|
الحرب بين الأوراس والأطالسة والعرب: الوعي الجيواستراتيجي وتوازناته بالقرن الـ21
حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)
الحوار المتمدن-العدد: 7834 - 2023 / 12 / 23 - 20:52
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
تساؤل أولي للنقاش: هل يمكن أن يتم حشد الموارد وإدارة التناقضات الراهنة، لتمرير مقاربة تعتمد على سياسة "حافة الهاوية" الباردة؛ مع إعلان مصر أن "استمرار العدوان على قطاع غزة هو تهديد للسلم والأمن الدوليين" وعلى تدفق مسارات التجارة العالمية عبر قناة السويس وباب المندب والبحر الأحمر!
حراك التباديل والتوافيق في التوزنات الدولية والإقليمية بداية يمكن القول إنه تشهد مسارات ما بعد عملية طوفان الأقصى مرحلة حاسمة الآن؛ تقوم على خلخلة التوازنات الإقليمية والدولية واختبار العديد من التباديل والتوافيق فيها، وفق الأوزان النسبية لكافة الأطراف والموارد المتاحة لهم لتحريكها لأجل الوصول للوضع النهائي للمنطقة والعالم وقطاع غزة.
الأطالسة والأوراس: ثنائية جيوثقافية جديدة بداية يجب القول إن التدافع الجيواستراتيجي العالمي؛ يتمحور بشكل رئيسي حول التدافع بين فريق "الأطالسة" الذي تمثله أمريكا والغرب، وبين فريق "الأوراس الجدد" الذي تمثله روسيا والصين بشكل رئيسي، مع الإشارة إلى أن المشروع الجيوثقافي الخاص بكل منهما أصبح مختلفا عن القرن الماضي، فالأطالسة تجاوزوا التمترس حول فكرة الليبرالية الديمقراطية فقط أو المشروع الرأسمالي بتنوعاته، وطوروا نظريات الصدام الحضاري والتمدد باتجاه الصين والمسلمين وروسيا منذ تسعينيات القرن الماضي بعد سقوط الاتحاد السوفيتي.. وهو ما أنتج حرب الخليج الثانية ضد العراق ثم مباركة "إسرائيل" لاقتحام المسجد الأقصى عام 2000م، ثم الحرب على الإرهاب والفوضى الخلاقة، وصولا إلى أعلى مستويات الصدام الحضاري/ الثقافي الناعم تجاه المسلمين مع "الاتفاقيات الإبراهيمية" وصفقة القرن لفرض الهيمنة الصهيونية على المنطقة العربية التي هي القلب التاريخي والجيوثقافي للسردية الإسلامية، وكذلك الدور الأمريكي في الثورات العربية بالعقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، حينما دعمت فرق الدين السياسي وفصائلها المختلفة لتخلق مشهدا يمكن السيطرة عليه، بعيدا عن الحركات الشعبية الجديدة غير المنظمة وخارج نطاق السيطرة. وفي الوقت نفسه فكرة الصدام الحضاري ونشر الديمقراطية الليبرالية وتمدد حلف الأطلسي باتجاه روسيا؛ دفع الروس إلى تطوير نظرية جيوثقافية جديدة تقوم على فكرة "الأوراسية الجديدة"، أي اعتبار المنطقة التي تقع في قلبها روسيا بين قارة أوربا وآسيا محورا رئيسيا للعالم، ومنحه تمايزا ثقافيا يقوم على المسيحية الأرثوذكسية في مقابل المسيحية الخاصة بالأطالسة التي تقوم على البروتستانتية بشكل رئيسي، وفي الوقت نفسه منحه شكلا تطبيقيا على الأرض يقوم على التمدد الجغرافي في مناطق نفوذ الأطالسة، وهو ما حدث في سوريا مع الوجود العسكري هناك، وصولا إلى الحرب الأوكرانية الروسية. اما الصين فهي تتحرك وفق جيوثقافية مركبة خاصة بها تقوم على شعارات ماركسية وحزب شيوعي كتنظيم حديدي يحكم دولة رأسمالية! وفي الوقت نفسه تقدم نفسها بوصفها حضارة التنين الممتدة منذ آلاف السنين رغم قطيعة الحزب الشيوعي مع تقاليدها الموروثة! وعلى المستوى الخارجي تحركت من خلال مبادرة للتعاون الاقتصادي الثقافي هي مبادرة "الحزام والطريق" أو طريق الحرير البري والبحري الجديدين، في آسيا وأفريقيا وأوربا، وحرصت على تفادي الصدام مع الأطالسة في ملف تايوان مع استعراض قدرتها العسكرية.
تداخل الجيوبولتيكال مع الجيواستراتيجي والجيوثقافي ومع عملية "طوفان الأقصى" لم يكن الأطراف المتأثرون هم فقط الجانب الفلسطيني والجانب "الإسرائيلي"؛ إنما أصبحت الحرب فرصة لإظهار النفوذ الجيواستراتيجي والجيوثقافي معا، روسيا والصين وجدا فيها فرصة لفتح جبهة جديدة للأطالسة بقيادة أمريكا، تضعف ضغطها على ملف أوكرانيا وتايون. وإيران وجدت فيها فرصة ذهبية للصعود الجيوثقافي على المستوى الجيوبوليتكال والجيواسترايجي، والمقصود هنا بالصعود الجيوثقافي على المستوى الجيوبولتيكال والجيواسترتيجي إي أن إيران رغم تحالفها مع محور الأوراسية إلا انها تقدم سردية جيوثقافية خاصة بها عن السردية الشيعية وأحقيتها في تمثيل السردية الإسلامية. أما العرب فهم أضعف الأطراف لأن السردية الجيوثقافية الخاصة بهم تجمدت عند لحظة ما بعد الاستقلال القرن الماضي، سواء في شكل الدول الملكية أو الدول الجمهورية مع تفكك المشترك الثقافي العريض الخاص بهم وتفجر التناقضات في معظم مكونات مستودع الهوية، إضافة إلى ان التراجع الجيوثقافي أو التراجع على مستوى سردية الجغرافيا الثقافية أنتج تراجعا رهيبا ومأزوما للجغرافيا السياسية في السودان والعراق تحديدا، وفي الدول ذات التمدد الشيعي لصالح إيران، كما أن مصر لم تطور سردية وجودية جديدة بعد تفكك سردية القومية العربية الاشتراكية مع تبني السادات للرأسمالية الاستهلاكية والسلام المنفرد. إضافة إلى تمدد دول الفوائض البترولية الجديدة بتصورات جيوبولتيكية إقليمية تخلق نفوذا خاصا، إلا أنها للمفارقة تتعارض مع المصالح العربية الجامعة كما في ملف السودان وملف القرن الأفريقي وأثيوبيا وسد النهضة، والملف الفلسطيني الذي قادت العمل ضده دولة الإمارات العربية المتحدة مع الاتفاقيات الإبراهيمية، فهو مشروع يقدم نفسه تابعا للأطالسة وإن حاول إدارة بعض التناقضات ليوحي بغير ذلك. في حين تركيا تقف حائرة غير قادرة على حسم أمرها من التدافعات الجيوثقافية والجيواستراتيجية الدولية؛ لأنها محكومة بعلاقة وشيجة مع الأطالسة بسبب عضويتها في حلف الأطلسي، وفي الوقت نفسه وقوفها على مسافة من الدول السنية العربية وعلى رأـسها مصر والسعودية، لاختيارها جانب فرق الدين السياسي في مرحلة ما بعد الثورات العربية. من ثم يصبح يتضح أن معظم الاطراف لديهم سردية جيوثقافية وجيواسترتيجية خاصة بهم عدا العرب والأتراك المفترض أنهم يمثلون السردية السنية الإسلامية المركزية عبر التاريخ.
محددات التدافع العسكري في البحر الأحمر: جمود قواعد الاشتباك وللمرة الأولى منذ نهاية الحرب الباردة القرن الماضي، يصبح لدينا في البحر الأحمر وضعا عسكريا يشبه ضرورة التوازن المحسوب، حتى مع سياسات "حافة الهاوية" كي لا يتم كسر قواعد الاشتباك وينفجر برميل البارود الذي توجد عليه المنطقة العربية والشرق الأوسط عموما، وهو التوازن الذي يجري على الأرض بين فريق التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة، وبين فريق إيران الذي يتقدم فيه الحوثيون الصورة لكن إيران أعلنت مؤخرا زيادة مستوى المواجهة العسكرية بتسليح مجموعة من الزوارق بالصواريخ الموجهة مباشرة دون وكيل هذه المرة. إنما في واقع الأمر سيتجه الجميع لمحاولة "التدافع الحذر" وإبقاء الوضع كما هو عليه، وتحديدا فريق الأطالسة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لأن مخازن السلاح تكاد تكون فارغة بعد عامين تقريبا من الدعم اللوجستي لأوكرانيا، وبعد أزيد من شهرين من الدعم المفتوح غير المحدود لدولة الاحتلال في عدوانها على قطاع غزة المحتل، الأكثر أهمية أن الولايات المتحدة تخشي تعرضها لضربة بحرية واحدة تؤدي إلى "اهتزاز المكانة"، بما يخلق "سلسلة أحداث" قد تكون هي بداية النهاية لحضارة النظرية المطلقة ووهم المسألة الأوربية التي تمثلها أمريكا.
تصاعد سياسات حافة الهاوية: برودة الاشتباك الفعلي بالتالي فإن المتوقع هو زيادة خطوات "التصعيد المتبادل" بين الفريقين دون كسر سياسيات "حافة الهاوية"؛ لأن الخاسر في هذه الحالة سيكون دون شك هو فريق الاطالسة ومعهم دولة الاحتلال، لأن شرق البحر المتوسط توجد فيه دولة الجزائر التي تميل لفريق المقاومة والأوراسية، ولا يعلم أحد ما هي الخطوات التي قد تقوم بها حال تطور الصراع البحري عموما. لذا من المتوقع خلال الأسبوعين القادمين أن تتصاعد الأحداث سريعا وتلقي كافة الأطراف بما لديهم من أوراق على المنضدة، للخروج بأكبر قدر من المكاسب وأقل قدر من الخسائر.
أزمة الجيوثقافية المصرية: البحث عن سردية ممكنة وتجاوز التناقضات وإرثها مع الإشارة إلى أن مصر هي أكثر الدول تعرضا للضغوط الجيوثقافية والجيواسترتيجية والجيوبولوتيكية، جيوثقافيا لأنها تعتبر المركز العربي التاريخي المسئول عن مستودع هوية الذات العربية وثوابته وفي القلب منه قضية فلسطين والمسجد الأقصى، وجيواستراتيجيا تحاول مصر البقاء في منطقة وسط بين الأوراس والأطالسة رغم علاقتها المعاصرة الوطيدة مع الأطالسة وعلاقتها القديمة الوطيدة مع الأوراس، وجيوبولتيكيا لأن مصر في حرج شديد بسبب صعود قوى إقليمية أخرى على حسابها تحديدا النفوذ الجيوثقافي الشيعي لإيران، والضغوط الجيوبولتيكال الأخرى من أثيوبيا وملف سد النهضة، حيث اعلنت أثيوبيا مؤخرا عن ضرورة حصولها على منفذ بحري على البحر الأحمر، وكذلك منذ أيام قليلة أعلنت مصر وصول مفاوضات السد الأثيوبي لطريق مسدود واتفاظها بحق الدفاع عن أمنها القومي والمائي. وكذلك مع الإشارة إلى أنه من ضمن خطوات التصعيد المحسوبة من حيع الأطراف في هذه المرحلة من مسارات ما بعد علمية طوفان الأقصى والتي تضغط على مصر تحديدا؛ وفي وقت الانتهاء من كتابة هذا المقال قامت دولة الاحتلال بخطوة شديدة الخطورة لفصل الحدود المصرية عن قطاع غزة ببدء عملية عسكرية للسيطرة على المنطقة محور صلاح الدين أو فيلادلفيا.
خاتمة: استمرار العدوان على غزة كـ"تهديد للسلم والأمن الأقليميين والعالميين" رغم أن الجميع سيلتزم بمنطق الحرب الباردة للمرة الأولى منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، إلا أن سياسات حافة الهاوية قد تنفلت من فواعل غير رسميين من هنا أو من هناك، كما أن المتطرفين الصهاينة قد يحاولون القيام بخطوة نفسية للسيطرة على المسجد الأقصى أو ما شابه لتعويض الفشل العسكري.. لذا يبقى أفضل السيناريوهات الممكن اتباعها مصريا هو مجاراة تكتيك "حافة الهاوية" وسياساته، ومحاولة تثبيت مجموعة من المكتسبات الجيوثقافية الممكن البناء عليها بعد الحرب. كذلك تبقى أكثر الأوراق المصرية براعة في إدارة التدافع الجيوثقافي وفق المعطيات الحالية هو "اعتبار استمرار العدوان على قطاع غزة تهديدا للسلم والأمن العالميين"، وتعطيل التجارة ونقل الوقود والغذاء والدواء في ظل مؤشرات تتحدث عن عودة أحد متحورات "كرورونا". حيث يمكن الإشارة إلى أن: نشاط الحوثيين يؤدي إلى وجود ضغط على المجتمع الدولي لإنهاء الحرب، ويؤدي إلى منع السفن المتوجهة لإسرائيل بعيدا عن المسؤولية السياسية المصرية وتوريطها، ويؤكد دور قناة السويس وأن الممارسات الصهيونية تعد تهديدا للسلم والأمن العالمي وحرية التجارة، مع استغلال الضغط الأمريكي والتراجع الصهيوني، من أجل حشد عالمي لاستقطاب أممي جديد ضد الحرب واستمرارها بوصفها تهديدا للسلم والأمن العالميين.
#حاتم_الجوهرى (هاشتاغ)
Hatem_Elgoharey#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المأزق المصري: تكتيك الحشود الدولية بين ضرب العراق وحماية إي
...
-
محددات التراجع الأمريكي والفرصة العربية لدعم المقاومة
-
مصر والكتلة الجيوثقافية الثالثة: استراتيجية الخروج من الأزمة
-
ناقوس الخطر: اختزال التمثيل والعدو المطلق للجيوثقافية الغربي
...
-
الجيوثقافية والميتا أيديولوجي: مصر والمقاومة الفلسطينية مشتر
...
-
هل حان موعد الاستقطاب المصري الجيوثقافي الثاني في الحرب!
-
هل حقا هناك هدنة.. العدوان على الضفة الغربية!
-
إعلان الدولة الفلسطينية: الرهان المصري الثاني في المعركة الد
...
-
الذات العربية وحرب غزة وقوة إيران الناعمة: كي لا تسقط الأندل
...
-
حرب غزة والمسألة الأوربية.. تصريحات بايدن بوتين أنموذجا
-
في حاجة المقاومة الفلسطينية لرواية إعلامية بديلة ليوم 7 أكتو
...
-
حرب غزة والنهايات السعيدة: عجز القوة وانتصار الضعيف
-
حرب الروايات: طوفان الأقصى بين الفلسطيني الضحية ومعاداة السا
...
-
مصر ودبلوماسية إدارة التناقضات: مقاربة الحركة بالأهداف المتغ
...
-
مصر بين الجغرافيا الثقافية والجغرافيا السياسية: مقاربة للأمن
...
-
الحرب قادمة: صفقة القرن 2023م من الناعم إلى الخشن
-
معا لدعم عدالة القضية الفلسطينية
-
جذور الصهيونية التي أخطأ العرب في فهمها: صدمة الوقائع الحالي
...
-
استهداف سيناء والأقصى: صراع المكانات بعد عملية 7 أكتوبر
-
طوفان الأقصى: تغيير معادلة فرض الأمر الواقع والسيطرة على الق
...
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
علاقة السيد - التابع مع الغرب
/ مازن كم الماز
-
روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي
/ فاروق الصيّاحي
-
بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح
/ محمد علي مقلد
-
حرب التحرير في البانيا
/ محمد شيخو
-
التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء
/ خالد الكزولي
-
عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر
/ أحمد القصير
-
الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي
/ معز الراجحي
-
البلشفية وقضايا الثورة الصينية
/ ستالين
المزيد.....
|