|
المخاض العسير للانتقال الديمقراطي في افريقيا
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 7745 - 2023 / 9 / 25 - 20:53
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
خلال العقدين الأخيرين خاضت عدة دول افريقية تجارب في الانتقال الديمقراطي وحققت في هذا المجال نجاحا في بعض الدول كما جرى في ( بنين- بوتسوانا- غانا- ناميبيا-موريشيوس-السنغال- جنوب أفريقيا)، إلا أن الأمور انتكست خلال السنوات القليلة الماضية حيث شهدت القارة 8 انقلابات عسكرية خلال ثلاث سنوات آخرها انقلابي النيجر في شهر يوليوز الماضي وتلاه بأيام انقلاب الغابون، بالإضافة الى عشرات محاولات الانقلاب الفاشلة. إن كانت الانقلابات حدث عادي ومقبول شعبيا وخصوصا على أنظمة عسكرية ودكتاتورية إلا أن ما يلفت الانتباه أن الانقلابات الأخيرة كانت من الجيش على حكام تولوا السلطة بعد انتخابات عامة، كما أن أغلب الانقلابات كانت في دول الساحل غرب أفريقيا وجنوب الصحراء التي كانت خاضعة للاستعمار الفرنسي وما زال فيها تواجد عسكري فرنسي وتبعية وعلاقات اقتصادية غير متكافئة مع فرنسا. تعثُر المسار الديمقراطي في أفريقيا له نظير في العالم العربي، فمنذ العقد الأخير من القرن الماضي وتحديدا بعد انهيار المعسكر الاشتراكي ساد تفاؤل بإمكانية نجاح عمليات انتقال وتحول ديمقراطي في دول العالم الثالث وتحديدا في العالم العربي من خلال صناديق الانتخابات، حيث جرت انتخابات في كثير من الدول العربية كالمغرب والجزائر وموريتانيا وتونس ومصر ولبنان والكويت وفلسطين، إلا أن الانتخابات لم تُحدث التحول الديمقراطي المطلوب، وجاءت فوضى الربيع العربي لتجهض على بقايا الأمل بالتحول الديمقراطي، وباستثناء ما حققه المغرب والكويت من نجاح نسبي على مستوى الاستقرار السياسي فإن كل الدول العربية تفتقر إلى أنظمة ديمقراطية حقيقية. ما يجري في أفريقيا وفي العالم العربي يدفعنا لاستحضار ما دوناه في كتابنا الصادر عام 2001 عن منشورات الزمن في الرباط- المغرب تحت عنوان: "الديمقراطية بين عالمية الفكرة وخصوصية التطبيق" حيث أشرنا الى تزايد الاهتمام بالديمقراطية والانجذاب لها بعد النجاحات التي حققتها المجتمعات الغربية في ظلها وخصوصا في المجال الاقتصادي حتى اعتقد البعض في العالم الثالث أن الرخاء الاقتصادي سيحدث تلقائيا بمجرد الانتقال نحو الديمقراطية وحتى بمجرد وضع دساتير وإجراء انتخابات عامة، وحذرنا من التسرع بتقليد الغرب في الشأن الديمقراطي فلكل مجتمع خصوصيته والتحول للديمقراطية لا يقبل التسرع أو التقليد بل هي عملية متدرجة ذات أبعاد ثقافية واقتصادية واجتماعية وسياسية ومجرد إجراء انتخابات لا يعنى أن النظام أصبح ديمقراطيا، ففي الغرب لم تستقر الديمقراطية وتصل المجتمعات إلى ما وصلت له إلا بعد خمسة قرون تقريبا من النضالات والثورات السياسية والصناعية والحروب الأهلية والإنجازات في العلمية، فالديمقراطية جاءت في سياق تنمية شمولية اجتماعية وثقافية واقتصادية، والديمقراطية لن تجلب الرخاء الاقتصادي بمجرد إجراء الانتخابات. يمكننا إرجاع سبب الانقلابات في أفريقيا و تعثر المسار الديمقراطي فيها وفي العالم العربي للأسباب التالية: 1- لم يكن التحول نحو الديمقراطية نتيجة نضج مجتمعي ومؤسساتي بقدر ما كان نتيجة مطالب وضغوط الغرب وخصوصا المؤسسات الدولية المالية حيث كان يُشترط إجراء انتخابات وتغييرات هيكلية في مؤسسات السلطة كشرط لتقديم المساعدات، وأحيانا كانت تجري انتخابات في ظل الاحتلال وبطلبه كما جرى في أفغانستان والعراق بعد احتلال واشنطن للبلدين. 2- تم اقحام شكليات الديمقراطية، الانتخابات وإقرار التعددية السياسية والتداول على السلطة ووضع دساتير، على مجتمعات قبلية وعشائرية وطائفية وما تزال محكومة بقانون القطيع أو الراعي والرعية، وليس مفهوم المواطنة، فاستمر الانتماء للقبيلة والطائفة يغلب الانتماء للوطن. 3- ضعف ثقافة الديمقراطية، فهذه الأخيرة ليس مجرد مؤسسات وتشريعات بل ثقافة أيضا، ثقافة اجتماعية وسياسية على مفهوم المواطنة وحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير تقوم بها مؤسسات التنشئة الاجتماعية والسياسية بدءا من البيت والمدرسة الى الأحزاب ووسائل الاعلام، وللأسف هذه المؤسسات بقيت تقليدية إلى حد كبير ولم تؤثر على سلوكيات الناس إلا على طبقة محدودة من المثقفين والمتعلمين. 4- بسبب غياب ثقافة الديمقراطية واستمرار الانتماءات الطائفية والقبلية فإن الحكام الذين يصلون للحكم عبر صناديق الانتخابات لا يتنازلون عن السلطة بعد نهاية المدة المحددة دستوريا لحكمهم بل يلجؤون إما لتغيير الدستور وتمديد فترة الولاية إلى مالا نهاية أو التشكيك بنتائج الانتخابات في حالة فوز رئيس من المعارضة. 5- استمرار الهيمنة الغربية على البلاد وفي بعض الدول الافريقية استمر التواجد العسكري الفرنسي والغربي وهو تواجد كان هدفه استغلال ونهب ثروات البلاد وحتى يتم تحقيق ذلك ساعد على تنصيب حكام موالين له بغض النظر إن كانوا ديمقراطيين أو غير ديمقراطيين كما كان الأمر في جمهورية الغابون. 6- لم يرافق الانتقال نحو الديمقراطية نهضة وتنمية اقتصادية بل في بعض البلدان التي شهدت انتقالا ديمقراطيا تزايدت حالات الفقر وانقسم المجتمع الى طبقة شعبية واسعة فقيرة وتفتقر إلى الحد الأدنى من الحياة الكريمة وطبقة صغيرة فاسدة وفاحشة الغنى مشكلة من تحالف الحكام المنتخبين ديمقراطيا وكبار الرأسماليين والإقطاعيين والتجار المرتبطين بالدول الاستعمارية. 7- حالة الفقر والديمقراطية المزيفة خلقت تشوهات اجتماعية أفسحت المجال لظهور جماعات الإسلام السياسي المتطرفة المناهضة للديمقراطية. 8- بسبب خيرات افريقيا وموقعها وقعت ضحية الصراع بين القوى العظمى للسيطرة على العالم، وخصوصا بين واشنطن والغرب من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى، وهو صراع يفتقر لكل الأخلاقيات الإنسانية والسياسية، وفي خضم هذا الصراع لم تتورع هذه الدول على استقطاب أكبر عدد من الدول الافريقية بغض النظر إن كانت ديمقراطية أم لا بل ساعد بعضها على انقلابات ضد حكام منتخبين ديمقراطيا. 9- ما يجري في افريقيا ودول الجنوب بشكل عام يكشف زيف دعاوى وخطاب الغرب حول الديمقراطية وحقوق الإنسان حيث لاحظنا دعمه لأنظمة دكتاتورية أو تقليدية محافظة لا تؤمن بالديمقراطية ما دامت مصالحه مع هذه الأنظمة وفي نفس الوقت يعادي أنظمة ديمقراطية وحكومات منتخبة إن تعارضت مصالحها معه. 10- ومع ذلك فأفريقيا تسير بخطوات ملموسة وإن كانت بطيئة نحو ديمقراطية وطنية متحررة من الإملاءات الخارجية ومن النفوذ الغربي.
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما بين (خطة الحل النهائي) النازية إلى (خطة الحسم) الصهيونية
-
اتفاقيات أوسلو ما زالت حية وفاعلة لغياب البديل
-
هل سيكون مصير أبو مازن نفس مصير أبو عمار؟
-
(محور المقاومة) وإسرائيل وبروباغندا (الحرب الشاملة)
-
خروج (مسيرات العودة) عن منطلقاتها الأولى
-
لماذا لجنة لتعيين المحافظين؟
-
مقاومة وطنية وليس أجندة خارجية
-
لماذا يختلف التطبيع السعودي الاسرائيلي عن غيره ؟
-
التباس العلاقة بين السلطة والدولة والوطن
-
ملاحظات على تصريحات خالد مشعل حول الانقسام الفلسطيني
-
لماذا تفشل حوارات المصالحة الفلسطينية؟
-
حتى لاتنزلق الأمور في قطاع غزة إلى ما هو أسوأ
-
مناورة صهيونية تتكرر مابين غزة والضفة
-
الرئيس أبو مازن وسدنته ومستقبل القضية الفلسطينية .
-
صواريخ غزة في ميزان العقل واستراتيجيات التحرر الوطني
-
مأزق بوتين
-
صمود سوريا كشف مستور ما يسمى (الربيع العربي )
-
في ذكرى الانقسام: لا حماس تحتفل ولا الاحزاب تندد
-
هل تستحق (دويلة غزة) كل هذا الثمن؟
-
من النكبة الى النكسة الى التطبيع، وماذا بعد؟
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
علاقة السيد - التابع مع الغرب
/ مازن كم الماز
-
روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي
/ فاروق الصيّاحي
-
بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح
/ محمد علي مقلد
-
حرب التحرير في البانيا
/ محمد شيخو
-
التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء
/ خالد الكزولي
-
عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر
/ أحمد القصير
-
الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي
/ معز الراجحي
-
البلشفية وقضايا الثورة الصينية
/ ستالين
المزيد.....
|