ماجد الحيدر
شاعر وقاص ومترجم
(Majid Alhydar)
الحوار المتمدن-العدد: 7717 - 2023 / 8 / 28 - 04:52
المحور:
الادب والفن
حكايات من الفولكلور الكوري
تختبيش
ترجمة ماجد الحيدر
تقع أطلال قرية تَختَبيش، الشاخصة حتى اليوم، بين قريتي (داري) و (كورِك). لم يبق من القرية سوى بعض الخرائب والمزابل، وهي ترقد فوق جبل يجعل الطريق اليها وعرا عصيا، رغم أن بعض الرعاة يسوقون أغنامهم للرعي فيها.
تختبيش مكان مهجور قبيح لكنه بالنسبة لأهله غاية في البهاء وعلو الشأن. في أحد الأيام سافر واحد من أهلها وحط في اسطنبول. كان فقيرا عاريا كادحا وظل يعمل ويكافح لسنوات وسنوات من أجل لقمة العيش حتى تقرح ظهره من حمل أمتعة الأغنياء دون أن يحظى بشيء من الراحة والهناء. مضت أعوام طوال وهو على هذا الحال من الحيرة والشقاء حتى التقى ذات يوم بفتاة جميلة ممشوقة القوام أحبته وأحبها وارتضت به زوجا رغم فقره وضعف حاله وعاشا معا في حب وسعادة ووداد. كانت الفتاة على حظ من الثراء فشاركته ثروتها واغتنى وتحسنت حاله فتنعمت يداه المتكلستان الخشنتان وأبدل تلك النعال الممزقة في قدميه بأحذية نفيسة ونسي تلك الأسمال الممزقة وصار يرتدي فاخر الثياب وتحول ذلك الجوع والشقاء الى تجارة ويسار.
لكن ذلك كله لم يكن ليمنعه من تذكر موطنه والتشوق له، بل انه كان يزداد حبا له وتعلقا به رغم علمه بما آل اليه من خراب. وفي أحد الأيام وبينما هو يتمشى في حدائق القصر الخلفية يمم وجهه صوب كوردستان وتذكر تختبيش فلم يستطع مغالبة دموعه وأجهش بالبكاء. تعجبت زوجته عندما رأته وقالت له:
- ماذا أصابك يا فتى حتى تبكي بهذه المرارة؟ خيرا إن شاء الله. هل رأيت مني ما يؤذيك؟ أم راودك شك ما؟ قل لي الحقيقة. ما خطبك؟
- لا والله. أنا سعيد معك ولا أبدلك بعينيّ الاثنتين. لكنني تذكرت وطني الجميل الحبيب فاستشاط قلبي من الحنين اليه.
- يا حبيبي. إن كان وطنك على هذا القدر من الطيب والجمال فدعنا نرحل اليه معا!
ولم تكد تشرق شمس النهار التالي حتى شرعا ببيع أملاكهما وعقاراتهما وكل غال ونفيس ليغادرا العاصمة الكبيرة وينطلقا بعد أيام قلائل نحو تختبيش. وما أن وصلا اليها حتى تخلص الرجل من ثيابه الفاخرة وألقى نفسه على الأرض وراح يتمرغ فوق العشب وهو يردد "آه يا تختبيش!" تفاجأت المرأة وهتفت به:
- يخرب بيتك يا رجل! أهذا موطنك تختبيش الذي صدعت رأسنا به؟!
- نعم والله يا امرأة. هي تختبيش، موطن آبائي وأجدادي وتراب أسلافي الذي ولدت فوقه. إنها تختبيش!
سكتت المرأة على مضض وهي تسّر في نفسها أمرا، وعندما حل المساء استلت سكينا حامية ووضعتها في رقبته وفصلت رأسه عن جسده ودفنته في خرائب تختبيش ثم جمعت كل حاجياتها ومضت في الصباح عائدة الى مدينتها.
ومنذ ذلك اليوم يتناقل الكورد هذه الحكاية ويرددون في حسرة: آه يا تختبيش!
#ماجد_الحيدر (هاشتاغ)
Majid_Alhydar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟