محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث
(Mohammad Abdul-karem Yousef)
الحوار المتمدن-العدد: 7698 - 2023 / 8 / 9 - 12:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عن الوطن والمواطنة
هناك من يخلط دائما بين الدولة والوطن. وهذا الخلط فيه من ما فيه من الشوائب والتضليل. الدولة رجالات زائلة تمتد على حقبة من الزمن ثم تتغير مع تغير الأزمان والمصالح المحلية والاقليمية والدولية أما الوطن فباق ما بقي الزمان . الوطن شعب وتراث وثقافة وحضارة . وقد يمتد خارج حدود الجغرافية السياسية التي نسجن حالنا بها . فمعظم الناس في مشارق الأرض ومغاربها سجناء الجغرافية. والدولة هي السلطة الممتدة على حدود الوطن الجغرافية ومياهها الاقليمية وسفاراتها في الخارج .
وعندما نتحدث عن الوطن ، يمتد حديثنا إلى مواطنيه الذين يسطعون مثل الشمس في كل مكان من هذا العالم . صحيح أن المساحة الجغرافية صغيرة لكن التأثير الحضاري للوطن الصغير الجغرافية كبير وله تأثير عظيم في مجالات مختلفة في الطب والفلسفة والرياضيات والهندسة والأدب والفنون. هناك دول مساحتها وارفة الظلال تمتد على مساحات شاسعة لم تقدم شيئا للحضارة الإنسانية وهناك دول صغيرة الحجم تكاد لا تظهر على الخارطة لكنها تمتلك سجلا حضارية حافلا له حضوره العالمي أنى يممت وجهك تصطدم به.
وفي ذات السياق ، هناك من يخلط بين الهوية والمواطنة . الهوية إرث وطني تتوارث الأجيال جيلا بعد جيل وهي ما يمتلكه المواطن على أرض الوطن . الهوية انتماء للوطن في السراء والضراء بينما المواطنة هي ما تحمله من أوراق وتذاكر عندما تركب الطائرة وتسافر بعيدا عن الوطن تضرب أخماسا بأسداس وتنشد حظا أو مجدا في بلاد الله الواسعة. المواطنة لا يمكن أن ترقى يوما إلى شرف الهوية.
وعندما يتحلى الموطن بالوفاء لهويته والولاء لكينونته واحترام لتراثه وحضارته نحصل على الإرث الوطني الكبير والصادق والراسخ تتناقله الأجيال وتفخر به. الهوية انتماء نتربى عليه منذ الصغر ونفتخر به أنى رحلنا وخلاف ذلك ما هو إلا قشور ذائلة ومتغيرات ليس لها أدنى قيمة .
طاعة القوانين والدستور والنظام شيء والولاء لها شيء آخر. الولاء هو ما يمنح الوطن هوية حضارية . مزدوجو الجنسية يطيعون قوانين الوطن ولكنهم لا يمتلكون الولاء للوطن ومتى شعروا بالضيم يلوذون بالفرار إلى الوطن الآخر. وبالتالي لا يأتي الولاء بقرار لأنه يولد معنا ونتربى عليه ويصبح جزءا لا يتجزأ من حياتنا.
الولاء ابن الهوية الحضارية للوطن مفتاحه المحبة والتضحية والفداء. والولاء هو اعتراف صادق بأنك لا تستطيع عندما لا تستطيع وتترك مجالا لمن يستطيع. الولاء انتماء ومحبة ومحجة وهي المفتاح الذي يحل أزمات الوطن المتراكمة . وهو قيمه لا تمحى حتى لو انفصل المواطن عن الدولة بالهجرة الطوعية أو القسرية لكنه يتعلق بالوطن روحيا ، حبل سرة لا تنفصم عراه عن الوطن. ومن يغضب من الدولة عليه ألا يغضب من الوطن.
الدولة متغيرة بين الحين والآخر، رجالها عابرون ينساهم الناس بعد هنيهة من الزمن أما الوطن فباق ما بقي الزمان ثابت لا يتغير.
وعلينا دائما أن نميز بين المفهومين وننقلها للأجيال القادمة.
#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)
Mohammad_Abdul-karem_Yousef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟