أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - وحوش اللفياثان في حياة البشر














المزيد.....

وحوش اللفياثان في حياة البشر


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7733 - 2023 / 9 / 13 - 19:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


اللفياثان ليس مخلوق بقوة الأسد أو ضخامة الفيل أو سرعة الفهد. هو ليس حيوان مهما بلغ من القوة أو الضخامة أو السرعة. بل هو إنسان مثلي ومثلك ومثل كل إنسان آخر، يحتاج إلى أن يأكل ويشرب ويدخل الحمام ويؤدي كافة الوظائف البيولوجية الضرورية لبقاء كل كائن حيّ. مع ذلك، ورغم كونه بشر مثلنا، إلا أنه يملك تحت أمره ورهن إشارته من القوة والضخامة والسرعة ما يتجاوز ما لدى حيوانات الأرض قاطبة، وله قدره على العمران والخراب لا مثيل لها على الإطلاق، لا بين الحيوانات المتوحشة أو البشر العاديين أو قوى الطبيعة مجتمعة. الليفاثان قادر على أن يُميت من البشر أكثر من أي زلزال أو بركان أو إعصار أو أي كارثة طبيعية أخرى مهما كانت. لأن بعضه يملك تحت قراره وتصرفه من القوة والطاقة التدميرية ما يكفي لإنهاء الحياة ونسف الكوكب الذي نعيش فيه عدة مرات. وبعضه أيضاً، بفضل قدراته التقنية والعلمية الجبارة ذاتها، قادر على أن يُحييّ من البشر أكثر بمئات الأضعاف ما تستطيع أن تُعيله وتُحييه كافة مزروعات وأنهار وغابات ووديان وموارد الأرض بحالتها الخام الطبيعية.

يصف عالم الرياضيات والفيلسوف الإنجليزي الشهير توماس هوبز (1588-1679) الليفاثان بأنه بشر مثلنا ومن نفس جنسنا؛ لم يكتسب قواه الخارقة لكونه ابن إله، أو نزل عليه الوحي من السماء. بل نحن البشريين أنفسنا، بطريقة أو بأخرى، الذين صنعناه عندما تنازلنا له عن كامل إراداتنا وكل قوانا العامة في مقابل أن يضمن لمجموعنا قوة أكبر وحياة أفضل. وهذا ما أسماه هوبز "العقد الاجتماعي"، عَهدُ لا يشترط أن يكون مكتوباً يتنازل بموجبه الأفراد عن حقوقهم وحرياتهم الفردية لصالح لفياثان ذو صلاحيات مطلقة نظير أن يحميهم من فوضى الصراع والاقتتال الحتمي حين يُترك لكل منهم على انفراد الحرية لكي يأخذ ما يظنه حقه بيديه، وأن يصون وحدة وسلامة مجتمعهم ويضمن له حياة أرقى وأفضل وأكثر تحضراً وتقدماً، وقوة وشراسة قتالية في مواجهة الأعداء من الأمم الأخرى. اللفياثان يستمد قوته الجبارة من مجموع قوى الأفراد والمجموعات المكونة للجماعة الوطنية التي أنشأته، وكلما ازدهرت الأخيرة وازدادت قوة، زادت بالمحصلة قوته وازدهاره. والعكس صحيح أيضاً: كلما افتقرت ومرضت وضعفت الجماعة الوطنية، كلما نال منه الوهن والهزال والمرض إلى الحد الذي يهدد بقائه قبل بقائهم بالزوال.

في الأصل، نحن نخلق الليفاثان من أجسادنا وننفخ فيه من أرواحنا، ليس حباً فيه ولا خوفاً منه؛ بل طمعاً في المزيد والمزيد من الأمن والأمان والرخاء والثراء والعدل والرفاه والتقدم والتحضر. إننا لدى اجتماعنا في مجتمع واحد متماسك نُشكل قوة ضخمة، قوامها الملايين، لا تُحسب بعدد سواعد أفرادها وثرواتهم وممتلكاتهم الشخصية ومواردهم الطبيعية الحالية فحسب، بل مضافة إلى كنوز وآثار وتقاليد ومعارف بلا حصر ولا تقدر بثمن متوارثة من الأجداد منذ آلاف السنين. كل هذه القوة الجبارة نضعها في يد وتحت تصرف اللفياثان. لكننا نعهد إليه أرواحنا وثرواتنا، ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، كنوع من الاستثمار والطمع في المزيد. ماذا لو كانت ثقتنا واستثماراتنا في غير محلها؟! ماذا لو لم يصون اللفياثان العهد الذي بموجبه تنازلنا له عن كل شيء، حتى أنفسنا وأبنائنا؟!

رغم كونه بشر مثلنا ومن وسطنا، إلا أن القوة الجبارة التي نُمَّكِنه منها كافية- في غياب المحاذير الواجبة- لتحويله إلى وحش أكثر وحشية من كل وحوش الأرض مجتمعة. وإذا كنا لا نأمن على أنفسنا وأطفالنا من مجرد وحش تافه من أصل حيواني إلا بعد حبسه مقيداً بالأغلال في قفص ضخم من القضبان الفولاذية، كيف يجدر بنا التعامل مع وحش بجبروت وقوة اللفياثان غير المسبوقة في تاريخ المعرفة البشرية؟ كيف نحمي أنفسنا منه حتى لا يغتر بقوته ويفترسنا، لنهلك نحن والوطن وهو كذلك من قبلنا؟!

لابد من إحاطته بسياج أكثر قوة ومتانة من أقفاص الأسود والأفيال، من نوعية القواعد والضوابط والموازين والكوابح وأدوات الشفافية والمراقبة والمحاسبة والمسائلة القانونية والدستورية التي تنظم وتحكم العلاقة الصحيحة بيننا وبينه. لأنه منا، صحته من صحتنا وقوته من قوتنا، فإنه لن ينعم أبداً بالهيبة والوقار والمكانة خارجياً قبل أن ننعم نحن بالحرية والرفاه والكرامة داخلياً أولاً. ومن التجربة البشرية الفعلية على مدار آلاف ومئات السنين الماضية وإلى وقتنا الحاضر، كانت مثل هذه المحاذير الواجبة بدرجات متفاوتة هي سر بقائه قوياً ومُهاباً وسط نظرائه من الأمم الأخرى بعدما ضمنت الازدهار والحرية والكرامة والقوة والابتكار والإبداع والتقدم لعموم أفراد جماعته الوطنية بالداخل. في غياب ذلك، كان الوضع في غالب الأحيان أشبه بكابوس كارثي حيث تجد نفسك فجأة دون أن تعرف السبب واقف وجهاً لوجه، أعزلاً ووحيداً، داخل قفص أسد جائع.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تترك السعودية صلاح للمصريين؟
- لماذا خَلاَ سكان السماء من الشياطين؟
- بين تعاليم السماء وقوانين الأرض، بحثاً عن العدالة
- هل من حق روسيا أن تغزو أوكرانيا؟
- لماذا لم تنجح روسيا في الانتقال إلى الديمقراطية (4)
- لماذا لم تنجح روسيا في الانتقال إلى الديمقراطية (3)
- لماذا لم تنجح روسيا في الانتقال إلى الديمقراطية (2)
- لماذا لم تنجح روسيا في الانتقال إلى الديمقراطية (1)
- نيمار في السعودية: ثورة ملك شاب
- في رحلة البحث عن النظام بعد رحيل الاستعمار
- بحثاً عن عدالة غائبة عن عالمنا
- هل خَلَق العرب حضارة؟
- هل العرب متخلفون؟
- الإعلان العالمي لحقوق الآلهة!
- كيف انْهَزَمت الجمهورية للمملكة (2)
- كيف انْهَزَمت الجمهورية للمملكة (1)
- النُخَبْ العربية يساراً ويميناً
- عُقْدة روسيا والعرب مع الحداثة الغربية
- بين بوتين وبريغوجين، الديكتاتورية نظام فاشل
- من شيطان الرأسمالية وملائكة الشيوعية- صناعة التطرف


المزيد.....




- لِمَ انتظر هذا الرجل سن التقاعد حتى يمارس شغفه بتحويل الخردة ...
- -إن مت أريد موتا صاخبا-.. مقتل المصورة الصحفية فاطمة حسونة ب ...
- نعيم قاسم: لن نسمح لأحد بنزع سلاح حزب الله وسنواجه من يسعى ل ...
- قصة عروس في غزة فقدت عريسها قبل الزفاف بيوم
- الصحافة في عصر التزييف العميق: رؤى وتحديات من منتدى الإعلام ...
- اليمن: غارات أميركية على صنعاء والحديدة والجوف تخلف أكثر من ...
- محاكمة -التآمر-..أحكام بالسجن بين 13 و66 عاماً على قادة المع ...
- -نوفوستي-: المحتالون الذين يهاجمون الروس عبر الهاتف يعملون ت ...
- رابطة صينية تتهم واشنطن بانتهاك قواعد التجارة الدولية بشكل ص ...
- أورتاغوس -تتثاءب- ردا على أمين عام حزب الله


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - وحوش اللفياثان في حياة البشر