|
لمن لا يعرف الشاعر التونسي القدير..كمال العرفاوي
محمد المحسن
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 7734 - 2023 / 9 / 14 - 13:07
المحور:
الادب والفن
ليس مشكلة في أن تستحيل-كاتبا مبدعا-،فالمفردات والألفاظ مطروحة على-رصيف-اللغة،لكن الأصعب أن تكون ذاك المبدع القارئ،وهذا الدور المزدوج يجعل -الكاتب-كرها ملتزما أمام قارئيه في أن يقدّم لهم قدرا معرفيا ومعلوماتيا مهما يشارف اكتمال ثقافة الآخر الذي يجد ملاذه المعرفي عند كاتبه.. هذا الدور قام به الشاعر التونسي المتميز تونسيا وعربيا الأستاذ كمال العرفاوي عبر مشروعه الشعري الواعد والطموح،ومن خلال-إبداعاته-المدهشة (وهذا الرأي يخصني) وكبار الكتاب والشعراء من أمثال توفيق الحكيم ويوسف إدريس وأدونيس ويوسف الخال ومحمد الماغوط مرورا بالاستثنائي محمود درويش وجمال الغيطاني وواسيني الأعرج وأحلام مستغانمي وغيرهم.. كانوا يمررون قدرا معرفيا مذهلا عبر سياقاتهم النصية الإبداعية أو السردية مستهدفين خلق حالة من الوعي المعلوماتي لدى القارئ الذي اختلف دوره عن السابق بعد أن استحال شريكا فاعلا في النص،غير هذه الشراكة الباهتة التي أشار إليها رولان بارت بإعلان موت المؤلف/الشاعر. فالمؤلف أو الشاعر،لم يعد ميتا كما استحال في سبعينيات القرن الماضي،ولم يعد إلى أدراجه القديمة منعزلا عن نصه،بل هو الصوت الآخر الذي يدفع القارئ إلى البحث عن مزيد من التفاصيل واقتناص الإحداثيات السردية أو الشعرية بمعاونة الكاتب نفسه.. دعوني أقتحم حلبة الشعر للشاعر التونسي الفذ الأستاذ-كمال العرفاوي-وأرقص-رقصة زوربا اليوناني-إن لم تخني قدمايَ على ايقاع قصيدته التالية:
*أين الحل؟*
يا أمّة اقرأ و القلم لِمَ لا نكون في أعلى القمم؟! ألم يباهي اللّه بنا الأمم؟! أم رضينا بوضعنا المزري المذل بين شعوب العالم و الدّول و فقدنا الثّقة و الأمل و لم تعد تحرّكنا الهمم لنتجاوز ضعفنا و الوهن و مصائبنا المتتالية و المحن؟ أرى أنّ الحلّ يكمن على الأقلّ في ترك الخبث و الحيل و في الصّدق في القول و الإخلاص في العمل و في عدم القنوط و التّمسّك بالأمل وفي إجلال العلماء و تكريم المعلّمين و الأدباء و تشجيع المهندسين و الأطبّاء بإعلاء ذكرهم و الاستفادة من فكرهم و الرّفع من شأنهم إلى أعلى القمم و الاهتمام بالعلم و القرطاس و القلم و في اعتماد الكفاءات أثناء التّعيينات من الأسفل إلى أعلى الهرم و في نشر العدالة و العدل و تجنّب التّسلّط و الظّلم و في التّكتّل و التّوحّد و العيش في أمن و سلم و في المساواة بين الجميع كي نصنع لأنفسنا الرّبيع فكما يقول المثل من سار على الدّرب وصل إذا أخلصنا النّية و اجتهدنا في العمل
كمال العرفاوي هي قصيدة رائعة،غنية بايحاءاتها،ومتفردة في محاولتها تأسيس لغة شعرية جديدة ، وكأن المبدع كمال العرفاوي يجسد مقولة الناقد العربي،حمادي صمود حين يقول عن الشاعر وهو يكتب نصه /قصيدته وهو ينتقل الى " نص واع بكيانه عارف بما يبني من حداثته ويرسمه في دائرة كتابة حلمها الأبدي أن تقترب من مطلق لا يفتأ ينفلت كلما اقتربت منه،ومدارات بكر تكاشف فيها لحظة البدايات فيسكنها طموح النصوص المؤسسة التي تعيد صياغة النشأة والتكوين برد اللغة الى زمن ما قبل الذاكرة " -1-. فكتابة قصيدة تنفتح على مجموعة كبيرة من أسس النقد ومناهجه انجاز يعتبر في حد ذاته ابداعا هاما. ولعل من شأن القصيدة التي تراهن على تفجير مكنونات الإبداع أن تستوعب التقاسيم الزمنية وتضيف اليها تقسيما جديدا يجمع صورة الماضي بالحاضر بالمستقبل لتتأسس سيرورة الابداع الشعري كنص خارج التأطير الزمني التقليدي . وبالعودة الى البنية الجمالية للنص،والتي فرضت علي محاولة قراءته نقديا،نجد النص يمتاز بأسلوب شعري صميم لا يتقاطع في شعريته الا مع النصوص الشعرية العالية.وهو من النصوص القليلة التي زاوجت بين الوطن..وبين استنهاض الهمم،بلغة فنية موغلة في الحميمية ومثقلة بالنفائس الروحية،في محاولة ملحاحة لتجاوز اليبس والقحط الانتمائي لهذا الوطن-الممتد من البحر إلى البحر-نحو اشراقات الوطنية،واضاءة دروب النجاح وتجاوز المحن.وقد توسل الشاعر لغة انسيابية رقيقة تخدم غرض القصيدة ومقصدها مصبغا عليها أسلوبا مرنا وشفافا في بناء متناغم ومتناسق كأنه يستحضر مقولة كيتس عن بناء الشعر " إذا لم يجيء الشعر طبيعيا كما تنمو الاوراق على الأشجار..فخير له ألا يجيء " . إن "الغربة"التي يعاني منها الشاعر،رغم أنه يعيش بين ظهراني أهله وصحبه،ويتمتع بصحبتهم في ربوع وطنه،ما هي الا حتمية من حتميات -الغربة النفسية-التي أفرزتها جراحات الأمة العربية على امتداد مسافاتها وتباين أقطارها،فهي غربة الحرف والكلمة واللغة والمصير المشترك " يا أمّة اقرأ و القلم لِمَ لا نكون في أعلى القمم؟! إنها غربة الضياع والتمزق الذي ينتابنا اليوم.. تجليات اللغة الشعرية : ونعني باللغة الشعرية ما تعارف عليه النقاد من استخدام الشاعر لمكونات القصيدة اللفظية ذات التداعيات والدلالات الإيحائية،وهو ما اتفقوا عليه بالمدلولات الانفعالية للكلمة،ولا يعنينا في هذا المقام ما قال به بعض النقاد من مفهوم للغة الشعرية بأنها الإطار العام الشعري للقصيدة،والتي يقصد بها مكونات العمل الشعري من ألفاظ وصور وخيال وعاطفة وموسيقى ومواقف بشرية . وعليه،فقد تميزت لغة شاعرنا (الأستاذ كمال العرفاوي) بالشفافية والوضوح،فهي بعيدة عن لغة التعتيم والتهويم في سرف الوهم واللاوعي،تلك اللغة التي تلفها الضبابية القائمة والرمزية المبهمة،فلغته ناصعة واضحة لا غموض فيها،وتعبر عن مضامينه بأسلوب أقرب فيه إلى التصريح المليح منه إلى التلميح،وهذا يعني أن الشاعر ذو مهج تعبيري سلس،وقاموسه الشعري لا يحتاج إلى كد ذهني وبحث في تقاعير اللغة،وأنا إذ أصرح بهذا إنما أغبط شاعرنا على الرؤى الواضحة والألفاظ المعبرة بذاتها. قبعتي يا شاعرنا الفذ..الأستاذ كمال العرفاوي.
#محمد_المحسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
( تعقيبا على تفاعل المبدعة التونسية د-آمال بوحرب مع مقاربة ن
...
-
تمظهرات الإبداع..ولمعانه في شعر الشاعرة التونسية القديرة د-
...
-
اشراقات اللغة..وجمالية الإبداع.. لدى الشاعرة التونسية المتأل
...
-
الشاعرة والكاتبة التونسية السامقة د-آمال بوحرب* : نبراس يضيء
...
-
عمق الدلالة..وفيض الجمال للكاتبة التونسية القديرة د-آمال بوح
...
-
على هامش..التسمية الإشكالية -“الكتابة النسائية” أو “الإبداع
...
-
حين يَصدح الشعر..على ربى قرطاج الشاعرة التونسية السامقة نعيم
...
-
ومضة عابرة.. إن عناق الأيادي للجميع..ولكن عناق الروح فريدٌ ب
...
-
وجهًا لوجه.. الشاعرة التونسية المتميزة نعيمة مديوني : -آن ال
...
-
كلمات منبجسة من خلف شغاف القلب..إلى الشاعر التونسي الكبير د-
...
-
الإبداع النثري..وسؤال الإدراك الأسطوري والمعرفي.. لدى الكاتب
...
-
تجليات المشاعر الوطنية في قصيدة : دمشق..قلعةُ السّلامِ..للشا
...
-
الروائي التونسي السامق محسن بن هنية..كما عرفته
-
قصيدة رائعة بإمضاء الشاعر التونسي القدير جلال باباي تنتصر لل
...
-
قراءة فنية -متعجلة-في لوحة إبداعية رسمت بذوق رفيع..بأنامل ال
...
-
حين يؤسس الشاعر التونسي القدير-جلال باباي- لخطاب شعري خلاق..
...
-
من لا يعرف الشاعر التونسي القدير جلال باباي..أقول
-
بعض قصائد الشاعر التونسي الكبير -د-طاهر مشي..برقيات عاجلة..ل
...
-
..حين تنبجس قصائد الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي..من شقوق
...
-
التصعيد الدرامي ،تجليات الأسلوب السردي وإخراج المسكوت عنه من
...
المزيد.....
-
-طفولة بلا مطر-: المولود الأدبي الأول للأكاديمي المغربي إدري
...
-
القبض على مغني الراب التونسي سمارا بتهمة ترويج المخدرات
-
فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف
...
-
خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
-
*محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا
...
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|