|
باكو ويريفان مثل موسكو - كلها وطني
زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 7747 - 2023 / 9 / 27 - 18:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نافذة على الصحافة الروسية نطل منها على أهم الأحداث في العالمين الروسي والعربي والعالم أجمع
ألكسندر بروخانوف كاتب روائي روسي مخضرم ناشط سياسي واجتماعي
27 سبتمبر 2023
*اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف*
ناغورنو كاراباخ إحترقت بالصواريخ الأذربيجانية. الأرمن يطاردون باشينيان مثل الأرنب، وهو يقوم بقفزات مثل الأرانب نحو فرنسا أو أمريكا. يتم إرسال قتلى قوات حفظ السلام الروسية في توابيت من ممر لاتشين. تقوم الشاحنات العسكرية الروسية بنقل النساء الأرمنيات المذهولات مع أطفالهن الرضع من ستيباناكيرت. إن الخبراء رفيعي المستوى في موسكو يزرعون بذور الكراهية: بعضهم ضد الأرمن، والبعض الآخر ضد الأذربيجانيين. و انا؟ ماذا أنا بفاعل؟
أنا الابن "المر" للإتحاد السوفياتي، الذي يعتبر ريازان وكالوغا عزيزة عليه مثل يريفان وباكو. أذربيجان وأرمينيا هما وطني الأم، بغض النظر عن كيفية تقطيعهما بالفؤوس وتفكيكهما بالسكاكين. يريد السياسيون الماكرون، الذين مزقوا البلد الأحمر، أن يؤكدوا لي أن أذربيجان وأرمينيا الآن غريبتان عني. إنهم يعتقدون أنني تخليت عن وطني الأم، وانتهكت قسم الولاء، واعتبرت جورجيا وأوكرانيا وقيرغيزستان أراضٍ أجنبية بالنسبة لي. هي ليست غريبة عني. هي محبوبتي.
لقد أعطت أذربيجان المأوى لأجدادي "المولوكان"، وعلى تلال "شيماخي" الرائعة توجد قرى مولوكان الروسية حتى يومنا هذا، هناك موطن أجدادي في "إيفانوفكا"، حيث قام الشعب الروسي على مدى قرون، جنبًا إلى جنب مع الأذربيجانيين، بزراعة الحبوب، وتعبيد الطرق ولم يجرؤ أحد على الإساءة إلى أسلافي الملتحين. أهدى الأذربيجانيون والروس بعضهم البعض قطوف العنب.
كم هي رائعة أرمينيا! ما أجمل بساتين التفاح الجبلية، التي كنت أتنقل بينها، وأنا شاب خفيف القدمين، وتسقط علي بتلات شجرة التفاح، وكان الفلاحون الأرمن ذوو البشرة السمراء ينظفون القنوات، ويقطعون الأغصان القديمة، وعندما يتعبون، يجلسون تحت أشجار التفاح، ويضعون تحتها مفرش المائدة على الأرض، ويأكلون الخبز المسطح والجبن و"التشاشا" الأرمنية الرائعة. وأنا، بينما اتنقل من قرية إلى أخرى، كانت تتم دعوتي من قبل هؤلاء الفلاحين، لقد أطعموني خبزهم، و"تشاتشا" الساخنة.
وعندما نزلت من الجبل أحببت العالم كله. كان هذا العالم بالنسبة لي بمثابة أرمينيا، كنائسها الحجرية الرمادية، "بيوراكان"، حيث تتلألأ المجرات الحلزونية البعيدة في التلسكوبات. "سيفان" – هي بحيرة زرقاء لدرجة أن هذا اللون الأزرق في الليل يولد أحلامًا سعيدة.
كان الاتحاد السوفياتي حضارة عظيمة وغير مسبوقة، حيث كان كل شعب، كل لغة، كل معتقد، كل لون، كل صوت، كل تيار، كل قمة جبل، كل طائر يطير، يشكل انسجاما مذهلا وجمالا وعظمة. عاشت هذه الحضارة، وتنفست، وتطورت، وتغلبت على العيوب، ونجت من الأمراض. لقد سعت إلى الجمع بين العديد من المبادئ الأرضية في انسجام كبير، وتوجيهها إلى مستقبل رائع، إلى الجنة الأرضية، حيث كان كل شعب، كل أغنية، كل عامل وشاعر لهذا الوطن الأم العظيمة - تاج جميع الممالك الأرضية .
عندما كان الصراع الأذربيجاني الأرمني على وشك الغليان، عندما فتح جرح دموي صغير، رفض غورباتشوف علاجه وسلمه إلى "المشعوذين" المحليين. وتم العثور على هؤلاء المشعوذين بسهولة.
طرد الأرمن الأذربيجانيين من "كافان"، وهم – أطفال وشيوخ ونساء – تجولوا على طول الممر وسقطوا منهكين وماتوا. جاء الكافانيون المطرودون، المشوهون والمغتصبون، إلى "سومغيت" وارتكبوا مذبحة وحشية بحق الأرمن هناك، بدموية وبلا رحمة ، مثل مذابح القرون الوسطى.
استشاطت كاراباخ غضباً، وأنشأت جيشاً جاهزاً للقتال، واستعادت سبع مناطق من أذربيجان، وفتحت ممر لاتشين إلى أرمينيا، واستفادت من ضعف "إلتشيبي" الأذربيجاني، وبدأت في بناء أرمينيا العظيمة. (التشيبي هو أول رئيس لاذربيجان 1992 – 1993)**.
لقد إختفى "إلتشيبي" وتم نسيانه إلى الأبد. وعاد حيدر علييف. وتحول نفط باكو إلى أحدث أنظمة الأسلحة، وجيش مدرب تدريباً جيداً، وبدأت معارك لم تشهدها هذه المنطقة من قبل. ذابت الدبابات واحترقت القرى وتحولت إلى رماد مع جثث السكان المتفحمة. وكانت الكراهية لا حدود لها. وفي ظل هذه الكراهية، تحول حلم أرمينيا العظيمة إلى رماد.
جاءت تركيا إلى أذربيجان مع مستشاريها، بمهاراتها القتالية المكتسبة في ملاعب تدريب الناتو. سلم الأرمن المدن ودعوا روسيا للتدخل في صراع كاراباخ. روسيا، مع الأراضي والمدن والشعوب العظيمة التي إنفصلت عنها، مع تعرضها للإهانة والخداع والاستنزاف ، عملت قدر استطاعتها وهدأت عاصفة الكراهية هذه .
لقد سقطت الجغرافيا السياسية السوفياتية العظيمة، وسقطت المركزية السوفياتية العظيمة، التي عرفت كيف تدير العديد من الأراضي والمساحات والشعوب. لقد حان وقت التفكك الذي يستمر حتى يومنا هذا.
روسيا اليوم – هي قلعة محاصرة ذات تحصينات سيئة البناء. تتكشف الآن دراما جيوسياسية روسية ضخمة. يتم إنشاء مجموعات من الدول المناهضة لروسيا على طول حدود الدولة الروسية، وتنظر إلى روسيا من خلال مشاهد مطالباتها التاريخية. لقد أصبحت شعوب الأمس الشقيقة بمثابة نقاط انطلاق للتوسع المناهض لروسيا. لقد تحول الطلاق السلمي الذي وعدنا به بوريس يلتسين إلى سلسلة من الاشتباكات والحروب الدموية.
ذبح الطاجيك بعضهم البعض في الحرب الأهلية. الدم على شفرات سكاكين قيرغيزستان لم يجف بعد. الطاجيك والأوزبك على استعداد للقتال من أجل المياه النادرة الثمينة. الطاجيك والقيرغيز على استعداد للقتال من أجل الأراضي الصالحة للزراعة والمراعي. يوجد في كازاخستان المزيد والمزيد من الطرق الصينية والمصانع الصينية، ولغة روسية أقل فأقل، وأسماء جغرافية روسية أقل فأقل.
جورجيا تسعل دما. ويطير لعابها الملطخ بالدماء إلى أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. وميناء "بوتي" أصبح أكثر فأكثر ميناءً لحلف الناتو. أوكرانيا هي بمثابة مخلب دموي ضخم أطلقه الناتو على الجسم الروسي. وتقوم دول البلطيق وفنلندا بتشكيل كتائب مماثلة لتلك التي غزت روسيا خلال الحرب الوطنية العظمى، وارتكبت فظائع وحشية فاجأت حتى القوات الألمانية النازية المجرمة.
ومن خلف البحار الجليدية تهدد أمريكا روسيا بكامل قوة صواريخها بعيدة المدى. تنتظر ألمانيا بصبر حتى تعود إلى "كالينينغراد"، بعد أن ابتلعت القطعة الدهنية الدسمة (القصد توحيد ألمانيا)** التي أعطاها لها غورباتشوف، ويظهر شارع "فريدريش شتراسه" وساحة "أدولف بلاتز" في كونيغسبرغ. تزحف اليابان بصبر ودون كلل إلى جزر الكوريل وتضعها على الخرائط اليابانية.
روسيا تمر بأوقات عصيبة. وكان انهيار الاتحاد السوفياتي سبباً في انهيار روسيا، وهو ما تجلى في حربين في الشيشان وفي حماقات السيادة ـ في ياكوتيا، وبشكيريا، وتتارستان. لقد ألبسوهم سترة التقييد ( ملابس خاصة لتثبيت الذراعين، وأحيانًا الذراعين والساقين في مستشفى الأمراض النفسية)**. لقد هدأوا لكنهم لم يتعافوا. الجنون مشتعل، وفي "توبولسك" لا يجرؤون على نطق اسم يرماك (يرماك تيموفيفيتش 1532- 1585 قائد روسي من القوزاق، الفاتح التاريخي لسيبيريا وباسط نفوذ الدولة الروسية عليها في عهد القيصر إيفان الرهيب)**، وفي القوقاز - اسم يرمولوف(أليكسي يرمولوف 1777 -1861 قائد عسكري روسي ورجل دولة ودبلوماسي، شارك في العديد من الحروب الكبرى التي شنتها الإمبراطورية الروسية خاصة في القوقاز)**. أصبح الشعب الروسي في تضاؤل، والروس بصمت، غير مرئيين للعين، يغادرون القوقاز وياكوتيا وتوفا. إننا نجني ضربة الكرة الحديدية (تستعمل لهدم المباني)** التي هزها غورباتشوف وضربها يلتسين فدمرت الحضارة الروسية العظيمة. وتستمر هذه الضربة في التدحرج إلى أعماق روسيا، وفي بيوتنا الروسية نشعر باهتزاز الأرض. يتسبب هذا الاهتزاز في كسر الأطباق في بوفيهات سيفاستوبول، وتمايل الثريات في منازل بيلغورود وبريانسك.
الديك الذهبي الموجود على برج قصر الكرملين لا يتعب أبدًا من الصياح ويرفرف بجناحيه في كل الاتجاهات. روسيا تشرب كأسها المسموم بشفاه محروقة.
الشعب الروسي لديه الدبابات. هناك جنود روس لا يعرفون الخوف. هناك دبلوماسيون ذوو رؤية. وهناك رئيس. كل هذا يضاف إلى المركزية الروسية، التي هي الأساس للحفاظ على روسيا والذود عنها. إن إضعاف وتدمير هذه المركزية هو كارثة.
لم يعد رومان أبراموفيتش وأليشر عثمانوف وميخائيل بروخوروف وبوتانين وديريباسكا أعمدة الدولة التي كانوا عليها في ولاية يلتسين الموالية لأمريكا. بنك فريدمان "ألفا" ليس بنكًا وطنيًا لروسيا. لقد غادرت هذه القبيلة بأكملها روسيا، وكان مصيرها أن تحترق وتتفحم في أتون الحضارات الأجنبية. (أسماء الاوليغارشيين الروس الذين يعيشون في الغرب)**. روسيا – وحدها مع تاريخها، وحدها مع حلمها الروسي العظيم. ليس لدى روسيا مكانا تتراجع فيه، لأن وراءها - مملكة السماء.
** ملاحظة التوضيحات داخل الاقواس متبوعة بنجمتين** تعود للمترجم
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فضيحة البرلمان الكندي – خطأ سياسي ام تكريس للخطيئة
-
ألكسندر دوغين يعلق على مقال رئيس البرلمان الروسي
-
السعودية – تطبيع العلاقات مع اسرائيل
-
أرمينيا - فخ لروسيا وقنبلة موقوتة للقوقاز
-
روسيا – دروس وعبر من الحرب في اوكرانيا
-
ألكسندر دوغين - إبادة الأرمن وإبادة الأوكران - باشينيان وزيل
...
-
هل نجح الغرب باشعال الجبهة الثانية في القوقاز؟
-
ما سبب زيارة وزير الخارجية الصيني إلى موسكو؟
-
ما أسباب الخسائر الفادحة في الجيش الأوكراني؟
-
مناظرة افتراضية بين الهند والصين وروسيا حول الممر الاقتصادي
...
-
حول عقيدة -نهاية التاريخ- لفوكوياما
-
ألكسندر دوغين خواطر حول علاقات روسيا مع كوريا الشمالية
-
لقاء بوتين مع كيم جونغ أون - اسرار وراء الأخبار
-
المسألة الأرمنية 5 - إيران - أذربيجان - أرمينيا
-
المسألة الأرمنية 4 - ألكسندر دوغين يدلي بدلوه
-
المسألة الارمنية3 - باشينيان وعلييف – في فخ جيوسياسي معًا
-
بدلاً من البكاء على الأطلال، من الأفضل أن نتقبل تاريخنا كما
...
-
المسألة الأرمنية 2 - باشينيان يبحث عن حل!
-
ألكسندر دوغين - نظام جديد متعدد الأقطاب
-
المسألة الأرمنية 1 - هل تستطيع روسيا حماية أرمينيا التي تسعى
...
المزيد.....
-
نتنياهو يبحث المرحلة الثانية من اتفاق غزة خلال زيارته إلى أم
...
-
السودان: أكثر من 60 قتيلا في هجوم لقوات الدعم السريع على سوق
...
-
هيغسيث: -داعش- تكبدت خسائر جراء الضربة الأمريكية في الصومال
...
-
قلق في إسرائيل بسبب منصب رئيس وفد المفاوضات مع حماس
-
وزير الخارجية المصري: لن تنعم المنطقة بالسلام ما لم تقم دولة
...
-
تقدم روسي.. وترمب يصر على الحل بأوكرانيا
-
لقطات جوية من مكان تحطم طائرة طبية في مدينة فيلادلفيا الأمري
...
-
بولندا.. مرشح المعارضة للرئاسة يتعهد بإعادة 20 مليون بولندي
...
-
ويتكوف ونتنياهو يتفقان على بدء مفاوضات المرحلة الثانية لوقف
...
-
الدفاع الروسية: القوات الأوكرانية ارتكبت جريمة حرب جديدة بقص
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|