أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد فاضل - الحكمة















المزيد.....


الحكمة


حامد فاضل

الحوار المتمدن-العدد: 1727 - 2006 / 11 / 7 - 09:04
المحور: الادب والفن
    


الذي حدث لعبد الله السائر 0 حدث في ذلك العام الذي ظهرت فيه لأول مرة النجمة السائرة في سماء البلدة 0 فأعتبرها الأهالي علامة من علامات الساعة 0 وحسب تقويم اكبر الجدات المعمرات فأن الحادثة وقعت في ليل قائظ من ذلك الصيف الذي هاجم البلدة بلسانين من لهيب جهنم هما تموز الذي نشف الماء في الكوز , وأب الذي أحرق المسمار في الباب 00 وقد قاومهما أهالي البلدة بسلاحين من أسلحة الطبيعة هما النهر والأشجار 00 تقول اكبر الجدات وهي تهمز خيل ذاكرتها في بر تلك الأيام _ وقد عرفت أني صحفي مولع بالغريب والطريف من الأحداث - :(( لو انك قدمت البلدة في ظهيرة ذلك الصيف التي لا يطير فيها الطير 0 لرأيت زمر اللائذين بالأشجار يقيلون في ظلال باسقات النخيل وعظيمات اليو كالبتوس 0 ثم رأيت جموع الهاربين من الهاجرة صغارا" وكبارا" , إناثا" وذكورا" وهم يسبحون في النهر مع قطعان الجواميس الغاطسة التي لا يظهر منها غير النصف الأعلى من رؤوسها المناخير والقرون والأذان والعيون 0 وذلك ما تفعله الخيل والحمير أيضا" 0 بينما تكتفي الكلاب اللاهثة بتمريغ أجسادها في البرك الآسنة 000 سحبت الجدة الغارقة في ذكرياتها إلى الليل 00 كنت أريد أن اعرف ما الذي حدث لحفيدها في ذلك الليل 000 بلعت ريقها ولحست شفتيها اليابستين ثم تلمظت قبل أن تتدفق الكلمات من فمها الأدرد : (( الليل رحمة 00 في الليل نحمل عشاءنا إلى السطوح ثم نجلس فوق الفرش المفروشة على بواري القصب 00 نضع جرار الماء وصواني الرقي قريبا" منا فيرسل الله القمر ليضيء ليلنا والنسيم ليبرد ماءنا 00 نأكل اشياف الرقي ونعب الماء ونقص القصص حتى ندوخ فتثقل الرؤوس وتتساقط فوق مخدات الريش فيشخر الذي يشخر, ويسهر الذي يسهر 00 إلا حفيدي عبد الله السائر ذلك رجل له عين ذئب 00 قالت لي القابلة : (( أنها عرفت انه ممسوس لحظه تلقته من بطن أمه كان مفتوح العينين 0 )) سألت الجدة التي أدركت أحفادها وأحفاد أحفادها عن صحة حكايته مع السيف تثأبت وهي تشير بيدها النحيلة أن اذهب أليه فهو أحق برواية حكايته 00 ابحث بحذر شديد عن لحظة مزاج رائق لأستغلها 0 وإلا كيف يمكنني الاقتراب من رجل ممسوس يتسلح بسيف صارم يشهره في وجه من يقترب منه صارخا" : (( خطوة واحدة ولن تجد رأسا" بين كتفيك 0)) 00 رأيت الرجل وسيفه منطرحين على رمال الشاطيء 0 فرحت أسير حاملا" نعلي بيدي تاركا" قدمي تبتردان في المياه كان النهر موشوما" بالقمر والنجوم 0 رفعت يميني وألقيت عليه السلام بصوت هادي مليء بالود والألفة 000 شجعني الرجل وهو يرد على تحيتي بأحسن منها تقدمت منه اتجهت إلى الجهة الخالية من السيف وانطرحت قريبا" منه 0 واكتفيت بإرسال إشارات بريئة من عينين مسالمتين إلى عينين حذرتين وجلتين 00 طال الصمت فيما بيننا 00 قلبي هو الوحيد الذي يتكلم يحثني على المبادرة لتمزيق صمت السماء وصمت النهر وصمت الرمال وصمت الرجل 00 خرت نجمة من مكانها واستمرت تحلق يتبعها ذيل من اللهب قبل أن تختفي في مكان آخر 00 قلت على الفور : (( الشياطين يسترقون السمع )) تلمس الرجل سيفه فتوجست منه 0 فكرت بالقيام والابتعاد ونسيان تقريري الصحفي حين قال )) ذيل النجمة نذير شؤم )) أمسكت برأس الخيط قلت : (( ليس كل نجمة تخر هي نجمة تمشي )) قال : (( لا النجمة السائرة أنا الذي أبصرتها أول مرة فأصابتني باللعنة )) قلت ( كيف ) فأعتدل لسرد حكايته قال : (( سمعت من جدتي حكاية ذلك الرجل الأبلق الغريب الذي قدم بلدتنا بعد رحيل العثمانيين .. نثر المال ، فأشترى الرجال ، وحمل خرائطه ومضى نحو تلال بلدة الأسلاف حيث أقام معسكره 00 نصب خيمته واعد كؤوسه 00 وزع المعاول والرفوش وأمر الرجال بالحفر 00 اعترضت أرواح الأسلاف وغضب الكهنة من المتطفل على قداسة المعابد وتصدعت رؤوس الملوك تحت ضربات المعاول وظلت الآلهة على صمتها متعللة بانتظار اللحظة الحاسمة 00 اشهر مضت من الهدم والحفر والتنقيب 0 ليصرخ الأبلق وهو يحدق في فوهة البئر التي كشفت نقابها الترابي معاول الرجال ثم صرخ : (( السفينة .. السفينة )) ألقى خوذته كاشفا" صلعته للشمس وراح يرقص نشوانا" .. ركض إلى خيمته احضر زجاجة شمبانيا كسرها على حجارة البئر وصرخ : (( أتوني بألأكباش )) .. ربط الرجال الكبش الأول وضعوه في الدلو وانزلوه في البئر . فانبثقت منه نافورة نار ونفثة دخان .. انتظر الرجال قليلا" ثم سحبوا الدلو .. كان الكبش قد تحول إلى كومة رماد .. انزلوا الكبش الثاني والثالث والرابع وهكذا حتى الكبش الأربعين الذي سحبوه سليما" معافى.. عندها جلس الأبلق في الدلو وأمر الرجال بإنزاله فأبتلعه البئر ولم يعد إلى اليوم.. طوى الرجال خيمته وكسروا كؤوسه وهدموا معسكره وانسحبوا محوقلين ...فأنتشرت في البلدة حكاية عن سفينة من التبر تحرسها آفة ما تزال حية منذ زمن الأسلاف .. تحسس سيفه مرة أخرى فسمعت ضربات قلبي .. قدمت له سيجاره عب منها نفسا" طويلا".. التفت إلي وهو ينفث الدخان من منخريه : (( كنت يا سيدي وما أزال مصابا" بالأرق إذا جن الليل واستسلم الناس لسطان النوم بقيت سهرانا" هائما" على وجهي خارج أسوار البلدة سائرا" حتى يتنفس الصباح وكثيرا" ما تقربت من تلال بلدة الأسلاف ومن مغاراتها المليئة بالجن والذئاب والأفاعي .. وذات ليل قائظ لا يختلف عن أي ليل . كنت أتمتع بمرافقة النجمة السائرة حين انتبهت إلى أنني أقف عند فوهة البئر وكانت السفينة أمامي تلمع تحت ضوء القمر.. شعرت بأني لم أكن وحيدا" .. ثمة من يسير معي دون أن أراه.. سمعت صوتا" يأمرني: (( اركب )) جف حلقي وانتصب شعر رأسي وثقل جسمي وماتت ركبتاي.. دفعتني يد غير مرئية . فسقطت في جوف السفينة التي نزلت بي إلى قاع البئر حيث ينتظرني رهط من الجنود المسلحين بحراب طويلة فتاكة ليقتادوني في عدة دهاليز مظلمة لأصل إلى احد المعابد الكبيرة المضاءة بشموع ضخمة استقبلني جمع من الكهنة.. تركني الجنود ومظوا" وبقيت أحدق مدهوشا" مرعوبا" بالكهنة الصامتين . حتى إذا دخل علينا رجل عظيم الخلقة صرخ الكهنة بصوت واحد وهم يقعون ساجدين : (( اسجد لكاهن الحكمة الأعظم )) فتهالكت من الخوف لا من الخشوع .. جلس كاهن الحكمة على عرش عظيم وأشار ألي أن أتقدم.. زحفت نحوه على ركبتي وأنا بين الحياة والموت قال : (( اخيرا" وصلت ألينا أيها الحفيد السائر )) صفق لثلاث مرات فدخل ستة عبيد يحملون ثلاثة صناديق كل عبدين يحملان صندوقا" .. امرني الكاهن الأعظم أن ارفع غطاء الصندوق الأول .. رفعته فلمع في عيني سيف قاصل رهيب .. أشار إلى الصندوق الثاني .. رفعت غطاءه فأبصرت ألواحا" مكتوبه .. أشار إلى الصندوق الثالث فشهقت وأنا ارفع غطاءه وقد بهرت عيناي مما فيه من أصناف المسكوكات الذهبية .. قال الكاهن الحكيم : (( كما رأيت أيها الوريث .. السلاح في الصندوق الأول والحكمة في الصندوق الثاني والمال في الصندوق الثالث .. ولك أن تختار الصندوق الصحيح لنمنحك الصندوقين الأخرين .. فكر واختر )) قلت في نفسي : (( وما حاجتي إلى التفكير )) وهجمت على صندوق الذهب .. فأمر الكاهن الحكيم بإعادتي إلى السفينة التي نقلتني إلى فوهة البئر لأغادر راكضا" نحو أسوار البلدة .. كنت على وشك الوصول حين أحاط بي قطاع الطرق وهددوني بقطع ذراعي أن لم أتخل عن الصندوق .. عندها عرفت أنني أخطأت الاختيار فلو كنت اخترت السيف لحزت المال والحكمة .. قلت وأنا أغادره : (( أخطأت وما تزال تخطيء .. فلو كنت اخترت الحكمة لحزت المال والسلاح ))



#حامد_فاضل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة الصمت
- قصة....القرد
- قصة المفعاة
- الكبش
- العلبة


المزيد.....




- -الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
- فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
- أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
- إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
- الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو ...
- -ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان ...
- تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال ...
- جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تكرِّم المؤسسات الإع ...
- نقل الموناليزا لمكان آخر.. متحف اللوفر في حالة حرجة
- الموسم السادس: قيامة عثمان الحلقة 178 باللغة العربية على ترد ...


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد فاضل - الحكمة