داخل حسن جريو
أكاديمي
(Dakhil Hassan Jerew)
الحوار المتمدن-العدد: 7787 - 2023 / 11 / 6 - 09:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لابد أن يصاب بالذهول والغثيان كل من يتابع نشرات الأخبارعبر وسائل الإعلام ووسائط التواصل الإجتماعي ,عما يحدث في غزة من فضائع وجرائم وحشية ترتكبها قوات الغزو الصهيوني, جرائم يندى لها جبين الإنسانية , بحق المدنيين الفلسطينيين في غزة , أطفالا وشيوخا ونساء آمنين في بيوتهم ,لا لذنب إرتكبوه , سوى إصرارهم على نيل حقوقهم المشروعة التي كفلتها قوانين الأرض وشرائع السماء لعموم بني البشر , بالعيش الكريم في وطنهم بآمن وسلام . لم تسلم المستشفيات ودور العبادة والمدارس ومكاتب غوث اللاجئين التابعة لهيئة الأمم المتحدة ومخميات اللاجئين من هذه الجرائم النكراء, حيث طالها القصف الصاروخي والمدفعي وقصف الطائرات وكأنها تقصف معسكرات عسكرية بكل وحشية ودون رحمة . كل ذلك يتم على مسمع ومرآي العالم أجمع دون أن تحرك أي من الحكومات الغربية التي طالما صدعت رؤوسنا بدعاوى دفاعها عن حقوق الأنسان وصيانة حريات الشعوب وحقها المشروع بتقرير مصيرها في أوطان آمنة ومستقرة , وتجنيب الشعوب ويلات الحروب , والسعي لحفظ الأمن والسلام في أرجاء المعمورة , وفض النزاعات بين الدول بالطرق السلمية , وعدم جواز الإستيلاء على أراضي الغير بقوة السلاح تحت أية ذريعة , ولا يحق لأية قوات محتلة لبلد ما تهجير سكانه أو تغير معالمه الحضارية ومصادرة أرثه الثقافي والتأريخي , وذلك طبقا لما نصت عليه قرارات هيئة الأمم المتحدة وقوانين الشرعية الدولية. وهذا تماما ما قام بها الصهاينة الغزاة بإستيلائهم على أرض فلسطين وتهجير شعبها الفلسطيني , ليعيش في مخميات لاجئين في دول الجوار تحت رحمة وكالة غوث اللاجئين , وجعلها أماكن سكن دائم لهم جيلا بعد جيل دون أن تلوح لهم بارقة أمل بحياة أفضل , وعودة لوطنهم السليب الذي إغتصبه الغزاة عنوة بقوة السلاح ومباركة المستعمرين البريطانيين , وإقامتهم ما بعرف بدولة إسرائيل منذ العام 1948 , ورفض إسرائيل المستمر تطبيق قرارات الشرعية الدولية المطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجرتهم منها العصابات الصهيونية تحت تهديد السلاح , بينما تفتح أبواب الهجرة واسعة أمام اليهود من جميع أنحاء العالم , على الرغم من أن لا صلة لهم بفلسطين لا من قريب أو من بعيد , وتقدم لهم كل أنواع الدعم اللازم لتسهيل إندماجهم بمجتمعهم الجديد , بينما هي تتلقى معونات مالية سنوية سخية من دافعي الضرائب الأمريكية التي يفترض توظفيها لمصلحة الشعب الأمريكي , اللهم إلاّ إذا إعتبرت الإدارة الأمريكية أن إسرائيل ولاية أمريكية شأنها شأن الولايات الأمريكية ألأخرى, إقتضت المصلحة الأمريكية زرعها في المنطقة العربية .
والمفارقة الغريبة هنا أن المصلحة الأمريكية الحقيقية تقتضي حسن التعامل مع البلدان العربية لأهميتها الإقتصادية وكثافتها السكانية وموقعها الستراتيجي ونفوذ الولايات المتحدة الأمريكية فيها , وإستضافتها لأهم قواعدها العسكرية وأكبرها, كما في قطر وسلطنة عمان والكويت والعراق وغيرها , فضلا عن هيمنة شركات النفط الأمريكية على ثرواتها النفطية عصب الإقتصاد المعاصر . إنتاجا وتسويقا إلى حد كبير . ورب سائل يسأل لماذا لم تكترث الإدارة الأمريكية بالحكومات ألعربية ,طالما أنها ترتبط معها بهذا الكم الهائل من المنافع الإقتصادية والتسهيلات العسكرية التي تقدمها للولايات المتحدة الأمريكية , ولو بالحد الأدنى بما قد يحفظ لهذه البلدان ماء الوجه أمام شعوبها ؟, بل نراها تفعل العكس من ذلك تماما , إذ تدفعها للإبتعاد أكثر فأكثر عن القضية الفلسطينية العادلة , بإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل على حساب الحق الفلسطيني وطمس قضيته العادلة , وقد نجحت بذلك حيث قامت كل من البحرين والإمارات العربية المتحدة والمغرب والسودان ممن لا علاقة مباشرة لها بالصراع الفلسطيني الصهيوني , بتطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل وفتح الحدود للتبادل التجاري والسياحي . وكان مؤملا أن حذو بقية الدول العربية حذو الدول المطبعة, بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل , وكانت المملكة العربية السعودية الدولة المرشحة القادمة لهذا التطبيع الذي أوقفته مؤقتا عملية طوفان الأقصى, التي شنتها بعض كتائب حركة حماس في معرض ردها على إعتداءات إسرائيل على الفلسطينيين في الضفة الغربية , وبخاصة في مدينة القدس بمطالبتها بعض العوائل المقدسية بإخلاء مساكنها لصالح المهاجرين الصهاينة الجدد الذين وعدتهم الحكومة الإسرائلية بتوفير السكن والعمل في إطار سياستها المتبعة لتشجيع هجرة اليهود إليها , وإنتهاكها المتكرر لحرمة المسجد الأقصى وعرقلة المسلمين بصلاتهم في باحات المسجد كما تقتضي ذلك معتقداتهم الدينية .
نعود لسؤالنا بإستهانة الإدارة الأمريكية بالحكومات العربية , ونقول كيف يمكن لهذه الحكومات أن ترفع صوتها بوجه الإدارة الأمريكية وهي تعتمد على قواعد عسكرية أمريكية في بلدانها لحمايتها, بل نراها الآن تقف بحزم ضد بعض محاولات الفصائل المسلحة قصف هذه القواعد تضامنا مع حركة المقاومة الفلسطينية ,التي تواجه حربا شرسة تشنها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية عليها في سابقة لم تحدث من قبل بهذه الصلافة والوضوح , وبإشراف مباشر من قبل رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن الذي حضر شخصيا للإشراف الميداني على تفصيلات خططها ,وإجراءت تنفيذها وتوفير كل ما يلزم لها من عتاد ومعدات , ومباركة قادة الدول الغربية الكبرى فرنسا وبريطانيا وألمانيا , بدلا من أن يكون دعاة سلام وتهدئة ألأوضاع الملتهبة . أما البلدان العربية الأخرى فحكوماتها مرتبطة مصلحيا بألإدارة الأمريكية ,حيث أن معظم عائداتها النفطية الضخمة مودعة في البنوك والمصارف الأمريكية التي بإمكان الإدارة الأمريكية تجميدها ,كما فعلت ذلك مرارا وتكرارا مع الكثير من الدول , وربما مصادرتها في أي وقت تشاء , والأهم من ذلك أن هذه الحكومات لا تستند لقواعد شعبية قوية مساندة لها ,حيث أنها قد خلقت فجوة هائلة بينها وبين شعوبها . أما دول ما يعرف بدول محور المقاومة المتمثلة بسورية ولبنان واليمن فأن دولها تصارع من أجل البقاء , وتشهد السودان وليبيا واليمن حروبا أهلية دامية منذ سنوات . وإختصارا يمكننا أن نقول أن غطرسة الكيان الصهيوني تجاه فلسطين والفلسطينيين , إنما تعود في المقام الأول إلى ضعف الحكومات العربية أكثر منه إلى قوة الكيان الصهيوني .
وبالعودة إلى غزة الصامدة الصابرة وعدم مبالاة الدول الغربية المتباكية على ضحايا الحرب الأوكرانية , بينما تغض النظر عن ضحايا غزة التي تفوقها عشرات المرات عددا وهمجية , دون أن تهتز ضمائرهم وكأن الموت يحق على المدنيين الفلسطينيين أطفالا ونساءا وشيوخا أصحاء أو مرضى دون سواهم . وربما يقول بعضهم في معرض تبريره لهذه الضحايا أن الحرب أيا كانت أسبابها ودوافعها ,لا بد أن يسقط فيها ضحايا مدنيين . ونحن نتفق معهم بذلك , وقواعد الحروب رغم بشاعتها فأنها تحرم إستهداف المدنيين في العمليات الحربية , بينما تقصف القوات الإسرائلية الغازية مباني قطاع غزة السكنية بقاطينها وتقصف المستشفيات والمراكز الصحية وسيارت إسعاف نقل الجرحى والمدارس ودور العبادة ومراكز إيواء النازحين ومكاتب غوث اللاجئين الدولية عن سبق إصرار وترصد دون أي إكتراث لحياة البشر أيا كانوا , يكفي أنهم فلسطينيون فهم لا يستحقون الحياة من وجهة نظرالقوات الصهيونية العنصرية . ويذهب بعضهم أبعد منذ ذلك بأحقية الصهاينة بإبادة كل أعداء إسرائيل صغارا كانوا أم كبارا رجالا أم نساء تنفيذا لأمر الرب كما يزعمون . أليس هذا إرهابا بغطاء ديني زائف ؟ . فهل يصح سكوت حكومات الدول المتحضرة ودعاة حقوق الإنسان عن هذه الإنتهاكات الفاضحة لأبسط حقوق الإنسان , وتذهب بعض الحكومات أبعد من ذلك بمحاولاتها البائسة بمنع مواطنيها من التظاهر السلمي المندد بهذه الجرائم الوحشية التي ترتكبها الحكومة الإسرائلية بحق المدنيين الفلسطينيين . ولم تفلح هذه الحكومات بذلك حيث إندلعت مظاهرات حاشدة مؤيدة للحق الفلسطيني ومنددة للممارسات الإسرائلية في نيويورك وواشنطن ولندن وباريس وبرلين وروما ومدن أخرى كثيرة .
ومما يثير الإستغراب حقا تخاذل الحكومات العربية المشين , إذ لم تبادر الدول التي تربطها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بسحب سفرائها من تل أبيب في بادرة إحتجاجية في الأقل , ولم تصدر الدول المطبعة مع إسرائيل بيانا أو ماشابه ذلك تعبيرا عن إستنكارها لما يتعرض له الفلسطينيون من إنتهاكات صارخة , بينما قامت بعض دول أمريكا اللاتينية بقطع علاقاتها مع إسرائيل . ولم تسعى الدول النفطية إلى إعتماد النفط كسلاح ضغط لوقف العدوان كحق مشروع لها والذي أثبت فاعليتها في حرب عام 1973, وهو سلاح إذ طالما لجأت الإدارة الأمريكية إلى إستخدام الورقة الإقتصادية بوجه خصومها , كما حصل في العراق لأكثر من عقد من الزمان بفرض حصار إقتصادي طال كل مفردات الحياة في العراق دون وجه حق . وأنه من المؤكد أن سلاح النفط يكون أكثر فاعلية في ظل الظروف الدولية الراهنة بسبب تداعيات الحرب الأوكرانية وتعطيل إمددات الغاز والنفط من روسيا إلى الدول الأوربية . ألا تستحق غزة وعموم شعب فلسطين مساندة وتعاطف إنساني من دول العالم أجمع , وأن ترفع صوتها بوجه آلة الحرب العدوانية ضد شعب سلبت حقوقه وهدرت كرامته ليتحول إلى لاجئين دون هوية , وأن ترتفع عاليا دعوات السلام لتطبيق قرارات الشرعية الدولية بمنح الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة ,ليعيش في وطنه بأمن وسلام أسوة بشعوب الأرض . ويحدونا الأمل أن تستيقظ ضمائر حكومات الدول المتحكمة بالمشهد الدولي بإنصاف الشعب الفلسطيني الذي عانى الأمرين من إهمال قضيته العادلة بإقامة دولته الحرة المستقلة .
#داخل_حسن_جريو (هاشتاغ)
Dakhil_Hassan_Jerew#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟