أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - تغريبة القافر














المزيد.....


تغريبة القافر


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 7708 - 2023 / 8 / 19 - 12:37
المحور: الادب والفن
    


من زمن نفضت يدي من قراءة الروايات العربية وعدت إلى الأدب العالمي الكلاسيكي، لكني التفتت مؤخرا إلى رواية " تغريبة القافر" الرواية الخامسة في إبداع الروائي والشاعر العماني زهران القاسمي. وأخذتني الرواية تماما بتلك تماما بالسلاسة واليسر والعمق والتأمل الفلسفي بلغة الشعر التي لا تجور على أصول السرد الأدبي. يعرض لنا الكاتب حكاية " سالم بن عبد الله" التي بدأت بانتزاعه من رحم مريم أمه، بعد غرقها وموتها في بئر. ينمو سالم ويلازمه طوال الوقت انصات ثابت مرهف إلى صوت الماء وخريره أينما تخفى الماء وراء الصخور أو في باطن الأرض، فيصبح دليلا يفتح أمام سكان القرية مغاليق المياه، ويكتسب لقب " القافـر"، أي من يقتفي أثر قنوات المياه السرية ويكشف منابعها. ومن السطور الأولى ، بمشهد مولد الطفل من رحم الموت، يسوقنا الكاتب للتأمل في أن الموت والحياة وجهان لحقيقة واحدة، تخرج الحياة من بطن الموت كما تخرج المياه من باطن الأرض. يقف القافر بين الرجال وبالحدس، أو المعجزة، يشير بإصبعه إلى موضع المياه الخفي وراء الصخور متمتما : " ماي .. هنا". هل هي المعجزة ؟ أم الأسطورة ؟ أم على العكس من كل ذلك إشارة إلى قدرة الانسان الواقعية على تحقيق المستحيل وتغيير الواقع بإشارة من يده؟. على امتداد الرواية يفتش القافر عن مكامن المياه في الأراضي الجدباء، ويستدعونه في القرى الأخرى، لكن معنى البحث عن المياه يتسع في الرواية بحكايات أخرى فيصبح بحث الانسان عن الوطن والكرامة والنماء بل والحب أيضا. لهذا يمسي صوت خرير المياه الخفية هو صوت دقات قلب " نصرا " محبوبة القافر التي تغدو زوجته. إنه الصوت نفسه. وينظر الكاتب إلى زاوية أخرى تماما، حين يشير إلى أن القافر تصور أن كل الأصوات التي يسمعها من مخيلته وليس لها أساس في الواقع، وكأن ا لروائي يقول لنا إن بحث القافر جزء من صميم أحلام البشر الباطنية، وأن هذه الأحلام والرؤي هي التي تقود كل انسان إلى تحقيق الوجود، بل هي مغزى وجوده.
يستدعي القاسمي أساطير الجن والعوالم السفلى والحكايات الخرافية، فحينما اختفى القافر زمنا تردد في القرية أن أهل الارض السفلية اخذوه وقيدوه في بلادهم، ويستعين الكاتب حتى بأسطورة بنيلوبي المعروفة، المرأة انتظرت رجوع زوجها أوديسيوس من حرب طروادة، ومع طول غيابه والحاح النبلاء عليها للزواج، فإنها تتذرع بأنها تحوك كفنا لوالد زوجها، وما إن تنتهي منه حتى تختار زوجا، ولكي لا ينتهي النسيج، ظلت كل ليلة تفك جزءا مما حاكته في النهار لتبقى في انتظار زوجها. وهو ما فعلته " نصرا" زوجة سالم القافر حين غاب عنها وألحوا عليها في الزواج، فتعللت بنفس الحجة.
يراوح الكاتب في روايته الجميلة بين ما هو تاريخي، وما هو أسطوري، وما هو واقعي ملموس في حياة القرى، ويحيل كل ذلك إلى أحداث وصور ظاهرة، وفي هذا السياق تلوح أضواء من ألف ليلة وليلة التي تتناسل فيها الحكايات، مثل حكاية ابن خلفون الذي خاصم أخاه بسبب خاتم فضي كان ملكا لوالدهما، وحكاية النبي سليمان الذي مر على عمان فوق بساط سحري ولما رآها جدباء أمر جنوده من الجن بحفر الافلاج والقنوات لتروي الأرض. في النهاية نجح القاسمي فنيا في تحويل الأسطورة إلى واقع، وتحويل الواقع إلى أسطورة، بحيث لا ترى الحدود بينهما، وقدم كل ذلك بشعور دقيق بفن الإيجاز، وتقطير الشعر، والفكر، والتأمل العميق. مبارك للأدب العربي العمل الجميل.
د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب صحفي مصري



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما الذي أغضب ابنة نجيب محفوظ مني ؟
- نافذة - قصة قصيرة
- مجمع اللغة العربية .. معجم جديد
- زيــارة إلــى بــلــزاك
- تـعــب فــي الــركــبـــة . قصة قصيرة
- الــســودان .. يــا أخـــت بــلادي
- مرحبا بالكسل الجميل
- حـكـايـات مـراسـل إذاعـــة
- محمد عبد الوهأب .. ميلاد الأغنية العربية
- في ذكرى والدي
- أول العشق - قصة قصيرة
- سيد حجأب .. عيون إيفلين
- حادثة 4 فبراير .. البكأء على المأضي
- لماذا ينتحر الأدباء ؟
- قــصـة انـقـضـى عـلــيــهــا مــئــة عـــام
- ولــمــاذا نــكــتـــب إذن ؟
- مــغــالــطــات الــتــرجــمــة إلــى الــعــامــيــة
- تزييف الثقافة
- - ربـــمـــا - - قـصـة قــصـيــرة
- رجــال وســـجــايـــر


المزيد.....




- السعودية.. رحيل -قبطان الطرب الخليجي- وسط حزن في الوسط الفني ...
- مصر.. كشف تطورات الحالة الصحية للفنان ضياء الميرغني بعد خضوع ...
- -طفولة بلا مطر-: المولود الأدبي الأول للأكاديمي المغربي إدري ...
- القبض على مغني الراب التونسي سمارا بتهمة ترويج المخدرات
- فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف ...
- خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
- *محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا ...
- -كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد ...
- أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون ...
- بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - تغريبة القافر