|
بعد تساقط الأقنعة تباعا.. الوجه الحقيقي للديمقراطية الأمريكية 1-3
إكرام يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 1737 - 2006 / 11 / 17 - 11:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قبل أيام من انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي في السابع من نوفمبر نشرت وكالة رويترز للأنباء تحقيقا بعنوان "الحرب على الفقر تغيب عن جدول أعمال الانتخابات الأمريكية"، أعادت فيه إلى الأذهان ذكرى أحداث إعصار كاترينا الذي يرى كثير من المراقبين أنه أزال جانبا كبيرا من ورقة التوت التي يتستر بها النظام السياسي الأمريكي. ويقول التحقيق "على متن قارب دفعت به الأمواج إلى أحد شوارع نيو أورليانز نقشت كلمتان هما (لا للسياسيين.)" وأشار التحقيق إلى أن الإعصار كشف لبقية العالم عن طبقة اجتماعية متدنية من الأمريكيين الفقراء "غير أن الفقر غاب عن جدول الأعمال خلال فترة ما قبل الانتخابات" حسبما ذكرت الوكالة التي قالت في ختام تحقيقها ”وبالقرب من القارب الملقى بالشارع أنشأ مالك منزل بني حديثا مقبرة رمزية للإعصار كاترينا بها شواهد ملونة تحمل نقوشا بأسماء سياسيين محليين والرئيس الأمريكي جورج بوش. وكتب على أحدها عبارة تسخر من توجيه الأموال للإنفاق على الجيش في العراق بدلا من إعادة بناء المدينة." ولعل هذه العبارات تلخص بدقة صورة النظام السياسي الأمريكي "الحر"! و "الديمقراطي"! الذي لا تكل أبواق الدعاية الأمريكية والمسبحون بحمدها في بلادنا عن محاولات تجميله والترويج له باعتباره النموذج، والوصفة العلاجية الناجعة لكل أمراض البشرية.
دراويش الحلم الأمريكي
ورغم أن السعي المحموم لتجميل هذا النظام، بات يتلقى مؤخرا الصفعة تلو الأخرى، بما يسقط تدريجيا الأقنعة التي يتستر وراءها ، لتبدو صورته الحقيقية بادية للعيان؛ بكل ما تحمله من ملامح الوحشية والاستغلال والنهب؛ والاستبداد، ويتضح أن هذا النظام أبعد ما يكون عما يروجه دراويشه المريدون؛ إلا أن هؤلاء الدراويش ما زالوا يرددون نغمة لم يعد يصدقها إلا بعض المغرر بهم؛ وهي أن هذا النظام هو الوكيل الحصري للحريات الديمقراطية، الذي يمكنه إرسائها بنظام التوصيل للمنازل ـ هوم دليفري ـ إلى كافة بلدان المنطقة بداية من أفغانستان، ومرورا ببلد الفرات وصولا إلى وادي النيل؛ تطبيقا لنبوءة توراتية شهيرة مزعومة. ولا شك أن تحقيق حلم الديمقراطية مافتئ يراود شعوب العالم منذ خمسة قرون سبقت ميلاد السيد المسيح؛ عندما صك الفلاسفة في أثينا تعبير "ديمو كراسي" الإغريقي بمعنى حكم الشعب، مرورا بالثورة الفرنسية(1789) التي جاءت نتاج حركات الثورة الفكرية والاجتماعية على النظام الإقطاعي أواخر القرن الثامن عشر، والتي بدأت تؤتي ثمارها في أواخر القرن التاسع عشر تحت ضغط كوميونة باريس (1871) والمد الذي شكله تنامي دور الدولة القومية مع اشتداد الحركات النقابية والعمالية، فظهر للوجود على يد الجمهورية الفرنسية الثالثة الاعتراف بالحقوق والحريات الديمقراطية الأساسية، بما في ذلك حرية التعبير والتنظيم والاقتراع العام ،ووصولا إلى التجارب الاشتراكية التي أعادت صياغة الفكرة لتصبح "ديمقراطية اجتماعية" تهدف إلى ربط حرية الفرد في الاختيار بحقه في الحصول على نصيبه العادل من الثروة العامة والرعاية الاجتماعية من الدولة. ورغم الاختلافات والتباينات في تفسير فكرة الديمقراطية باعتبارها "حكم الشعب"؛ بداية من قصر مفهوم "الشعب" في الفكر اليوناني على"الأحرار" فقط واستثناء "العبيد" ـ الذين هم أغلب المواطنين في الحقيقة ـ وصولا إلى "حكم الطبقة المسيطرة على ثروات المجتمع" التي تملك وحدها بالطبع القدرات المادية التي يمكنها السيطرة على صناديق الانتخابات ووسائل الإعلام. إلا أن النظام السياسي الأمريكي لا يمكن اعتباره بأي المقاييس نظاما ديمقراطيا؛ لا بالمعنى السياسي كما يحلم به من يرجون "النموج المثال" للديمقراطية، ولا بالمعنى الاجتماعي الذي يحقق آمال الشعوب في حياة كريمة.
الفتى العابث يرأس العالم
فرغم أن "المبشرين" بوصفة الديمقراطية الأمريكية؛ يحرصون على المقارنة بين صورة "الحاكم المستبد" في البلدان النامية في مقارنة بينها وبين صورة "الحاكم الديمقراطي" في الولايات المتحدة؛ إلا أن الناظر خلف القناع متقن التجميل؛ ربما لا يجد فارقا كبيرا بين الصورتين؛ إلا في دقة التجميل والديكور المبهر المحيط بصورة الأخير. وإذا تأملنا قليلا في صورة "جورج وولكر بوش" باعتباره "الحاكم الديمقراطي" في راعية الحريات؛ سنكتشف بهدوء هشاشة ذلك القطاع. فمن كان يصدق في النصف الثاني من ستينيات القرن المنصرم أن ذاك الفتى العابث اللاهي، المنغمس في معاقرة الخمر وإقامة الحفلات الصاخبة مع أصدقائه خلال فترة دراسته في جامعة ييل، سيرتقي سدة الحكم في أقوى دول العالم بعد أقل من أربعة عقود؟ والفتى بوش ينتمي كما يعلم الجميع إلى أسرة ذات باع طويل في السياسة، فجده كان عضو مجلس الشيوخ عن ولاية كونتيكت، وتقلد والده عدة مناصب تدرجت من سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة إلى مدير جهاز المخابرات الأمريكية (سي.أي.إيه) ثم نائب الرئيس الأمريكي إلى أن تولى رئاسة بلاده. ولعل من المواقف التي تلقي الضوء على طبيعة الديمقراطية الأمريكية، أن الفتى عقب تخرجه التحق بالحرس الوطني في ولاية تكساس للعمل كطيار، على الرغم من عدم اجتيازه الاختبارات بتفوق، ورغم طول قائمة الانتظار كما أكدت عدة تقارير، مما يؤكد أن الأسرة، ذات النفوذ تدخلت حتى لا يلتحق الفتى بالجيش ويشارك مع القوات الأمريكية في حرب فيتنام. وبصرف النظر عن رأينا في الجريمة التي ارتكبتها أمريكا في فيتنام قبل اندحارها، فقد كان أبناء الأسر الأمريكية الأخرى يساقون إلى هذه الحرب التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل، دون مراعاة لموقفهم أو موقف أسرهم من هذه الحرب. وعلى أية حال، فبوش نفسه وصف هذه السنوات من عمره بأنها كانت بلا هدف، وإنه كان صغيرا وغير مسئول. غير أن التقارير الصحفية تشير إلى صحوة دينية انتابت الرجل في عام 1986 مع بلوغه سن الأربعين؛ فعقب ليلة أفرط فيها في شرب الخمر، قرر الامتناع عن معاقرتها وأظهر ميلا إلى تولي المناصب الرفيعة (هكذا!). ولكن إذا راجعنا التواريخ، نجد أن هذه الصحوة وهذا الميل ينتابانه ـ بالصدفة ـ بعد مغادرة والده المكتب البيضاوي ليبدأ الابن حياته السياسية بحصوله على منصب حاكم ولاية تكساس. وبنظرة سريعة إلى تاريخ الرجل نجده جمع ثروة من العمل في صناعة النفط، فضلا عن شراء حصة من الأسهم في فريق للبيسبول. ألا يدفعنا ذلك للتساؤل عن دور قطاع النفط في دعم بوش الابن وضمان وصوله إلى الحكم الذي يتيح لها بالتالي المزيد من الفرص؟ ولعل القراءة السريعة لشخصية الرجل، تظهر أن مؤهلاته الشخصية لا تكفي لتولي حكم أقوى دولة في العالم، فإلى جانب انغماسه في حياة اللهو والخمر خلال فترة شبابه، وتهربه من حرب فيتنام الذي يعتبر هروبا من الواجب العسكري في العرف الأمريكي، كان يتعاطى المخدرات أيضا،ولايتورع عن الكذب؛ فعندما سأله أحد الصحفيين قبل توليته عما إذا كان سيخوض فحوصا يجريها البيت الأبيض عن تاريخه قال بوش انه لم يتعاط مخدرات منذ سبع سنوات، وفي تصريح آخر قال انه لم يتعاطها منذ 1974. وفي أكثر من مناسبة أظهر الرئيس الجديد قدرا لا يستهان به من قلة الخبرة وعدم الكياسة، وتسبب أكثر من مرة خلال فترتي ولايته في الحرج لمؤيديه ولنفسه. وتلقي علاقة بوش بصناعة النفط ضوءا على بعض ما اتخذه من خطوات حتى الآن: فتعيين كولن باول قائد قوات التحالف خلال حرب الخليج الثانية وزيرا للخارجية، ثم إقدامه على ضرب العراق دون استشارة حتى حلفائه في التحالف، وتعهده على المضي قدما في نظام الدفاع الصاوخي المثير للجدل والذي أثار معارضة حلفاء أمريكا الأوروبيين فضلا عن روسيا والصين اللتين اعتبرتاه انتهاكا لاتفاقات الحد من التسلح، ثم تصريحه بأن «الوقت الحالي ليس وقت الدفاع عن معاهدات بالية ولكنه وقت حماية الشعب الأمريكي» جميعها بعض من كل يشير إلى القوى التي يدافع عن مصالحها الرئيس الذي يصر كما فعل والده على تثبيت الوجود الأمريكي في مناطق النفط في العالم بالتحديد. وغني عن الذكر أن الكثيرين من المحللين والمراقبين في العالم وفي الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، ما زالوا يضعون علامة استفهام كبرى حول الطريقة التي فاز بها بوش بولايته الأولى؛ عندما تطلب الأمر إلغاء نتيجة التصويت الإليكتروني واللجوء إلى التصويت اليدوي في ولاية فلوريدا ؛التي كان شقيق بوش حاكمها ويصعب أن نعتبر ذلك من قبيل المصادفة. ولا شك أنه ما من منصف ينكر تساقط أقنعة الحريات الديمقراطية الأمريكية بداية من استخدام ورقة الديمقراطية للضغط على أصدقائها من الحكام المستبدين حتى يخضعوا لإملاءاتها؛ وما أن ينصاعوا حتى ترفع عنهم ورقة الضغط كأن شيئا لم يكن، وتعود الأمور لما كانت عليه ولا يصبح للإصلاح الديمقراطي أولوية مع هؤلاء الحكام (وليس نموذج ليبيا ببعيد)؛ ولا ننسى الانتخابات "الحرة"! التي أجريت في أفغانستان أكتوبر 2004 تحت المظلة الأمريكية وفاز فيها كرزاي رجل واشنطن ، وما واكبها من فضائح البطاقات الانتخابية المتعددة للفرد الواحد التي لم يتحرج كرزاي عن تبريرها أمام وسائل الإعلام؛ بينما أعلن بقية المرشحين انسحابهم. ولا يخجل حتى الآن بعض "دراويش" الحريات الديمقراطية الأمريكية من التهليل للانتخابات الحرة التي أجريت في أفغانستان. ثم الممارسات الأمريكية "الحرة" في سجون أبي غريب وجوانتانامو، وما اكتشف مؤخرا من وجود سجون سرية تابعة للسي آي إيه في عدد من البلدان الحليفة لواشطن؛ وليس انتهاء بالمعاملة الديمقراطية التي يتلقاها بعض "أصدقاء" الولايات المتحدة من الحكام الجدد في العراق والتي وصلت في بعض الأحيان للاعتداء البدني على بعض أعضاء المجلس التشريعي؛ وضرب جندي أمريكي أحدهم بالحذاء بعدما تأخر في إظهار أوراق هويته لأنه لم يفهم لغة الجندي!! و للحديث بقية…
#إكرام_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفساد.. غول يتهدد الأخضر واليابس
-
مطلوب وقفة من القانونيين والمجتمع المدني العربي
-
البابا.. وسيناريو الإلهاء المتعمد
-
كوراث القطارات المصرية عمدا مع سبق الإصرار والترصد
-
الصومال.. ونظرية الدولة الفاشلة 2-2
-
الصومال.. ونظرية الدولة الفاشلة 1-2
-
حزب الله.. والتكفيريون
-
السلطان عريان
-
تيمور الشرقية .. على سطح صفيح ساخن 2-2
-
تيمور الشرقية .. على سطح صفيح ساخن (1-2)
-
الطلاب.. رافد يدعم التغيير ولا يقوده
-
حنانيك يا موت..غاب نهار آخر..
-
الصهيونية: عنصرية مع سبق الإصرار والترصد والممارسة 2-2
-
(لصهيونية: عنصرية مع سبق الإصرار والترصد والممارسة (1-2
-
..ورحل أجمل أزهار البساتين
-
كيف كان لطفي السيد ملحدا
-
هند الحناوي.. ومجتمع يفيق من إغفاءة
-
اتفاقيات التجارة الحرة مع أمريكا داء أم دواء؟ 2-2
-
اتفاقيات التجارة الحرة مع أمريكا داء أم دواء؟ 1 2
-
الشهيد المسيحي الذي قتلناه
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|