|
الاقتراب من الحقيقة
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 7779 - 2023 / 10 / 29 - 09:45
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
والحقيقة التي اقترب منها فرضتها حرب المزاح التاريخي الثقيل لتحرير الارض بين حماس واسرائيل : اقول حرب مزاح ، لانها اولاً : حروب ثارات متبادلة تتكرر منذ ربع قرن ، وفي حرب الثارات يتم التركيز على ما تحدثه من خراب شامل ، وما تسفكه من دماء ، ولانها ثانياً : بلا اهداف ، فلا حماس قادرة على تنفيذ شعارها الخرافي بتحرير كامل التراب الفلسطيني ، ولا دولة الصهيونية العالمية قادرة على الاستيلاء على ارض فلسطين من " الماء الى الماء " كما تقول مدونتها الدينية والسباسية ...
امريكا في حرب الثأر هذه ، لم تنحز الى اسرائيل بل تطابقت معها فمنحنا ذلك رؤية التناقض الكبير في تطبيق مبدأ : حقوق الانسان ، بين سياستها الداخلية وسياستها الخارجية . داخلياً يشعر المرء الذي عاش في امريكا لسنين طويلة ، بأن مبدأ العدالة ماثل بقوة في آليات اشتغال مؤسسات دولة امريكا بسبب من استرشادها بمفهوم حقوق الانسان ( ومفهوم المواطنة ) . اما سياسة امربكا الخارجية فهي مرآة كبيرة لرؤية : الكيفية التي يتم فيها استغلال المباديء الانسانية الكبرى مثل : مبدأ حقوق الانسان العظيم لصالح مصالح امريكا وامنها القومي ...
وبدل ان نسعى الى تبيان الاسباب التي تجعل امريكا تقع في هذا التناقض القاتل ، تعود بنا اطروحات الاسلاميين والقوميين الى تصورات اسلافهم عن الطبائع البشرية الثابتة ( الخبيثة والنجسة والضالة لدى اليهود والمسيحيين وعموم الغرب ) و (طباع العرب وعموم المشرقيين السمحة الروحانية الرحيمة ) . ووفق هذا التصور الاسلاقومچي الكئيب : سيستمر العداء العنصري بين الشرق والغرب بناء على طبيعتيهما المختلفة الثابتة ، فهو عداء ازلي مكتوب في اللوح المحفوظ . في حين ان الرأي الواقعي يرى بان هذا العداء له اسباب ارضية جرت في التاربخ البشري : من استغلال رأسمالي مستمر منذ ثلاثة قرون للعالم ومنه العرب والمسلمين ، وقيام الرأسمالية بتأييد الحركة الصهيونية في سعيها الى الاستعمار الاستيطاني في فلسطين ...
نشير الى ذلك لكي نلفت الانتباه الى ان عامل الثبات في التاريخ المتمثل بالمصالح الرأسمالية : اقوى بما لا يقاس من عالم الثبات المتمثل بالطباع البشرية في عرف مناهج الاسلاميين والقوميين ، ذلك ان الاحداث الكبرى التي حدثت في بحر القرون الثلاثة المنصرمة : هي التي شكلت الانسان الحديث فكرياً ونفسياً واخلاقياً ، ولم تشكلها طباع بشرية ثابتة ، فما يحدث على الارض ، وفي التاريخ هو الذي يغير رؤانا ويمنحنا رؤية جديدة تتضمن دائماً : ما يجب ان تكون عليه حياتنا ، وهذا هو المضمون الاساسي للتعليم الحديث والمحفز على التغيبر ، وليس شرح ما كانت عليه حياتنا ومحاكاتها التي تسترشد بها مناهج التعليم الديني ...
ساتطرق الى ذكر اهم الاحداث التي مرت على البشرية في بحر القرون الثلاثة المنصرمة ، واعادت تشكيل تصوراتنا وعواطفنا ، اولاها : الثورات السياسية التي رفعت من كرامة الانسان الاوربي ، وثانيها : الثورة الصناعية التي رفعت من قوته وقدرته ، ومن مستوى معيشته الى مديات لم يحلم بعيشها : لا فلاسفة اليونان ، ولا انبياء بني اسرائيل ، ولا حتى هارون الرشيد على عظمة املاكه وامتدادها عبر قارات . هذان العاملان جعلا من الانسان الاوربي : سيّد الكون ، ولم يكن كذلك قبل بضعة قرون . فلقد كان المقاتل المشرقي يقابله وبناجزه في الحروب الصليببية ويهزمه ، صنعته سيداً علينا احداث ، وما زال هو السيد الآمر الذي بيده عصب اقتصادنا وبيده : ان يشبعنا ويجيعنا ، يميتنا ويحيينا ...
الوعي التاربخي مطلوب ، الاحساس بما يتخلق داخل هذا التاريخ من ظواهر مطلوب ، الشعور العميق باننا اولاد مرحة في التاربخ هي المرحلة الرأسمالية مطلوب وضىروري كي نعي كيف نبصر الاشياء كما هي ، واين نضع اقدامنا . تحليل علاقتنا بالرأسمالية هي الخطوة الاولى : لاننا سنفهم بعد التحليل بان التفاوت هو القانون الاساسي الذي يقوم عليها الانتاج الرأسمالي : بدون انتاج التفاوت السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي لن يستمر الانتاج الرأسمالي ، ولن تستمر الرأسمالية نفسها بالوجود . وعليه فان النظام الرأسمالي الذي ينتج التفاوت هو الذي يجبر امريكا على الانشطار في سياستها الى : امريكا حقوق الانسان ، والى امريكا غير عاملة بمبدأ حقوق الانسان ، وتفضل عليه حصولها على مواد خام واسواق ومناطق نفوذ ، ومن يرتبط بها برباط ( التقوى ) هذا يصبح الصديق رقم واحد ، وتعامله معاملة تفضيلية ( الافضلية احد قوانين امربكا في علاقتها الدولية ، وكان تطبيقها على الصين هو احد عوامل ارتفاع شأن الصين اقتصادياً برعاية خاصة من " هنري كيسنجر " مهندس السياسة الخارجية الامريكية وقتها ) ...
حين رأيتُ مشهد الاطفال الهاربين زحوفاً من القصف والانقاض ودوي الانفجارات ، ايقنتُ بان امريكا ومن ورائها اوربا اعجز من ان تطبق هذا المبدأ الانساني العظيم ، لا لان شعوبها بلا رحمة : كما يقول منطق البداوة المنبعث على لسان القومچيين والاسلاميين بل لان اانظام الاقصادي الرأسمالي : نظام البحث عن المزيد من الارباح ، ونظام انتاج التفاوت هو الذي بلا رحمة . فمن يبحث عن الرحمة والمحبة والاخوة والانسانية فلن يجدها مدفونة في قلوب الناس بل معلنة على شكل قوانين وشرائع وآليات عمل في جميع دول العالم ...
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انهم يسرقون صفات الآلهة ولا يستخدمونها ( ٤ : ايران )
-
انهم يسرقون صفات الآلهة ( ٢ )
-
إنهما يسرقان صفات الله
-
حروب ثأر لا حروب تحرير
-
لا قداسة دينية للقدس
-
امكنة لم تتدثر بعباءة باشلار / الجزء الثاني
-
أمكنة من غير عباءة باشلار ١ من ٢
-
اللهجة التونسية
-
الشابي وابو رقيبة والعفيف الاخضر وفتحي المسكيني
-
عن كريم العراقي والشعر الغنائي
-
تونس العاصمة
-
اقصوصة
-
الجنوب والاساطير ووظيفة الدين السومري ( 9 )
-
اركض بلا تعب في برية افكاري
-
الجنوب واله المدينة والشريعة ( 8 )
-
الجنوب والدولة القومية ( 7 )
-
لقد امر السلطان العثماني : اردوغان بهذا ، فماذا انتم فاعلون
-
الجنوب ( 6 ) / الجنوب ومفهوم الدولة الحديثة
-
الجنوب / 5 ، الجنوب والفعل الحضاري
-
الجنوب ( 4 ) الجنوب والسوق - الى حقي الرفاعي
المزيد.....
-
ترودو يعلن تعليق الرسوم الجمركية الأمريكية على كندا لمدة 30
...
-
مصر.. وفاة أحد أشهر مذيعي الإذاعة المصرية
-
صحيفة -معاريف- تكشف عن سببين يدفعان نتنياهو لإقالة رئيس -الش
...
-
ترامب يتجنب الإجابة عن سؤال حول ضم إسرائيل للضفة الغربية
-
نجل ترامب مشتبه به في الصيد غير المشروع في شمال إيطاليا
-
قراءة في صحافة السعودية لزيارة الشرع للمملكة ولقائه الأمير م
...
-
الشرع عشية زيارته لتركيا: قسد- مستعدة لحصر السلاح بيد الدولة
...
-
بعد محادثة مع ترامب.. رئيس الوزراء الكندي يعلن تعليق التعريف
...
-
البيت الأبيض: ترامب يعتزم أن يتحدث مع شي جين بينغ خلال الـ 2
...
-
الخارجية الروسية تحدد شروط ومحتوى المفاوضات المحتملة بشأن أو
...
المزيد.....
-
علاقة السيد - التابع مع الغرب
/ مازن كم الماز
-
روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي
/ فاروق الصيّاحي
-
بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح
/ محمد علي مقلد
-
حرب التحرير في البانيا
/ محمد شيخو
-
التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء
/ خالد الكزولي
-
عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر
/ أحمد القصير
-
الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي
/ معز الراجحي
-
البلشفية وقضايا الثورة الصينية
/ ستالين
المزيد.....
|