أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد العرجوني - مغامرات اللغة أو الماوراء الشعري (2)















المزيد.....

مغامرات اللغة أو الماوراء الشعري (2)


محمد العرجوني
كاتب

(Mohammed El Arjouni)


الحوار المتمدن-العدد: 7695 - 2023 / 8 / 6 - 10:12
المحور: الادب والفن
    


الحلقة الثانية
***********
الثالثة ظهرا
البيت صامت
الجارة منهكة
تثبّت حديدا على الأرض
لعله وتد لعنزاتها الجائعات.
أنا مستيقظة منذ الأمس
أطارد صوتك
وأكابد حشرجة الشمس والريح.
الغرفة ضاقت رغم اتساعاتها
صارت لها جدران أخرى
وباب خلفي
ونوافذ تحت السرير
تصدر أزيزا.
خلف المجرة
جرة
كسرتها لأشرب إكسيرا
فاغرورقت عين الحوت.
(نص نشر فقط على صفحة الفيس بوك)
نص بتقنية كتابة السيناريو. يحيلنا إذن على:
الزمن : يتعلق الأمر بالظهيرة.
ثم بالأجواء: الصمت.
ثم على المكان: في جزيرة جربة. البحر ربما اعتنق الصمت أيضا ولم يعد هدير الموج يزعجه...
الفضاء: البيت. منه تنطلق الشاعرة بحواسها وبأبعادها الخمسة.
الأحداث : الجارة تدق (تكسير الصمت بضربات متتابعة) المسمار "الموثق". في هذا السياق لابد من استحضار العنزات...
الحالة النفسية للشاعرة : أرق. مطاردة صوت معرف ب "ك"، ضمير متصل يعود على كل ما له قيمة. في أولها "الشعر" الذي تطارده. في سياق كهذا حيث الصمت تم تكسيره بحشرجات الشمس والريح، نتوقف في ذهول أمام حشرجة الشمس. كيف اخترقت اللغة منطقها بنفسها. الشمس تأنسنت ومن كثرة لهيبها ربما أحست بعطش بدورها فنشف ريقها، فأصدرت حشرجة لتبليل حلقها. فما بالك بالإنسان الذي يكابد ... و حشرجة ريح محرِقة. والريح تعبير عن أذى، وليست الرياح التي تأتي بالخير النافع...
وصف للمكان الذي يبدو وكأنه عرف تحولا تحت هذا الصمت والحشرجات، فضاق. وكأن جدران أخرى قامت بذلك. وحتى من النوافذ هربت تحت السرير. هكذا تكون خصوبة الخيال رغم هذا السياق الذي يغلب عليه الصمت والأرق.
فتمر مباشرة بطريقة فنية إلى فكرة العطش. عطش وراء المجرة. الخيال رمى بالشاعرة التي تهذي من العطش وراء مجرة التبانة. فتولد الجرة من كلمة المجرة، بتجانس سلس ولطيف. هكذا تسعف اللغة الصديقة، شاعرتها. وتقدم لها الجرة. فتكسرها من كثرة العطش. حركة جنون واشتهاء قوي. فيصبح الماء المنتظر اكسيرا. اللغة الصديقة تمرر الحروف للشاعرة فمن "تكسرها" يولد "الاكسير" فتغيب فكرة الكسر لنجد أنفسنا أمام الحياة التي تتغلب على الموت، لأننا نقول "اكسير الحياة". وبما أن فكرة الماء حاضرة، يحضر البحر بفضل كناية الحوت. وتحضر الدمعة بعين الحوت. لكنها دمعة فرح بما أنها بقيت في حالة الإغريراق التي غالبا ما تصاحب حالة الفرح...
هكذا من خلال، تقريبا ست لوحات، انطلاقا من البيت، وقت الظهيرة إلى البحر حيث الحوت المدمع مرورا بالجارة التي تدق الموثق إلى المجرة، تدخلنا الشاعرة عالمها الذي تبنيه بخيال مدهش بكل أريحية بلغة صديقة تسعفها فتمدها بالمادة الخام /مادة الخيال... وكأنها عامل يساعدها وهي البناءة المتعلمة...
إلى جانب المياه الساكتة،
والحيتان الصغيرة  الجائعة.
أرى جسدي مختلطا بنفايات البواخر والطحالب
والحبار الذي يطفو ،
ومختلطا بالتربة المرغمة على الملح،
أراه مرميّا  على شباك سميكة لا صيد فيها.
تحاول السماء التقاطه ،فتسقط عليه وعلى الماء.
أيتها الصّورة التي تشعر بالحزن،
لماذا انعكست على ماء يشبهني.

(جزء من قصيدة الماء ص.186 من ديوان ليس للأرض باب وسأفتحه الصادر عن دار زينب للنشر 2019)
نحن أمام مسودة لوحة، باللغة الفنية. هكذا يشتغل الفنان بقلم الرصاص وهو أمام مشهد أثار إحساسه. إلا أن الأمر يتعلق هنا بشاعرة أو بالأحرى بوسيطة روحانية ترفع روح المتلقي إلى ماوراء الشعر.
فلنقم أولا، حسب منطق اللغة، بتشكيل اللوحة :
الشاعرة، وهي تعترف بذلك بكل جرأة وهو ما نلمسه في استعمالها لضمير المتكلم، تقف عند "القارب" وليس أي قارب. لأنه معرف. وهكذا تقحمنا رغما عنا بعالمها فتجعل منا شهودا وكأنها تعرف مسبقا بأننا سوف نرافقها عبر خيالها، حسب إدراكنا. هذا التعريف إذن هو بمثابة باب أو كوة فُتحت أمامنا. فنرى بعينيها "المياه الساكتة والحيتان الصغيرة الجائعة". أصبحنا في عالمها. ما علينا إلا تقبل لغتها ولعبتها. ها هي تجعل من المياه كائنات "صامتة" في هذه اللحظة وكأنها من عادتها أن تتكلم أو تثرثر، أو ربما تحدثها. وربما سبب ذلك هو جوع الحيتان الصغيرة. فأين أمهاتها؟ تفرض علينا التساؤل. هذا ما نراه وما يفرض علينا تفاعلا في مستواه، على المستوى الأول للوحة.
ثم بعد ذلك تقحمنا وكأنها وسيطة روحانية في المشهد الثاني، على المستوى الثاني، فتخبرنا كما تفعل الوسيطة أمام كرة بلورية بأنها ترى جسدها يطفو بين النفايات المتنوعة. فنحن ننصت إليها بكل ثقة، فتنعش خيالنا ليلحق بخيالها. لكن كلما تحدثت بلغة، دأب عليها المنطق إلا وننتظر منها مفاجأة في لحظة ما لتكسر هذا الحاجز المنطقي، وها هي المفاجأة التي تفرض علينا بعض التوقف:
"مختلطا بالتربة المرغمة على الملح". الجسد مختلط بالتربة. لكن هذه التربة مرغمة على الملح. كيف أحست الشاعرة بأن المتلقي ربما في حاجة إلى "ملح" في اللغة كي تحقق لذتها؟ كيف  نتعامل مع هذه التركيبة التي جعلت من اللغة بهارا لذيذا؟ فهل نتساءل: من أرغم التربة على الملح؟ أم نتقبل ذلك لثقتنا في الشاعرة التي أقحمتنا في لوحتها. أو جعلتنا نتأمل كما تريد هي ذلك؟ فما دور التربة وسط هذه النفايات؟ وما دور الملح؟ ما يعرف المنطق أن التربة رمز للنبت. لكن مع الملح تصبح الأرض عاقرا. من هنا نستطيع أن نفهم لماذا الحديث عن الإرغام. وفي نفس الوقت للملح مزية الحفاظ على الشيء المملح. إذن هناك رغبة في الحفاظ على هذا الجسد. ونحن نتوصل إلى هذه النتيجة، لكن سرعان ما تنهار حينما تخبرنا الشاعرة بأنها تراه وسط "شباك سميكة لا صيد فيها". مفاجأة مربكة. كيف للجسد أن يتواجد داخل شباك وليس بشبكة بما انه يشكل كتلة واحدة حسب منطقنا ؟ لا يمكنه إلا أن يكون مجزَّءا لتجمعه الشباك السميكة. أو ربما له قدرة هائلة للتواجد ككتلة بكل شبكة وفي نفس الوقت. فنصبح أمام تجزيء للزمان والمكان. وهل لا يزال مختلطا بالتربة رغم كل هذا ؟ أليست هذه عملية غسيل لإزالتها فيرجع بنا الماء إلى رمزية النقاء وربما التعميد؟
ثم تمر بنا إلى حدث لا يمكن للمنطق تصوره. السماء تتدخل لالتقاط هذا الجسد إلا أن السماء كلها تسقط مع أول محاولة لها على هذا الماء حيث يطفو الجسد بين النفايات.. هذا السقوط الذي يجعلنا نقف أمام انهيار الكون إن صح التعبير بسبب هذا الجسد، جسد الشاعرة...
وبدون مقدمات تفاجئنا الشاعرة بهذا التذكير الذي يبدو وكأنه يريد الرجوع بنا إلى الواقع حيث تقول : "أيتها الصورة."  لكن سرعان ما تعود بنا إلى عالمها فتخبرنا "بشعور الصورة بالحزن".  تذكرنا بأن كل ما جاء في القصيدة ما هي إلا "صورة" أو كما سبق القول، مسودة للوحة فنان في انتظار أن يشتغل عليها. بل وتضيف بأن ما نعيشه معها، ما هو إلا انعكاس على صفحة الماء الذي يشبه الشاعرة. وهكذا نصبح أمام لوحة تتشكل من :
خيال الشاعرة الذي يقوم بمسودة لوحة، ثم نكتشف أن هذا الخيال ما هو إلا انعكاس على ماء، هذا الماء الذي يشبه الشاعرة. الشاعرة إذن أصبحت ماء يعكس لنا ما تتخيله عن طريق جسدها الذي يطفو بين نفايات البواخر والطحالب الخ...
من هنا تنطلق عملية التأويل بالنسبة لآكلي المعاني les sensivores، أما أنا أتوقف عند هذا الحد واستمتع باللوحة في سر كياني، وأكتفي بما جاء في هامش النص :
"كأن هذا النص ذاكرة مشوشة"، مجهول الزمان والمكان، لأنه ساري المفعول في أي زمان وأي مكان.
(يتبع)



#محمد_العرجوني (هاشتاغ)       Mohammed_El_Arjouni#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مغامرات اللغة أو الماوراء الشعري : قراءة في بعض قصائد الشاعر ...
- نحو إزالة مصطلحي -الوطن- و -المواطن-؟
- علاقة الطبيعة بمفهومي التنوير والظلامية
- -إيقاف- الديالكتيك عند انتصارات مزعومة
- بين الرأسمالية والاشتراكية


المزيد.....




- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...
- تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر ...
- المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-
- عن تنابز السّاحات واستنزاف الذّات.. معاركنا التي يحبها العدو ...


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد العرجوني - مغامرات اللغة أو الماوراء الشعري (2)