أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - لبيب سلطان - حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة















المزيد.....



حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة


لبيب سلطان
أستاذ جامعي متقاعد ، باحث ليبرالي مستقل

(Labib Sultan)


الحوار المتمدن-العدد: 7787 - 2023 / 11 / 6 - 18:44
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


1. مراجعة لتطور مراحل حل القضية الفلسطينية
لم يشهد العالم في العصر الحديث قضية اكثر تعقيدا واستعصاء على الحل اكثر من القضية الفلسطينية . لقد تم وخلال 75 عاما استخدام كافة الوسائل العسكرية والديبلوماسية، الخشنة والناعمة، الاقتصادية والسياسية، بل وكافة الوسائل، ولم تنجح لليوم في ايجاد حل دائم وعادل للقضية الفلسطينية يمنح للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة في ارجاع هويته، وتقرير مصيره، واقامة دولته.
ان ابقاء القضية دون حل يعود لمصالح وقوى متعددة ، اهمها مصالح السيطرة ومصالح التأليب والتحريض الايديولوجي لاطراف تخوض صراعا عقائديا ، على المستوى المحلي او الاقليمي او الدولي ، تستخدم هذه القضية بما تمليه مصالح عقائدها بادامة الصراع ووأد حل للقضية ، فالقضية الفلسطينية هي وسيلة بيد هؤلاء، وابقاءها دون حل تقف وراءه مصالح تقتضي ان تبقيها كالجرح الدائم المندمل، كي تفتحه متى ماتشاء ، لينزف من جديد ، ومنه ويتم تجييش العواطف والعصبيات الدينية والقومية والايديولوجية بأسم القضية لادامة وبسط السيطرة ( هذا مافعلته الديكتاتوريات القوميات العربيات بالامس ، وهو ماتفعله السلفيات الدينية اليوم ، او للتجييش ضد الغرب الذي يقف ضد العرب مع اسرائيل ( وهذا مافعله السوفيت بالامس وماركسيونا العرب لليوم ) . وما ان يتم وقف النزيف ، بعد تدخل الدول والوسطاء ، حتى يبدأ الاعداد لجولة جديدة ولثأر جديد، هكذا كان الامر دوما منذ تأسيس اسرائيل عام 1948 والى اليوم.
خاض الطرفان ( العرب واليهود) خلال هذه الفترة 15 حربا، صغيرة وكبيرة ، كل مع حلفاؤه ، وكل الذي امكن التوصل اليه ، بعد هدر كل الموارد وقمع الديكتاتوريات وشعارات ومهاترات الايديولوجيات ، هو الاقتناع المتبادل باستحالة القضاء ايا منهم على الطرف الاخروقضيته، العرب على إسرائيل، والصهاينة على قضية وحقوق شعب فلسطين ، فلا بد من القبول بوجود الاخر ، وتم طرح حل الدولتين كوسيلة لانهاء هذا الصراع بحل عادل ودائم لقضية الشعب الفلسطيني. بدأ هذا الحل ينضج مع بداية التسعينات ، اي بعد اربعين عاما من الحروب والقتال، ولكنه توقف في منتصف الطريق ولا يزال متوقفا حتى اليوم ، والسبب ان هناك قوى ومصالح ( محلية واقليمية ودولية ) تقف امام اقامته ، وتعمل على اعاقته وتعطيله.
ان مهمة هذا البحث هي محاولة لكشف القوى والمصالح المانعة، وتداخلها وترابطها في اعاقة اقامة هذا الحل ، حل الدولتين، الحل الدائم والعادل للقضية الفلسطينية، وهو ايضا حلا لقضايا التخلف والاستبداد في المنطقة العربية لترابطه مع القضية، وسننظر ايضا في ظروف وشروط اقامة حل الدولتين، التي تقول بترابطهما.
ان الحروب التي جرت على مدى 75 عاما كانت تخلق فرصا للطرفين للاقتناع بجدوى الاعتراف بالاخر واحلال السلام وايجاد حل للقضية، ولكن كانت هناك دوما قوى داخلية وخارجية تحركها عقائدها ومصالحها لمنع التوصل لهذا الحل ، بل وعمل بعضها على اغتيال هذه الفرص، فهي ستضرب مصالحه التي تتطلب ابقاء الجرح وادامة الصراع. ان هذه القوى عملت ( وبدفع من العقائد والمصالح ) على اغتيال اية فرصة سانحة لاقامة السلام وايجاد حل عادل ودائم للقضية ،فكانت تغتال هذه الفرص على الار ض بفعل مباشر ومن جهتين سلفيتين: العربية القومية والاسلاموية والصهيونية القومية التوراتية. ومن المفيد استعراض بعض هذه الفرص وكيف جرى اغتيالها، كونها تلقي الضوء اكثر على هذه القوى والمصالح ورائها.
1. الفرصة الاولى جاءت بعد حرب 1967 والتي ادت بناصر ومؤتمر القمة في الخرطوم الى القبول بمبادرة روجرز ( وزير الخارجية الاميركي) والتي نصت على انسحاب اسرائيل لحدود عام 67 (من سيناء والجولان والقدس والضفة والقطاع ) ، مقابل الاعتراف العربي بوجودها .وما ان انفض المؤتمر حتى بادر البعث العراقي على اتهام ناصر بالخيانة ، وانسحبت سوريا منه ، ومات عبد الناصر بغيظه عام 70 مهزوما ( فهو الذي اشعل الحرب عام 67 وأوعد الامة بالنصر المبين ورمي اليهود بالبحر)، وهو نفسه الذي وافق على مبادرة روجرز والتي كأنما ارادت القول لعبد الناصر انسحب من تحالفك مع السوفيت لتسترجع ارضك ، مثلما اوردها روجرز في مذكراته وعرضه لمصالح اميركا من طرحه لحل قضية الصراع العربي الاسرائيليى عام 1969).
2. الفرصة الثانية اتت بعد حرب 73 ، وبعد رحلات كيسنجر المكوكية قبلها وبعدها ( مع مصر والصين وهدفن لتفكيك التحالف مع السوفيت واعدا مصر باستعادة الارض والكرامة ، والصين بالتصنيع والاستثمارات ، كما اورد في كتبه العديدة حول اشكال ومهام الديبلوماسية كما وفي مذكراته)، تم اقناع السادات بمبدأ " السلام مقابل الارض" وانهاء الاستنزاف بالاعتراف بحق اسرائيل في الوجود، مقابل استرجاع سيناء، وانهاء جبهة الحرب بين الطرفين للتوجه لنحو التنمية، وتم توقيع كمب ديفيد عام 79 . تم تجييش الجيوش بخيانته وتخوينه ، واقام البعث السوري والعراقي وبمباركة السوفيت " جبهة الصمود والتصدي" كما وقام الاخوان باغتيال السادات في الاحتفال بعيد النصر يوم 6 اكتوبر عام 81.
3. الفرصة الثالثة بعد انطلاق ثورة الحجارة عام 87 وظهور واحراز إعتراف واسع بالقضية الفلسطينية ( وتحول القضية من صراع عربي اسرائيلي الى قضية حقوب شعب فلسطيني ) تمخضت عن انجاز اتفاق اوسلو عام 1993 واقامة السطة الفلسطينية على الضفة ثم على القطاع. تم اغتيال اسحق رابين عام 94 على يد متطرفي اليمين السلفي التوراتي والصهيوني، كما وشرعت سلفيات مماس والجهاد بتخوين عرفات والتحريض على اوسلو وعلى منظمة التحرير الفلسطينية، وقامت بعشرات العمليات الانتحارية والتفجيرات وسط المدنيين في مدن اسرائيل، منها عمليات " الطعن بالسكين مقابل 25 الف دولار من صدام ". كما وقام التوراتيون بعمليات قتل للعشرات من الشباب الفلسطينيين بحجة الدفاع عن النفس باتهام التسلل لغرض الاغتيال ، جرت جميعها لخلق ظروف لانهاء الاتفاق واضعاف طرفيه ( منظمة التحرير الفلسطينية وحزب العمل الاسرائيلي اليساري التوجه) .
4. الفرصة الرابعة اتت عام 2000 في اول جولة مفاوضات رسمية بين عرفات وباراك وبرعاية كلينتون للتفاوض على اقامة الدولة الفلسطينية ،أي حل الدولتين. وكانا على قاب قوسين أو أدنى من الاتفاق، وأقام السلفيون تظاهراتا تتهم عرفات بالخيانة والتنازل عن القدس وقاموا بعمليات اغتيال وقتل واعتداء متعمد، لخلق كو معاد على الطرف الاخر ، وانسحب عرفات في اخر لحظة . ولكن عادا من جديد برعاية مبارك هذه المرة في شرم الشيخ عام 2001 للتفاوض لأنهاء اخر نقاط الخلاف القليلة المتبقية . تم الاعلان من باراك وعرفات معا " سيتم التوقيع على الاتفاق بعد انجاز المفاوضات النهائية خلال 6 اسابيع لاعلان اتفاق تام ونهائي بقيام الدولة بين الطرفين".
وماهي الا أيام قلائل حتى قامت حماس بخمسة عمليات انتحارية ادت لقتل 134 مدنيا بتفجيرات في المولات والباصات والاماكن العامة هدفها واضحا تقويض الاتفاق ، وجاء تصريحا واضحا لعرفات عن حماس:
" ان اعمال حماس الارهابية هي ليست ضد اسرائيل ، بل هي ضد السلام وضد الفلسطينين وضد العرب وضد الاسلام بل وحتى ضد الله "
هذا هو ماقاله الرئيس عرفات عن حماس بالحرف الواحد عام 2001 ( يمكن الاطلاع عليه في الرابط ادناه الذي يوثيق تصريحه بالصوت والصورة ، كما ورد في فيلم وثائقي هام لقناة PBS ( المعروفة بانها الاكثر انتشارا واحتراما وموضوعية في العالم في اصدار افلامها الوثائقية بسلسلة Frontlines ) ، ويوثق الفيلم بالمكان والزمان جرائم السلفيتان الاسلاموية والصهيونية التوراتية في اجهاض اية عملية لتحقيق التقدم في حل الدولتين منذ التوقيع على اتفاق اوسلو عام 1993 ، وهو فيلم جدير بالمشاهدة على الرابط
https://www.youtube.com/watch?v=jt3PpqaLfxo
وبعد سلسلة عمليات قتل للمدنيين وتفحيرات حتى انقلب الرأي العام الاسرائيلي متهما حزب العمل وباراك انهم " شرعوا الابواب للارهابيين والاعتراف بدولة لهم لقتل المدنيين وابادة اسرائيل " ، وسقطت حكومة باراك خلال اسابيع ليصعد ناتنياهو للحكم عام 2001 قائدا لليمين المتطرف القومي ـ الديني التوراتي .
انتقلت القضية الفلسطينية عمليا من يد طرفيها العلمانيان ( منظمة التحرير وحزب العمل الاسرائيلي) ليد السلفيات الاصولية اليمينية الصهيونية والعربية التي تنظر للقضية خوض صراع وجودي بالقضاء على الاخر.
وخلال العشرين سنة التالية عمل اليمين الاسرائيلي المستحيل لاقامة العواقب امام حل الدولتين ( التوسع واقامة المستوطنات وانتهاكات وتعديات على القرى والمدن الفلسطينية عملت على اضعاف منظمة التحرير وعلى صعود حماس واستيلائها على غزة منذ عام 2006. وفي المنطقة صعدت سيطرة السلفيات على الدول، حزب الله على لبنان، وميليشيات سليماني عل العراق ثم على سوريا واليمن جميعا مدعومين من اية الله وهم حماة له ولمشروعه باقامة امبراطوريته ، ولن يقبلوا بغير تحرير القدس من رجس وتدنيس الصهاينة واليهود.
في الواقع العملي ، ماشهدناه على مدى العشرين سنة الاخيرة من اغتيال ممنهج لفرص السلام واقامة حل الدولتين، من السلفية الاسلاموية والسلفية الصهيونية ، يمكنه ان يدعم وبقوة الفرض والاعتقاد بان عملية حماس الاخيرة في 7 اكتوبر( بقتل قرابة الف مدني) انما جاءت لوأد فرصة جديدة لاعادة حل الدولتيين على الطاولة، فهي اتت بعد ثلاثة اسابيع من تصريح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان " ان مفاوضات التطبيع بين السعودية واسرائيل ( والتي تجري تحت رعاية بايدن ) تسير باسرع مايمكن وسنتوصل الى اتفاق قريب ". ان هذا الاتفاق لو يتم فعلا فسيقوم بسحب البساط من محور الممانعة والمقاومة ، فهو بمثابة اعتراف اسلامي بوجود اسرائيل، ومنه تصبح دعوات اية الله ونصر الله وانصار الله وثأر الله ممثلين بحماس والجهاد والميليشيات الولائية في مهب الريح وتذهب اصل دعواتهم انهم "مقاومة " وتكشف وجههم الحقيقي انهم ادوات لاية اللت للسيطرة على شعوب ودول المنطقة، ولا يغرن ما صرح به اية الله والسيد انهما لايعلمان ولم يعلما بالعملية ، فهما لايحتاجان للعلم بها ، بل يحتاجان للقيام بها لأجهاض هذا الأتفاق القادم، لأنه تقويضا لنفوذهم وحتى وجودهم في المنطقة. كما ولا يجب اهمال مصالح نتنياهو و اليمين الصهيوني التوراتي المتطرف في اقامة الظروف المؤالمة وعلى مدى سنين ، للتهيئة للقيام بهذه العملية، فهي اتت لصالح ناتنياهو وانهت المظاهرات المليونية منذ عشرة اشهر لأسقاطه واجراء انتخابات مبكرة كان لليسار الاسرائيلي وتآلفه الفوز فيها. ويمكن وبدراسة امتداد المصالح حتى اشراك بوتين كطرف في هذه العملية ، وربما اصابعه الخفية عملت على دفع حماس عليها ، فهو يسعى لتجييش المنطقة ضد الغرب ،كما جيشها بانقلابات في افريقيا قبل اشهر، لتوسيع جبهة مجابهة الغرب وتشتيت قدراته وصرف الرأي العام عن قضية عدوانه على اوكرانيا.
ان العرض اعلاه كان ضروريا لفهم دينامية تطور حل الدولتين والقوى والمصالح التي تعيقه وتمانعه . واظهرت انه خلال تطور مراحل ثلاثة : من الاعتراف الوجودي للدول العربية بأسرائيل ( بعد حربي 67 و 73 ) ، ومرحلة الاعتراف المتبادل بالوجود مع المقاومة الفلسطينية ومنظمة التحرير ( اتفاق اوسلو عام 93 ) ، ومرحلة المفاوضات النهائية لاقامة الدولة الفلسطينية ( مفاوضات عامي 2000-2001) قد اغتيلت جميعهاعلى يد السلفيات القومية والدينية من الطرفين وعملا على اجهاض فرص حل الدولتين.
وهناك عوامل وموانع اخرى لاقامة حل التعايش وحل الدولتان تمليها مصالح العقائد ( الايديولوجيات ) السائدة في العالم العربي، وهناك مصالح اقليمية ودولية تستفيد من إدامة هذا الصراع، جميعها تشكل عوائق لحل الدولتين، سنتناولها تحت بتفصيل اكثر.

2. الموانع التي تقيمها الايديولوجيات العربية لحل الدولتين
تنتمي ممارسات الايديولوجيات العربية الثلاثة ( الاسلاموية والقومية والماركسية) الى ممارسة المدارس السلفية ( ويقصد بالسلفية جعل النص فوق العقل ليقود الفعل والممارسة، وهي ترجمة لمصطلح "الدوغماتية" اي التكلس الفكري وتقديس مقولات النصوص وجعل المقولة هي التي ترسم صورة الواقع ).
ناهضت السلفية الاسلاموية والقومية العربية حل الدولتين استنادا لعقائدها، ومعها ومنها مصالحها في السيطرة على المجتمعات . ان عقائدها تقول بذلك ومصالحها تمليه لبسط سيطرتها واقامة ديكتاتوريات وحتى امبراطوريات تقام باسم الدين وباسم القومية العربية لتحرير فلسطين ( بدء من ناصر وصدام وصولا لاردوغان واية الله ) ، فهنا تلتقي العقائد والمصالح وحب الزعامات لاقامة امبراطوريات جميعها تحت راية تحرير فلسطين، ومنه فحل الدولتين سيقوضها كونه يقوض اسس ادعائها ودعواها.
ولكن الامر مختلف مع الماركسية السوفياتية ( غير الماركسية النظرية ) ،انها تقول بحق تقرير المصير للامم والشعوب ، وهذا يساير حل الدولتين ،ولكن هناك قضية اكبر عندها من هذه القضية هي الصراع ضد الرأسمالية والامبريالية ، ومنها يتوجب استخدام القضية الفلسطينية للتحريض والتأليب علي الغرب الرأسمالي ( باعتباره الطرف الداعم لاسرائيل في هذه القضية)، ومنه تطغي المقولة الاعلى " النضال ضد الرأسمالية" وتؤدي الى ضرورة استخدام القضية الفلسطينية لصالح القضية الاعلى ، فان حل الدولتين سيزيح ورقة هامة للتأليب ضد الغرب الذي كان اهم ادوات الايديولوجيا السوفياتية في خوض صراع وجودي للاتحاد السوفياتي مع الغرب ، ومنه رددت بصورة سلفية الماركسيات العربية المقولات السوفياتية وطروحاتها. فهي ،على سبيل المثال ، خلاف الماركسية الديمقراطية الاوربية التي تتعايش مع الرأسمالية وتطرح منهجا اجتماعيا اصلاحيا ، ولا تردد مقولات السوفيت ولا تخوض صراع وجوديا معها، كما تطرحه السوفياتية . ان موقف السلفيات العربية هو ترديد للمقولات السوفياتية ، ومنها فهي سلفية ، واصبح همها منصبا في التأليب على الغرب وعلى الحضارة الاوربية بزعم محاربة الرأسمالية، وجعلت القضية الفلسطينية اداة للتأليب علي الغرب والحضارة الاوربية مرددة مقولات السوفيت الدعائية " ديمقراطياتها خادعة وحرياتها زائفة وادعائاتها بالحقوق كاذبة " وإلا لوقفت مع العرب والقضية العادلة القضية الفلسطينية ( وسنأتي لمناقشة سخف هذا الادعاء لاحقا، فهو يطلب من الغرب الوقوف مع الديكتاتوريات القومية والسلفيات الدينية العربية في حلها للقضية الفلسطينية بازالة وجود الاخر).
لقد قامت السلفية الدينية والقومية للتحريض ضد الغرب، وضد العلمانية، وضد الفكر الليبرالي الاوربي، وحتى ضد الماركسية لكونها جميعها تدعو للتعايش بين الشعبين وحل الدولتين، فذلك يتعارض مع عقائدها بازالة الاخر بدل التعايش معه. ولكن الماركسية العربية استخدمت القضية كما ارادتها المقولات والمصالح السوفياتية، لتأليب الشارع العربي ضد الغرب الرأسمالي ، ووجهت القضية لتكون صوب جبهة الصراع ضد الامبريالية ، القضية الاهم وفق السوفياتية ، فكل القضايا توجه للاستخدام في هذا الصراع الوجودي للسوفيت مع الغرب . ان حل القضية الفلسطينية هو انهاء لهذا الصراع وبحله سيتم الغاء واحدة من أهم ادوات التأليب ضد الغرب والحضارة الغربية في المنطقة.
ان هذا الموقف ادى لتحالف الماركسية العربية مع النظم الديكتاتورية القومجية العربية على مدى ثلاثة عقود، كون السوفيت تحالفوا معها، وتم تقديم النظم القمعية الديكتاتورية المعادية للديمقراطية انها نظما تقدمية " تخوض التحرر الوطني ضد الاستعمار والامبريالية " التي تساند ربيبتها الصهييونية . ان مصالح شعوبنا ومستقبل تطورها تم اختزاله بهذا الشعار السوفياتي، ومنه تم ذبح الديمقراطية والتيارات الليبرالية وحتى الماركسية على يد النظم الديكتاتورية القمعية، التي ساندها السوفيت ، تحقيقا لمصالحهم الامبريالية، والتي جاءت متوافقة مع مصالح النظم الديكتاتورية العربية التي اقامت الديكتاتوريات ومارست القمع باسم حشد طاقات الامة وبالتعاون مع السوفيت لتحرير فلسطين .
وملخصا فان الايديولوجيات الثلاث ( الاسلاموية ، القومية ، والماركسية العربية ) اذ تختلف في طروحاتها العقائدية ، ولكنها التقت بقضية واحدة هو معاداتها للغرب وللحضارة الغربية. كلا وجد في ذلك مصالح لعقائده . الاولويتين اتخذت من القضية الفلسطينية راية لتغطية اقامة امبراطوريات ديكتاتورية قومية واسلاموية، بينما عند الاخيرة هي مصدر تأليب والتعبئة ضد الامبريالية وحضارة الغرب الرأسمالية.
إن ما خطأ به الماركسيون بالامس ما زالوا يخطئون به لليوم، ان التأليب ضد الغرب وحضارته وفلسفته القائمة على الحقوق والحريات هو اسنادا للسلفية،تقوم به اليوم كما قامت به اسنادا لتحالف السوفيت مع النظم القومية الديكتاتورية ، وأضر ذلك ضررا بليغا ليس فقط بقضية الشعب الفلسطيني، وبحل الدولتين ، بل وبقضايا شعوبنا ضد سيطرة الديكتاتوريات ، وبه حجبت مجتمعاتنا عن حضارة الغرب ومعرفة قيمها ومبادئها وتجاربها في اقامة دولا ذات نظم ديمقراطية توفر الحريات وتحترم حقوق مواطنيها وتقيم دولا رصينة على اسسها.
ان عداء الحضارة الغربية ليست مقولة ماركسية اطلاقا، بل انها ادلجة سوفياتية ستالينية لها ، وحان الوقت لماركسيينا التخلص من سلفية ترديد مقولاتها المتوارثة نصوصا وطروحات سوفياتية من حقبة الحرب الباردة. فالانفتاح على الحضارة الاوربية الغربية وقيمها ومبادئها وتنظيمها لدولها ومجتمعاتها هو امرا هاما للتحضر لدولنا وشعوبنا ، ولحل القضية الفلسطينية.
ان حل الدولتين لن يقوم دون تبني اهم اسس الحضارة الغربية في الحقوق والحريات والتعايش واقامة نظم علمانية ديمقراطية في مجتمعاتنا ،وهذه جميعها تشكل اساسا لحل القضية الفلسطينية. وعموما لابد من فهم واقرار ان لاحل ممكنا للقضية الفلسطينية واقامة حل الدولتين تحت سيطرة السلفيات الدينية على شعوبنا وعلى القضية . ولكن المهم هنا وعي خطر محاربة الغرب وحضارته على شعوبنا وعلى القضية لانه يعني ادامة سيطرة السلفية، وبه يستحيل ايجاد حل لا للقضية الفلسطينية ، ولا لقضية تحضر شعوبنا واخراجها من شراك وشباك التخلف. فها هو العالم يتعلم من انجازات الحضارة الغربية ويستقي من اسسها وتجاربها الثرية ويتعلم منها كيفية بناء دول ومجتمعات متقدمة من اليابان وكوريا الى البرازيل والهند وجنوب افريقيا. ان استخدام القضية الفلسطينية للتأليب ضد حضارة الغرب من التيارات السلفية الثلاث اضر بالقضية وقضية تحضر شعوبنا ودولنا بان واحد، ومنه فحل القضية مرتبط بحل قضية تحضر شعوبنا وجعلها تؤمن بقيم التعايش وفهم الحقوق المتبادلة بدل قيم الكراهية التي تسود حاليا.
لننظر في القوى والمصالح الدولية المعيقة للحل بصورة اوسع.

3. موقف الغرب وصراع المصالح الدولية في اعاقة حل الدولتين
لم يسأل او يحلل أحدا من العرب (الا القلة القليلة ربما) لماذا وقفت اميركا والغرب ، اصحاب حضارة الحقوق والحريات، مع اسرائيل ، ولم يقفا معنا نحن اصحاب القضية العادلة، القضية الفلسطينية. فقد تم طرح موقف الغرب حول القضية بظاهره الذي يراه الناس ، " انظروا للغرب انه منحاز للصهاينة واسرائيل " وهنا اتى دوما ذكر الغرب مع صفة متلاصقة ،واصبحت جزء من اللاوعي العربي عند ذكر الغرب انه " الكافر " ، "الصليبي "، " الرأسمالي " " الأستغلالي " الامبريالي " "المعادي للعرب " " المناصر للصهيونية "، يعززها موقف الغرب المساند لاسرائيل في حروب 67 و73 . استخدمته الايديولوجيات العربية الثلاث في تجييش الشارع العربي ،كما استخدمته الديكتاتوريات في التغطية على هزائمها . وارجعت الديكتاتوريات والايديولوجيات وقوف الغرب مع اسرائيل الى لا انسانية الغرب والحضارة الاوربية ، ووصفها المؤمنون انها "صليبية " والقوميون انها "صهيونية" والماركسيون العرب رددوا مقولة السوفيت " انها حضارة الراسمالية وترديدا لسيده ومرجعه الاعلى السوفياتي ان الحضارة الغربية " ذات ديمقراطية مزيفة " " وادعاءات بالحقوق والحريات كاذبة".
الواقع ان ماقامت به الايديولوجيات العربية الثلاثة هو تماما ما تريده وخططت له الصهيونية اليمينية ضمن استراتيجيتها لاضعاف العرب بابعادهم عن مفاهيم الحضارية الاوربية التي تحمل عناصر الكفاءة في بناء الدول القوية ، وعناصر الديمقرطية في ادارة الحكم والمجتمعات، وعناصر احترام الحقوق الحريات الخاصة والعامة بالتعامل مع مواطنيها . ان ابعاد شعوبنا عنها سيجعل دولهم غير كفوءة ، ،واقتصادها ضعيف ، وحكوماتها ديكتاتورية لا تحترم مواطنيها بل وتقمعهم ، هذا هو فعلا ما خططت له الصهيونية لاضعاف العرب والظفر بتفوقها تحت يافطة الدفاع الوجودي لاسرائيل ، والجزء المتطرف منها يستخدمه لهضم حقوق الشعب الفلسطيني واضعاف قضيته والغاء حل الدولتين . والمشكلة ان جميع القوى والايديولوجيات العربية سارت تماما على خططت له عقول الصعيونية وجعلت العالم العربي معاديا للغرب وللحضارة الاوربية، فهذا هو رهانها لكسب الصراع.
ولكن لننظر في قضية مصلحة الغرب في الوقوف مع اسرائيل وليس مع العرب. فلو كان موقف الغرب نابعا من "جوهر ايديولوجيته ومصالحه الرأسمالية" ،كما يقول بها الماركسيون العرب ترديدا للسوفيت طبعا ، لحسبها الغرب الرأسمالي البراغماتي اقتصاديا احسن منهم " لماذا نضحي بسوق من مئة مليون وقتها ( واليوم قرابة اربعمائة ) وموارد الطاقة والموقع الجغرافي في سبيل قضية اسمها الشعب اليهودي بثمانية ملايين " فبراغمتيتها ستختار العرب وتقول لليهود وببساطة " عشتم مع العرب بسلام وامان الاف السنين وابقوا هكذا عيشوا اصدقاء معهم ( فعلا عاش اليهود كسكان اصلاء ذو هوية وثقافة وطنية اضافة لخاصة حالهم القوميات الاخرى في المنطقة وهي مقبولة ومندمجة مع السكان، عكس اوربا حيث دوما نظروا لليهود غرباء دخلاء على ثقافتهم). ان هذا يثبت ان خيار الغرب واميركا ليس براغماتيا رأسماليا "اقتصاديا" كما يدعييه ماركسيونا .
كما انه ليس لوجود تناقض بين حضارة الغرب الحقوقية ( أي القائمة على اسس الحقوق والحريات للافراد والشعوب كأهم اعمدتها واسسها ) وبين عدالة القضية الفلسطينية، فهي ليست كما سطرتها الايديولوجيا والدعاية السوفياتية ،ورددتها وترددها من بعدها ولليوم الماركسية العربية " ان حضارة الغرب الرأسمالية مزيفة كاذبة فلا حقوق انسان ولا حريات ولا ديمقراطية "، فالواقع يدحض ذلك ،فلاتجد اديكتاتوريات وزعامات مقدسة ولا نظما لحزب واحد ولاقمعا للحريات والاعلام في الدول الغربية ، بل ان الحكام ينتخبون ديمقراطيا ، ويحسبون الف حساب لوزن الرأي العام الذي يفرض عليهم ارادته، وحرية الرأي والاعلام وحقوق وحريات المواطنة اساسا وعمودا لهذه الحضارة التي هي وريثة لخيرة فلاسفة ومفكري اليونان والعرب وعصر النهضة الاوربية بقيمها الانسانية واعترافها للانسان والشعوب والاقليات بحقوقها وحرياتها ، خصوصا في الفترة المعاصرة، التي شهدت انتشار مبادئها ومسلماتها واسسها وقيمها وممارساتها في قارات العالم الخمس.
لنطبق واحدة من المقولات " المسلمات البديهية Axioms" المؤسسة للحضارة الغربية " من حق الفرد والشعوب العيش بكرامة ولهم حق تقرير المصير" على نموذج Model القضية الفلسطينية التي تقول " هناك شعبا فلسطينيا يسعى للعيش بكرامة ويطالب بتقرير المصير " ، ومنهما فالنتيجة تقول وتقر "بحق الشعب الفلسطيني ان يعيش بكرامة وممارسة حقه في تقرير مصيره" . ان النموذج يمتلك نفس مقومات القيم في مقدمة البديهية، ومنه فيجب ان ينال ماتنص عليه من حقوق. هذه الحقيقة لايمكن لبايدن او ماكرون او جونسون او شولتز انكارها او اخفاؤها لا امام انفسهم ولا امام شعوبهم ولا امام شعوبنا ايضا، وهي مثلت وتمثل تحديا حقيقيا لهم . ولكن جوابهم ربما يأتي " نعم انها كذلك ، ولكن هناك عوامل تدفعنا للوقوف مع اسرائيل، اهمها التهديد الوجودي الناتج من هذه القضية على دولنا وحضارتنا نفسها ". واضحا هنا ان الموضوع هو ليس مصالح اقتصادية "رأسمالية" ، ولا انعدام القيم والحقوق الانسانية في حضارة الغرب ( بل عكسه كما اثبتنا اعلاه ) ، كما هو ودون شك ليس نقصا في عدالة قضيتنا ،ولا هو التباسا في البديهية، بل في مكان اخر، هو مكان المصالح الوجودية التي تدفع الغرب للوقوف مع اسرائيل ، وعلينا كعرب فهمه.
فهناك بديهية اخرى تقول "تتراجع وتتوقف المبادئ عن الفعل والعمل عند تضارب المصالح" . ويتراوح تأثير المصالح بين التراجع الجزئي الى الكلي وفقا لنوع المصالح. ومن بين اكثر المصالح التي تضرب المبادئ بل وتلغي تفعيلها هي المصالح الوجودية ، فهي تلغي وتضع جانبا موضوع المبادئ والقيم عندما يتعلق الامر بتهديد وجود وحياة الاخر.انه الاهم من بين كل المصالح بلاشك ( خذ مثلا لقاء اليمين واليسار رغم تصارعهم عندما تتعرض شعوبهم لخطر وجودي يهدده ، هذا ما رأيناه مثلا في انهاء مظاهرات اليسار في اسرائيل ضد ناتنياهو بعد عملية غزة ، وهناك الكثير من الامثلة لوقوفهم معا خلال الحرب العالمية الثانية ، حتى تحالف الشيوعية الستالينية مع النازية الهتلرية مثلا، ومن ثم تحالفه مع الغرب الرأسمالي ضد الهتلرية، في جميعها توقفت المبادئ عندما تعلق الامر بتهديد وجودي).
والسؤال الذي يطرح هنا نفسه : ما اسس الترابط بين التهديد الوجودي لاسرائيل من العرب ولماذا اعتبره الغرب تهديدا وجوديا له ؟ انه يمثل المدخل الحقيقي لفهم موضوع انحياز الغرب لاسرائيل ، والا لانحاز لقضيتنا وفقا لمصالحه الاقتصادية ( التي تم ذكرها اعلاه، فنحن 400 مليون وهم عشرة يمكنهم الاندماج والتعايش كما عاشوا الاف السنين وينهي الغرب الامر لمصالحه ولمصلحتنا ).
والسؤال الاخر : هل نشكل نحن الدول المشتتة الضعيفة فعلا تهديدا وجوديا مباشرا للغرب ؟ بالطبع لا . حقيقة الامر ، وللجواب على هذين السؤالين ، ان التهديد الوجودي الذي يراه الغرب فينا هو سماحنا بان تكون بلداننا منحازة الى قوة "الاتحاد السوفياتي " تخوض صراعا وجوديا معه على مدى اربعون عاما مع الامبراطورية السوفياتية ( وهو الصراع الذي تصح عليه مقولة شكسبير "تكون او لا تكون "، اي صراع البقاء او الزوال لاحدهما . كان هذا الذي دفع الغرب للوقوف مع اسرائيل في حروب 67 و 73 ( لو انتصرنا على اسرائيل فهذاريعني نصرا للسوفيت ومنه توسع امبراطوريته ونفوذه وانحسارا وتهديدا وجوديا للغرب ) . نفس الامر اليوم حيث يخوض الغرب صراعه الحالي الذي يعتبره وطوديا مع امبراطوريات ناشئة تتحالف ضده ، امبراطوريات " اية الله ، وبوتين ، والصين" والتي يرى فيها اداة جديدة ، استخدام النووي كاداة لفرض لتوسع ( بعد ان كان مع السوفيت استخدام الايدجيولوجيا وساحات العالم الثالث للتوسع ) . في كلتا الحالتين رأى الغرب ان مصلحته الوجودية تتطلب منه الوقوف لجانب اسرائيل، واجل تطبيق مبادئه في الوقوف الى جانب العرب والقضية العادلة الفلسطينية الى حين ازالة هذا التهديد ( وما يدعم ذلك هو ملاحظة ان جهود اقامة حل الدولتين انتعشت بعد انحلال الاتحاد السوفياتي فقام اتفاق اوسلو عام 93 وعقدت مفاوضات عامي 2000 برعاية كلينتون وعام 2001 في شرم الشيخ لانشاء و قيام الدولة الفلسطينية ). كما ويمكن فهم مبادرات روجرز وكيسنجر بانهاء الصراع ومنه انهاء تحالف النظم العربية مع السوفيت، ويمكن ايضا ملاحظة تراجع وتوقف حل الدولتين منذ صعود السلفية اليمينية الصهيونية مقابل صعود وتحالف السلفيات العربية ووقوفها مع اية الله وبوتين وتشينغ التي تشكل تحالفا يعتبره الغرب تهديدا لحضارته ووجوده).
لنتتبع الخيوط التاريخية التي عملت على وقوف العرب مع الغرب ومنه حولت حل القضية الفلسطينية الى حلبة صراع وجودي للغرب، ومنه وقف الغرب مع اسرائيل على طول الخط .
اولها كان غباء عبد الناصر الذي ، ولمطامحه الشخصية ، اراد اقامة وزعامة امبراطورية الامة العربية لتحرير فلسطين. انها وجدت رفضا منىالغرب كونه اراد القضاء على النظم الملكية العربية لاقامة الوحدة ، ووجدت قبولا من السوفيت واعتبروت " قائدا لحركة التحرر الوطني ضد الانظمة الرجعية الملكية الموالية للغرب " ، ومنه ويسمح للسوفيت بالامتداد والتوسع والاستيلاء على مصادر الطاقة وتوسيع جبهة صراعه معه ( لاحظ ان اميركا لم تسلح اسرائيل ولا تدعمها ماليا قبل 56 ، وقد وقف كل من ايزنهاور وخروشوف مع مصر واصدرا انذارا لوقف العدوان الثلاثي الذي خرج منه ناصر معتقدا انه هزم الدول الثلاث واعلن نفسه زعيما للامة ومنه بدء مشروعه للقضاء على الملكيات لاقامة الامبراطورية العربية ومن مؤازرة السوفيت له جعله حليفا معهم ضد الغرب وفي معسكر واحد عمليا ضد اميركا التي اعتبرت انحيازه توسعا للسوفيت وانضمامه لمعسكر اعدائها في صراعها الوجودي ،ومنه وقفت اميركا بكل قوتها مع اسرائيل وسلحتها ووقفت معها بطاقاتها في حرب 67 وحرب 73، باعتبارها حليفا لها ضد التوسع السوفيتي في المنطقة ووقوفها معها لاضعاف نظما موالية للسوفيت. ان العرب ، والى اليوم ، لم يفهموا ان انخراط اميركا مع اسرائيل كان ضمن صراعها الوجودي مع السوفيت، فلو انتصر عبد الناصر عام 1967 مثلا، لاعتبر انتصارا للسوفيت، ولأقام ناصر امبراطورية الامة العربية التقدمية الاشتراكية المتحالفة مع السوفيت وابتلع السعودية ( بعد ابتلاعه العراق وسوريا واليمن ومن ثم ليبيا ،وقامت نظما ديكتاتورية متحالفة مع السوفيت ، ولسيطر السوفيت من خلاله على المنطقة وعلى موارد الطاقة وكانت هزيمة استراتيجية لاميركا اكبرمن فيتنام التي دفعت بها نصف مليون بين قتيل ومعطوب، وهي اقل اهمية من المنطقة العربية ).
واليوم يتكرر نفس الامر، وها هذه غزة الصغيرة، ولغباء وحماقة حماس السلفية ، تتحول الى بقعة تتصارع فيها واقعا اميركا مع ايران ( ومنها مع بوتين وتشينغ) ،وارسلت بوارجها لمنع توسع نطاق الحرب، فلو قامت ايران وميليشياتها من سوريا حزب الله في لبنان الى حماس في غزة باحراز انتصار ولو بسيط على اسرائيل لكان ذلك ايذانا باعلان اية الله منتصرا ومنه اقامة امبراطورية على اربعة دول تتحالف مع بوتين والصين تخوض صراعا معهما يعتبر كل من يقف الى جانبهما عدوا مساهما في تهديد حضارة الغرب ووجوده.
فالقضية هي ليست عطب حضارة الغرب وافتقارها للمبادئ الحقوقية والانسانية ، كما وهي ليست مصالح رأسمالية للغرب ( كما يروج لكليهما الماركسيون العرب)، بل هي قضية الخطر الوجودي الذي يراه ويتعرض له الغرب في المنطقة من خلال استخدام القضية الفلسطينية غطاء للتوسع السوفياتي بالامس وفي التوسع السلفي الايراني البوتيني الصيني اليوم . هذا ما لايفهمه مؤدلجونا العرب بينما فهمه ملوك وامراء الخليج المتخلفين الرجعيين ومنه تراهم يقفون اليوم ضد توريط السلفية ( وكانوا هم بالامس دوراً للسلفيات ) ولكن فهمهم لمصالحهم ابعدهم عنها بل وبدؤا بمحاربة حركات الاخوان والسلفيات لتحييد نظام اية الله وتحجيم ميليشياته وتقليص نفوذها، ليس فقط لاسباب طائفية، بل لفهمهم ان السلفيات ستقيم امبراطوريات (بأسم تحرير فلسطين طبعا ) وتتحالف مع انصار فلسطين بوتين والصين وتجر المنطقة لصراع مباشر مع الغرب .
ان النتيجة التي نخرج بها من هذا العرض لفهم سياسة الغرب وصياغة مواقفه تجاه القضية الفلسطينية ان هذه القضية لن تحل الا بابعادها عن حلبة الصراعات الوجودية الدولية من خلال انهاء الاذرع التي تتاجر بالقضية الفلسطينية وتحويلها الى اداة بيد اطراف تدخل بحلف معاد للغرب في هذا الصراع . ان هذه الاذرع كانت دوما قوى وايديولوجيات اقليمية ومحلية، خاصة على الجانب العربي والفلسطيني. ان اي حل لن يحدث دون اخراج هذه القضية من هذا الصراع الوجودي ( في لقاء الرئيس الفلسطيني عباس عام 2022 مع المستشار الالماني شولتز صرح له الاخير ان حل اقامة الدولتين ممكنا ولكنه بعيد المدى وقصد به دون شك انه سيقوم عند حل مشكلة السلفيات ومنها وضع القضية ضمن الاستقطابات والصراعات الدولية في المنطقة ، وهو محق طبعا، انه فعلا بعيد المدى، ويقول مؤدلجونا انه لو كان الغرب جادا وحقا يعترف بحقوق الشعب الفلسطيني لضغط على اسرائيل وأقام الدولة الان ، انهم يتصورون ان اليهود غشمة ولا يفقهون مثلهم ، انهم يرون انه لو سيطرت حماس عليها فستكون قاعدة لصواريخ لاية الله وان هجوما لابادتها سحدث ربما في اليوم التالي ).

4. حول ظروف وشروط اقامة حل الدولتين وتأثيراته على المنطقة
ان حل الدولتين ، في تحليل علاقاته بالقوى والمصالح ، هو ليس حلا للقضية الفلسطينية فقط، بل هو حلا لصالح كل شعوب ودول المنطقة العربية التي استنزفت ذمواردها وعلى مدى 75 عاما ( بينما يوجد لاسرائيل من يعوضها وهو الغرب الذي تحالفت معه ويعتبرها هو عنصرا هاما من عناصر امنه القومي كما تم عرضه اعلاه) .
ان تحديد ظروف وشروط اقامة حل الدولتين يتطلب معرفة العوائق التي تقف امام هذا الحل والتي طرحتها هذه الدراسة بعائقين هما ابعاد القضية عن يد السلفية الاسلاموية ، والاخرابعادها والمنطقة عن الصراعات الوجودية مع الغرب والتحالف مع الامبراطوريات المتصارعةمعه ، هذا ماخلص البحث اعلاه اليه ، وعلى اساس ، فان الظروف والشروط المساعدة واللازمة لاقامة حل الدولتين تحتاج الى :
1. اولا وقبل كل شيئ لطرف فلسطيني واخر اسرائيلي غير سلفي مفاوض ويؤمن كل منهما بحق الاخر بالوجود ، وتبنيه لعقيدة التعايش لتطويرالتعايش الى تعاون وتنمية المصالح المشتركة ،وحتى الى حالة متحضرة ناضجة ، الى صداقة وتداخل ثقافي واجتماعي وحضاري ليحل محل العداوات الدينية والتاريخية وابعاد ومنع السلفيات من ترويج ثقافة الكره والحقد والثأر بين الشعبين الفلسطيني واليهودي، وحتى يمكن الكلام مستقبلا عن اقامة نظام فيدرالي بينهما (حيث يشكل العرب نسبة 20% من سكان اسرائيل أي اكثر من مليونين يعيشون بسلام وامان مع اليهود) وهو نظاما يضمن حق الادارة الذاتية لاصغر مدينة ووحدة سكانية فيه لو طبق وفق مفاهيمه المعاصرة كالتي في الولايات المتحدة وكندا ودولا اوربية كثيرة. ان هذا الحل ممكنا شرط ان يتم سحب يد التيارين المتطرفين السلفيين ( التوراتي والقرآني) من القضية ، والحقيقة انه مرتبط ببعض ، حيث ان سحب القطاع من سيطرة حماس وارجاعه لسلطة منظمة التحرير سيرفع من كفة ووزن اليسار الاسرائيلي ووصوله للحكم لخوض المفاوضات ورسم مستقبل للسلام واقامة حل الدولتنان.
2. انحسار السلفيات في المنطقة . ان هذا الانحسار سيدعم توفر الشرط الاول اعلاه ، كما هي ستنحسر ايضا ( سلفيات المنطقة) لو تم فعلا التوصل لحل الدولتين واخراج السلفية الفلسطينية القضية وانهاء سيطرتها وحكم قطاع غزة. ان تحقيق الشرط الاول سيسحب البساط من السلفيات والايديولوجيات المحرضة المتاجرة باسم القضية ( لن يتبقى لعمائم ايران غير التوجه لقم لاعطاء محاضرات في الفقه، ولن يكون لنصر الله غير القاء الكلمات في عاشوراء ، اما الميليشيات في العراق واليمن ولبنان فيمكن ايجاد عمل مفيد لهم ولعوائهم عندها لن يتجمعوا حول العمائم المشعوذة كونهم سبكونون مشغولين). ان حل القضية باقامة الدولتين سيدخل المنطقة في حقبة جديدة لتتوجه نحو التحضر والتنمية، واحلال البناء لتشغيل ميليشيات العطالة بطالة التي تشحذها العمائم اليوم لادامة سيطرتها على البلدان الاربعة لاقامة امبراطورية اية الله ، فهي ستنهي استخدام القضية في الصراعات الدولية، اضافة لتوجيه بلداننا نحو التحضر والتنمية .
بدون توفرهذين الشرطين ، أو أحدهما على الأقل، لايمكن الحديث عن اقامة حل الدولتين ، ولا عن دخول المنطقة لعصر التنمية والتحضر، وستبقى السلفيات الثلاث تتاجر بالقضية ، كل لهم فيها مأربه وقضية، منهم للسيطرة واقامة ديكتاتوريات ، ومنهم من يقيم امبراطورية ، ومنهم من يريدها وسيلة للتأليب على الغرب والحضارة الاوربية لاجل القضاء على الرأسمالية والتحالف مع السلفية بهدف مجابهة الامبريالية ( واقعا هذه هي مشكلة بلداننا العربية وايقاعها في شرك التخلف بغلق باب التحضر على يد تلموديات السلفية العربية الدينية والقومية ومقولات الماركسية السوفياتية ).
لن تقوم دولا ديمقراطية متحضرة في بلداننا الا بعد قيام حل الدولتين، ولن يقوم حل الدولتين الا بعد قيام دولا ديمقراطية متحضرة في المنطقة ، ولكن يبدو ان الاول هو الاسهل وهو الاقرب للتحبيب ( وفق قراءة للظروف الحالية) ، فحل العقدة (Puzzel) سيحل الشليلة السلفية المتداخلة في منطقتنا العربية.
د. لبيب سلطان، كاليفورنيا
05/11/2023



#لبيب_سلطان (هاشتاغ)       Labib_Sultan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حماس وحزب الله لايمثلون قضية الشعب الفلسطيني بل قضية اية الل ...
- العولمة السياسية وتحديات القرن 21
- قراءة (1) في تحديات القرن الحادي والعشرين
- في نقد الماركسية العربية
- حلول العلم والايديولوجيا للتخلف العربي 2
- المنهج العلمي والايديولوجي لحلول التخلف العربي
- فهم نظرية تعدد الاقطاب وانعكاسها على العالم العربي
- معركة اليمين واليسار في الهجرة الى الشمال
- فهم اليمين واليسار في عالمنا المعاصر
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
- فهم تجربة الصين وأهميتها للعالم العربي (فهم العالم المعاصر ـ ...
- فهم الرأسمالية وعلاقتها بالليبرالية ( فهم العالم المعاصر 2)
- في فهم العالم المعاصر1 علاقة الايديولوجات بالاقتصاد ونظم الح ...
- لائحة اتهام 3
- لائحة اتهام لثلاثة ايديولوجيات دمرت اربعة دول عربية ـ2
- لائحة اتهام لثلاثة ايديولوجيات دمرت اربعة دول عربية ـ1
- القوانين الثلاثة لبناء الدول المعاصرة والامم الناجحة
- جذورتحول الجمهوريات الثورية الى ميليشياوية
- في علاقة النظم السياسية بنظم الذكاء الاصطناعي
- الغزو الاميركي للعراق ـ3


المزيد.....




- الجيش اللبناني يعلن تسلمه 3 معسكرات تابعة لفصائل فلسطينية لب ...
- منظر مذهل في تركيا.. تجمد جزئي لبحيرة في فان يخلق لوحة طبيعي ...
- إندونيسيا تحيي الذكرى العشرين لكارثة تسونامي المأساوية التي ...
- ألمانيا تكشف هوية منفذ هجوم سوق الميلاد في ماغديبورغ، وتتوعد ...
- إصابات في إسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ حوثي
- شولتس يتفقد مكان اعتداء الدهس في ماغديبورغ (فيديو+ صور)
- السفارة السورية في الأردن تمنح السوريين تذكرة عودة مجانية إل ...
- الدفاع المدني بغزة: القوات الإسرائيلية تعمد إلى قتل المدنيين ...
- الجيش الروسي يدمر مدرعة عربية الصنع
- -حماس- و-الجهاد- و-الشعبية- تبحث في القاهرة الحرب على غزة وت ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - لبيب سلطان - حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة