أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد المعالي - رسالة من وادي عبقر














المزيد.....


رسالة من وادي عبقر


خالد المعالي

الحوار المتمدن-العدد: 1734 - 2006 / 11 / 14 - 11:55
المحور: الادب والفن
    


"عبْقَرٌ: موضع بالبادية كثيرُ الجنّ" لسان العرب.

بينما كنت في وادي عبقر سائرا، لاح لي بعض الجنّ، أو لا أدري من؟ ربما أشباههم، وبما أني جديد على المهنة، فقد غُررت بمن أتاني وبما أتى، فاعتقدت بظاهر الأمور، ورحت أكبّ الأبيات على صفحات دفاتري، أجرّر القوافي من ناحية إلى ناحية، كنت أملّخ المعاني، أوضحها بسواد اللون لاطماً صدري على مصيري ومصير الغير، لكني أحياناً كنت أقطف تفاحة الأسى وبدل أن أعظها أقبّلها، أقبل كل رمانّة تئن في زاوية من خيالي وأما الورود فقد شبعت منها شمّاً.. كنت أعرّي كثيراً في خيالي وأسيرُ أوحدَ في وادي عبقر غير آبه لهذا وذاك من فقدوا الغيرية وجرجروا أذيالهم، فقد تخففت منذ زمن من ثقل القوافي ورميت ميزان الشعر في أقرب ترعة، فقد كنت أركض هارباً من قدري، وكان عليّ أن أكون خفيفاً خفة الريشة لا خفة الزمان، فقد كفاني ثقل الألم، ثقل الوهم والتوّهم، ولم يعد بامكاني رؤية ذرة من أشباح البلاغة، لكن الجنّ لم تترك لي سبيلاً وبقيت أهزّ عصاتي كلما أنّت المعاني وصارحتني بما تريد، فكلّ هذا وذاك يريدني، وأنا الشريد، أحيانا اهفّ كروح خاطفة، سعفة نخلٍ بيدي، عصا السدر، قنينة الراح أو تمرة جلبتها من هناك، نعم يلوح لي أحياناً وأنا أمسك بتمرة من هناك ما يهزّني، ما يدعني أترك كلّ شيء مكانه وأهيم على وجهي في وادي عبقر.. أردّد مع سحيم عبد بني الحسحاس:
تُوسدُني كفّاً وتثني بمعصمٍ
عليّ وتحوي رِجْلها من ورائيا
ألا أيها الوادي............
..............حُيّيتَ واديا
من رآني هناك، من سلّم عليّ وأنا أربط ناقتي إلى سدرة المنتهى، من جال في خاطره ما كنت أفعل أو أنعل حيث كل قافية أفعى تصيء والأبيات جمرات خطرات يتساقطن من فوق على الرأس وأنا أركض من حدب إلى صوب ويُوحى إليّ أن أشَمر العصا وأن أفرقع الغرغرة وأن أصيح أو أغنّي ناعياً زمناً كنت أعيش فيه ووادياً سكنت دون أن أريد، يدي المطوية أبقيتها مطوية ورأسي على مخدة النوم، تجرّني المعاني، بل قل تجرجرني كبنات آوى، يعتقدن بأني فطست وطاش نتني في فيافي وادي عبقر، فليتوهم من شاء، وليأخذ نَفَساً، فقد كنت أنتظر.. لم تعد تغريني أوائل المعاني، ولم يعد كل شيء ملهماً، وحينما يلوح الجنّ لي، اتركهم يمرون، انحني للعاصفة وتمرّ، يُردّد لي دائماً بما هبّ ودبّ لي من المعاني، وكل صرخة أمسكها من عنانها وأطرحها هناك، من يريد أن يجرّني؟ وإلى أين يريد أن يأخذني؟ فقد بقيت اليوم جالساً هنا، طاستي أمامي، أردّد نداء داخلي، دمائي تفور، اللفظة المعنّاة أمامي، وجملتي طرحتها هنا، مفلولة العبارات، عسى يتوهمها اللفظ والطنين، وأنا تطنّ الحياة في دماغي، ترطن كذبة العمر، ذؤابة الرحيل تُفقدني المقدرة على الشمّ، المقدرة على الصراخ من بعيد على كل عابر سار من أمامي ملوحاً شارة النصر أو الخسارة.. كنت أجلس اذن، صنّارة النوم تصيبني ثم تأتي صنّارة اليقظة، تأتي لتهلكني.. تجرني من السرير متعباً لكي أكتب سيرة التهلكة.. سيرة من سار ولم يعد بامكانه الرجوع، سيرة بالع الموسى.. من يريد أن يعرف كيف صار حاله اليومَ؟ من يريد أن يعرف إلى أين أودت به التهلكة، وكيف رأى الجن تصرخ فيه، تركض وراءه في وادي عبقر.. وكيف تصوّر نفسه وقد رمى الموسى من فمه وقد استراح ميتاً أو حياً، لم يعد يفرّق الآن بين الموت والحياة، فالمهم أنه سار وحيداً في وادي عبقر، بالموسى في بطنه أو مرمية هناك على قارعة الطريق، بالحياة أو بدونها، لكنه كان يغرغر دماً، تفاحته التي أراد هناك تستريح والرمان ملئ يديه والورود أينما يريد وفي كل زاوية حيث مدّ يده وبكل لون أحبّ، لكن الكلمة التي أراد لم تعد تتدحرج من فمه، أوراقه طارت بها الرياح ودمعه جفّ والوادي لم يعد وادي عبقر..



#خالد_المعالي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ديناصورات الفكر القومي
- الكاتب الحي والبرلماني الميت
- الناقة السعودية
- رسالة إلى شخص جاهل
- -أعزائي القتلة-
- المثقف العربي: سيرة قصيرة


المزيد.....




- ليلى علوي تخطف الأضواء بالرقص والغناء في حفل نانسي بالقاهرة ...
- -شرفة آدم-.. حسين جلعاد يصدر تأملاته في الوجود والأدب
- أسلوب الحكيم.. دراسة في بلاغة القدماء والمحدثين
- الممثل السعودي إبراهيم الحجاج بمسلسل -يوميات رجل عانس- في رم ...
- التشدد في ليبيا.. قمع موسيقى الراب والمهرجانات والرقص!
- التلاعب بالرأي العام - مسرحية ترامبية كلاسيكية
- بيت المدى يؤبن شيخ المخرجين السينمائيين العراقيين محمد شكري ...
- مصر.. الحكم بحبس مخرج شهير شهرين
- مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي بتهم -الاعتداء والسب-
- مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي شهرين لهذا السبب


المزيد.....

- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد المعالي - رسالة من وادي عبقر