تفكيك هاري 1997(وودي ألن): هاري متحرر من السلطة الأخلاقية الذاتية التي تكبح جماح الفرد

بلال سمير الصدّر

الحوار المتمدن-العدد: 7838 - 2023 / 12 / 27 - 22:11
المحور: الادب والفن
    

ماذا لو نكصت الرواية الى الجزء الداخلي المألوف المعروف بالانسان،قلنا سابقا بأننا نحن من اتباع مدرسة علاقة الكاتب بالنص،سواء بالشكل الواعي أو بالشكل اللاواعي حسب مصطلحات فرويد التي ليست بالضروة ان تكون صحيحة،ولكن بالذات ،قوة اللاوعي عند فرويد المكتشف من حوالي القرن أثبتت نجاعتها أكثر من بنيوبة ميشيل فوكو التي جردت النص من الروح،او تفكيكية جاك دريدا التي اعادت النص الى النقطة البشرية الأولى في زمن لم يكن فيه المعلمون الأوائل(سقراط وافلاطون وارسطو) قد اكتشفوا اللغة بعد...
إذا،النص -والمقصود فيه الرواية تحديدا- لابد ان تنكص الى نقطة داخلية أو خارجية عند المبدع او الأديب،ومن النقطة الواعية ذات السرد المنهجي المقبول المتعلق باحداث الحياة نفسها يحاول وودي ألن أو هاري أن يضع النقطة على حرف اللاوعي المألوف أو السطحي أو حتى العميق.
اصبحت الرواية تبرير للتصرف بذاته من دون تجميل أو حتى تنميق لفظي أو دوبلوماسي...هاري يقول الحقيقة بنفاق شديد،يقول الحقيقة مهما كانت مبتذلة وبألفاظها المبتذلة ايضا
في الرواية هناك انعكاس للحياة التي يعيشها هاري،من القول بأنها حياة مشوشة مختلطة مباح فيها كل شيء،وهو لايخجل أن يقول أي شيء وكل شيء...جنس وعاهرات ومخدرات وادمان على الكحول وسفاح قربى،وفوق كل ذلك هو يبحث ايضا عن المعكوس الخفي للفعل،سواء كان لسرد حقيقي من قصة في الحياة لم نلاحظ أن يكون فيها أي تحريف،او قصة اختلقها من اعماق ذاته لتمس حياته نفسها...ببساطة أكثر وودي ألن يغرد على لاوعي فرويد بقوة ومن الممكن تحريف العنوان بسهولة أيضا،لنقول بدلا من تفكيك هاري،الوصول الى نقطة اللاوعي الحاسمة عند هاري...
يبدأ الفيلم مع الرواية،فهو يكتب رواية عن خيانة زوجته مع اختها،وهو شخص لايأمن بالمستور أو الخبايا...هو ينشر بفضائحية مطلقة مسببا المشاكل لكل من شاركه هذه القصة،وطبعا يجب أن تنقطع كل القصص بموقف كوميدي غاية في البساطة وليس غاية في التعقيد،ولكن الذي يقدمه وودي ألن ليس كوميديا موقف،بل هي كوميديا سوداء ليست شديدة التعقيد ايضا،بل هي تنحاز نحو بساطة الارادة العمياء وهي ليست الارادة القهرية بل الارادة الاختيارية على شاكلة: افعل ما تشاء
والارادة الاختيارية هي هي ارادة عمياء ايضا لأنها محكومة بالرغية أو الجزء الطبيعي في الانسان
بعد ان يسرد هاري قصة كوميدية نحكم عليها بسهولة بالشهوانية وبالتجديف،يقول هاري لطبيبه النفسي:
....الأمر المثير للاهتمام بالنسبة لي بجانب عقدة الذنب الجنسية الواضحة التي كانت لدي عندما كنت لازلت شابا بأن لم يتغير شيء حتى بعد سنوات
كان لدي طبيب نفسي في السابق والآن لدي ايضا طبيب نفسي،مر علي ستة اطباء نفسيين وثلاثة زوجات ومازلت لااقدر على تنظيم حياتي العاطفية وما زلت احب العاهرات....
هناك قصة عن ميل-الممثل المنتحر روبن ويليامز-الذي لايستطيع ان يراه احد بوضوح،بل حتى ما نراه هو ضبابية شخصية
(Not Personal Character)
يقول له طبيبه النفسي:مع ان الابناء لايريدون أن يرتدو النظارات فقد تم اجبارهم على ذلك...أنت تريد من العالم ان يتقبل الحالة التي اصبحت بها...
في الحقيقة هاري هو من احاط نفسه بهذه الضبابية،فهو مصر على أن يقدم تأويلات معقدة لتصرفات غاية في البساطة،فليس من الداعي أن تسرد لي نظرية عن العصاب الفرويدي حتى اصدق مبرراتك للخيانة.
مبررات الخيانة والكذب عند هاري خاضعة لمنطقه الخاص اللاواعي بعيدا عن فرويد هذه المرة...
فالمنطق يقول بأنه شخص متحررا من سلطة الإله لأنه ملحد،فهو لايمتلك أي محرض أخلاقي اتجاه الاله،ولكن هناك المبرر الأخلاقي اتجاه الآخر،هو لايستطيع ان يتخلص من سلطة المسؤولية التي تربطه بمجتمعه وفي نفس الوقت هو لايستطيع كبح جماح مشاعره الجنسية،وبالتالي يخلق مبررا غير مقنع يجعله يصدق بأنه مريض نفسي لاأحد يفهمه،وفي نفس الوقت يحيط نفسه بضبابية لأنه من منظوره-الذي لايمكن هو نفسه أن يقتنع فيه-لا أحد يستطيع فهمه على ان حججه ومبرراته أقل تعقيدا وأكثر بساطة من ان نصدقها...
هاري متحرر من السلطة الأخلاقية الذاتية التي تكبح جماح الفرد
وهكذا هلم جرا،يستنبط هاري من حياته الحقيقية ويكتب،يكتب قصص خيالية ولكن لها علاقة بحياته أولا واخيرا بحياته،ووصل الامر بهاري ان يلاقي شخصياته التي تقدم حلا منطقيا لسببية خلقها أدبيا...لكن هناك شيء ملفت للنظر...
ينتصر وودي الن للبشرية ويتنصل من الصهيونية.
ما كان على شقيقيتي أن تتزوج ببرت،هذا الرجل حولها الى صهيونية...
برت بالنسبة لي شخص متطرف،والعادات والشعائر بالنسبة لهاري بلوك ليست الا حالة لتكرار الاخطاء.
تفكيك هاري هو فيلم ليس معقدا أبدا،كوميدي أسود بالمعنى الصحيح التام للكلمة،وهذه التشكيلات كما نقول دائما،لا يستطيع صناعتها سوى وودي ألن...
الفيلم علامة شخصية فارقة في مسيرة وودي ألن لايمكن التغاضي عنها أبدا...
25/8/2023

#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات