|
السَّعَادَة آلأَبَدِيَّة(5 و 6)
عبد الله خطوري
الحوار المتمدن-العدد: 7841 - 2023 / 12 / 30 - 15:08
المحور:
الادب والفن
المشهد الخامس ...
دربنا آلصغير، في ذلك آلزمن، كان مليئا بحسنوات يغضضن آلطرف ينظرن إليكَ في خفر مليئ شهوةً ورغبةً .. بين خفقة قلب ورفة جفن مسافة شاهقة شغَلَتْها لمدة غير يسيرة عاصفة من التردد والجموح والتوجس والترقب .. لَمْ أعمل شيئا يزلزل كياني آلمرتاب .. كل ما في دواخلي مِنْ شد وجذب عَقلَ فكري كَبَّلَ إرادتي في الفعل .. سُجِنْتُ في رتابتي منذ ذلك الوقت .. الآن الدب الصغير، لم يعد إلا ذكرى غابرة، وأنا مازلتُ مسجونا .. هؤلاء الفتية الصغار روح الحياة تكاد تطفر من أعينهم المتحفزة، يدخل المُدَرس الذي شاخت روحه قبل آلأوان، فيتعجب للنزق الذي يشع من حركاتهم .. هم كذلك دوما .. نشطون يثرثرون بمناسبة وغير مناسبة، لا يشعرون باليباب القابع في صدور العباد في آلدروب في آلأزقة في آلأسواق .. مممم .. كأنك كنتَ، أيها الدب الخرفُ، أمام أبناء سادات وسيدات بلد آخر غير الذي تعيشه وتعرفه ... مئات الديدان الضئيلة القد والحجم تخرج كل صباح من أوكار آلرماد، من قبور كابية، من جحور مطلية زفتا وقارا .. يقتاتون الشقاء طيلة الليل، وبالنهار يمارسون السعادة المرجوة في مسرح أقسامهم غير الرحيبة كأن كل شيء على ما يرام ...
_أستاذ .. هل أجد عندك كتاب (السعادة الأبدية) ؟؟
قالت تلميذة .. أتراها تسخر منك أيها آلدب آلتعس تمزح ربما .. أتبحث فعلا عن سعادة أبدية أم سمعت بالعبارة في دروس لغو الفلسفة، فأثارت فضولها ...
_سعادة أبدية !؟
قلتُ مستغربا ..
_نعم ..
قالتْ جازمة ..
_مَنْ يا ترى يكون صاحب الكتاب ؟
قلتُ مستفسرا ..
_لستُ أدري ..
قالت بعفوية مرحة ..
هل هاجس التفكير والبحث سكنها منذ الآن، لمَ تُحمل نفسها عناء قراءة مثل هذه الهرطقات .. السعادة ؟!!؟ ألا تعلمين أنكِ أنتِ السعادة ذاتها مجسدة في فتاة صغيرة لا تفارق آلبسمة شفتيها، بضفائر معقوصة وثياب مزركشة آقتنيت في العيد الأخير .. ألستِ تمرحين في كل آن، رغم الشقاء المحيط بك من كل الجهات .. أن يبحث مثلي عنها، تلك غايته هاجسه شأنه دأبه، أما أن تبحث السعادة عن السعادة، فهذا أمر يثير مفارقة غريبة خصوصا بالنسبة لبُرَيْعمة بالكاد تفتحت أفوافها الشفيفة ...
اسمع، أيها الدب المنحل المعفر بالقار، دع عنك بنات الناس، ادخل جواك، لا داعي لمزيد من السفسطة .. إن روحك دنسة معفرة برغام آلعثرات ما عاد في مهامهها روح شفيفة أو صفاء .. هي تطفر من بين جوانحك تسافر تجول بين أرجاء المجال، فتعقل أيها الفيروس، فالأرض التي تطأها صلافتك تضيق بالدفائن وبقايا الجنائز .. توقف .. لا تتقدم ..
المشهد السادس ...
قالت الڭـاوري للـڭاورية على الشاشة الصغيرة ..
_مُونْتُورْ Menteur (١)
قال الڭاوري ..
_جُو تَادُوغْ Je t’adore (٢)
قالت الڭاورية ..
_فْلَاتُوغْ Flateur (٣)
هي تمسك بيمناها رواية (ساغان) "لو لي ديفِي" وترطن ... (٤)
_ Deux mains pour un sein
_هل أتممتِها؟
_ليس بعد .. البطلة مريضة لا تريد أن تخرج من دوامتها رغم محاولاتها المتكررة ..
_ما المشكلة؟
_ لا مشكلة البتة .. إنها غير سعيدة..
قالتها بنبرة أرادتها هازئة وهي تضحك ثم تصمت .. تلف لفافة بعض أن وضعت مع التبغ ما وضعت .. توقد النار من القداحة .. الخليط المكفن باللفافة يشتعل .. تجذب نفسا عميقا .. يزدادا الاضطرام في الحشوة المدفونة في السيجارة .. تنفث دخانا أبيض في دوائر مفرغة تتابع تتهادى تتراقص في الهواء ثم تختفي .. تعود الى لازمتها مقهقهة ...
deux mains pour un sein _
أقاطعُها معلقا..
_والثاني .. من يشغله؟
_ مَن هذا الثاني؟
_أوتْغُ سَان Autre sein ..
قلتُ بفرنسية ثقيلة ..
فردتْ ضاحكة بغنج ..
_ عيناك تكفيان ..
_أريد يدا ثالثة رابعة خامسة ما لا نهاية من الأيدي لأقبض على ما لا يقبض عليه ..
_ طماع أنتَ يا عزيزي ..
قالت تدنو مني .. يهوي ثقلُها بدعة بطيئة عليّ .. تزيح اللفافة المستسلمة من بين شفتيها .. تضعها في فمي .. تطوقني ذرعاها .. تنفث ضحايا آلأدخة في وجهي .. أنفث ما آجتمع في حلقي في وجهها ..
_سآكلُك ..
أقولُ بخدر واهن .. والشاشة تردد ببرود ..
_مِيشُونْ لُو، ڭْغُونْ لُو نْوَاغْ كي كْغانْ لُو ڭْغُونْ مِشُةنْ لُو Méchant loup, grand loup noir Qui craint le grand méchant loup (٥)
أسترسلُ أداعب ما تصادف يدي اسفلها ..
_فخذاكِ مرمران يستعصيان على الاحتواء
هي ترطن ...
_دُو كْوِيسْ بُوغْ أُونْ فِيصْ Deux cuisses pour une fesse
ألثمُ الدوائر المفرغة المتحشرجة في الهواء قبالة شفتيها .. أدنو أكثر .. تتحسس شفتيها شفتايَ .. أنتشي ...
_هذا كثير..
تأخذ ما تبقى من اللفافة المحتضرة مِن يدي .. تدعكها وسط المرمدة .. خشخ.. خشخ .. خشش .. رغم خفوتِها صختِ آلأذان .. تحدجني عيناها قائلة ...
_هل مللتَ مني؟
_أنا مشلول مذ جئتُ هذا العالم .. تعبٌ بَرِمٌ دائما ..
_لماذا جئتَ إذن؟
_لقد جيءَ بي ..
_لِمَ لمْ تمانع؟
_آش ايديرْ الميت قَدَّامْ غسالو ..(٦)
_يغمض عينيه ينام ..
_ذاك ما فعلتُ ..
_احلم إذن .. لِمَ لا تحلم ؟
_بماذا ؟
_بالذي يحلم به الناس ..
_ليس لدي خيال ..
_عش واقعك أو بالأحرى أَغْرِقْ موتكَ فيه ..
_ليس لدي طموح
_خذ كفايتكَ لا تبالِ ..
_ليست لدي رغبة
_أنت لستَ رجلا ..
_أحبك
_كذاب
_أحبك
_انسفني ..
قالت بحدة تطوقني ذراعاها العاريتان تضمني إليها بقوة وإصرار ..
_لا أحب الحرب
_كَ.. فَ .. ى ..
كلماتي تطفر مني مرتعشة منهكة تجتر مترنحة خيبة الأماني الخاليات ..
_كفى .. أرجوك ..
تبتعد قليلا .. ترمقني بغضب ..
_أنتَ فاشل
_أنتِ جميلة
_أنتَ خائب
_أحبك
تنتفض .. تصرخ .. تقف .. تضرب برجليها على الأرض ..
_انسفني دمرني ..
_ .. كفى عنفا أرجوك ..
قلتُ بتعب واهن وأخلدت للنوم ...
_يتبع
☆إشارات : ١_مونتوغ : كاذب ٢_جو تادوغ : أعشقك ٣_فْلاتوغ : متملق ٤_رواية (سرير غير مرتب) Le Lit défait للفرنسية فرنسواز ساغان Roman de Françoise Sagan
٥_Méchant loup, grand loup noir .. Qui craint le grand méchant loup : مَن يخاف الذئب الأسود المفترس
٦_آشْ ايديرْ الميت قَدَّامْ غسالو : لا حول للميت بين يدي غساله
#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السَّعَادَة الأَبَدِيَّة (3 و 4 )
-
السَّعَادَة الأبَدِيّة(2)
-
السعادة الأبدية (1)
-
المُدَرّسُ، تلكَ الذاتُ التي لا تعِي قوتَها
-
نَحْنُ هُنَا فِي آلأَعَالِي
-
مَتْنٌ، إِشَارَاتٌ، وَ حَوَاشٍ
-
ضَادُ عِياض
-
آلَااالِي آلَاااالِي
-
.. فَ .. رَ .. أَ .. يْ .. تُ ..
-
أَزَلِّيفْ نْسِيزِيفْ / رَأْسُ سِيزِيفْ
-
إِنَّنِي أَنَا : الْأُمُّ .. أُمُّكُمْ جَمِيعًا
-
أَخِيرًا جِئْتَ .. آآآهْ .. مَا أَقْسَاكَ مَا أَبْطَأَكَ
-
رَيْثَ يَأْتِي رَبِيع
-
كَأنِّي أَفَقْتُ مِنْ غَشْيٍ كَادَ يُصِيبُنِي
-
حَتَّى إِذَا أَتينا عَلَى وَادِي النَّمْلِ
-
فخاخ آلحياة ( بخصوص شخصية عَدْجُو مُوحْ نَايَتْ خُويَا عْلِي
...
-
حكاية البدن المكدود آلمُعَفَّرُ في آلعراء، عن الأديب الشاعر
...
-
فٍي خَلَاءٍ يُفْنِي وَلَا يَفْنَى
-
ذَلِكَ الشَّيْءُ الذِي ...
-
وَاجِمًا تُكَلِّمُ آلِعِنَاااازَ عَيْنَااهُ
المزيد.....
-
الثقافة السورية توافق على تعيين لجنة تسيير أعمال نقابة الفنا
...
-
طيران الاحتلال الاسرائيلي يقصف دوار السينما في مدينة جنين با
...
-
الاحتلال يقصف محيط دوار السينما في جنين
-
فيلم وثائقي جديد يثير هوية المُلتقط الفعلي لصورة -فتاة الناب
...
-
افتتاح فعاليات مهرجان السنة الصينية الجديدة في موسكو ـ فيديو
...
-
ماكرون يعلن عن عملية تجديد تستغرق عدة سنوات لتحديث متحف اللو
...
-
محمد الأثري.. فارس اللغة
-
الممثلان التركيان خالد أرغنتش ورضا كوجا أوغلو يواجهان تهمة -
...
-
فنانو وكتاب سوريا يتوافدون على وطنهم.. الناطور ورضوان معا في
...
-
” إنقاذ غازي ” عرض مسلسل عثمان الحلقة 178 كاملة ومترجمة بالع
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|