|
إدوارد سعيد والحق الفلسطيني
محمد عمارة تقي الدين
الحوار المتمدن-العدد: 7729 - 2023 / 9 / 9 - 01:16
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
دكتور محمد عمارة تقي الدين "الأرض كلها فندق وبيتي هو القدس"، هكذا يعبر البروفوسير إدوارد سعيد عن شعوره العميق بالاغتراب خارج موطنه الأصلي(فلسطين)، فالعالم كله مجرد أوتيل حيث الإقامة به مؤقته ومتوترة لأقصى درجة، ولحين تأتي لحظة الإياب، إنه العَود الأبدي الذي طالما حلم به سعيد، حيث اتصال الساق بالجذور، فإن كان هو الروح ففلسطين هي الجسد ولا يمكن له أن يعيش بمعزل عنها.
تُرى لو لم يغترب سعيد، أكان يُمكنه أن يُعطي كل هذا الإبداع وتتفجر مُكناته بهذا الشكل المخيف؟ إنها المحنة وقد تحولت إلى منحة، غير أن كل ما تريده أي محنة هو أن تصادف نفساً عظيمة تطمح للخلود، وتلك كانت نفس مُفكرنا إدوارد سعيد.
بمساعدة قابلة يهودية وهي تردد(يا سيدنا نوح خلِّص روح من روح) انبثق إدوارد سعيد للحياة كزهرة برية على مرتفعات القدس في العام 1935 لعائلة فلسطينية مسيحية، والتي ارتحلت لمصر حيث درس بالإسكندرية، ثم هاجر إلى الولايات المتحدة ليتدرج في السلك التعليمي وصولاً لكونه أستاذاً بجامعة كولومبيا.
كان لهزيمة يونيو 1967م أثراً مُدوياً في شخصية وحياة إدوارد سعيد، إذ جعلته ينخرط في السياسة مُرغماً، وكأنه كان يردد مع نزار قباني قوله:" حولتني يا وطني الحزين من شاعر يكتب الحب والحنين لشاعر يكتب بالسكين". ومن ثم بدأ هذا الحكَّاء العظيم يحكي قصة شعب تم قتل بعضه وتشريد البعض الآخر عام 1948م، ويفضح محاولة الصهاينة طمس الهوية الجماعية للفلسطينيين وتغييبها، بحجة أنه لم يكن هناك شعب فلسطيني يوماً ما، لقد أثار حفيظته ما قالته يوماً جولدا مائير: "لا يوجد شعب فلسطيني هناك بل كانت أرضاً خالية"، والذي هو امتداد لمقولة الكاتب البريطاني الصهيوني إسرائيل زانجويل ذائعة الصيت:"أرض بلا شعب(فلسطين) لشعب بلا أرض(اليهود)"، وعليه قطع سعيد على نفسه عهداً بتفكيك ودحض هذه الرواية المكذوبة في عمقها.
ومن ثم أبحر سعيد في الاتجاه المعاكس ليعلنها مدوية بأن الشعب الفلسطيني هو شعب ضارب بجذوره في أعماق التاريخ الإنساني، وأن أرض فلسطين كانت تعجُّ بالبشر وقت أن جاءت العصابات الصهيونية، إذ أكد أنه في عام 1948م كان يعيش في فلسطين حوالي مليون ونصف نسمة من الفلسطينيين.
يؤكد سعيد أن الصهاينة قد ارتكبوا مجازراً بشعة بحق الفلسطينيين وعليهم الاعتراف بها، يقول سعيد :" لا يمكن أن تكون هناك نهاية للصراع إلى أن تعترف إسرائيل بمسؤوليتها الأخلاقية عما فعلته بالشعب الفلسطيني، بما فيها مجازر صبرا وشاتيلا". وكان يحث كل أصدقائه على مقاطعة الشركات الإسرائيلية التي لها استثمارات في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
لقد كان سعيد هو صوت العقل والمنطق لفلسطين الذي عليه تبعة تقويض أكاذيب الصهاينة وكشف وجههم القبيح أمام البشرية، في مقابل تثبيت حقيقة وجود شعب فلسطيني في الوعي الجمعي العالمي. من هنا كان حديثه الدائب عن "حق فلسطين الضحية في إعلاء صوتها والجهر بآلامها" ضد الصهيونية التي حاولت كتم أنفاس الحقيقة، واغتيال الواقع، كان يقول: "أكافح من أجل إبقاء الجدل الدائر بشأن القضية الفلسطينية ملتهباً على الدوام". كان يقاوم الشتات والشعور بالاغتراب بمزيد من الكتابة، إذ يقول:" على الإنسان الذي لم يعد له وطن، أن يتخذ من الكتابة وطنا يقيم فيه"، كما أن النوم لديه هو المعادل الموضوعي للموت فعليه أن يبقى يقظاً قدر الإمكان، إذ أن لديه مشروعاً يريد إنجازه قبل نومه الطويل( موته)، وبالفعل أتم مهمته.
يقول سعيد:" لولا هؤلاء الصهاينة، والإمبرياليين، والمستعمرين، لكنّا الآن عظماء، ولما كنّا متخلفين". والحقيقة أنهم مسئولون عن كثير مما جرى لنا لكنه لا ينبغي أن نعفي أنفسنا من المسئولية، إذ أنها مسئولية مشتركة، بل نحن الأكثر إدانة فقبل الاستعمار هناك القابلية للاستعمار كما حدثنا مالك بن نبي، والأمم لا تموت قتلاً وإنما انتحاراً بحسب ما يذهب إليه أرنولد توينبي.
في كتابه الأشهر "الاستشراق" والذي صدر عام 1978، حاول سعيد تفكيك استراتيجية الاستعمار ودور المثقفين والمفكرين في إيجاد التبرير الفكري للفعل الاستعماري، فعبر كتابه هذا قوض الصورة الإدراكية للشرق التي اختلقها الغرب، تلك الصورة التي رسخها كثير من مفكري وفلاسفة عصر التنوير الأوروبي حيث تفوق الرجل الأبيض وسائر البشر هم من البرابرة الهمج الذين هم بحاجة لهذا الرجل الأبيض ليخرجهم من ظلمات التخلف إلى أنوار الحضارة .
لقد أماط سعيد ببراعة فائقة اللثام عن وجود تحالف شيطاني بين التنوير والاستعمار، ومن ثم فتح الباب واسعاً أمام ما يسمى بدراسات ما بعد الاستعمار، وقاد كثير من الأوروبيين للاعتراف بما جرى ارتكابه بحق شعوب الأرض. ففي معرض تفكيكه للخطاب الكولونيالي ذهب إلى أنه خطاب استعماري يتخفى وراء دعاوى براقة لكنها زائفة في عمقها مثل الرغبة في نشر الديمقراطية والحرية بالعالم.
إذ عمد الغرب الاستعماري، وكما يذهب سعيد، إلى إنتاج خطاب متمركز حول العنصرية والاقصاء مما أوجد مناخاً خصباً للعنف ضد الآخر، ومن ثم احتكر الغرب العنف بل وأوجد غطاءً فكرياً تبريرياً له، بذريعة أنه يسعى لانقاذ البشرية من التخلف والانحطاط، وتلك غاية تستحق أن تُبرَّر لها كل الوسائل مهما تكن بشاعتها.
سعيد إذن هو أحد أهم واضعي أسس علم ما بعد الكولنيالية Postcolonial Studies ، إذا جاز لنا أن نعتبره علماً، وقد ذهب إلى أن الاستشراق هو المقابل الوضوعي للهيمنة يقول:" الاستشراق هو استراتيجية غربية للسيطرة على الشرق، وفرض السيادة عليه وإعادة صياغته"، وأن الدراسات الفكرية الأوروبية، لعبت دوراً مركزياً في تمهيد الطريق أمام القوى الاستعمارية العالمية ومنها الصهيونية العالمية والتي احتلت فلسطين. لقد وصفه روبرت فيسك بأنه:" أكثر صوت فعال في الدفاع عن القضية الفلسطينية"، كما يقول تيموثي برينان (أحد تلامذة سعيد) في كتابه "أمكنة العقل":" تمكن سعيد من تعرية وفضح الصورة الكاذبة عن فلسطين في وسائل الإعلام الأمريكية كمحاولة تصنيف عمليات التطهير العرقي ضد الفلسطينيين تحت عنوان زائف هو الصراع في الشرق الأوسط".
يقول سعيد بكل بساطة ووضوح": نحن لسنا إرهابيين، بل شعب شرده الاحتلال وفقد أرضه"، ومن ثم هاجم بشدة أطروحة "إلقاء اللوم بشكل مستمر على الضحية وحدها"، كما وضع القضية الفلسطينية داخل سياقها الاستعماري، فالصهيونية حركة استعمارية مثلها مثل الحركات الاستعارية التي انطلقت من أوروبا ومن ثم أحقية الشعب الفلسطيني في التحرر منها.
إذن وبالتوازي مع الثورة الفلسطينية كانت هناك ثورة فكرية يقودها سعيد في الغرب، إذ كانت الثقافة هي سلاحه في تلك المعركة، فقد أكد على قوة المعرفة كسلاح ودعا إلى التسلح بالثقافة حتى لا تلتهمنا منظومة الهيمنة التي يدبرها لنا الآخر ويفرضها علينا كطوق حديدي لا نملك منه فكاكاً، من هنا دعا للحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية، بل كان يرى أن الحفاظ على الثقافة والهوية هو أمر أهم من عملية السلام ذاتها.
ومن ثم اهتم سعيد بتأكيد دور المثقف في مواجهة الظلم، منتقداً أوضاع المثقفين الحاليين الذين باعوا قيمهم لأجل مصالح آنية، وعليه دعا لإحياء مفهوم المثقف العضوي، وفقا لأنطونيو جرامشي، فهو ذلك المنخرط في هموم الإنسانية الرافض للظلم الواقع عليهم مهما تكن التبعات، يقول سعيد :" على المثقف الحق أن يتحرى الحقيقة والعدالة، ويرفض أنصاف الحقائق أو الأفكار الشائعة كما أن عليه أن يحافظ على استقلاليته إزاء السلطة". ومن ثم أبدى سعيد اندهاشه من امتناع الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر عن الخوض في موضوع المأساة الفلسطينية كي لا يفقد شعبيته ويهاجمه الصهاينة، مؤكدًا،أي سعيد، أن هذا التوجه هو وضع متجذر في الوجدان الغربي، وهو أمر من شأنه أن يعطي دعمًا وغطاءً دوليًا لا محدودًا لهذا الإرهاب الصهيوني فيتطور نحو مزيد من العنف.
لقد دعاه إيمانه بالمُثل الإنسانية وحتمية التعايش بين كل البشر إلى الدعوة لحل الدولة الواحدة(تجمع اليهود والفلسطينيين)، أياً كان شكلها، ليتعايش بها جميع سكانها على قدم المساواة، حيث مركزية البعد الإنساني مقارنة بالبعد القومي، وتلك كانت فلسفة سعيد للبشرية جمعاء، غير أن ذلك كلَّفه كثيراّ، فقد هاجمه كثيرون لطرحه تلك الفكرة وقتها. كما دعته مثاليته كمفكر إلى رفض اتفاقية أوسلو، إذ كان يرى أنها لأجل حفظ أمن إسرائيل وفقط، وليس لإقامة دولة فلسطينية، فهو لا يؤمن بأنصاف الحلول، في حين كانت تراها القيادة الفلسطينية خطوة سيأتي بعدها خطوات وأن معطيات الواقع لا تسمح بأكثر من ذلك، من هنا جِذر الخلاف الذي نشب بين الفريقين.
هاجم سعيد الانحياز الأمريكي لإسرائيل، مؤكداً أنه السبب المركزي في استدامة الصراع، كما أيد انتفاضة الشعب الفلسطيني، إذ وصف سعيد الانتفاضة الأولى في أواخر الثمانينات بأنها" أكثر الثورات المناهضة للاستعمار إثارة للإعجاب في القرن العشرين"، وتبقى صورة إدوارد سعيد وهو يلقى بحجر على جنود الاحتلال الصهيوني جنوب لبنان كرمزية تعبر عن الرفض لهذا المشروع الاستيطاني. لقد أراد إدوارد سعيد حين صك مصطلح"ضحايا الضحايا"، أن يضرب عصفورين بحجر واحد، أراد أن يؤكد أن الفلسطينيين هم ضحايا الصهاينة الذين هم ضحايا الحضارة الغربية ليذكر الأوروبيين بمجازرهم ضد الإنسانية ومن ثم عليهم منع تكرار تلك المجازر في فلسطين، ومن ثم كان يردد:"صرخات الفلسطينيين وعذاباتهم هي نتيجة مباشرة لممارسات الاحتلال الصهيوني وليس لها أدنى علاقة بجرائم النازية".
دافع سعيد كثيراً عن الإسلام مؤكداً أن المستشرقين بلوروا رؤية عدائيةً للإسلام والمسلمين، ففي مؤلفه (تغطية الإسلام) حاول تفكيك استراتيجيات الإعلام الغربي في تشويه العرب والمسلمين لصالح الصهيونية العالمية وجرى تصوير الإسلام كدين يتسم بالتعصب العرقي وكراهية الآخر بإطلاقه، فأضحى العربي هو في نظر الغرب، وكما يقول سعيد:" إما برميل بترول أو إرهابي محتمل"، ويضيف سعيد:"ثمة إجماع لدى الغرب على جعل الإسلام كبش فداء يلقى عليه مسئولية كل ما هو سلبي في هذا العالم"، غير أنه يعود ليحذرنا من اتخاذ موقف عدائي من الغرب، كل الغرب،إذ أحس بأن هناك سوء فهم لأطروحته، ومن ثم دعا العالم الإسلامي في مقال له عام2003 بعنوان:"النزعة الإنسانية كآخر حائط صد لنا ضد البربرية" إلى تعميق النزعة الإنسانية الكونية التي تشمل الجميع معلنا أنه ضد نظرية صدام الحضارات بل الحوار والتعايش.
في العام 2002م شارك سعيد مع مثقفين فلسطينيين في إطلاق المبادرة الوطنية الفلسطينية للكفاح من أجل الاستقلال والحرية للفلسطينيين، ومن أجل التصدي للزيف الصهيوني عبر نشر الرواية الفلسطينية عن الصراع، رواية الحق والعدالة. كان سعيد يعلم أن ثمن تبنِّيه قضية فلسطين هو فادح لأقصى درجة ممكنة، فهو السير عكس اتجاه الريح العالمية التي تهب باتجاه الكيان الصهيوني ووفق ما يزعمه الصهاينة وحدهم، يقول سعيد:" إن تبني قضية فلسطين هو أمر يعرضك للاضطهاد والنبذ والتغييب، لذا فإن كثيرون يتجنبون التصدي لهذه القضية".
وبالفعل لقبه الصهاينة (بروفيسور الإرهاب والمتطرف النازي)، وتلقى هو وعائلته تهديدات بالقتل إذ تم وضعه على قائمة الاغتيالات من قبل إحدى المنظمات اليهودية في أمريكا، ولقبه الصهاينة، كما جرى إحراق مكتبه بالجامعة عام 1991م. كما تعرض إدوارد سعيد للكثير من الهجوم من قبل المستشرق الصهيوني برنارد لويس والذي اتهمه بمعاداة الغرب ووصفه بالجهل وأنه" يروج لمشروع هيمنة إسلامية".
"الأمراض تختار أجسادها"، تلك كانت مداعبة محمد حسنين هيكل لإدوارد سعيد عندما علم بإصابته بسرطان الدم الذي ظل يصارعة حتى وفاته في عام 2003م، تاركاً لنا إرثاً ضخماً من النضال ضد آلة الكذب والقمع الصهيونية. كما جاء في نعي إدوارد سعيد الذي نشرته جريدة نيويورك تايمز: " كتاب الاستشراق جعل من إدوارد سعيد شخصية ذات تأثير هائل في الجامعات الغربية، وأصبح بطلاً لدى الكثيرين، لقد وضع سعيد الوثيقة التأسيسية لما أصبح يسمى دراسات ما بعد الاستعمار".
ويقول عنه عبد الوهاب المسيري: " كان إدوارد سعيد مؤسسة إعلامية بمفرده، فقد خسر العالم العربي والإسلامي، وكل دعاة التحرر الكثير برحيله، كان يملك عقلا فذًا، وخطاباً ثوريا". وها هو بيرندت شيرر، مدير إحدى أكبر المؤسسات الثقافية في برلين يقول: " نحن مدينون لإدوارد سعيد برؤية جديدة للعالم لذا يتعين علينا تكريمه." وتقول أهداف سويف:" إدوارد سعيد كان أميرنا ... سعيد كان مفكراً لا يمكن مقارنته بأحد، يعد كتابه الاستشراق من أكثر الكتب اقتباساً في التاريخ الحديث". ويقول الدكتور عبد الوهاب الأفندي: " لقد اعتبر الصهاينة إدوارد سعيد أشد خطراً من الخميني، يقول أحدهم: إن عام 1978 كان مفصلياً في تاريخ الشرق الأوسط، ليس لأن فقيهاً متشدداً قاد ثورة، بل لأن أكاديمياً متعصباً من جامعة كولومبيا ألف كتاباً"، مؤكداً، أي الأفندي، أن إدوارد سعيد "ساهم في تقويض النفوذ الصهيوني في الساحة الأكاديمية الأميركية بأكثر مما ساهمت به الدول العربية مجتمعة". كما يقول عنه الدكتور رضوان السيد:" سعيد كانت لديه قضية محددة هي قضية فلسطين، تبدأ بها كلماته وتنتهي إليها".
لقد تعمدنا هنا سرد كل هذا المديح في شخص سعيد وما قدمه من فكر ونضال لأنه تعرَّض في السنوات الأخيرة لحملات ممنهجة لاغتياله فكرياً بحجة تبنيه موقف عدائي من جميع المستشرقين الغربيين تارة وبحجة ضعف منهجه تارة أخرى، وهي حملة بدأها الصهاينة ثم واصلها آخرون بنفس العدائية دون وعي حقيقي، نعم نحن مع النقد ولا أحد مقدس، غير أن ما نريده هو النقد البناء، حيث التعامل مع المفكرين والاشتباك مع فكرهم باعتبارهم بشر وبأن أطروحاتهم مرتبطة بمشروطية مكانية وزمانية متعينة ومن ثم حاجتها للنقد البناء والتطوير المستمر وليس الهدم التام.
وفي التحليل الأخير يمكن القول أن سعيد استطاع الإتيان بالقضية الفلسطينية من الهامش ليضعها في المركز، مركز الوعي العالمي، كما كان سعيد مفكراً كونياً لم يكتف بمجرد تفكيك النزعة الإمبريالية لدى الغرب والصهيونية العالمية بل كان ينشد الحرية والعدالة للعالم، من هنا قول المناضل الجنوب إفريقي (ديزموند توتو) عنه: " كان إدوارد سعيد مثقفاً مسكوناً بهاجس العدالة الكونية"، ومن هنا أيضاً يمكن أن نفهم إعجاب سعيد بالمناضل العالمي فرانز فانون الذي وهب حياته للدفاع عن المعذبين في الأرض. لقد كتب سعيد بروح الرفض والثورة والتمرد والمقاومة ليس لأجل الفلسطينيين وحدهم بل لكل المضطهدين في هذا العالم، كان يريد للبشرية أن تنتقل من ضيق القومية والتعصب إلى فضاء الإنسانية الفسيح. كما أحدث سعيد ثقباً في جدار الزيف الصهيوني الذي كان يحجب الحقيقة عن الوعي العالمي، ذلك الثقب الذي أثار غضب الصهاينة كثيراً، إذ لم يستطيعوا رتقه حتى الآن.
نعم تعرض سعيد لانتقادات واسعة، فهكذا الحال مع العظماء، إذ تبقى دليلاً على ثراء أطروحاته وتأثيرها الواسع، فالحجر الذي ألقاه في بحر الفكر ولَّد ملايين الحلقات الفكرية القابلة للاتساع والتي يصعب التنبؤ بوقت تلاشيها. إن أفضل تكريم لإدوارد سعيد هو بإبقاء الجدل حول القضية الفلسطينية قائماً، كما كان يتمنى، وصولاً لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى بتطوير أطروحاته الإنسانية لتكتسب حياة جديدة.
وأخيراً دعنا نستمع لما قاله عنه صديقه ناعوم تشومسكي في نبرة مسكونة بالحزن والحسرة، يقول: "رحيل إدوارد سعيد هو خسارة فادحة لكل الفلسطينيين، فقد كان الأكثر فصاحة ومعرفة وبصيرة، والناطق الأكثر عمقاً باسم الفلسطينيين، لقد حافظ على إبقاء القضية الفلسطينية حية لسنوات طويلة، كما أنه خسارة لعالم الفكر وخسارة للمعذبين في الأرض، فقد كرس نفسه للدفاع عن المبادئ الكونية الخالدة التي تتمركز حول الحرية والعدالة للجميع ".
أهم مراجع الدراسة: إدوارد سعيد: الاستشراق.إدوارد سعيد: تغطية الإسلام. مصطفى سليم: إدوارد سعيد الراوي الذي ورث أرض الحكاية.أنور حامد: إدوارد سعيد بين عالمين.حسين عمر: حياة لم تُختبر، وجوه إدوارد سعيد الكثيرة . الموسوعة العربية: إدوارد سعيد.دانيلو زولو: إدوارد سعيد والقضية الفلسطينية.
#محمد_عمارة_تقي_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أراكان وفلسطين... وجهان لجريمة واحدة
-
الحتمية الإنسانية : رؤية فلسفية لعالم على حافة الانهيار
-
نورمان فينكلشتاين وتفكيك المشروع الصهيوني
-
الصراع العربي الصهيوني والدراسات المستقبلية
-
المناضل ديزموند توتو والقضية الفلسطينية
-
مسلمو الروهينجيا وجحيم ما بعد الحداثة
-
المسيحية الصهيونية والمشروع الصهيوني
-
سلوك القطيع: كيف توظَّفه وسائل الإعلام؟
-
فلسطين وأراكان.. وجهان لجريمة واحدة
-
شلومو ساند وتقويض الكيان الصهيوني
-
الأيديولوجيا واغتيال روح الأديان
-
مسلمو أراكان وجحيم ما بعد الحداثة
-
الأحداث التاريخية:كيف ندفعها نحو الأفضل؟
-
نحو إعلام ديني أكثر تراحمية
-
المسيحي الصهيوني بات روبرتسون والدعم المُطْلَق لإسرائيل
-
مقدمة موسوعة الصراع العربي الصهيوني
-
الاستبداد ... إيدز الحضارة الإنسانية
-
إدوارد سعيد... المثقف المُنشقّ
-
القضية الفلسطينية...ترمومتر إنسانيتنا
-
في حب أطفال فلسطين: قصيدة قال الحجر للرصاصة
المزيد.....
-
الجيش الأوكراني يتهم روسيا بشن هجوم بصاروخ باليستي عابر للقا
...
-
شاهد.. رجل يربط مئات العناكب والحشرات حول جسده لتهريبها
-
استبعاد نجم منتخب فرنسا ستالوارت ألدرت من الاختبار أمام الأر
...
-
لبنان يريد -دولة عربية-.. لماذا تشكّل -آلية المراقبة- عقبة أ
...
-
ملك وملكة إسبانيا يعودان إلى تشيفا: من الغضب إلى الترحيب
-
قصف إسرائيلي في شمال غزة يسفر عن عشرات القتلى بينهم نساء وأط
...
-
رشوة بملايين الدولارات.. ماذا تكشف الاتهامات الأمريكية ضد مج
...
-
-حزب الله- يعلن استهداف تجمعات للجيش الإسرائيلي
-
قائد الجيش اللبناني: لا نزال منتشرين في الجنوب ولن نتركه
-
استخبارات كييف وأجهزتها العسكرية تتدرب على جمع -أدلة الهجوم
...
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|