|
رواية للفتيان الغابة طلال حسن
طلال حسن عبد الرحمن
الحوار المتمدن-العدد: 7791 - 2023 / 11 / 10 - 13:28
المحور:
الادب والفن
رواية للفتيان
الغابة
طلال حسن
شخصيات الرواية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" 1 " ـــــــــــــــــــ
هزته المربية العجوز برفق ، وقالت : أحمد ، صاح الديك ، انهض . وفتح أحمد عينيه ، وتساءل : الديك ! وابتسمت المربية العجوز ، وقالت : هذا ما طلبته مني ليلة البارحة . واعتدل أحمد في فراشه ، ومازال النعاس يغرق عينيه ، وأنصتت المربية العجوز ، وهي تعد سفرة طعام الفطور ، وقالت : هيا انهض جاءت الحمامة . ومن الخارج ارتفع صوت كهديل الحمام : أحمد . والتفتت المربية العجوز إلى أحمد ، وقالت : انهض ، وتناول بعض الطعام ، قبل أن تذهبا إلى الغابة ، فاليوم سنتغدى فطراً لذيذاً . واندفعت الفتاة إلى داخل الكوخ ، وما إن وقعت عيناها على أحمد ، حتى اقتربت منه ، وصاحت : انهض ، الشمس تكاد تشرق . ونهض أحمد ، فقالت المربية العجوز : لم يأكل طعام الفطور بعد . وجلس أحمد إلى سفرة الطعام ، وقبل أن يقول للفتاة : تفضلي . جلست إلى جانبه ، وعيناها تلتهمان الطعام ، وقالت : سأساعدك على الانتهاء من الطعام ، حتى لا نتأخر ، رغم أني تناولت طعام الإفطار قبل قليل . وكما توقعت المربية العجوز ، فقد اختفى الطعام في دقائق ، وكان معظمه طبعاً من نصيب الفتاة ، ونهض أحمد ، وقال : هيا ، لقد أشرقت الشمس . وخرج أحمد من الكوخ مسرعاً ، وتبعته الفتاة ، وهي مازالت تلوك الطعام في فمها ، ووقفت المربية العجوز بباب الكوخ تودعهما ، وقالت : لا تتأخرا ، وإلا تناولتما الغداء عند غروب الشمس . انطلقا نحو الغابة ، والشمس تصعد شيئاً فشيئاً من وراء الأفق ، ولحقت الفتاة بأحمد ، وتوقفت في مواجهته وقالت : لنتسابق حتى تلك الشجرة . وأشارت إلى شجرة ضخمة ، ترتفع على بعد حوالي " 200 " متر منهما ، فتوقف أحمد ، وقال : لا أريد أن أسبقك يا .. ووقفت الفتاة إلى جانبه تستعد للسباق ، وقالت : أنت لم تسبقني حتى الآن مرة واحدة . ووقف أحمد إلى جانبها متحفزاً ، وقال : الذنب ذنبك ، سأسبقكِ اليوم ، أعطي الإشارة . وانطلقا بأقصى سرعتهما ، بعد أن أعطت الفتاة الإشارة ، وحاول أحمد جهده أن يسبقها ، ويصل إلى الشجرة الضخمة قبلها ، لكنها سبقته هذه المرة أيضاً ، وإن كان الفارق بينهما قليل جداً . ووقف أحمد مبتسماً ، فقالت الفتاة : لن تسبقني لا في الركض ، ولا حتى في المصارعة . ونظر أحمد إليها ، فتحفزت للمصارعة ، وقالت متحدية : هيا .. جرب . فتراجع أحمد قليلاً ، وقال : أعقلي . وتحركت الفتاة مقتربة منه ، وقالت : حاول ، لعلك تقاوم قليلاً هذه المرة . وقبل أن يرد أحمد عليها ، انقضت عليه ، وطوقت خصره بقوة ، وحاولت إلقاءه على الأرض ، لكن أحمد قاومها ، ثم سحبها بقوة ، وألقاها على الأرض ، وارتمى فوقها . وبدل أن يشعر بالانتصار ، فقد كانت هذه هي المرة ، التي يغلبها فيها ، ويلقيها على الأرض ، ابعد عينيه عنها محرجاً ، حين رأى أن الثوب قد انزاح قليلاً عن صدر الفتاة ، وكأنه يكتشف لأول مرة بأنها فتاة . وهب أحمد واقفاً ، حين تناهى إليه وقع حوافر جواد من بين الأشجار ، ونهضت الفتاة ، وراحت تنفض الغبار عن ثوبها ، فقال أحمد ، دون أن ينظر إليها : أصغي .. أحدهم قادم على حصانه . وتواريا وراء الشجرة الضخمة ، حين برز من بين الأشجار ، رجل في حوالي الأربعين من عمره ، يمتطي حصاناً متعباً ، ونظر أحمد إليه ، وقال : انظري ، لا يبدو أنه حطاب . ونظرت الفتاة إليه ، وقالت بصوت خافت : ولا يبدو أيضاً أنه صياد . وسحب الرجل لجام حصانه ، توقف على مسافة أمتار منهما ، وراح يتلفت بحذر حوله ، وكأنه سمع ما يريب ، لكنه لم يرَ شيئاً ، فلكز حصانه المتعب ، ومضى في طريقه ، حتى توارى بين الأشجار .
" 2 " ــــــــــــــــــــ
قبيل الغروب ، لاح للفارس ، قريباً من الطريق ، كوخ صغير ، يجثم بين الأشجار ، وخيط من الدخان الأزرق ، ينبعث من مدخنته . وتوقف أمام باب الكوخ ، وترجل عن الحصان ، وتلفت حوله ، لكنه لم يرَ أحداً في محيط الكوخ ، فتقدم من الباب ، وطرقه ثلاث طرقات . وفتح الباب بعد قليل ، وأطل منه رجل عجوز ، وما إن رأى الفارس ، حتى تهلل وجهه ، ورحب به قائلاً : أهلاً ومرحباً بالضيف ، تفضل . ولبث الفارس صامتاً ، فقال الرجل العجوز : إنني وحيد اليوم في الكوخ ، والظلام بدأ يخيم على الغابة ، ابقَ الليلة عندي ، وواصل طريقك غداً . وأشار الفارس إلى حصانه ، وقال : حصاني متعب ، ولا أستطيع أن أبقيه في العراء . فقال الرجل العجوز : بقرتي في تلك الزريبة ، خذه واربطه إلى جانبها . وأخذ الفارس حصانه إلى الزريبة ، وربطه إلى جانب البقرة ، وقدم له بعض العلف ، وجردلاً من الماء ، ثم قفل عائداً إلى الكوخ . ورحب الرجل العجوز به ثانية ، وأغلق الباب ، وقال وهو يشعل القنديل : يبدو أنك جئت من بعيد . وأضاء القنديل وجه الرجل العجوز ، وبدت آثار الزمن وشظف العيش على ملامحه الجافة ، فقال الفارس : نعم ، أنت محق .والتفت الرجل العجوز إليه ، وقال : لابد أنك جائع ، سأعد بعض الطعام ، ثم نجس ونتحدث إذا أردت ، حتى يغلبنا النوم . وأعد الرجل العجوز بعض الطعام ، ووضعه أما الفارس ، ثم جلس قبالته ، وقال : هذا طعام متواضع ، فنحن هنا فقراء ، أرجو أن يعجبك ، تفضل . ومدّ الفارس يده ، ودسّ لقمة في فمه ، وقال وهو يمضغ الطعام : طعام لذيذ . فابتسم الرجل العجوز فرحاً ، وقال : هذا يفرحني . ودس الفارس لقمة ثانية في فمه ، وقال : ليتك تحدثني عن بعض ما تعرفه عما يجري في المدينة والقصر الملكي . ورد الرجل العجوز ، وهو يمضغ طعامه بصعوبة : نحن الفقراء لا يهتم بنا أحد ، ولا يسأل عن أحوالنا ، في الوقت الحاضر ، ولهذا قلما نهتم نحن بهم . وصمت لحظة ، ثم نظر إلى الفارس ، وقال : منذ أن ذهب الملك السابق إلى الحرب ، ولم يعد ، لا هو ولا معظم جنده ، تغير الوضع . ونظر الفارس إليه ، ثم قال : لكن زوجة الملك ، على ما أعرف ، امرأة حكيمة ، عادلة ، خيرة ، ولابد أنها واصلت مسيرة زوجها الغائب . وهز الرجل العجوز رأسه ، وقال : هذا لو بقيت على رأس الملك ، بعد اختفاء الملك . وحدق الفارس فيه مستغرباً ، وقال : لو بقيت .. ! وتابع الرجل العجوز قائلاً : بعد أن اختفى الملك ، يقال أن الملكة مرضت ، ثم توفيت ، ولا يعرف أحد بالضبط ، ما الذي جرى للأمير الصغير . وتوقف الفارس عن تناول الطعام ، ونهض واقفاً ، فنهض الرجل العجوز بدوره ، وقال : أنت لم تأكل شيئاً ، اجلس وأكمل تناول طعامك . والتفت الفارس إلى الرجل العجوز ، وقال : لم تقل لي ، من يحكم الآن ، بعد اختفاء الملكة . فقال الرجل العجوز : قلت لك ، أنا لا أعرف الكثير ، ولا أهتم بما يجري ، لكن ما عرفته ، منذ اختفاء الملك ثم الملكة ، أن أخت الملك ، وهي امرأة قاسية ، راحت تدير شؤون المملك ، وتعد ابنها الأرعن ليكون هو الملك ، بعد أن يبلغ سن الرشد . وقف الفارس جامداً في مكانه ، فنظر الرجل العجوز إليه حائراً ، ثم قال : أنت متعب ، سأعد فراشك ، لعلك تنام قليلاً ، وترتاح . وبدل أن يرد الفارس عليه ، فتح الباب ، وخرج إلى الليل ، ووقف جامداً تحت سماء قاتمة ، تحتدم فيها غيوم مجنونة قاتمة ، حبلى بالبروق والرعود .
" 3 " ـــــــــــــــــــ
منذ الفجر ، امتطى الفارس حصانه ، وبعد أن شكر الرجل العجوز وودعه ، انطلق عبر دروب الغابة ، متوجهاً إلى المدينة . وخرج من الغابة ، قبيل منتصف النهار ، واجتاز عدة حقول ، تتمايل فيها سنابل الحنطة والشعير ، خضراء ريانة ، وترعى على جنباتها الخرفان والماعز بهدوء وسلام ، وخفق قلب الفارس تأثراً ، فقد مرت عليه سنوات عديدة ، منذ أن رأى هذا المشهد . ولاحت للفارس من بعيد ، أسوار المدينة المرتفعة ، تتلامع أبراجها تحت أشعة الشمس ، فحث حصانه المتعب ، وانطلق به نحو أحد الأبواب ، الذي اكتظ بالناس الداخلين إلى المدينة والخارجين منها . ودخل الفارس المدينة ، وسار على حصانه ، عبر الدروب المزدحمة بالمحلات والمتاجر والمباعة والمشترين ، من مختلف أنواع الناس . وترجل الفارس عن حصانه ، أمام بوابة القصر ، وتصدى له أحد الحراس ، حين أراد أن يدخل ، فحدق فيه بحدة ، وقال : ابتعد . لم يبتعد الحارس ، بل ردّ عليه متردداً : توقف ، من أنت لتقول لي ابتعد ؟ أنا حارس هنا . وانتبه إليهما حارس في حدود الخمسين ، فالتمعت عيناه ، وأسرع إلى الحارس ، وأبعده بشيء من الخشونة ، وانحنى للفارس ، وقال : مولاي . وتراجع الحارس الأول خائفاً مضطرباً ، وهو يتمتم : مولاي ! وحدق الفارس في الحارس الثاني ، وقال : من في الداخل الآن ؟ أجاب الحارس الثاني : الملكة . وتساءل الفارس : الملكة ! فهز الحارس الثاني رأسه ، ثم أجاب متردداً : وولي العهد ، يا مولاي . فقال الفارس ، وهو يمضي إلى داخل القصر : خذني إليهما . وهرول الحارس الثاني أمام " مولاي " ، وهو يقول : أمر مولاي ، تفضل . وسار " مولاي " عبر ممرات القصر ، بخطوات قوية وثابتة ، والحرس ينظرون إليه مذهولين ، حتى وصل إلى قاعة العرش ، وأراد أحد الحرس أن يعترضه ، فأسرع الحارس الثاني ، وأبعده بخشونة ، وهو يقول : أيها الأحمق ، ابتعد ، إنه مولاي . ودفع " مولاي " الباب ، ودخل القاعة ، وإذا به يرى أخته ، التي تكبره بأعوام ، على العرش ، وإلى جانبها يقف فتى ، في حدود السادسة عشرة من عمره . وهبت الملكة مذهولة ، وتمتمت بصوت مضطرب مرتعش : مولاي ! وتمتم الفتى ، وهو يقلب النظر بين الملكة و " مولاي " ، وهو يتمتم : مولاي! وحدق الملك فيها بحدة ، وقال بنبرة اتهام : نعم ، يا أختي ، مولاي . واقتربت الملكة منه على حذر وتردد ، وقال : حمداً لله على عودتك سالماً . ثم التفتت إلى الفتى ، الذي كان يتابعهما مذهولاً ، وقال محاولة التظاهر بالفرح : بني ، تحقق حلمي ، لقد عاد الملك ، عاد الملك . وتقدم الفتى متردداً بضعة خطوات من الملك ، ثم توقف ، وقال بصوت متردد : أهلاً مولاي . لم يلتفت الملك إليه ، وحدق في الملكة بحدة ، ثم قال : أنت الملكة اذن ؟ وهمت الملكة أن ترد ، لكن الملك استطرد قائلاً : وابنك ولي العهد . وقالت الملكة بصوت مرتعش منفعل : مولاي ، دعني أوضح لك الأمر . فأشار لها الملك أن تصمت ، فلزمت الصمت خائفة مترقبة ، فقال الملك : أنت وابنك ستلزمان جناحكما ، تحت الحراسة ، حتى أتحقق من الأمر . والتفت إلى الحارس الثاني ، وقال بصوت حازم : خذوهما إلى جناحهما ، وليبقيا هناك ، تحت الحراسة المشددة . وأخذ الحارس الثاني الملكة وولي العهد ، وخرج بهما من قاعة ، ووقف الملك لحظة ، ثم جلس على العرش ، وقد إغرورقت عيناه بالدموع .
رواية للفتيان
الحداد
طلال حسن
"1 " ـــــــــــــــ
من بعيد ، والشمس تميل للغروب ، رآه يتسق الجبل ، بخطوات ثقيلة متعبة ، متجهاً نحو الكهف ، حيث كان يقف ، مستنداً إلى عكازه . وحين انتهى إليه ، توقف لاهثاً ، رحب به قائلاً : أهلاً ومرحباً ، أعانتك الآلهة الرحيمة . فردّ الرجل قائلاً بصوت لاهث : وأعانتك أيها الكاهن ، فنحن جميعاً بحاجة إلى عونها . وتمعن الكاهن العجوز فيه ملياً ، ثم قال : يبدو أنك تعرفني . وحاول الرجل أن يلتقط أنفاسه اللاهثة ، وقال : ولهذا قصدتك ، يا سيدي . وقال الكاهن العجوز ، وهو يتقدمه إلى داخل الكهف : ، متوكئاً على عكازه ، تعال إلى الداخل ، وارتح قليلاً ، فلابد أنك متعب وجائع . ودخل الرجل الكهف ، متحاملاً على نفسه ، فأشار الكاهن إلى فراش متواضع على الأرض ، وقال : تمدد هنا ، ريثما أعد وجبة طعان نأكلها . وتمدد الرجل ، وأغمض عينيه ، ولا يدري كيف أغفى ، واستغرق في نوم عميق ، وحين أفاق وجد الكاهن العجوز يجلس قبالته ، وأمامه سفرة من الطعام . واعتدل الرجل بشيء من الصعوبة ، فنظر الكاهن العجوز إليه ، وقال : لم أشأ أن أوقظك ، فأنت على ما يبدو ، قد جئت من مكان بعيد . وقال الرجل بصوت ينضح بالتعب : نعم أ أنا جئت من مدينة نينوى . فقال الكاهن العجوز : أنت الحداد .. ونظر الحداد إليه مندهشاً ، فقال الكاهن العجوز : عرفتك منذ البداية ، وهذا ما أثار دهشتي ، فما الذي يأتي بحداد مثلك إلى هنا . ونظر الحداد إليه ، وقال : ربما كان السبب ، هو ما أتى بك ، يا سيدي . وقال الكاهن العجوز : أنت متعب وجائع ، كل الآن ، وسنتبادل الحديث فيما بعد . ومدّ الكاهن العجوز يده ، وبدأ يأكل ببطء ، وكأنما أراد أن يترك الفرصة للحداد أن يأكل حتى يشبع ، وراح الحداد يأكل ، مغالباً رغبته في التهام الطعم ، رغم أن السفرة كانت متواضعة حد الفقر ، فلم يكن فيها سوى حليب ، وفاكهة ، وما يشبه الخبز ، وابتسم الكاهن العجوز ، وقال : عفواً ، هذا ما لدي من طعام ، وهذا ما آكله عادة كلّ يوم ، فأنا لا آكل اللحوم . ووضع الحداد لقمة أخرى في فمه ، وقال : لكن الآلهة ، كما تعرف ، أحلت لنا أكل اللحوم . ونظر الكاهن العجوز إليه ، دون أن يتفوه بكلمة ، فقال الحداد : هذا ما يقوله الكاهن الأعظم . فقال الكاهن العجوز : أنا أيضاً ، وقبله ، كنت الكاهن الأعظم ، ولم أسمع إلهاً يقول ذلك . وصمت الكاهن العجوز لحظة ، ثم قال : الكائنات الحية جميعها ، بما فيه الإنسان ، لها أرواحها وحياتها ، وليس من حق أحد ، تحت أي ذريعة ، أن يسلبها حياتها ، ويحرمها من فرصتها في الحياة . وتوقف الحداد عن تناول الطعام ، فقال الكاهن العجوز : كل ، يا صديقي ، أنت لم تأكل شيئاً يذكر . فقال الحداد : أشكرك ، لقد شبعت . ونهض الكاهن العجوز ، ورفع بقية الطعام ، ووضعه جاناً ، ثم نظر إلى مدخل الكهف ، وقال : الليلة دافئة ومقمرة ، سأجلس قليلاً بباب الكهف . وصمت لحظة ، ثم قال : نم أنت إذا أردت . ونهض الحداد ، وقال : لا ، لقد نمت قليلاً ، أريد أن أجلس معك بباب الكهف . وسار الكاهن العجوز ، متوكئاً على عصاه ، وقال : هذا أفضل ، تعال . وجلسا صامتين بباب الكهف ، يحف بهما الليل والقمر والأيام الماضية ، والتفت الحداد إلى الكاهن العجوز ،
مسرحية للفتيان
فتاة الغابة
طلال حسن
فسحة وسط الغابة ، كوخ في جانب المسرح
أغنية عن الغابة
صمت ، يدخل الملك ومعه حارسه الشاب
الملك : هذا مكان منعزل . الحارس : لكنه رائع ، يا مولاي . الملك : تقول هذا لأنك ولدت في الغابة . الحارس : نعم ، فأبي حطاب . الملك : وكان مثلك يحب الغابة . الحارس : وبقي فيها حتى النهاية .. الملك : " ينظر إليه " .... الحارس : قلت له ، بعد أن رحلت أمي ، تعال وعش معي في المدينة . الملك : لم يأتِ طبعاً . الحارس : نعم ، يا مولاي ، لم يأتِ ، بل وقال لي ، لا أستطيع أن أعيش في السجن . الملك : " يبتسم " وجئت بك إلى السجن . الحارس : إنني حارسك الأول ، يا مولاي . الملك : وستبقى حارسي ، مادمت تريد ذلك . الحارس : " يطرق رأسه " أشكرك ، يا مولاي . الملك : يلمح الكوخ " انظر . الحارس : " ينظر إلى الكوخ " هذا كوخ حطاب ، يا مولاي . الملك : مثل الكوخ الذي ولدت فيه . الحارس : " تقريباً ، يا مولاي . الملك : " يتجه نحو الكوخ " تعال نتفرج عليه . الحارس : " يتبع الملك " لعل صاحبه في الداخل . الملك : لن ننهبه . الحارس : عفواً مولاي . الملك : " يتوقف " اطرق الباب . الحارس : أمر مولاي " يطرق الباب " الملك : لا أحد يجيب . الحارس : لعله نائم . الملك : أطرقه ثانية . الحارس : " يطرق الباب ثانية " .... الملك : لا أحد في الداخل ، على ما يبدو . الحارس : لعله في الجوار . الملك : وربما رآنا ، فخاف ، واختبأ في مكان قريب . الحارس : من يدري ، يا مولاي . الملك : دعنا ندخل الكوخ ، ونرَ ما فيه . الحارس : " ينصت " .... الملك : " يهم ّ بالدخول " .... الحارس : " بصوت خافت " مولاي . الملك : " يتوقف منصتاً " ما الأمر ؟ الحارس : أحدهم قادم ، يا مولاي . الملك : لعله الحطاب . الحارس : لا أظن ، يا مولاي ، فهذا وقع أقدام خفيفة ، وربما معها أيضاً وقع أقدام غزالة صغيرة . الملك : " يبتسم " أنت ابن غابة حقاً . الحارس : " بصوت خافت " اسمع ، يا مولاي ، وقع الأقدام يقترب . تدخل فتاة شابة ، ومعها غزالة ، تفاجأ بالملك والحارس
الفتاة : " تتوقف خائفة " آه . الملك : لا تخافي ، اهدئي . الفتاة : " تتلفت حولها خائفة " .... الحارس : " يتقدم خطوة منها " اطمئني ، لن يؤذيك أحد . الفتاة : " تتراجع حائرة " .... الحرس : " يتوقف " لا تذهبي .. الفتاة : " تتوقف " .... الحارس :" يشير إلى الملك برأسه " الملك .. الفتاة : " مذهولة " الملك ! الملك : " يهز رأسه " نعم ، الملك . الحارس : وأنا .. الحارس . الملك : " يشير إليها " تعالي .. الفتاة : " تبقى في مكانها حائرة " .... الملك : تعالي ، لا تخافي . الفتاة : " تزداد حيرة لكنها لا تتحرك " .... الملك : أيها الحارس . الحارس : مولاي . الملك : اذهب وانتظرني في مكان قريب . الحرس : " ينظر إليه " .... الملك : اذهب . الحارس : أم مولاي " ينظر إلى الفتاة ثم يخرج " .... الملك : الآن نحن وحدنا ، تعالي . الفتاة : " تبقى في مكانها " .... الملك : مادمت لا تأتين " يقترب منها " أنا سآتي . الفتاة : " تهم بالتراجع " .... الملك : لا ، لا ، ابقي . الفتاة : " تتوقف " .... الملك : " يتأملها " أنت فتاة شابة .. الفتاة : " محرجة " .... الملك : وجميلة .. الفتاة : " تزداد حرجاً " .... الملك : في قصري جوار عديدات ، لكن أياً منهن ليست في جمالك وشبابك . الفتاة : " تطرق رأسها " .... الملك : ما اسمك ؟ الفتاة : اسمي ... الملك : اسم جميل ، وأنت أجمل الفتاة : " تطرق خجلة " ... الملك : " يتلفت حوله " لا أظن أنك هنا وحدك ، فهذا مكان منعزل . الفتاة : بل أنا وحدي ، فقد ماتت أمي قبل أشهر. الملك : وأبوك ؟ الفتاة : رحل قبلها بعام تقريبا . الملك : أوه يا للأسف . الفتاة : " تبدو متأثرة حزينة " .... الملك : لا عليك ، أنت واحدة من رعاياي ، ومن واجبي أن أحميك ، وأرعاك . الفتاة : " تنظر إليه " .... الملك : تعالي معي إلى قصري ، وستكونين واحدة من جواريّ معززة مكرمة . الفتاة : " تنظر إليه جامدة " .... الملك : هذا تكريم لكِ ، ما بعده تكريم ، فأنا الملك . الفتاة : " تهز رأسها " .... الملك : موافقة طبعاً . الفتاة : لا .. لا . الملك : لا ! الفتاة : سأبقى هنا . الملك : سآخذك لتعيشي في قصري . الفتاة : " تهز رأسها " .... الملك : أنت مجنونة ، فليس هنا غير هذا الكوخ والأشجار والحيوانات و .. الفتاة : أريد أن أبقى هنا . الملك : اسمعي ، يا نور . الفتاة : " تنظر إليه " .... الملك : استطيع أن آخذك كرها ، فأنا الملك .. الفتاة : " مازالت تنظر إليه " .... الملك : لكني سأتركك تفكرين ، وستقتنعين بنفسك بأنّ ما أريده لك هو الخير . الفتاة : " تطرق رأسها " .... الملك : " يبتعد عنها " أيها الفارس . الفارس : " يدخل " مولاي . الملك : " للفتاة " ادخلي الكوخ ، سأناديك بعد قليل . الفتاة " تدخل الكوخ دون أن تتفوه بكلمة " .... الملك : تلك الفتاة اسمها نور .. الفارس : نعم ، مولاي . الملك : إنها جاهلة حمقاء ، لكنها .. الفارس : " ينظر إليه " .... الملك : أريدها جارية في قصري . الفارس : " ينظر إليه مندهشاً " .... الملك : لكن الحمقاء تريد أن تبقى هنا . الفارس : يا للعجب . الملك : لا أريد أن أكرهها على ترك هذا المكان ، والمجيء معي إلى قصري الملكي ، أريد أن تأتي بقناعتها ، وإن كنت أستطيع أن أكرهها على ذلك . الفارس : هذا حقك ، يا مولاي . الملك : أريد منك أمراً . الفارس : مرني ، يا مولاي . الملك : سآخذ الحرس بعد قليل ، وأواصل الطريق إلى المدينة . الفارس : " ينظر إليه صامتاً " .... الملك : ابقَ أنت هنا ، ولا تلحق بنا إلا بعد أن تقنع الفتاة بالمجيء إلى القصر . الفارس : أمرك ، يا مولاي . الملك : " يتأهب للخروج " حسن ، سأذهب ، ابذل جهدك ، فأنا أريد هذه الفتاة جارية لي . الفارس : أمر مولاي . الملك : " يتجه إلى الخارج " لا تتعجل ، ابقَ حتى تقنعها ، فهي على ما يبدو عنيدة حمقاء . الفارس : أمر مولاي . الملك : " يخرج " ....
#طلال_حسن_عبد_الرحمن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رواية للفتيان دموع رينيت طلال حس
...
-
قصة للأطفال آتٍ مع الشمس
-
رواية للفتيان ايتانا الصعود إلى سماء آنو
...
-
رواية للفتيان بدر البدور
...
-
قصة للأطفال اليمامة البيضاء والجرافة قصة
...
-
دموع رينيت كتاب جديد للفتيان
-
رواية للفتيان الرحلة الثامنة
...
-
رواية للفتيان المعجزة
...
-
رواية للفتيان الغيوم السوداء طلال
...
-
رواية للفتيان صخرة آي طلال حسن
-
مسرحية للفتيان اورنينا
...
-
رواية للفتيان الغزالة
...
-
رواية للفتيان السندباد البحري طلال
...
-
رواية للفتيان دروفا ـ نارانا
...
-
رواية للفتيان سامو وسومو
...
-
رواية للفتيان النمر
...
-
رواية للفتيان البديل طلال حسن
-
رواية للفتيان الزواج المقدس
...
-
رواية للفتيان رجل النار
...
-
شجرة الزيتون
المزيد.....
-
مالية الإقليم تقول إنها تقترب من حل المشاكل الفنية مع المالي
...
-
ما حقيقة الفيديو المتداول لـ-المترجمة الغامضة- الموظفة في مك
...
-
مصر.. السلطات تتحرك بعد انتحار موظف في دار الأوبرا
-
مصر.. لجنة للتحقيق في ملابسات وفاة موظف بدار الأوبرا بعد أنب
...
-
انتحار موظف الأوبرا بمصر.. خبراء يحذرون من -التعذيب المهني-
...
-
الحكاية المطرّزة لغزو النورمان لإنجلترا.. مشروع لترميم -نسيج
...
-
-شاهد إثبات- لأغاثا كريستي.. 100 عام من الإثارة
-
مركز أبوظبي للغة العربية يكرّم الفائزين بالدورة الرابعة لمسا
...
-
هل أصلح صناع فيلم -بضع ساعات في يوم ما- أخطاء الرواية؟
-
الشيخ أمين إبرو: هرر مركز تاريخي للعلم وتعايش الأديان في إثي
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|