أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرضا المادح - الخبـزُ وعبـدُالله *














المزيد.....


الخبـزُ وعبـدُالله *


عبد الرضا المادح
قاص وكاتب - ماجستير تكنلوجيا المكائن


الحوار المتمدن-العدد: 7711 - 2023 / 8 / 22 - 20:47
المحور: الادب والفن
    


في عصر أحد الأيام وكعادته بعد العمل، توجه إلى البيت سالكاً ذلك الطريق الأسفلتي المحشور بين أشجار النخيل الممتدة على جانبيه، حيث يترك خلفه انتهاء امتدادات البيوت من محلة التحسينية. خيوط الشمس المتكسرة على حافات سعف النخيل تتراقص على الأسفلت فينعكس وهَجها على جبهته، لتتدحرج قطرات تحمل بقايا تعب عمال البناء المنثورين في ذاكرة الأغاني التي يحفظها عن ظهر قلب، لتنساب مع الألحان الشجية لفرقة " الطريق البصرية " والتي كان هو أحد المبدعين فيها بصوته الجهوري المتوارث من ثوار الزنج.
للحظات يشعر بوحشة الطريق فيدندن مع نفسه:
ـ عمال واحنه تعــابه... حط ايديك بيديـّـه ...
ـ أويــلاه ... يايــابه ... يايــابه.... يايــابه...
ـ كل يومي بثلثميــه...
ـ كل يومي بثلثميــه...
ـ كل يومي بثلثميــه... **
فتترنح جذوع النخيل على نغمات صوته العذب بحركات تشبه رقصة الهيوة التي يعشقها.
ـ السلام ورحمة الله...هله خويَـه (أخي). لايكلّ من ترديد السلام أو المبادرة بذلك للقادمين من كوت الحُجاج، فهو يعرفهم جميعاً بلا استثناء، تلك المحلة ـ القرية، المنعزلة المطوقة بالنخيل والمتميزة ببساطتها وطيبة أهلها اللامحدودة. (موسكو الصغرى) هكذا كان يحلو لشبابها أن يطلقوا عليها، رغم أن بيوتها أشبه ببيوت الطين وكلها من طابق واحد، جدرانها منغلقة على غرف قليلة يتوسطها حوش (باحة) في الوسط.
من النادر أن تمر في الشارع سيارة متجهة إلى كوت الحُجاج، حيث يخلو الأسفلت من اثار إطارات. ترسم التشققات خرائط هلامية على السطح الأملس بفعل التمدد اللانهائي، قطعت الشارع ضفدعة كانت تنطّ مسرعة، لترتمي على التربة بين الحشائش المتطفلة على جذور النخيل البارزة في أسفل سيقانها الواقفة كأعمدة الكهرباء.
لاحت على يمين الشارع بين النخيل واستطالات ظلالها وعلى بعد أمتار، امرأة لفّت نصف جسدهها السفلي بعباءتها السوداء. إنحنت قليلا بقامتها النحيفة وهي تقوم بحركات متناسقة لتنشر عجين الخبز بين كفيها ثم تدوّره في الهواء بحركة بهلوانية فيهبط قرص العجين ليستقرّ على المْلِـزگة، المصنوعة من القماش المحشو بليف النخيل على شكل دائري. كان الدخان الأبيض الخفيف يمتزج مع اللهب الصاعد من التنور. إمتلأ البستان برائحة الخبز الشهية، المشوي على السعف المتيبس. إلتفت إلى مصدر الرائحة التي إستفزت عصارة معدته الخاوية فأنفجر صوته ليملأ المكان:
ـ أيـــّــــها الخُبز حين اهتديت إلى النــــار ..
ـ يحملك الفقرااااء...
ـ راااااعشاً...
ـ بين ايديــهم الراعشـــات... ***
لم تتركه تلك المرأة أن يكمل أغنيته حيث غزا الصوت فؤادها لتنادي كأم حنون:
ـ تعـال يُمّـه...تفضل.
وقدمت له ما اشتهت نفسه من ذلك التنور، المتجدد يومياً بطقطقة كرب النخيل وسعفه.
علت البسمة وجهه، مشوّبة بحمرة إمتزجت بسمار التمر المشوي بحرارة الشمس اللزجة.
ـ شكرا الله يطول عُمرچ (عُمرك).
إختفى الجسد في إنحناءة الشارع الأسفلتي. بينما تواصلت إرتعاشات الكفين لتخطف الأقراص من باطن التنور الطيني الأحمر.


ستوكهولم
13/03/2007

* عبدالله أحمد عبود السالمين ـ الشيوعي البطل الذي تحدى الجلادين بصموده، ليستشهد تحت التعذيب في أقبية الأمن الصدامية في بغداد بتاريخ 04/ 09/ 1980.
** إحدى أغاني اوبريت " المطرقة " 1970 ، للشاعر علي العضب وتلحين الفنان طالب غالي.
*** إحدى أغاني اوبريت "الطريق" والذي لم ينجز بسبب مضايقات النظام، للشاعر عبدالكريم كاصد، وتلحين الفنان طالب غالي.



#عبد_الرضا_المادح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في وداع عباس رَش
- حرق القرآن عمل مُدان !!
- صائد - البازنينو -
- الرسالة السادسة – صراحة شيوعي ، أزمة الحزب الشيوعي العراقي ! ...
- عَطشْ ...!
- وداع في الغربة !
- خليجي 25 ...
- قصة (( أو )) المُرعبة ...!
- استراحة مقاتل !
- الرسالة الخامسة – صراحة شيوعي المؤتمر الحادي عشر والتطبيق ال ...
- الذكرى الأولى لرحيل الأديب والمسرحي محمد المادح
- الحجــّــار
- الرسالة الرابعة – صراحة شيوعي / سيرة نائب السكرتير ودوره الت ...
- الشهيد دلبرين نزاهة وشجاعة
- حزن اهوار ... !
- لقاء صحفي مع (سويد 24)
- مناضل من الرعيل الثوري
- سطوع نجم مناضلة شيوعية ...!
- تكافل ...!
- گلب چلب ولا گلب خنزير !


المزيد.....




- -الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
- فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
- أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
- إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
- الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو ...
- -ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان ...
- تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال ...
- جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تكرِّم المؤسسات الإع ...
- نقل الموناليزا لمكان آخر.. متحف اللوفر في حالة حرجة
- الموسم السادس: قيامة عثمان الحلقة 178 باللغة العربية على ترد ...


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرضا المادح - الخبـزُ وعبـدُالله *