|
في التعصب
عبد الصمد المجوطي
الحوار المتمدن-العدد: 1739 - 2006 / 11 / 19 - 10:20
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
نشهد اليوم اكثر من أي وقت مضى، موجات من التشنج والصراع بين المجتمعات البشرية. تشكل عائقا حقيقيا أماما التعايش بينها، ولا يمكن ان اختزال هذا الصراع في معطى واحد أو اثنان لأنه هناك أساب كثيرة تتوزع بين ما هو اقتصادي، اجتماعي، سياسي، وثقافي. وتناولنا للتعصب أملته بالضرورة الطابع الشمولي الذي يأخذها المفهوم في علاقته بمختلف التمظهرات الصراع التي يعيشها العالم.
إذا عدنا إلى القواميس باعتبارها جزء من الحياة الاجتماعية، فالمتعصب لشيء ما في اللغة هو المتصف للميل الشديد إليه، ومفهوم التعصب في اللغات الأوروبية مشتق من أصله اللتيني praejudicium ، بمعنى الحكم المسبق وبالفرنسية préjuge، وقد مر مفهوم التعصب بمراحل متعددة ليستقر على الصبغة الوجدانية التي تتسمم بالتفضيل وعدم التفضيل، وهي صبغة مرفوقة بالحكم المسبق في غياب أي سند يدعمها، ويأخذ التعصب شكل رفض الآخر الغير المنتمي للجماعة الداخلية التي يكون الفرد الصادر عنه الفعل جزءا منها، وقد تعمد هذه الجماعة في إطارها الداخلي إلى ممارسة عنف على ذاتها ( الوشم مثلا) من أجل العمل على حماية هويتها الداخلية من هذا الآخر، وهو شكل لا يمكن اعتباره تعصبا لانه لا يمس بالآخر – الخارجي - .
والتعصب سلوك سلبي عدائي لفرد اتجاه آخر أول لجماعة تجاه أخرى من منطلقات سياسية، مذهبية، دينية، عرقية، وثقافية. وهو نوع من النرجسية والمغالاة في النظر إلى الذات، بحيث تصبح الآنا الجماعية محط إعجاب وحب في حين يكون الآخر محط مقت وكره، غير أن هناك من يرى للتعصب جانبا إيجابيا، يتمظهر في تفضيل مكونه المجتمعي على الآخر، والتعصب الديني من اخطر صور التعصب الذي تصبح معه الأفكار مقدسة لا تقبل الشك وبسبب الاستعلاء الديني تقسم الشعوب عند كل المتدينين باختلاف ديانتهم إلى مؤمنة وكافرة. ويقدم التعصب عادة كمرادف للتمييز اعتبار لكون هذا الأخير، هو حرص أفراد الجماعات المستحكمة بالسلطة سواء كانت أقلية أو أغلبية على منع أفراد الجماعات الخاضعة لها من الحصول على الفرص نفسها التي يحصلونهم عليها باعتبارهم أعضاءا في الجماعات المالكة للعنف المادي.
إن منع إيمازيغن من الحصول على الفرص نفسها التي تحصل عليها النخب المستحكمة بالسلطة السياسية، على أقليتها تمييز عنصري يهدف إلى إقصاء أبناء الأغلبية على غير العادة من نفس فرص الأقلية، في مجالات السياسية، الاقتصاد والتعليم، مما يؤدي إلى حرمانهم من الوظائف المهمة في دواليب الدولة، وهو ما يولد في كثيبر من الأحيان شعور برفض فكرة الأمة المروج لها رسميا باعتبار هذه الأخيرة نتاج روابط ثقافية، اجتماعية وحضارية مرفوقة بالرغبة في الانتماء.
التعصب العنصري من الأمراض السياسية للنخب الحاكمة في المغرب بحيث توزع الوظائف حسب عناصر القرابة والنسب والانتماء والولاء، بدل الكفاءة والاستحقاق، بهدف السيطرة على دواليب السلطة واستخدامها بشكل وظيفي وغير عقلاني. تتحدث الكتابات عن حالات فريدة من التعصب، يتعلق الأمر بتعصب الأقلية ضد الأغلبية والنموذج جنوب إفريقيا، حيث أن أقلية بيضاء ما رست اضطهادا على الأغلبية الإفريقية في مختلف المجالات فيما يمكن اعتباره مهزلة من المهازل البشرية، في حين تناست هذه الدراسات نموذج المغرب، حيث اضطهدت وتضطهد أقلية عربية حاكمة غالبية الشعب الامازيغي، عبر تكييف مرضي لآليات عبر بالتاريخ بدأ " بالحركة " – وهي حمالات تأديبية قامت وتقوم بها السلطات المركزية في المغرب لحمل القبائل الأمازيغية على الطاعة ودفع الضرائب – مرورا بالعقاب الجماعي وصولا إلى التهميش في مختلف تمظهراته، مع تحميل إيمازيغن مسؤولية كل المفاسد والمصائب بعلقية تآمرية عنصرية ويزج بهم كأكباش فداء لمشكلات الآخرين، بحيث تقدم مشاكل وقضايا الآخرين على أنها القضايا الوطنية الأولى، كما هو الحال مع قضية فلسطين، فبالرغم من البعد الانساني والكوني الذي أخذته هذه القضية، إلا أن المسترزقين السياسيين مازالوا يلبسونها اللبوس الوطني اعتقادا منهم ان نقاشات الصالونات هي تعبيرات شعبية، وأن قضايا البطالة والفقر والتهميش ثانوية إذا ما أخذت في مقابل الوطن الواحد واللغة الواحدة والعرق الواحد ( العربي)، الذي تشكله قضية فلسطين. واعتبار ايمازيغن اكباش فداء يتحملون كل تبعات الفشل العربي لمعارضتهم وطنية هذه القضية التي يعتبرونها انسانية وعادلة في شقها الديمقراطي، مما يجعل الآخرين يقدمونهم ا كأعداء للوحدة والتوجه الواحد ورموز مخيفة لهذه التوجهات المرضية.
إن السخط المجتمعي هو نتاج الحرمان الثقافي، السياسي، الاقتصادي والاجتماعي، يتولد عنه انفجار وعنفا مبررا بالرغم من المآسات التي يولدها ويحدثها في كثير من الأحيان إن لم نقل في معظمها ليبقى التعايش والتسامح والمشاركة في صنع القرار اجابات لمعضلة التعصب بخلق تفاعل ايجابي غير محكوم بافكار نمطية – الصور والمعتقدات التي يتمسكها عن الآخرين أفراد أو جماعات وتتكون من مجموعة من السيمات – تقلل من مكانة المتحاورين إنسانيا.
#عبد_الصمد_المجوطي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصحراء الأمازيغية الإنسان و المجال
-
ما بعد الأمازيغية: أطروحات لخطاب أمازيغي جديد
-
الخطاب السياسي الأمازيغي الحقل والمفاهيم
-
الهرمينوطيقا والخطاب الأمازيغي!
-
الزوايا السياسية بالمغرب بين غياب النظرية السياسية والعداء ل
...
-
االأمازيغية والوثيقة الدستوريا ا لمجلس الاقتصادي والاجتماع و
...
-
الأمازيغية والمقاربات الممكنة
المزيد.....
-
الكرملين يكشف السبب وراء إطلاق الصاروخ الباليستي الجديد على
...
-
روسيا تقصف أوكرانيا بصاروخ MIRV لأول مرة.. تحذير -نووي- لأمر
...
-
هل تجاوز بوعلام صنصال الخطوط الحمر للجزائر؟
-
الشرطة البرازيلية توجه اتهاما من -العيار الثقيل- ضد جايير بو
...
-
دوار الحركة: ما هي أسبابه؟ وكيف يمكن علاجه؟
-
الناتو يبحث قصف روسيا لأوكرانيا بصاروخ فرط صوتي قادر على حمل
...
-
عرض جوي مذهل أثناء حفل افتتاح معرض للأسلحة في كوريا الشمالية
...
-
إخلاء مطار بريطاني بعد ساعات من العثور على -طرد مشبوه- خارج
...
-
ما مواصفات الأسلاف السوفيتية لصاروخ -أوريشنيك- الباليستي الر
...
-
خطأ شائع في محلات الحلاقة قد يصيب الرجال بعدوى فطرية
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|