عدنان الصباح
(ADNAN ALSABBAH)
الحوار المتمدن-العدد: 1742 - 2006 / 11 / 22 - 11:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الفكر هو وعي الفعل الجماعي مرفوعا لحد المطواعية والقدرة على التحول الى آليات لمعاودة الفعل بشكل افضل والمفكر هو قاريء مشارك بالفعل وفاحص وباني مبدع لفعل المنتجين وعيا
ذاك التعريف راودني وانا اشارك في مؤتمر الفكر القومي العربي والاسلامي الذي نظمته الجامعة العربية الامريكية في قصر الثقافة في رام الله في الفترة الواقعة ما بين 13- 16 تشرين الثاني 2006 ورغم اهمية انعقاد هذا المؤتمر واهمية المداخلات والحوارات التي جرت بين المشاركين والآمال المعلقة على ان يتم متابعة العمل الا ان هناك عدة ملاحظات لا بد من الاشارة اليها والتي اعتقد ان صاحب الفضل في اثارتها هو المؤتمر نفسه.
ان التناول الفج لموضوعة الفكر بمعزل عن تناول الفعل الانساني للامة نفسها هو ضرب من العبث لا معنى له ابدا, فالولايات المتحدة اليوم والتي لا يزيد عمرها عن خمسة عقود ويعرف العالم جيدا انها تجميع للبشر من اعراق واديان والوان مختلفة تمكنت من صياغة فكرها المجمع على شاكلتها وهي اليوم تعتبر البعبع الذي يخيف العالم بشعار العولمة الفكرية والاقتصادية ويسعى اعداء العولمة تلك جاهدين لايجاد السبل الممكنة لحمايتهم من خطر العولمة تلك, ولا شك ان المهزلة واضحة جيدا حين تجهد امة عمرها آلاف السنين بحماية نفسها من فكر مجموعات لم ينسى ابناءها بعد منابتهم الاصلية, والسبب في ذلك واضح جدا وهو ان ما تسمى بالامة الامريكية اليوم هي سيدة انتاج الثروة في الكون فهي وحدها تنتج ثلثي خيرات البشرية ولذا اصبح من حقها وحدها صياغة فكر خاص بها بات يخيف العالم بكل بساطة, وهذا اثبات على ان الفكر هو وعي الفعل.
اعترف شخصيا انني في مداخلتي لم اتناول شيئا من ورقتي المقدمة بل تحولت كلمتي الى لغة احتجاجية بعيدا عن النقاش الرزين الذي اتقنه بعض الزملاء, ولكنه كان لدي ما يبرر ابتعادي عن رزانة الزملاء التي اثارتني وحسدتهم عليها ولا زلت, اذ كيف يتمكن هؤلاء الاساتذه الافاضل من الاحتفاظ بكل رزانتهم وكياستهم في ظل الحال التي نعيش, فالاحتلال الاسرائيلي يقتل ويدمر وينتهك ويعتقل ويجرح مئات الفلسطينيين يوميا وهو يغلق ابواب بلادنا في وجهنا وينتهك حرمات بيوتنا وغرف نومنا وحياتنا دون ادنى اهتمام لشيء يمس حقوق الانسان او الفكر او المباديء او الاخلاق وذاك ما تفعله بساطير جيش الاحتلال الامريكي في العراق وبقايا المحتلين في شبعا والغجر في لبنان ودبابات المحتلين في الجولان والتهديد المتواصل للسودان وسوريا وكل بوادر المقاومة الحية في الارض العربية, وليس ذلك من المزايدة على المناضلين والمفكرين بل من باب التساؤل لا اكثر لعل للاجابة على ذلك مساهمة في اثراء الهدف الذي اراده المؤتمر.
• قلت في تقديمي لورقتي ان الامة التي تنتج الثروة تنتج فكرها والامة التي تستهلك الثروة تستهلك فكرها, ذلك ان باحثينا اليوم يغرقون في قراءة التاريخ ويراوحون مكانهم في ذلك تماما كمن يجتر الذكريات فالاجداد كانوا فاعلين على الارض لذا صاغوا فكرهم الذي لا زال حيا حتى الآن, بينما لن تجد الامة الامريكية الحديثة ما يمكنها قراءته في تاريخها القريب خمسمائة عام تقريبا ومع ذلك فهي تصوغ فكرها الحي الذي يفكر الجميع كيف يتقي شره, فمن اين ياتي الفكر اذن, سوى من الارض ومن الفعل وليس من الفراغ والحلم ومن هنا جاءت الفكرة ان الشرق متخيبل وهمي وماضوي والغرب حقيقي وواقعي ملموس.
• اشرت الى اهمية فتح باب الاجتهاد من جديد وان الشافعي وابن حنبل ليسوا نهاية الدنيا ولا يجوز التعاطي مع اجتهاداتهم على قاعدة القداسة فهم بشر مثلنا وما كان ضروريا في وجود اجتهادهم وفكرهم بسبب التطور والحياة بات ضروريا ايضا الآن ولا يجوز ان نغلق ابوابنا للريح مؤكدا ان ذلك لا يعني التجديد في الاصول او المطلقات بل بالشروح والتفسير.
• اشرت ايضا الى ان الرفض المطلق للآخر غير موضوعي وغير علمي وان الفكر الدنيوي للآخر هو صياغة بشرية لا يجوز تحريمها قبل فحصها وحكاية التقليد والرفض المطلق للغرب لا تسمن ولا تغني وهي تقوقع لا معنى له وان الذي لا يتلاقح مع الحضارات يصيبه الموات فالعصر للتقدم والانفتاح دون ان يعني ذلك الذوبان بل بالعكس فلا يوجد فكر نقي كالاعراق العنصرية في القرن الحادي والعشرين.
• تحدثت عن اهمية عقد ورشات للفعل المقاوم بدل التغني بالفكر المقاوم فلا وجود لفكر مقاوم دون مقاومة والمقاومة تحتاج لفكر يساعدها في التطور وتحقيق الانتصار وضربت مثلا على ذلك, لم لا تعقد ورشات للمهندسين والمختصين مثلا لايجاد نماذج للبناء قادرة على الصمود في وجه المعتدين او ايجاد ادوات كدروع لصدور ابناءنا الذين يواجهون الموت ببساطة او فكر يوفر القدرة للمناضلين على المناورة والاختباء وحماية الذات لاستمرار الصمود والمقاومة, فالفكر المقاوم هو وعي الفعل المقاوم واداة تطوير له, وفي اليوم التالي للمؤتمر نقلت الصحف اخبارا عن الورشة التي يديرها شمعون بيريتس, وباعتقادي ان الفلاحين الصامدين في بيوتهم في مواجهة منازل المستوطنين المحتلين وان الابطال الصامدين منذ حرب عام 1948 في قراهم الغير معترف بها في بيوت رثة وتكاد تنهار دون ان يسمح لهم حتى بترميمها, هؤلاء الذين يرفضون كل العروض مقابل التخلي عن عششهم التاريخية هم الذين يصنعون فكر المقومة وليس مجموعة الثرثارين في صالات مكيفة وياقات منشاة تكاد تمنع رؤوسهم من الالتفات لفعل المقاومة الحي لدى ذلك الرجل في طورة قضاء جنين ويسكن داخل الجدار بينما يسكن اقاربة على بعد عشرة امتار منه خارج الجدار ويصر على البقاء ويوميا يقطع مسافة 65 كم لزيارتهم او للذهاب الى حقله.
• الجميع تحدث عن علاقة العربي بالاسلامي والاسلامي بالعربي بل ان البعض ذهب الى حد اعتبار العربي اسلامي والعكس صحيح وقلة هم من اشاروا الى وجود المسيحي في الصورة العربية او وجود غير العربي في الاسلامي مع ان الغالبية تجاهلت ذلك وعلى ما يبدو عمدا متناسين المسيحية في التاريخ والجغرافيا العربية بما في ذلك الوجود الحي الآن على الارض كاصحاب مشروع عربي حي ومشاركين فاعلين في صياغته, ويمكن القول ان الصحفي الاستاذ ابو فخر من لبنان كان الاجرأ في التطرق لهذا الموضوع.
• معظم الاوراق التي قدمت لم تمس الواقع بشيء ولم تحاول التطرق للفعل بل راوحت بين قراءة التاريخ لغة واستشراف المستقبل حلما, وليس لذلك علاقة مع تحديات المستقبل فالمستقبل ليس لغة وانما فعل حي على الارض تماما كما هو التاريخ الذي يعتبر تسجيلا للفعل البشري ومكوناته وتاثيراته على الارض والاحياء.
• المشتغلين بقضايا الفكر في العالمين العربي والاسلامي يعيشون في قصور من الهواء وفي الهواء وهم يتعاملون مع المتلقي بشكل فوقي معتقدين انهم يخضع لدونية في مراتبية يؤلفونها هم بعيدا عن الواقع دون ان يدركوا ان المتلقي الفاعل نفسه هو منتج الفكر الفاعل نفسه وان الامة العاقر في الفعل هي عاقر ايضا في الفكر ولا ولادة وهمية في عالم وهمي ومبني في الهواء, واية محاولة لادعاء وجود فكر لامة لا تساهم مساهمة حقيقية وفاعلة في خيرات الارض من قبل الصناع الحقيقيين للثروة هي محاولة بائسة ووهمية تماما كفكرها اللفظي الذي لا علاقة له بالواقع.
لقد جاء المؤتمر في مرحلة هامة من تاريخ شعبنا وكان بالامكان ان يتم تطويره بما يضمن التطرق الى القضايا الحساسة التي تهم الشعب الفلسطيني وعلى تماس مع قضاياه الحيوية ورغم ذلك لم يفوت عدد من الباحثين الفرصة للتطرق الى تلك القضايا ولكن دون البحث المعمق بها او الاهتمام بالتوصل الى توصيات ونتائج يمكن الاسترشاد بها على الارض الواقع للحركات والفصائل الفلسطينية وصناع القرار ومنظمات المجتمع المدني.
اللقاء المباشر الذي تم بين رام الله وبيروت لم يتطرق ابدا الى قضايا الكفاح المشترك ونقد ادوات العمل واساليب المواجهة والمشترك في الصراعات الداخلية بل تناغم الجميع في رفع وتيرة الرضا عن الحال وتوجيه التحيات والتعظيم المتبادل بين الطرفين دون استخدام الفكر النقدي والذي وحده يمثل اداة التطوير والتقدم ومن استمع الى الحديث المتبادل بين بيروت ورام الله والرضا الكامل عن الذات كان سيقتنع بان الحال العربي على افضل حال, والختام الذي انهاه الاستاذ معن بشور مع احترامي لشخصه بين وكأن الشعب الفلسطيني مصدر الفكر والمقاومة للأمتين العربية والاسلامية وباعتقادي ان كيل المديح المتواصل للشعب الفلسطيني من اشقاءه كان ولا زال واحدا من اخطر اسباب مأساته.
#عدنان_الصباح (هاشتاغ)
ADNAN_ALSABBAH#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟