سالم الباوي
الحوار المتمدن-العدد: 7734 - 2023 / 9 / 14 - 18:53
المحور:
الادب والفن
بعد عدة أيام من الضباب الكثيف الذي غطى مدينتنا ، أصاب بعض الرجال نوع من الجنون . كانوا يقولون بأنهم وقعوا في حب فتاة ذات عينين خضراوين وشعر أشقر لامع في الشمس.
والدي كان أول شخص يُصاب بهذا الجنون . عاد إلى بيتنا بعد ثلاثة أو أربعة أيام بعد أن ضاع في الضباب الكثيف، وعند دخوله المنزل، وقف أمام أمي في إطار الباب. كانت قطرات دموع أمي قد رسمت خطين موازيين على وجهها الأسمر. حملق في وجهها وقال:
- وقعتُ في حب، فتاة.
بينما كانت أمي تنظر من النافذة كما فعلت طوال الأيام التي ضاع فيها والدي، دون أن تلقِ نظرة إليه، قالت:
- "من هذه الفتاة؟"
: لقد وقعت في حب فتاة ذات شعر أشقر وعيون خضراء.
: إذا كانت هناك فتاة من هذا النوع، فسوف أقع في حبها أيضًا. قالت أمي ذلك دون أن ترفع عينيها عن الشارع المظلم.
بعد بضعة أيام، جاءت نساء جيراننا، اللاتي فقدن أزواجهن في الضباب، إلى منزلنا وأخبرن أن أزواجهن وقعوا في حب فتاة ذات شعر أشقر وعيون خضراء. أخبرت والدتي، دون أن تعير ذلك اهتمامًا:
- إذا كانت هناك فتاة ذات شعر أشقر وعيون خضراء، فسأقع في حبها.
ضحكت النساء و عدن إلى منازلهن بفرح. عندما كانت تتلاشى ذكريات الجنون في أذهان الناس، ظهرت الفتاة ذات الشعر الأشقر والعيون الخضراء في مدينتنا. أُصيبت أمي بجنون تلك الفتاة. أخذت بندقية من السوق ووقفت في وجه الرجال الذين كانوا يحدقون في الفتاة، وقالت أمي بصوت مخيف:
- أي شخص يرغب في البقاء على قيد الحياة، عليه أن يسلك طريق بيته .
نظر الرجال إلى فوهة البندقية، كانت تنبعث منها رائحة البارود . رائحة البارود أبعدت الحب عن عقول الرجال . غادروا. بقِيَ الأب واقفًا. ألصقت أمي بندقيتها بصدر والدي وقالت:
- اذهب أنت أيضًا. لم يتحرك والدي. أمسكت أمي بيد الفتاة وهربت من المدينة. لكن والدي بقي هناك لسنوات حتى نساه الجميع، تمامًا كما نُسيت
أمي وتلك الفتاة ذات الشعر الأشقر والعيون الخضراء.
#سالم_الباوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟