لعلي أستطيع أن أساعدكِ .
ونظرت نافارانا إليه ، وبدت حزينة مهمومة ، وهمت أن تتكلم ، لكنها سرعان ما صمتت ، وهبت واقفة ، حين ارتفع وقع أقدام ثقيلة في الخارج ، وقالت بصوت هامس : صه ، ها هو قادم .
" 4 "
ــــــــــــــــــــ
دُفع باب الكوخ ، ودخل رجل ضخم ، في أواسط العمر ، يرتدي ملابس الاسكيمو ، ويعتمر غطاء رأس ، من فراء الثعلب القطبيّ .
ووقع نظره على اتونغيت ، الذي يقف جامداً ، حائراً ، لا يدري ماذا يفعل ، ثم نظر إلى نافارانا ، وقال : يبدو أنّ لدينا ضيفاً اليوم .
وردت نافارانا قائلة : إنه صياد تيلمجان ، مرّ بكوخنا ، وأراد جرعة ماء .
وحدق الرجل في اتونغيت ملياً ، ثم قال : أهلاً ومرحباً بالضيف ، الضيف عزيز مهما كان .
وأومأ اتونغبت برأسه ، وقال : أهلاً بكَ ، يا سيدي .
ورمق الرجل نافارانا بنظرة خاطفة ، وقال : اصطدت فقمة ، سنقدم لضيفنا طعاماً منها .
وهمت نافارانا أن تتجه إلى الخارج ، وهي تقول : سأقطع الفقمة ، وأجلب بعض اللحم ، وأعد طعاماً للعشاء .
فأومأ الرجل لنافارانا أن تبقى ، وقال : الشمس تكاد تغرب ، والبرد شديد جداً في الخارج ، ابقي أنتِ مع ضيفنا ، أنا سأجلب اللحم .
وخرج الرجل من الكوخ ، وأغلق الباب وراءه ، فاقتربت نافارانا من اتونغيت ، وقالت هامسة : ما رأيته هو الوجه الطيب منه ، لا تصدق ما رأيته الآن ، إنه في الحقيقة وحش .
وصمتت لحظة ، ثم قالت هامسة : اختطفني هذا الوحش من أهلي ، وأنا طفلة صغيرة ، وطوال هذه السنين ، وأنا أحلم أن يأتي شاب ، قويّ ، شجاع ، ينقذني منه ، ويعيدني إلى أهلي .
ومال عليها اتونغيت ، وردّ هامساً : لا عليك ، أنا سأنقذك ، وأعيدك إلى أهلك ، ومن يدري ، فقد تكونين من نصيبي ، إذا وافقتِ .
وبدا الفرح على نافارانا ، وقالت : أشكرك ، هذا في الحقيقة ، أكثر مما كنت أحلم به .
وابتعدت عنه ، وقد لاذت بالصمت ، عندما ارتفع وقع أقدام ثقيلة في الخارج ، وقالت خائفة : صه ، لنكن حريصين ، ها هو قادم .
" 5 "
ـــــــــــــــــــــ
أعدت نافارانا طعام العشاء ، وجلسوا ثلاثتهم ، على مقربة من نار الموقد ، التي أشاعت الدفء في الكوخ ، يتناولون الطعام .
وبعد العشاء ، تحلقوا حول الموقد ، والرجل يغذي ناره المشتعلة ، بمزيد من قطع الخشب الجافة ، بحيث تبقى ألسنة اللهب ترتفع مطقطقة دفئاً ومرحاً .
وظلوا يتسامرون ، حتى انتصف الليل ، وإن كان معظم الحديث للرجل الضخم ، واتونغيت ، أما نافارانا ، فكانت شاردة ، صامتة ، لم تنطق بكلمة واحدة .
وعند منتصف الليل ، أعدت نافارانا فراشاً وثيراً ودافئاً لاتونغيت ، وقبل أن يتمدد فيه استعداداً للنوم ، قدم الرجل له كوباً من الشراب ، وهو يقول : هذا شراب لذيذ سيدفئك ، ويساعدك على النوم .
ونظرت نافارانا إلى اتونغيت ، لكن اتونغيت لم يكن ينظر إليها ، ولو صادف ذلك ، لربما عرف بأنها لا تريد أن يشرب ما في ذلك الكوب .
وشرب اتونغيت كلّ ما في الكوب من شراب ، وأعاد الكوب إلى الرجل الضخم ، وقال : أشكرك ، إنه حقاً شراب لذيذ جداً .
وتدثر بجلد الدب القطبيّ ، وأغلق عينيه المتعبتين ، الناعستين ، اللتين زادهما الشراب تعباً ونعاساً ، وسرعان ما استغرق في سبات عميق .
وأفاق اتونغيت ، وقد أشرقت الشمس ، وارتفعت في السماء ، وفتح عينيه اللتين مازالتا متعبتين يثقلهما النعاس ، وإذا هو في نفس المكان ، الذي كان يلاحق فيه طائر التلمجن الجريح ، وتلفت حوله مذهولاً ، إذ لم يرَ أثراً ، لا للرجل الضخم ، ولا للفتاة نافارانا ، بل ولا للكوخ نفسه .
#طلال_حسن_عبد_الرحمن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟