أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - إلياس شتواني - سجن تازمامارت: هل نجحنا فعلا في تغيير الوطن؟














المزيد.....


سجن تازمامارت: هل نجحنا فعلا في تغيير الوطن؟


إلياس شتواني
باحث وشاعر


الحوار المتمدن-العدد: 7783 - 2023 / 11 / 2 - 21:42
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


في سيرته الروائية "تزمامارت: الزنزانة رقم 10"، يحكي الضابط العسكري أحمد المرزوقي عن تجربته المأساوية في المعتقل السري تزمامارت الذي يقع على أطراف الصحراء الشرقية المغربية. تم الحكم على الملازم الشاب أحمد المرزوقي بالسجن ثلاث سنوات، و ذلك على خلفية ما عرف أنذاك بإنقلاب الصخيرات أو إنقلاب 10 يوليوز 1971. كان هذا الإنقلاب محاولة عسكرية فاشلة نفذها بعض ضباط الجيش المغربي ضد ملك المغرب الحسن الثاني. خطط للانقلاب كل من الجنرال محمد المدبوح والكولونيل أمحمد أعبابو. إقتضت الخطة مهاجمة القصر الملكي في الصخيرات جنوب العاصمة المغربية الرباط، وذلك لغرض إغتيال الملك الحسن الثاني و الاستيلاء على السلطة.

كان الملازم أحمد المرزوقي كبقية الضباط في مدرسة أهرمومو العسكرية غير مطلع على نوايا و خبايا الكولونيل أمحمد أعبابو، مدير المدرسة العسكرية التي تقع نواحي مدينة صفرو على سفوح جبال الأطلس الشامخة. كان أعبابو كبقية العسكريين من طينته، رجل تتستهويه السلطة و الوجاهة و النفوذ العظيم. في يوم العاشر من يوليوز سنة 1971 تم فعلا الهجوم على قصر الصخيرات و قام المنقلبون كما يروي الكاتب بإرتكاب مجزرة فظيعة راح ضحيتها حوالي مئة قتيل من مدنيين كانوا داخل القصر و من عسكريين من رتب سامية و حراس. لكن كانت المفاجئة أن الملك لم يكن موجودا. توالت الأحداث و همّ فريق من المنقلبين للذهاب إلى المحطة الإذاعية الوطنية و ذلك لإعلان نجاح الإنقلاب العسكري. لم تكن فكرة محاصرة القصر الملكي و المؤسسات الوطنية كافية لإستمرار التمرد العسكري و نجاحه، فسرعان ما حوصر الكولونيل أمحمد أعبابو داخل محطة الراديو من قبل قواة الشرطة و الجيش، و تمت تصفيته و كل الانقلابيين ذوي الرتب السامية معه. إنتهى يوم عصيب في تاريخ المغرب و المغاربة ليبدأ معه تاريخ مأساة حقيقية للضابط أحمد المرزوقي و الضباط الآخرين من شاكلته.

عقدت أطوار المحاكمة بمدينة القنيطرة برئاسة، و يا للعجب، قاض مدني. حكم على أحمد المرزوقي بثلاث سنوات، بينما حكم على الضباط الآخرين بأحكام تتراوح بين الثلاث سنوات إلى السجن المؤبد و الإعدام. كانت الصدمة أن المحكومين الثماني و الخمسين تم إختطافهم. لم يكن يدرون أين تم أخذهم. لقد تم تعصيب أعينهم و تقييد أيديهم و أرجلهم. لقد سيق هؤلاء الرجال كما تساق الأنعام إلى المذبح. لقد كانت الوجهة تازمامارت، لقد كانت الوجهة الجحيم الأرضي. لقد كانت الوجهة الأرض السابعة السافلة.

لقد إستطاع الإنسان فعلا أن يضاهي الشيطان شرا، بل إنه تغلب عليه بمقدار حقا. فالشياطين على الأقل لا تقتل و لا تعذب بعضها البعض. لقد دام إختطاف المرزوقي حوالي العشرين سنة في معتقل الهمجية و الوحشية و العذاب. خلال عقدين من الزمن هلك أكثر من نصف المعتقلين. منهم من قضى نحبه مستسلما للحمى أو الإلتهابات و منهم من قام بالإنتحار. و النصف الآخر عانى الأمرّين من تجويع و تعطيش و تنكيل و تعذيب و ذل و إهانة. فقد كانت القذارة و الزمهرير و الحر الشديد و الفضلات البشرية و البق و الأفاعي و العقارب عناوين يومية لمعاناة المرزوقي و رفقائه في أغوار الجحيم المغربية. لقد بطشت الطبيعة و الأمراض المتتالية و الهلاوس العقلية بأذهان و أجساد المعتقلين، و كانت قسوة الحراس أشد وطأة. فقد كانوا يتنافسون في القسوة تجاه السجناء، و ذلك خوفا من مدير السجن و تملقا في كرمه و رضاه.

خرج المرزوقي من سجن الشيطان عام 1991، و ذلك بعد حوالي عقدين من غياهب الظلم و التعذيب. كان خروج المعتقلين نتيجة ضغط و جهود دولية من صحافة و منظمات حقوقية بارزة. خرج المرزوقي من السجن ليجد نفس العالم لم يتغير من حوله. لقد عاد إلى قريته الصغيرة "بوعجول" ليجدها هي نفسها--نفس التهميش و العزلة و الفقر، نفس الأطفال الصغار بأحذيتهم الممزقة و بوجناتهم الهزيلة المحمرة. لكنه وجد والدته حيّة. لقد وجد أحمد أمه بنفس العاطفة و الحب و الحنان، بنفس قوة الذاكرة و الوفاء. لقد كانت والدته الومضة الوحيدة التي أشرقت حياته أملا و شغفا من جديد.

لقد شكل خروج المرزوقي من المعتقل بداية صفحة نضالية جديدة في تاريخه. لقد حاول أحمد أن يبدأ صفحة جديدة مع ذاته، فدرس من جديد و نال شهادتي الثانوية العامة و الإجازة في الحقوق. و لقد كلل نضاله المستمر بكتابة و نشر مذكراته، رغما عن إستنكار و تهديد السلطات المغربية له، ليعبد بذلك طريقا جديدة نحو مغرب أفضل و أكثر عدلا و ديمقراطية.

لقد عفا أحمد و سامح جلاديه.

لقد عفا أحمد عن الذئاب الأدمية التي كانت مسؤولة عن سجنه.

الذئاب التي تقهقرت خوفا من نيران العلم و الثقافة و الحرية.

لكنه لم ينسى عند مغادرته لتزمامارت صورة القبور الجماعية حيث دفن رفقائه في حفر العار الجيرية.

فهل سنفلح يوما في تغيير أوطاننا حقا؟



#إلياس_شتواني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسطين دعوة أمي الخالدة
- الفلسفة الحديثة (1): الفلسفة الإسكولائية و القديس توما الأكو ...
- علم الأخلاق: تعريفه، مذاهبه، و إشكالياته
- ما ألقى الشيطان في أمنيتي (2)
- سيغموند فرويد: الدين ،الغريزة، و الثقافة
- ألبير كامو: العبثية عدو الإنسان
- العربي المهان
- عذرا فلسطين، فعذري واحد هو أني لم أولد في فلسطين...
- عندما باع ملك المغرب اليهود المغاربة لإسرائيل
- القضية الفلسطينية هي إمتداد لقضية الإستبداد العربي
- الفلسفة اليونانية (20): أفلوطين
- الفلسفة اليونانية (19): فيلون
- الفلسفة اليونانية (18): بيرون و المدرسة الشكية
- الفلسفة اليونانية (17): أبيقور
- الفلسفة اليونانية (16): الرواقيون
- الفلسفة اليونانية (15): أرسطو
- الفلسفة اليونانية (14): أفلاطون
- الفلسفة اليونانية (13): أرستيب و القورنائيون
- الفلسفة اليونانية (12): أنتسينيس و الكلبيون
- الفلسفة اليونانية (11): سقراط


المزيد.....




- غانتس: نتنياهو يخرّب مفاوضات صفقة تبادل الأسرى من جديد
- إعدام 82 تاجر مخدرات في العراق
- جسد مشلول وقلب مكسور: حكاية نور بين أنفاس الحياة والموت
- ذوو معتقلين شاهدوهم يخرجون من سجون الأسد ولم يجدوهم
- يديعوت أحرونوت: صفقة الأسرى ربما لا تتم قبل نهاية ولاية بايد ...
- متورطون بقمع وتعذيب المعتقلين.. ضباط من قوات النظام السوري ا ...
- فيديو.. لحظة اعتقال منفد هجوم -أعياد الميلاد- في ألمانيا
- ألمانيا.. دعوات لترحيل جماعي للمهاجرين على خلفية مأساة ماغدي ...
- السعودية تنفذ الإعدام بمواطنين بتهمة خيانة وطنهما وحرّضا آخر ...
- هجوم ماغديبورغ: مذكرة اعتقال وتهم بالقتل موجهة للمشتبه به


المزيد.....

- ١-;-٢-;- سنة أسيرا في ايران / جعفر الشمري
- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - إلياس شتواني - سجن تازمامارت: هل نجحنا فعلا في تغيير الوطن؟