|
دراما الطبيعة وتحرر الشكل في لوحات إيناس مصطفى
محمد عكاشة
كاتب
(Mohamad Okasha)
الحوار المتمدن-العدد: 7784 - 2023 / 11 / 3 - 02:51
المحور:
الادب والفن
“حوار مع النفس وحوار مع الطبيعة حوار مع الأبيض والأسود.. حوار بين الخطوط والظلال.. لوحات الفنانة إيناس مصطفى المنفذة بتقنية المونوتيب في الطباعة على القماش، وفن المونوتيب كما أشارت monotype هو مصطلح يوناني ينقسم إلى مقطعين mono يعنى منفردا أو وحيدا في نوع، وtype يعنى شكلا أو رسما أو تأثيرا يتكون بالضغط، وفن الطباعة الأحادية يصعب استنساخه، ويمتلك تأثيرات رائعة ينفرد بها من حيث الخطوط والظلال والملامس. وقد وظفت فى هذه اللوحات خامات البيئة الشعبية مثل أعواد الحنة وأعواد الجريد وخامات أخرى، وقد اعتمدتْ فيه على الحس المباشر أو الحى والتلقائي، الذى يظهر التكوينات وكأن الزمن وتراكم الأيام هو الذى رسمها، فنجد خطوطا بيضاء سميكة ورفيعة متراكمة، محققة زوايا ومناظيرا مختلفة ومتنوعة، على خلفية سوداء ساهمت بشكل كبير فى ابراز تلك التشكيلات وكأنها منحوتة على جدران، أو كأنها لوحات جرافيك مرسومة بأقلام حبر مختلفة الدرجات، أو كأن اللوحة فى الأصل كان لها تصميم مسبق قبل أن تنفذ بهذا الشكل، واللوحات مليئة بعلاقات بين الأبيض والأسود، وبين الأفقي والرأسي، تُظهر فيها أشكالا خرافية مجردة أشبه بجذور أشجار، وأشبه بكهوف وطرق وخنادق تتعلق بها كائنات أسطورية، فمن شأن الحركات العشوائية أن تبرز كحروف عربية حرة ترسم أشكالا أشبه بالأرابيسك، خاصة في لوحة الجريد، فقد تناغمت الخطوط العمودية والأفقية، وتشابكت فى عدة زوايا لمناظير معمارية، كسرت فيها سيمترية الأشكال وذلك بتحريكها الأعواد للأمام وللخلف، والأشكال تراها معبأة بحس شعبي، أو من الجائز أن نقول عليها سريالية شعبية كسريالية حامد ندا، أو تجريدية كتجريدية صلاح طاهر، وإذا كانت الواقعية تحاكى الواقع من خطوط وظلال ودرجات لونية متعددة، فإن هذه اللوحات ظهرت وكأنها خطوط خارجية لأشكال واقعية في الأساس، ولكنها خطوط دقيقة مفصلة تغنيك عن بقية الألوان. إن لدى كل إنسان منا مخزونا بصريا، ومن مهامه استقبال مايراه ليترجمه بما يتوافق معه، ولا يوجد حائل في أن يضيف هذه الأـشكال الجديدة إلى هذا المخزون، والبصرية لا تتوقف عند تلقى الأشكال الواقعية فقط، بل تتلقى أيضا التكوينات التجريدية بقيمها التشكيلية، وتلعب النفس البشرية الدور الأسمى فى ترجمة هذه الأشكال إلى حس يعبر عما تكنه هذه النفس، والبصرية أيضا من الجائز أن تحول الأشكال الواقعية إلى أشكال مجردة، أو إلى تكوينات سريالية تتآلف مع العقل الباطني للشخصية، وللوحات رجع صدى مختلف للتأمل فى التفاصيل الدقيقة، لتربطها بما حولها، والأبيض والأسود، كالنهار والليل، يبرز دور كل منهما بنسب واحدة في اللوحات، رغم أن الأسود ماهو إلا خلفية لتلك الأشكال الفوضوية، لكنه عنصر أساسى فى إظهار تلك الفوضى الخلاقة لحيوة مليئة بدراما حية، وموسيقى صاخبة فى الأغلب، وإيقاعات عالية وهادئة في آن، وإذا كانت الفنانة “إيناس مصطفى” قد طرحت عنوانا لهذا المعرض تحت مسمى “حوار” فمن الأرجح أن نطلق عليه “صراع” أيضا، خاصة أن الأبيض عكس الأسود، وحركة الخطوط سريعة متضادة، وبطيئة هادئة ومتداخلة ومتضادة، أحدثتْ إيقاعات تعبر عن هذا الصراع والتضاد، ولأن النفس البشرية تنقسم إلى نفس “جزئية” ونفس “كلية” كما تحدث إخوان الصفا عن النفس البشرية من قبل، لذا أرى أن اللوحات تتحاور مع النفس الجزيئة التي تخص ذات المتلقي الواحد، وتتحاور أيضا مع النفس الكلية التى تشمل كل من يشاهدها، على اعتبار أن هناك خطوطا عريضة لا تخطئها أية عين، ألا وهى تلقائية الأشكال كمنهج من شأنه أن ينتج تشكيلات مقننة، من الفوضوية إلى الإستقامة المقننة والمصممة لهذا الغرض، أما ما تتلقاه النفس الجزيئية فهو رهين حالة صاحبة المزاجية، أو حالته الروحية، فهل هذه اللوحات ستتناص فى كل هذه التشابكات المتصارعة؟! إن ما لا تخطئه العين هي الحالة الثورية تماما، كثورات الطبيعة، كالفيضانات والعواصف والزلازل والبراكين، وثورتها التى تدفع بحممها لأعلى ولأسفل، وسرعان ما تجف محدثة أشكالا نحتية تشبه الغابات والبحار والسماوات والبحيرات، وتشبه الحيوانات والطيور، وتشبه الوجوه والأجساد فى حركات توحى وتعبر عن هذا الفيضان الشعوري، الذى تحالف مع فيضان الطبيعة، فيضان خلق حياة عاشت فيها كائنات من قبل، وبقيت بصمات هذه الكائنات، باقية كتراث على تلك الحياة المشحونة بالحكايات.
#محمد_عكاشة (هاشتاغ)
Mohamad_Okasha#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شجرة في قلب ذئب.. ديوان يصور خلايا الروح
-
درامية الصورة ورومانتيكية المشهد في نص عذر خاص للشاعرة وفاء
...
-
المراوغة بين الغريزة والمنطق في قصص سرير عنكبوت
-
دراما التشكيل في لوحات محمد العيسوي
-
عبدع رمزي بساطة التعبير وصلابة الحديد
-
جماليات المنظور وفلسفة المكان في لوحات عادل ثروت
-
زوايا التصوير النفسي والإجتماعي والإلكتروني في رواية بروفة ل
...
المزيد.....
-
شاهد.. -موسى كليم الله- يتألق في مهرجان فجر السينمائي الـ43
...
-
اكتشاف جديد تحت لوحة الرسام الإيطالي تيتسيان!
-
ميل غيبسون صانع الأفلام المثير للجدل يعود بـ-مخاطر الطيران-
...
-
80 ساعة من السرد المتواصل.. مهرجان الحكاية بمراكش يدخل موسوع
...
-
بعد إثارته الجدل في حفل الغرامي.. كاني ويست يكشف عن إصابته ب
...
-
مهندس تونسي يهجر التدريس الأكاديمي لإحياء صناعة البلاط الأند
...
-
كواليس -مدهشة- لأداء عبلة كامل ومحمد هنيدي بفيلم الرسوم المت
...
-
إحياء المعالم الأثرية في الموصل يعيد للمدينة -هويتها-
-
هاريسون فورد سعيد بالجزء الـ5 من فيلم -إنديانا جونز- رغم ضعف
...
-
كرنفال البندقية.. تقليد ساحر يجمع بين التاريخ والفن والغموض
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|