|
الإيحاء والواقع في قصيدة -رسالة إلى يشجب بن يعرب- محمد سلام جميعان
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 7796 - 2023 / 11 / 15 - 01:10
المحور:
الادب والفن
الإيحاء والواقع في قصيدة "رسالة إلى يشجب بن يعرب" محمد سلام جميعان " تَبَرَّأوا ما شِئْتُمُ، وما اسْتَطَعْتُمْ من دِمائِنا وأخْرِجونا من حِمى دِيارِكُمْ ثُمَّ الْعَنوا أرحامَنا إلى الأبَدْ وقَيِّدوا أرواحَنا يا مَعْشرَ الأعْرابِ - إنْ شِئْتُمْ- بِحَبْلٍ مِن مَسَدْ وأتْرُكوا مصيرَنا، يا أهْلَنا، في كَفِّ حَلّالِ العُقَدْ
نَدْري بأنَّهُ كَثيرٌ بَحْرُكُمْ وأنَّ ماءَ نَخْوَةِ الأعْرابِ لا يُحَدّْ لكنَّهُ في غَزْوَةِ الأحْزابِ مِنْ زَبَدْ
شُكْراً لَكُمْ لأنَّكُمْ سَمِعْتُمْ فَوْقَ ما يُطاقُ عَنْ أخْبارِ مَوْتِنا شُكْراً لَكُمْ يا أيُّها الفُرْسانْ لأنَّكُمْ واجَهْتُموا المَغولَ والتَّتارْ مِنْ أوَّلِ النَّهارْ بِحَرْبَةِ اللِّسانْ وأنَّكمْ جَنَحْتُموا للحربِ عِنْدَ جِدِّ الجِدِّ في طَنٍّ مِنَ الأكْفانْ
شُكْراً يا جَدِّي الطّاعن في الجِبْتِ لن أرْفَعَ في وَجْهِكَ – مِنْ قَهْري- صَوْتي وسأُخْرِسُ لو شِئتَ امْرَأتي وأَخِيطُ بإبْرَةِ جارَتِنا... بِنْتي وسأبْصُقُ في يومِ الجُمُعةِ كي تَرْضى أيّامُ السَّبْتِ وسأقبلُ أنْ تَجْعَلَ ما فَوْقي تَحْتي لكنّي أدْرِكُ ما يأتي مِنْ نَصْرٍ يَصْنَعُهُ مَوْتي
وأسْألُ اللهَ العَلِيَّ أنْ يَكْفيكُمُ في دَوْرَةِ الأيّامِ شَرَّ المَعْرَكَةْ وشَرَّ غَدْرِ البَرْمَكَةْ وَلْتَعْذُروا جَهْلي، وما جَرى على لِسانيَ المُعْوَجِّ مِنْ جُموحِ الفَذْلَكةْ فَقَدْ نَسيتُ أنَّني أسْتَنْجِدُ الأَعرابَ في زَمانِ الأمْرَكَةْ
والآنَ، وفي آخِرِ مَكْتوبي مِنْ بَعْدِ صلاةِ العَصْرِ سأصيحُ: أيا وَحْدي وأنايْ وأهْديكُمْ شَيْئاً من بَعْضِ بقايايْ وأعْتَرِفُ أنّا النَّمّامُ إليْكُمْ بِجَميعِ عُيوبي فَوَحْدَكَ يا ربُّ العالِمُ أَنّي ( أطْبُخُ في القِدْرِ حَصايْ) والسلام. " الواقع البائس يدفعنا للابتعاد عنه، وتقديمه بغير صورته/شكله، من هنا يلجأ الأدباء/الشعراء إلى الإيحاء فهم يبتعدون عن المباشرة لما فيها من قسوة/شدة، لكي يحصلوا على شيئ من القوة تساعدهم على تناول الواقع وتقديمه بصورة أدبية تليق بذوق المتلقي، وهذا ما فعله الشاعر محمد سلام جميعان في قصيدة "رسالة إلى يشجب بن يعرب" يفتتح الشاعر القصيدة بهذا المقطع: "تَبَرَّأوا ما شِئْتُمُ، وما اسْتَطَعْتُمْ من دِمائِنا وأخْرِجونا من حِمى دِيارِكُمْ ثُمَّ الْعَنوا أرحامَنا إلى الأبَدْ وقَيِّدوا أرواحَنا يا مَعْشرَ الأعْرابِ - إنْ شِئْتُمْ- بِحَبْلٍ مِن مَسَدْ وأتْرُكوا مصيرَنا، يا أهْلَنا، في كَفِّ حَلّالِ العُقَدْ" مخاطبة (الكبار) بلغة الأمر: تبرأوا، وأخرجونا، العنوا، قيدوا، اتركوا" يحمل بين ثناياه تحقيراً لهم، فكيف يأمر المواطن العادي (القادة)!! وإذا ما أخذنا أول فعل "تبرأوا" وأخر فعل "اتركوا" واللذان يحملان معنى الابتعاد/التخلي، نعلم حجم السخط الذي يحمله الشاعر لهؤلاء (الكبار)، وبما أنه يأمرهم بالابتعاد عنا نصل إلى فكرة الأذى الذي يسببونه لنا، فابتعادهم عنا يعد غنيمة ومكسباً. ثم يبدأ الشاعر بتوضيح وشرح موقفه من هؤلاء وبالتفاصيل: " نَدْري بأنَّهُ كَثيرٌ بَحْرُكُمْ وأنَّ ماءَ نَخْوَةِ الأعْرابِ لا يُحَدّْ لكنَّهُ في غَزْوَةِ الأحْزابِ مِنْ زَبَد" فيخبرهم/يخبرنا بأنهم ليس لهم فاعليه على أرض الواقع، ولا يجيدون إلا القول والكلام: "في غزوة الأحزاب من زبد" نلاحظ أن معنى "زبد" يخدم فكرة عدم الفائدة/عدم الجدوى، وهذا يبرر ويوضح لماذا أمرهم بالابتعاد عنا. "شُكْراً لَكُمْ لأنَّكُمْ سَمِعْتُمْ فَوْقَ ما يُطاقُ عَنْ أخْبارِ مَوْتِنا شُكْراً لَكُمْ يا أيُّها الفُرْسانْ لأنَّكُمْ واجَهْتُموا المَغولَ والتَّتارْ مِنْ أوَّلِ النَّهارْ بِحَرْبَةِ اللِّسانْ وأنَّكمْ جَنَحْتُموا للحربِ عِنْدَ جِدِّ الجِدِّ في طَنٍّ مِنَ الأكْفانْ" عندما يبتعد الشاعر عن الواقع ويستخدم الرمز: التاريخ، فهذا يشير إلى احترامه للمتلقي الذي بالتأكيد يمكنه ربط ما يطرح مع الواقع، من هنا يأخذنا الشاعر إلى التاريخ، إلى "التتار والمغول" ليعطينا صورة الواقع الرسمي الذي واجه الغزاة بالقول واكتفى به: "بحربة اللسان" وهذا ما فعلوه الآن وهم ينظرون إلى غزة التي تواجه وتقاوم الصهاينة والأمريكان معاً. "شُكْراً يا جَدِّي الطّاعن في الجِبْتِ لن أرْفَعَ في وَجْهِكَ – مِنْ قَهْري- صَوْتي وسأُخْرِسُ لو شِئتَ امْرَأتي وأَخِيطُ بإبْرَةِ جارَتِنا... بِنْتي وسأبْصُقُ في يومِ الجُمُعةِ كي تَرْضى أيّامُ السَّبْتِ وسأقبلُ أنْ تَجْعَلَ ما فَوْقي تَحْتي لكنّي أدْرِكُ ما يأتي مِنْ نَصْرٍ يَصْنَعُهُ مَوْتي" ذروة الجمال الأدبي يأتي حينما يستخدم الرمز/الإيحاء، فالشاعر حينما (شكر) الجد الطاعن في السن، أكد احترامه وتقديره للجد حينما أخر ما يزعجه "صوتي" وهذا يشير إلى حجم القمع الذي يتعرض له الشاعر من (الجد) الذي يمنع حتى الكلام أو حتى التعبير عن المشاعر، وهذا ما أكده الشاعر عندما أضاف: "سأخرس امرأتي" فهنا الأفعال متعلقة بالفم تحديداً، فالفم هنا هو أساس التمرد/الفعل، ودوره هنا يختلف/يتناقض تماماً مع فم (الكبار) الذين يصدرون الكلام من طرف لسانهم "بحربة اللسان" وليس من قلبهم. ونجد هناك فعلاً أخر متعلق بالفم "سأبصق" الذي جاء كتعبير عن السخرية بما يطلبه/يريد (الكبار/الجد) من الشاعر الذي أكد حتمية النصر: "لكني أدرك ما يأتي من نصر يصنعه موتي" فهنا يستخدم الشاعر الإرث الثقافي الكنعاني القديم الذي يرى في الموت حياة، فموت البعل سيتبعه انبعاث جديد له. ونلاحظ الإيحاء من خلال حديثه عن "الجمعة والسبت" وهذا له بعد ديني وسياسي في الوقت ذاته، فهو يؤكد حجم الهوان الذي يمارسه (الجد/الكبار) الذين أضاعوا السياسة والدين معاً، بحيث أصبحوا يخضعون للصهاينة مقدمين ورافعين يوم السبت على الجمعة التي أهملوها واحتقروها. " وأسْألُ اللهَ العَلِيَّ أنْ يَكْفيكُمُ في دَوْرَةِ الأيّامِ شَرَّ المَعْرَكَةْ وشَرَّ غَدْرِ البَرْمَكَةْ وَلْتَعْذُروا جَهْلي، وما جَرى على لِسانيَ المُعْوَجِّ مِنْ جُموحِ الفَذْلَكةْ فَقَدْ نَسيتُ أنَّني أسْتَنْجِدُ الأَعرابَ في زَمانِ الأمْرَكَةْ" يستوقفنا خروج الشاعر عن الإيحاء/التاريخ، واستخدام (المباشرة) عندما قال: "الأمركة" ويجعلنا نتساءل هل هذا له علاقة بحجم الضغط والانفعال عند الشاعر، بحيث جعله يخرج عن نسق القصيدة، فمزج الرمز/الإيحاء بالواقع: "شر وغدر البرمكة/أستنجد الأعراب في زمان الأمركة"؟ أم أنه وجد في "البرمكة/الأمركة" تماثلاً وتقارباً في اللفظ، حيث نجد حروف الألف، الميم، والكاف، والراء مشتركه بينهما، مما لا يؤثر على نسق الإيحاء في القصيدة؟. " والآنَ، وفي آخِرِ مَكْتوبي مِنْ بَعْدِ صلاةِ العَصْرِ سأصيحُ: أيا وَحْدي وأنايْ وأهْديكُمْ شَيْئاً من بَعْضِ بقايايْ وأعْتَرِفُ أنّا النَّمّامُ إليْكُمْ بِجَميعِ عُيوبي فَوَحْدَكَ يا ربُّ العالِمُ أَنّي ( أطْبُخُ في القِدْرِ حَصايْ) والسلام. "" يختم الشاعر القصيدة بصورة ساخرة، مسلماً بقوة (الكبار) وعدم القدرة على تغيير ما فيهم أو تغييرهم، مكتفياً بمصارعة الواقع وعدم التسليم بما هو كائن. القصيدة منشورة على صفحة الشاعر وعلى موقع العهدة الثقافية.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الانكسار الرسمي العربي في ديوان -الخروج من الحمراء- المتوكل
...
-
الانكسار الرسمي العربي في ديوان -الخروج إلى الحمراء- المتوكل
...
-
الرمزية في رواية -الهمج- عبد الرحيم عباد
-
تأثر الكاتب -في داخلي- الحسن اوموج-
-
شارون والمجازر الصهيونية في كتاب -قلب الحمار- عبد الرحيم الش
...
-
الحرب في رواية -أحزان حزيران- سليمان فياض
-
استنهاض المتلقي في قصيدة -وستنتهي مثلما اتفق- عبد الله عيسى
-
الحركة في ومضة -في كل صباح- سمير البرقاوي
-
أثر الألم في ومضة -سنجمع أشلاءهم- سميح محسن
-
حكمة التمرد في قصيدة -الغيوم المثقلة- محمد داود
-
رواية الشمس تولد من الجبل محمد البيروتي وموسى الشيخ
-
كلمة الحق يجب أن تقال
-
الشكل والمضمون في رواية -الخطوات- عزت الغزاوي
-
المجازر الصهيونية في كتاب -مجرم لا متهم- سحر أبو زلام، ريم م
...
-
القيادة في كتاب -لكي لا تكون القيادة استبدادا- خالد الحسن أب
...
-
الإصلاح الحزبي في -كتاب كيف يحلو الحصاد، العودة إلى مبادئ ال
...
-
الشعر وتقديم الواقع في قصيدة -طفلان يبتسمان-
-
دور الإيمان في قصيدة خبر جذوعك- زيد الطهراوي
-
البعد الأسطوري للفرح في ومضة -ما تيسر من فرح- عبد السلام عطا
...
-
أثر العدوان على الشاعر في ومضة -لم يتكروا- سميح محسن
المزيد.....
-
عن عمر ناهز 64 عاما.. الموت يغيب الفنان المصري سليمان عيد
-
صحفي إيطالي يربك -المترجمة- ويحرج ميلوني أمام ترامب
-
رجل ميت.. آخر ظهور سينمائي لـ -سليمان عيد-
-
صورة شقيق الرئيس السوري ووزير الثقافة بضيافة شخصية بارزة في
...
-
ألوان وأصوات ونكهات.. رحلة ساحرة إلى قلب الثقافة العربية في
...
-
تحدث عنها كيسنجر وكارتر في مذكراتهما.. لوحة هزت حافظ الأسد و
...
-
السرد الاصطناعي يهدد مستقبل البشر الرواة في قطاع الكتب الصوت
...
-
“تشكيليات فصول أصيلة 2024” معرض في أصيلة ضمن الدورة الربيعية
...
-
-مسألة وقت-.. فيلم وثائقي عن سعي إيدي فيدر للمساعدة بعلاج مر
...
-
رايان غوسلينغ ينضم لبطولة فيلم -حرب النجوم- الجديد المقرر عر
...
المزيد.....
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
المزيد.....
|