|
الأمن السيبراني العالمي ومستقبل الانترنت
حمادة جبر
(Hamada Jaber)
الحوار المتمدن-العدد: 7753 - 2023 / 10 / 3 - 16:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في ظل اعتمادنا المتزايد على التكنولوجيا في جميع جوانب الحياة، أصبح الأمن السيبراني الذي يتعلق بحماية الأنظمة والشبكات والأجهزة والبيانات الرقمية من السرقة أو التعطيل، من أهم التحديات التي تواجه العالم اليوم. فمع الازدياد المضطرد في عدد الهجمات الإلكترونية وتكلفتها على الدول والأفراد، أصبح من الضروري تعزيز الأمن السيبراني على المستوى العالمي. ومع إنترنت الأشياء، وتقنيات مثل التزييف العميق وتعلم الآلة والذكاء الاصطناعي، ستزداد نقاط الضعف التي سيحاول المهاجمون استغلالها، ومن المتوقع أن تتضاعف أعداد وخطورة الهجمات السيبرانية على الأفراد والشركات والدول وأمنها القومي.
خلال الحرب الباردة التي استمرت لعقود، وبالرغم من الأزمات الكثيرة والخطيرة التي نشأت بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي. إلا أن نظرية الردع النووي القائمة على "التدمير المتبادل المؤكد" بفضل قدرات الضربة النووية الثانية، استطاعت تجنيب العالم حرباً نووية. في المقابل، في عصرنا الذي يشهد سخونة مخاض ولادة نظام دولي جديد، وفي الوقت الذي أصبح فيه الأمن السيبراني وأسلحته الهجومية والدفاعية جزءاً لا يتجزأ من تشكيلات القوة الاستراتيجية للدول وجيوشها، قامت إدارة ترامب في عام 2018 بتعديل العقيدة النووية الأمريكية لتشمل رداً نووياً على هجوم سيبراني استراتيجي.
يُشار إلى الهجمات السيبرانية على إستونيا في عام 2007 باعتبارها كأول حرب إلكترونية، وبالرغم من عدم وجود إعلان للحرب من المُهاجِم، أو أي دليل قاطع على مصدر الهجوم، اتَهمت إستونيا آنذاك روسيا بالوقوف وراء الهجوم الذي جاء بالتزامن مع مظاهرات للأقلية الروسية في استونيا احتجاجاً على نقل نصب تذكاري من وسط العاصمة تالين يعود للحقبة السوفيتية. استهدفت الهجمات السيبرانية التي استمرت لمدة ثلاثة أسابيع عشرات المواقع الالكترونية الاستونية مثل البرلمان، الوزارات، البنوك، ومؤسسات إعلامية، مما أصاب الدولة بالشلل.
بعكس الردع النووي التقليدي، فإن الردع السيبراني يفتقر إلى أهم عنصر في نظرية الردع وهو "الإسناد" (attribution)، أي القدرة على تحديد هوية وموقع المُهاجم الذي تنوي ردعه أو الرد عليه. حيث يستخدم المهاجمون تقنيات تجعلهم مجهولين ويستخدمون عناوين أخرى أو متعددة لهجماتهم (فجوة الإسناد وبالتالي المساءلة) .ولجعلها أسوأ من الأسلحة النووية أو التقليدية، فإن الأسلحة السيبرانية يسهل الوصول إليها، وغير مكلفة، ويصعب تتبعها وتحديدها، وتتطور بشكل أسرع بكثير من سياساتها وقوانينها على الصعيدين الوطني والدولي. ولا تقنصرالمخاطر الأمنية في المجال السيبراني على هجمات هدفها تعطيل وتخريب الأنظمة أو سرقة البيانات لأغراض تجسسية أو لدفع الفدية وحسب. بل قد تكون أيضاً عبارة عن حملات اعلامية تضليلية في المجال السيبراني تضر بالأمن القومي لدولة ما. فمثلاً تتهم الولايات المتحدة الأمريكية كل من روسيا والصين (اللتان تنفيان ذلك) بشن حملات إعلامية مضللة في المجال السيبراني ووسائل التواصل الاجتماعي للتأثيرعلى نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية في الولايات المتحدة الأمريكية. وتتوقع أجهزة الاستخبارات الأمريكية بأن مثل هذه التدخلات ستستمر في المستقبل. ومع التطور المتسارع في وسائل التضليل والتزييف مستفيدة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، قد تشهد الانتخابات الرئاسية الأمريكية العام القادم ذروة التدخلات الخارجية في المجال السيبراني مما يضع اليدمقراطية الأمريكية ومؤسساتها على المحك. ومما يثير السخرية بأن التدخلات الروسية والصينية قد تكون متعارضة. فمثلاً، قد تفضل روسيا مرشحاً جمهوياً للرئاسة بالنظر إلى موقف الحزب الجمهوري الذي لا يؤيد الدعم غير المحدود لأوكرانيا في حربها مع روسيا. أما الصين، قد تفضل مرشحاً من الحزب الديمقراطي للرئاسة بالنظر أنه قد يكون أقل شراسة من الحزب الجمهوري في محاولات الولايات المتحدة الأمريكية لاحتواء الصعود الصيني.
وإذا عدنا لمثال تغيير العقيدة النووية للولايات المتحدة الأمريكية بحيث تشمل الرد بسلاح نووي على هجوم سيبراني استراتيجي. وإلى مثال اتهام استونيا لروسيا عن هجمات 2007 دون القدرة على إثبات الاتهام. فإن رداً أمريكياً على هجوم سيبراني على أنظمة القيادة والتحكم للأسلحة النووية من دولة أو مجموعة ما أوهمت الولايات المتحدة الأمريكية بأن الهجوم مصدره روسيا على سبيل المثال، قد يضع العالم على حافة الهاوية خلال دقائق معدودة.
لذلك، فإن دعوات ومحاولات الكثير من الدول لوضع بروتوكول دولي للأمن السيبراني قد تبدو متأخرة وبعيدة عن الواقع نظراً للتعقيد العميق للمجال السيبراني وغياب التعاون الدولي من الدول العظمى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا. بل حتى مع توفر نية دولية للتعاون للتوصل إلى مثل هذا البروتوكول، فلا أمل في أن يحدث هذا قريباً مقارنة بالبروتوكولات أو الاتفاقيات الدولية المماثلة السابقة مثل اتفاق باريس لتغير المناخ الذي دخل حيز التنفيذ عام 2016 بعد أكثر من 20 عاماً من المفاوضات. وبالتأكيد إن الأمن السيبراني لا يحتمل الانتظار في عصر الذكاء الاصطناعي المتسارع. وعليه قد تلجأ الدول منفردة أو ضمن تحالفات جغرافية أو أيديولوجية إلى اعتماد ما يشبه "انترنتها" الخاص أو الانترنت متعدد الطبقات لحماية نفسها ومواطنيها في المجال السيبراني.
#حمادة_جبر (هاشتاغ)
Hamada_Jaber#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اطلبوا الشرعية ولو في الصين!
-
الدبلوماسية الصينية تحت الاختبار
-
النفوذ الأمريكي قادر على خفض التصعيد في فلسطين
-
شروط انطلاق مقاومة فلسطينية شعبية واسعة ومستمرة ومؤثرة
-
حماس على خطى فتح ومنظمة التحرير!
-
عام على انتفاضة الكل الفلسطيني ومعركة -سيف القدس-: فرصة ضائع
...
-
الرقمنة والخصوصية في الصين
-
إعادة الحياة لنهر الأردن والبحر الميت
-
فلسطين: شغور منصب الرئيس
-
هل أخطأ مروان الرغوثي؟
-
قوى اليسار الفلسطيني بين صراع البقاء وفرصة القوة الثالثة الم
...
-
الانتخابات الفلسطينية: تقارب المأزومين وفرصة البديل
-
إلى الاتحاد الأوروبي ودوله: كفى مراوغة!
-
المشهد السياسي الفلسطيني: ما بين التصفية والبديل الثوري
-
الانتخابات الفلسطينية: لا لنظام التمثيل النسبي الكامل
-
دولة واحدة أو دولتان: الطريق واحد
-
في المقهى..
-
إن كان لابد من بقاء السلطة وإجراء انتخابات
-
الفلسطينيون في موقع المبادرة: حل السلطة وتبني استراتيجية حل
...
-
وزير الحب!!
المزيد.....
-
شهقات.. تسجيل آخر محادثة قبل لحظات من اصطدام طائرة الركاب با
...
-
متسلق جبال يستكشف -جزيرة الكنز- في السعودية من منظور فريد من
...
-
المهاتما غاندي: قصة الرجل الذي قال -إن العين بالعين لن تؤدي
...
-
الهند وكارثة الغطس المقدس: 30 قتيلا على الأقل في دافع في مهر
...
-
اتصالات اللحظات الأخيرة تكشف مكمن الخطأ في حادث اصطدام مروحي
...
-
وزير الدفاع الإسرائيلي يشكر نظيره الأمريكي على رفع الحظر عن
...
-
-روستيخ- الروسية تطلق جهازا محمولا للتنفس الاصطناعي
-
الملك الذي فقد رأسه: -أنتم جلادون ولستم قضاة-!
-
زلزال بقوة 5.8 درجة يضرب ألاسكا
-
سماعات الواقع الافتراضي في مترو الأنفاق تفتح أفقا جديدا في ع
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|